مقالات

التفجيرات الصامتة: كيف يستفيد «حزب الله» من ذلك؟

التفجيرات الصامتة: كيف يستفيد «حزب الله» من ذلك؟

ياسر مناع

أثارت حادثة تفجير آلاف أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله صدمة ومفاجأة في العالم العربي، ولا سيما في الأوساط الفلسطينية. الهجوم الذي خلف أكثر من 4000 إصابة، من بينها 400 حالة حرجة و12 شهيدا، شكل ضربة دقيقة نفذتها إسرائيل بكفاءة عالية، دون أن تترك أي دليل واضح يثبت مسؤوليتها، مما جعل رد حزب الله أكثر تعقيدًا.
الهجوم لم يكن مجرد اعتداء مادي خلال انتظار حدث تقليدي، بل كان انتقالاسريعًا نحو عالم الحروب التكنولوجية، مما أبرز حجم الخسائر الكبيرة في فترة زمنية قصيرة. ورغم أن إسرائيل لم تتبنَّ العملية علنًا، إلا أن التقارير تشير إلى أن الهدف كان عناصر من حزب الله، مما يجعل العملية جزءًا من الصراع المستمر منذ نحو عام، حيث يقر الطرفان ـ دون اتفاق رسمي ـ أنهما يسعيان لتجنب استهداف المدنيين أو البنية التحتية.
إذن، ما يجعل هذه الحادثة مثيرة للاهتمام هو البعد التكنولوجي الفريد للعملية. تنفيذ تفجير بهذا الحجم يتطلب قدرات تقنية متقدمة، مما يثير التساؤلات حول احتمال وجود تعاون أمريكي إسرائيلي في تنفيذ الهجوم. ورغم أن الهجوم يُنسب رسميًا إلى إسرائيل، قد تكون الولايات المتحدة هي الفاعل الحقيقي خلف الكواليس بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية، فيما تلعب إسرائيل دورًا تابعًا لهذه الدول.
العمليات من هذا النوع تحتاج إلى إمكانيات قد تفتقر إليها إسرائيل، سواء من حيث الأدوات التكتيكية أو الاستراتيجية. حتى لو افترضنا توفر الأدوات اللازمة لديها، تحتاج إسرائيل دائمًا إلى موافقة أمريكية لأي تحرك بهذا الحجم. يبدو أن الهدف الرئيسي للطرف المنفذ هو إرسال رسالة إلى لبنان، ولكن هذه المرة ليس عبر المبعوثين الأمريكيين، بل من خلال العمليات العسكرية، تفيد بأن استمرار دعم لبنان لغزة قد تكون له عواقب وخيمة على حزب الله.

ما يجعل هذه الحادثة مثيرة للاهتمام هو البعد التكنولوجي الفريد للعملية. تنفيذ تفجير بهذا الحجم يتطلب قدرات تقنية متقدمة، مما يثير التساؤلات حول احتمال وجود تعاون أمريكي إسرائيلي في تنفيذ الهجوم

الهدف الاستراتيجي من هذه العملية يبدو أنه يتجاوز استهداف عناصر حزب الله فحسب. من المرجح أن الهدف الأكبر هو القضاء على ما يُعرف بـ «جبهة الإسناد» التي انطلقت في الثامن من أكتوبر كحلقة وصل بين المقاومة في لبنان والمقاومة في قطاع غزة. هذه الجبهة تمثل مصدر قلق وإزعاج كبير لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، لذا يُنظر إلى التفجير في إطار الجهود المبذولة لعزل مصير هذه الجبهة عن مسار الحرب الدائرة في قطاع غزة.
علاوة على ذلك، يحمل الهجوم رسالة هامة إلى بعض القيادات في إسرائيل. تُوجه الرسالة إلى مطبلي الحرب في إسرائيل، حيث يُبرز الهجوم كإشارة إلى أن ضربة قوية واحدة يمكن أن تعادل جميع التهديدات التي أطلقتها إسرائيل لحزب الله على مدار السنوات الماضية.
بعد الهجوم، شنت إسرائيل عمليات إعلامية تهدف إلى تصوير حزب الله كمنظمة عاجزة ومخترقة من الداخل، وذلك لتقديم صورة تفيد بأن الحزب غير قادر على الرد أو حماية بنيته التحتية. هذه التكتيكات تعد جزءًا من حرب الوعي التي تتبعها إسرائيل، والتي تهدف إلى تقويض الثقة في قدرات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء.
رغم صعوبة الوصول إلى تفسير دقيق لحدث حتى كتابة السطور، إلا أن فكرة تفجير عدد كبير من الأجهزة عن بعد بواسطة عبوات ناسفة تبدو غير واقعية. ما سيتداول في الأيام المقبلة من تفسيرات لما حدث قد لا يكون إلا جزءًا من محاولات التضليل والخداع، بعيدًا عن الحقيقة، حتى وإن لامسها بعض الشيء. تأتي هذه التفسيرات ضمن إطار عمليات الوعي التي تسعى إلى تعزيز صورة إسرائيل كقوة عظمى تمتلك الإبداع والعبقرية، وقادرة على اختراق أعدائها وأصدقائها والتلاعب بهم. الجانب الآخر من عمليات الوعي يهدف إلى تعميق الشقاق وإثارة الفوضى داخل المجتمعات العربية والإسلامية، وهو جانب ذو أهمية بالغة.
في المحصلة، يعكس الهجوم قلقًا مشتركًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل من الربط الاستراتيجي بين الجبهة اللبنانية وقطاع غزة، الذي يبدو أنه يشكل عقبة أمام خططهم لتحقيق رؤيتهم لما بعد الحرب في غزة. كما أن طريقة تنفيذ الهجوم تعكس مخاوف واشنطن من احتمال اتساع دائرة الصراع إلى ساحات أخرى، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية. لذا، فإن اختيار «ساحة غامضة» وترك العملية دون أدلة واضحة قد يكون محاولة لتجنب التصعيد المباشر مع حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في اليمن والعراق.
ختامًا، في ظل هذه التطورات، يبدو أن حزب الله يدرك تمامًا أهمية الورقة الاستراتيجية التي يمتلكها وهنا الفائدة مما جرى.
فعلى الرغم من الضربة التي تعرض لها، فإنه سيواصل التمسك بمشروعه الاستراتيجي ولن يسمح لهذه العملية بأن تعرقل خططه في جبهة الإسناد، حتى تحقيق مبتغاه وإنهاء الحرب في غزة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة.

كاتب فلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب