الدين الداخلي العراقي بين مخالب الفساد وفشل الإدارة بقلم ناصر الحريري -البحرين-
بقلم ناصر الحريري -البحرين-
الدين الداخلي العراقي بين مخالب الفساد وفشل الإدارة
بقلم ناصر الحريري -البحرين-
منشور في العدد 107 من نشرة الطليعة الصادرة عن التجمع القومي الديمقراطي – مملكة البحرين- شهر فبراير 2025
أثار اقتصاديون مؤخراً قضية الزيادة الكبيرة في الدين العام الداخلي في العراق رغم العائدات النفطية المرتفعة. حيث اعتبروا أن هذه الزيادة تشكل مصدر قلق لأنها تعكس خللاً في إدارة المالية العامة للعراق، على الرغم من أن العراق يتمتع بعائدات نفطية ضخمة، وأن هذه الموارد لم تُستخدم بشكل فعال في تعزيز الاقتصاد وتنويع مصادر الإيرادات.
تشير الزيادة الكبيرة في الدين الداخلي إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الاحتلال حتى الآن تمول العجز المالي من خلال الاقتراض الداخلي بدلاً من تحسين الكفاءة المالية أو إيجاد مصادر دخل غير نفطية. مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة على المدى الطويل، حيث أن ارتفاع الدين الداخلي يضغط على النظام المالي ويزيد من تكلفة الاقتراض في المستقبل.
ويعتبر اقتصاديون أن ما يزيد تعقيد الوضع هو الاعتماد المفرط على النفط كمصدر رئيسي للعائدات، الأمر الذي يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، وبالتالي يخلق تحديات إضافية في إدارة الدين.
ويعزو الاقتصاديون تزايد الدين الداخلي إلى الإفراط في الإنفاق الحكومي دون وجود إيرادات كافية لتغطية هذا الإنفاق، إذا ما علمنا أن الحكومات العراقية المتعاقبة تعتمد بشكل مباشر على العائدات النفطية. كما يرى الكثيرون أن هناك عوامل أخرى تساهم في هذه الزيادة مثل:
• إدارة مالية غير فعّالة: وضعف في الرقابة على الإنفاق الحكومي، مما يؤدي إلى استخدام غير كفء للموارد.
• الفساد وسوء إدارة المشاريع: في بعض الحالات، تؤدي عمليات الفساد وسوء تنفيذ المشاريع إلى زيادة النفقات العامة بدون تحقيق العوائد المنتظرة.
• الاعتماد المفرط على النفط: هذا يزيد من هشاشة الاقتصاد العراقي، حيث أن تقلبات أسعار النفط تؤدي إلى انخفاض الإيرادات، مما يجعل العراق مضطراً للاعتماد على الاقتراض الداخلي لتغطية العجز.
آثار الدين الداخلي على الاقتصاد العراقي:
إن ارتفاع الدين الداخلي يرافقه تأثيرات عديدة على الاقتصاد العراقي، وهذه التأثيرات تختلف بناء على مستوى الدين، وكيفية استخدام الأموال المقترضة، وإدارة الحكومة لهذا الدين.
أبرز الآثار الممكنة:
1. زيادة عبء الفوائد:
ارتفاع الدين الداخلي يزيد من عبء الفوائد التي تتحملها الحكومة، مما يؤدي إلى تقليص الموارد المتاحة للاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
يؤدي ذلك إلى تركيز النفقات الحكومية على خدمة الدين بدلًا من دعم التنمية الاقتصادية.
2. التضخم وانخفاض قيمة العملة:
إذا تم تمويل الدين الداخلي من خلال طباعة المزيد من العملة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التضخم، مما يضعف القوة الشرائية للمواطنين.
وزيادة التضخم تؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، مما يرفع تكاليف الاستيراد ويؤثر بشكل سلبي على مستوى المعيشة.
3. تراجع الاستثمار الخاص:
إن ارتفاع الدين الداخلي الناتج عن زيادة اقتراض الحكومة من السوق المحلية قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، مما يجعل من الصعب على الشركات الحصول على تمويل بأسعار معقولة.
وقد ينتج عنه انخفاض الاستثمار الخاص وتباطؤ النمو الاقتصادي.
4. تأثيرات سلبية على القطاعات الإنتاجية:
إذا كانت الحكومة توجه الأموال المقترضة لسد العجز في الميزانية بدلًا من الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، فإن ذلك يعوق تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
فالاعتماد المفرط على الدين الداخلي قد يُضعف قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل وتقليل البطالة.
كما أن تزايد الديون، قد يُجبر الحكومة على تطبيق سياسات تقشفية لتقليل العجز، مما يؤدي إلى تقليص الدعم الاجتماعي أو تأجيل المشاريع التنموية.
إن معالجة مشكلة الدين الداخلي تتطلب إجراءات وسياسات صارمة وقوية تهدف إلى تحسين إدارة الدين وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي، ويركز الاقتصاديون على معضلة كبيرة يجب اتخاذها وهي، مكافحة الفساد وتحسين الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وإنشاء مؤسسات رقابية مستقلة لضمان إدارة الأموال العامة بشكل شفاف.
ومكافحة الفساد يكون من خلال تطبيق قوانين صارمة على الممارسات الفاسدة التي تؤدي إلى هدر الموارد.
فالفساد المالي والإداري يلعب دوراً كبيراً في تضخم الدين الداخلي في العراق، حيث يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على السياسات المالية والاقتصادية التي تسهم في تفاقم الدين.
الفساد يؤدي إلى سرقة أو اختلاس جزء كبير من الأموال العامة التي كان يمكن توجيهها لسداد الديون أو تمويل مشاريع تنموية.
كما أن العقود الوهمية والمبالغة في التكاليف بسبب الفساد يؤدي إلى هدر الموارد وزيادة العجز في الموازنة، مما يضطر الحكومة إلى الاقتراض.
إن الفساد الإداري يشجع على التوظيف غير المبرر في القطاع العام بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو شخصية، مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في فاتورة الرواتب والأجور.
كما أن سوء إدارة برامج الدعم بسبب الفساد يؤدي إلى توجيه الأموال لغير مستحقيها، مما يزيد العبء على الميزانية العامة.
إن الفساد يؤدي إلى ضعف كفاءة النظام الضريبي، مما يقلل من الإيرادات العامة ويزيد الاعتماد على الاقتراض.
كما أن سوء إدارة العائدات النفطية بفعل الفساد يؤدي إلى تراجع قدرتها على تمويل النفقات العامة وتقليل الدين الداخلي.
فبسبب الفساد، يتحول الدين الداخلي من أداة لتمويل التنمية إلى عبء متزايد على الاقتصاد.
حيث أن الأموال المخصصة لسداد الدين تُستنزف بسبب الفساد، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وارتفاع معدلات الاقتراض.
ويمكننا القول إن الفساد المالي والإداري هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تضخم الدين الداخلي في العراق. فالقضاء على الفساد يتطلب إرادة سياسية قوية، إصلاحات هيكلية، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة لضمان استخدام الموارد العامة بكفاءة وتحقيق الاستقرار المالي، وهذا ما تفتقره كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ سنة 2003، فبدون مكافحة فعالة للفساد، ستظل مشكلة الدين الداخلي تتفاقم، مما يهدد استقرار الاقتصاد العراقي.
——
منشور في العدد 107 من نشرة الطليعة الصادرة عن التجمع القومي الديمقراطي – مملكة البحرين- شهر فبراير 2025