هل اتخذت إسرائيل قرار اغتيال حسن نصر الله؟

هل اتخذت إسرائيل قرار اغتيال حسن نصر الله؟
صعد حزب الله أمس إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل وهاجم للمرة الأولى منذ 8 تشرين الأول الماضي منطقة جنوبي خط حيفا – طبريا. كانت هذه رداً على هجمات واسعة من إسرائيل في لبنان الأسبوع الماضي. ورغم التصعيد الواضح في تبادل اللكمات، لوحظ أمس بأن هناك جهداً يبذله الطرفان للبقاء تحت مستوى الحرب الشاملة. قالت مصادر عسكرية للصحيفة بأن الحساسية في الشمال بقيت مرتفعة جداً. وحسب رأي هذه المصادر، ثمة حاجة لمواصلة ضغط كبير على حزب الله، وربما زيادته إذا أرادت إسرائيل فرض تنازلات على الحزب تؤدي إلى وقف إطلاق النار حسب الشروط التي تريدها.
بدأ حزب الله بإطلاق النار بعد منتصف ليل السبت، واستمر حتى الصباح. وجه إطلاق النار إلى قواعد عسكرية وركز على منطقة أبعد من الحدود الشمالية، لكنه لم يتجاوز جنوب حيفا كثيراً. يبدو أن الصواريخ ثقيلة الوزن وذات المدى المتوسط وجهت إلى منشأة “رفائيل” وقاعدة سلاح الجو في “رمات دافيد”، تم اعتراض معظمها، وكان الخطر الأساسي في “كريات بياليك” حيث تضررت منازل وسيارات كثيرة بسبب الشظايا. ورداً على ذلك، هاجم سلاح الجو منصات إطلاق كثيرة في أرجاء لبنان بعدة موجات طوال اليوم.
تفاخر كل من رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع غالنت ورئيس الأركان هليفي، أمس، بإنجازات الهجوم حتى الآن، وهددوا حزب الله بهجمات أخرى، وتعهدوا بالعمل على إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم. رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، قال إن هجوم الجمعة في بيروت الذي قتل فيه قائد رفيع في حزب الله، إبراهيم عقيل، إضافة إلى 15 من نشطاء حماس الكبار في قوة “الرضوان”، أفشل لقاء خطط فيه إلى “مذبحة 7 أكتوبر 2” على الحدود الشمالية. وكرر رئيس الأركان أقوالاً بهذه الروحية.
هذه التصريحات يبدو مبالغاً فيها. من الواضح أن اللقاء تحت الأرض في حي الضاحية في ذروة تصعيد كبير استهدف مناقشة خطط عملياتية للمس بإسرائيل. من المرجح أنها وجهت للمدى الزمني الفوري، لكن هناك شكاً إذا كان باستطاعة حزب الله الآن إخراج هجوم على صيغة المذبحة في غلاف غزة إلى حيز التنفيذ، في وقت يستعد الجيش الإسرائيلي بقوات معززة على طول الحدود ويبذل جهاز الاستخبارات جهوداً كبيرة لمتابعة خطط حزب الله. والأكثر تأكيداً أن كبار قادة قوة الرضوان خططوا لعملية انتقام مقلصة ومحددة قرب الحدود.
من تصريحات قادة حزب الله الذين بقوا على قيد الحياة، وعلى رأسهم حسن نصر الله ونائبه نعيم القاسم، الذي تحدث أمس، يتبين أن الحزب ينوي الاستمرار في القتال ما لم تتوصل إسرائيل إلى وقف لإطلاق النار مع حماس في قطاع غزة. مع ذلك، لا شك في أن حسن نصر الله غير راض عن سير الأمور. سلسلة الضربات التي تكبدها الحزب في الأسبوع الأخير غير مسبوقة من حيث حجمها، وتضع الميزان بين الطرفين في ضوء مختلف بعد سنة على القتال تقريباً.
