فرنسا تكره نجاح الجزائريين! دعوة التوانسة للنزول للشارع يوم 13 المشؤوم… و«ترند» الطقس المغربي

فرنسا تكره نجاح الجزائريين! دعوة التوانسة للنزول للشارع يوم 13 المشؤوم… و«ترند» الطقس المغربي
غادة بوشحيط
ما التاريخ؟ كيف نكتبه؟ ما السبيل لمساءلته؟ أسئلة قلقة ومثيرة قد تتطلب مؤتمرات ونقاشات جادة وعلى مستويات عليا من التفكير والتمحيص للإجابة عنها، وكذا البقاء على مسافة كافية من مختلف الظواهر، شروط لن يأخذ بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على محمل الجد غالبا، في المغرب العربي على الأقل، إذ يبدو أنهم أكثر انهماكا في إذكاء وقوده (التاريخ)، ومحاكمته بأساليبهم وأدواتهم.
العلاقات بين الجزائر وفرنسا ليست في أفضل حالاتها. ومتى كانت كذلك؟ قد يتساءل مراقب. إنها تكتب فصلا جديدا على ما يبدو. لا شيء يشغل بال رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر خلال الأيام الأخيرة غير منع «المرجان» من دخول السوق الأوروبية عامة وفرنسا تحديدا.
و«المرجان» ليس حجرا كريما أو ما شابه، إنه علامة تحملها عدة منتجات غذائية جزائرية موجهة لصناعة الحلويات، تنتجها شركة «سوبون» الجزائرية، ولا دلائل ملموسة على سيطرتها على السوق الجزائرية، فقد عرف المنتج الغذائي المحول نقلة خلال السنوات الأخيرة، لعدة أسباب على رأسها استثمارات محلية كثيرة في هذا السوق من جهة، وغلق باب الاستيراد بسبب أزمات اقتصادية من جهة أخرى، و»المرجان» ليست سوى علامة من بين علامات محلية شبيهة.
من أشهر قريبة تصدر وسم «المرجان» التريند الفرنسي على منصة «تيك -توك»، والسبب اكتشاف بعض من «المؤثرين» الفرانكو- جزائريين لهذا المنتج، بالإضافة إلى منتجات جزائرية أخرى، ضمن توجه ساد بينهم مؤخرا لمغازلة الفضاءات الافتراضية الجزائرية وروادها، والتي يبدو تفاعلها مؤثرا بلغة المشاهدات وبالتالي العوائد، ليتحول الأمر إلى ظاهرة ويأخذ أبعادا مثيرة. الأمر الذي بدأ عفويا على الفضاءات الرقمية وسرعان ما تحول إلى قضية رأي عام في فرنسا، بعد أن نال اهتمام وسائل إعلام كبرى، وينتهي بخيبة!
لم يشغل بال رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر نجاح «المرجان» في فرنسا الذي تسبب في طوابير، وارتفاع أسعارها هناك، بقدر ما خيم عليهم مزيج من الحزن و»المرار الطافح» بعد قرار سلطات البلاد مدعومة بالاتحاد الأوروبي منع المنتج لعدم مطابقته لشروط الاستهلاك داخل الاتحاد، وهذا شرع باب التأويلات.
«اللوبي الصهيوني من يقف وراء القرار»، «لقد هددت عرش نوتيلا»، «علينا المعاملة بالمثل ومنع منتجاتهم»، «سنهربها»، «أمر منتظر»، «لا يحبون نجاحنا» والكثير الكثير من التفسيرات، التي جادت بها قرائح رواد الـ»سوشيال ميديا» في الجزائر، أعطت للأمر بعد المحاكمة التاريخية للعلاقة مع المستعمر القديم، علاقة لا تبدو وقد تحررت تماما (على الأقل على مستوى المخيال الجمعي)، رغم انتشار مفاهيم ريادة الأعمال وقواعد السوق، وتعاطي الشباب الجزائري معها.
الجمعة وتاريخ 13 الخرافي
ينتشر في المغرب العربي عموما – بتفاوت – معتقد خرافي يرتبط بتاريخ «الجمعة 13»، ويجد جذوره في تفاسير كثيرة. البعض يحيل إلى العشاء الأخير للسيد المسيح، الذي تقدر بعض المراجع أنه وقع يوم جمعة، جمع النبي بحوارييه الإثني عشر. مراجع أخرى تشير أن صاحب الرقم 13 المشؤوم ليس المسيح، بل هو الخائن يهوذا، أما التطير من الرقم فيبدو أنه يعود لعصور أقدم، فالثالث عشر يكسر كمال الرقم اثني عشر، عدد أشهر السنة وآلهة الأولمب والقائمة «الاثنتي عشرية» تطول.
