مقالات

بانتظار الانتخابات الأمريكية  بقلم د. رياض العيسمي

بقلم د. رياض العيسمي

بانتظار الانتخابات الأمريكية
 بقلم د. رياض العيسمي
مازال الشرق الأوسط يحبس أنفاسه خوفا من توسع الحرب على لبنان وفي المنطقة بعد العمليآت الاليكترونية والسبرانية والمباشرة التي شنّتها إسرائيل على قيادات حزب الله دون هوادة أو رادع. وهي كعادتها تخترق كل الأعراف الإنسانية وتتحدى القوانين والمواثيق الدولية دون حسيب أو رقيب. متسلحة بالدعم الأمريكي اللا محدود. وكذلك التقاعس العربي اللا محدود.
لقد وصلت أزمة الشرق الأوسط إلى منحنى تاريخي خطير لم يعد معه التراجع ممكنا في حين أن التقدم إلى الأمام لا يمكن أن يحصل دون ردم الهفوة العميقة التي أحدثتها تداعيات الماضي. ولهذا انهاء قيادات حزب الله وحماس لن ينهي المشكلة ويضمن لإسرائيل استقرارها في المنطقة . كما ولن تستطيع الولايات المتحدة حل مشاكل المنطقة بمجرد فرض تطبيق قرار الأمم المتحدة ١٧٠١ على لبنان عبر السماح لإسرائيل بالتغول في العدوان الهمجي على حزب الله الذي يذهب ضحاياه المدنيين الأبرياء. وبحجة اعادة المواطنين الاسرائيليين المهجرين إلى بيوتهم في شمال إسرائيل يتم تهجير المواطنين اللبنانيين من بيوتهم في جنوب لبنان. هذه السياسة لم تثبت نجاعتها في الماضي حتى تحقق أهدافا جديدة في المستقبل. لقد جربت الولايات المتحدة سياسات مختلفة لتثبيت دولة إسرائيل وفرض الاستقرار في المنطقة بدءا من سياسة الأرض مقابل السلام بعد حرب عام ١٩٦٧ . والأمن مقابل السلام. وتجميع المسارات، العربية والفلسطينية، وحل الدولتين. وفصل غزة عن الضفة. والسلام الإبراهيمي، امن إسرائيل مقابل تحسن الاقتصاد. ووصولا إلى ما هو قائم اليوم باستباحة الشمال، لبنان، والجنوب، غزة. والتنكيل بسكان الضفة بغية تحقيق تغيير جغرافي ودمغرافي في كل المناطق المجاورة لإسرائيل، ومن ضمنها أيضا مصر وسورية والأردن.
لقد ثبت بالتجربة ان كل هذه المسارات لن تصل إلى نتيجة مستدامة. وإن الاستقرار في كامل المنطقة هو وحده الذي يضمن الاستقرار لإسرائيل والمنطقة. خاصة وأنه تعددت الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في أزمة هذه المنطقة الأهم من الناحية الجيواستراتيجية في العالم. ولهذا الجميع يحاول حبس الأنفاس في الفترة الفاصلة قبل الانتخابات الأمريكية. وبالرغم من استطاعات الرأي باتت ترجح كفة هاريس، الا أنها ستكون متقاربة جدا. وهي ستكون بين نهجين معروفين سلفا. إما العودة إلى حرث البحر في محاولة لإكمال السلام الإبراهيمي مع ترامب، أو الاستمرار في مطاردة السراب في حل الدولتين مع هاريس التي من المتوقع أن تكون سياساتها مزيجا من سياسات أوباما وبايدن. ولن تستطيع الوصول إلى نتائج نهائية لا حربا بنفس الطريقة ولا سلما بذات النهج. والتغيير الذي لم يستطع تحقيقه أوباما في الشرق الأوسط عبر مشروعه للسلام لن تستطيع فرضه هاريس بالحرب. مع الأسف منطقة الشرق الأوسط والعالم في مأزق حقيقي. ونتنياهو يستغل هذه الأوضاع لينتهج سياسة