في 8 تشرين الأول الماضي، انضم حسن نصر الله لمحاربة إسرائيل بعد تردد، لكنه قرر الاكتفاء بإطلاق القذائف والصواريخ المضادة للدروع والمسيرات دون إرسال خلايا إلى إسرائيل. كانت طريقة للتعبير عن التماهي مع نضال الفلسطينيين وجباية ثمن من إسرائيل على أمل ألا يتورط أكثر من اللازم. سلسلة الهجمات الأخيرة التي شملت تفجير آلاف أجهزة البيجر والاتصال، التي أدت إلى عشرات القتلى وآلاف المصابين في أرجاء لبنان، تثير علامات استفهام لدى حزب الله حول سياسة حسن نصر الله. دفع حزب الله ثمناً باهظاً لمساعدته حماس، التي لم تكلف نفسها عناء إبلاغه مسبقاً بقرارها مهاجمة إسرائيل. ولأن التصعيد لم ينته بعد، ربما يرتفع الثمن. من المرجح أن حسن نصر الله يأخذ الآن في الحسبان احتمالية أن تصفيه إسرائيل كما فعلت لمعظم القادة الكبار في الحزب. في المقابل، على إسرائيل أن تعرف بأن الحرب الشاملة ستؤدي إلى خسائر شديدة في الجيش الإسرائيلي وفي الجبهة الداخلية.
تتوقع هيئة الأركان أياماً قاسية من القتال، على الأقل في الفترة القريبة القادمة. وتحدثت مصادر عسكرية عن محاولة لتغيير قواعد اللعب للتصادم في لبنان. وتأمل أن ينتهي القتال بتسوية سياسية تفرض على حزب الله إخلاء أعضائه إلى شمال الليطاني. يمكن الافتراض بأن إسرائيل ستفضل تحقيق ذلك بدون الانجرار إلى حرب شاملة. ولكنها حسابات تتعلق بشكل كبير بسؤال: كم عدد المواطنين الذين سيتضررون بسبب هذا الهجوم على جانبي الحدود؟ فقتل عدد كبير من المدنيين، حتى لو كان بالخطأ، ربما يؤدي إلى اشتعال كبير.
حتى الآن، لم تضرب إسرائيل منظومات حزب الله الاستراتيجية، ولم تحاول تدمير مخازن الصواريخ الدقيقة للمدى المتوسط والبعيد. وحسب تقارير في وسائل الإعلام العربية، عملت قوة كوماندوز إسرائيلية في شمال سوريا بداية الشهر الحالي، حيث فجرت مصنعاً لإنتاج الصواريخ الدقيقة. ورغم الضربات التي تلقاها حزب الله مؤخراً، ما زال يشغل منظومات قيادته وسيطرته جزئياً. إن إطلاق النار أمس يثبت أن بإمكانه إدارة منظومة نيران واسعة نسبياً بتنسيق مبدئي للأهداف وحدود القاطع.
قررت الولايات المتحدة إرسال حاملة طائرات أخرى إلى المنطقة، مع قوة مهمات لسفن أخرى. وستتركز الحاملة في شرق البحر المتوسط قرب شواطئ لبنان، إضافة إلى الموجودة في بحر العرب قرب شواطئ إيران. الإدارة الأمريكية غير راضية عن عمليات إسرائيل الأخيرة في لبنان، وهي أيضاً قلقة من عدم القدرة على المضي بصفقة التبادل مع حماس. ولكن الأمريكيين يستمرون في تقديم المساعدة لجهود الدفاع الإسرائيلية.
أمس، قال نتنياهو في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأنه في غزة 101 مخطوف إسرائيلي (نصفهم تقريباً على قيد الحياة)، ما زالوا محتجزين، وأنه يجب بذل كل ما في استطاعتنا لإعادتهم. عملياً، كما تعترف الإدارة الأمريكية، فإن المحادثات عالقة كلياً الآن. ناشط السلام المخضرم غيرشون باسكين، الذي ساعد في الوساطة في صفقة شاليط في 2011، قال أمس إن حماس موافقة على صفقة من نبضة واحدة، يتم فيها تحرير جميع المخطوفين مقابل عدد كبير من السجناء الفلسطينيين خلال ثلاثة أسابيع. وحسب قوله، فإن صيغة الاقتراح الذي قدمته حماس معروفة لمكتب رئيس الحكومة ولدول الوساطة.
عاموس هرئيل
هآرتس 23/9/2024