لا يبدو أن «الشبكة التونسية للحقوق والحريات» (مزيج من عدة قوى سياسية ونقابية وحقوقية تونسية) قد «دققت» في هذا التاريخ وهي تحث التونسيين على العودة إلى الشارع سريعا خوفا على الديمقراطية (الهشة بالأساس) في البلاد ومكتسبات «ثورة الياسمين»، بعد سيطرة حالة شد وجذب «قوية» بين مختلف المؤسسات الرسمية في البلاد قبيل انطلاق الحملة الانتخابية المثيرة للجدل، التي يبدو أنها ستقف على مرشحين هما بينهما الرئيس المنتهية ولايته (المرشح الرسمي الثالث لا يزال سجينا). تلقي مشاهد تقدم الجماهير في شارع بورقيبة يوم الجمعة الماضية كان أقرب لروح خرافة «الجمعة 13»، فما زال قيس السعيد وحده، الذي أدان في بيان شديد اللهجة المسيرة التي لم يتجاوز وقودها بضع عشرات من المتظاهرين (للحكام العرب عموما آلات حاسبة خاصة)، البيان الذي لن يشقى محلله في استشفاف حالة التوجس المستولية على حاكم قرطاج فيه، ولكن حتى خارج تونس.
على الـ«سوشيال ميديا» التونسية تفاوت تفاعل التونسيين مع الحدث، على قدر حساسية واستقطاب المرحلة، وتفاوت الانتماءات السياسية، وكان اللافت عودة الصوت «النهضوي» بقوة (الذي يبدو في انتظار آخر على طريقة النبي يوسف)، عززه فوز إسلاميي الأردن بالانتخابات البرلمانية في المملكة، وخرافة «إعادة التاريخ لنفسه».
أما الأكثر ظرفا فكان تلقي الجماهير المصرية تحديدا لمسيرة «الجمعة 13»، إذ سرعان ما تحول قيس السعيد و «25 يناير» إلى الأكثر تداولا داخل البلاد. وسوم وتريندات تفاوت تفاعل المصريين معها. في الوقت الذي خرجت فيه أبواق رسمية لكشف «سوءات» موجات ارتدادية من الربيع العربي، وحساسية المرحلة، كما الظروف الجيو- استراتيجية التي تسبح الجمهورية العربية المصرية وسطها. سيطر توجه مصري آخر، شعبي على الفضاءات الرقمية المصرية، بدا مرتهنا للمناخ العام، ومتوجسا من الارتدادات الاقتصادية لأي حراك شعبي آخر في الشارع المصري، بعد أن استنزفته الأزمات الاقتصادية المتتالية. «لأ يا عم اطلع وحدك»، «من غيري» وغيرها من الجمل وحتى «الميمز» مستلهمة من أفلام ومسلسلات مصرية تداولها المصريون على نطاق واسع، سيطرت عليها مشاعر التوجس والحذر لا من سلطة السياسي والحاكم وحدها، بل أكثر خضوعا لإملاءات بؤس اليومي وشقائه.
وسم «15 سبتمبر» في المغرب
سيطر وسم «15 سبتمبر» على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الأخيرين في المغرب أولا ثم انتقل إلى باقي المنطقة المغاربية. بدأ كل شيء بفيديو لشاب مغربي يقدم تقريره عن أحوال الطقس شمال المملكة المغربية التي سيسيطر الضباب وهدوء البحر على أجوائها حسب ما رأى، في تشجيع واضح على الهجرة السرية واقتحام جماعي للحدود الإسبانية عبر شواطئ مدينة الفنيدق مرة أخرى.
سرعان ما انتشر الفيديو ومعه أخبار اليوم الموعود ليتحول إلى ترند، بل قضية رأي عام عابرة للحدود. شحذت الفكرة همم الكثير من الشباب في المنطقة المغاربية كافة، ورغم الاستعدادات الكثيفة المتوقعة فقد راجت «تجارات» كثيرة بالمناسبة. تجارة الأمل كانت الأقل كلفة مالية والأشد قسوة نفسيا، على شباب ظل يراقص أمل المعجزة في العبور نحو «جنان الشمال» وحلم الإفلات من شباك الرقابة وغول الماء ورصاص العسس. «ذكاء» شبكات التواصل وتجار الموت، جعلت «اشهارات» مستلزمات «الحرقة/ الحريك» (الهجرة غير الشرعية بلهجتي الجزائر والمغرب) تتصدر المشاهدات. «حقيبة تمنع تسرب الماء، كبيرة كفاية لتحمل فيها أشياءك، وهذا العازل لتضع فيه هاتفك، الباقي تعلمه.. يوم 15 سبتمبر، مع تمنياتنا بالتوفيق» يرددها شاب عشريني يتوجه لكاميرا هاتفه بابتسامة عريضة، لا أحد يعلم «إن كان باب النجار مخلعا» وسيخاطر بحياته في تجربة بقسوة المغامرة بحرا. المحاولة الكبيرة الثانية خلال شهر واحد للهروب الجماعي كانت أكثر ما أثار دهشة واستياء المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي مما اصطلحوا عليه بـ»مشاريع إفراغ البلد»، معبرين عن تضامنهم مع شباب يحلم بفرص حياة أكرم، أحكمت أحلامه إغلاق نوافذ الحكمة عنه.
٭ كاتبة من الجزائر