الأرض المحروقة وفرض الأمر الواقع باستمرار الحرب وتوسيعها. فهو ما برح يستفز إيران وحزب الله في كل مكان. وذلك لجرهم لشن ضربة مباشرة لإسرائيل، والتي من شأنها أن تبرر رد إسرائيل بتوسيع الحرب. وبما يفرض الامر الواقع على إدارة الرئيس بايدن الموافقة على توسيع الحرب والمشاركة بها. هذا في الوقت الذي لا يريد بايدن و هاريس توسيع الحرب، على الأقل ليس قبل الانتخابات، وذلك حتى لا يقلل من فرص هاريس والحزب الديمقراطي للبقاء في البيت الأبيض. ولهذا إدارة بايدن مازالت تجري مفاوضات الزاوية الحادة مع ايران لإقناعها بضبط النفس وعدم الرد. وهذا ما يمنح إيران مكاسب جديدة وكبيرة في عملية المفاوضات الدائرة منذ بداية عهد بايدن قبل أكثر من ثلاث سنوات. ولم تعد إيران حتى اللحظة للاتفاق النووي الذي أبرمته معها ادارة أوباما عام ٢٠١٥. وبرأيي لن تعود له أبدا. وإنما هي تسعى للمناورة والابتزاز وإطالة عمر المفاوضات ومنع عودة ترامب والتمكن من إعلان نفسها دولة نووية في الوقت المناسب، كما فعلت من قبلها الهند وباكستان وكوريا الشمالية. ولهذا سيحاول نتنياهو باستمرار الصغط على لبنان وتوسيع عملياته العسكرية عليها بغية جر إيران لها ودفع الولايات المتحدة لضرب مفاعلات إيران النووية. ولكن هذا لن يجر إيران إلى حرب إقليمية دفاعا عن لبنان. وإنما ستظل تماطل وتناور فقط للإبقاء على قوة حزب الله العسكرية. وإلى أن يحين موعد التفاوض النهائي. فحزب الله هو الثقل الأكبر في ميزان إيران الاستراتيجي في المنطقة. وسلاحه سيكون هو الورقة الأخيرة التي ستقدمها إيران على طاولة المفاوضات ولتأخذ مقابلها اعتراف وضمانات مقاسة بدورها المحوري القائم في المنطقة. ولهذا هذا سينسحب على كل اتباع ايران في المنطقة, وكل حسب وزنه الاستراتيجي.
التفاوض هو النهاية الطبيعية لكل الحروب. ولكنها نادرا ما تمنع الحروب. لان الحروب تبدأها الرؤس الحامية التي تصر على تبني المواقف المسبقة وتنهيها الرؤوس الباردة التي تتمتع بالحنكة والحكمة وتمتلك رؤية واضحة للمستقبل. مع الأسف الفجوة بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط ما تزال كبيرة والرؤوس الحامية كثيرة. والإدارة الأمريكية لم تبلور بعد استراتيجية جديدة تنشد المستقبل، وانما حتى اللحظة مازالت تستجر الماضي ولو بقوالب محسنة. لا حرب اقليمية في الشرق الأوسط دون دخول إيران فيها. واذا ما دخلت إيران فيها لن تبقى مقتصرة عليها وعلى الشرق الأوسط. وإنما ستتمدد لتشمل مناطق أخرى في شرق أوروبا وشرق آسيا، والتي هي بالأساس مناطق ملتهبة وتنذر بالتوسع والتفجر دون آيجاد حلول مستدامة لها. ولم يعد هناك إمكانية لحصول أي استقرار عالمي دون استقرار في منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن ان يحصل هذا الاستقرار بالحرب، وانما بالتنازلات المتبادلة في التفاوض الذي لا يمكن ان يحصل ويستمر دون قيادة ودعم الولايات المتحدة لها.
ونبقى بانتظار الانتخابات الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب