الصحافه

معاريف: هشاشة الأردن بين “أثر الدومينو” وجملة اللاعبين..هل أدرك العالم ما وراء خطاب الملك؟

معاريف: هشاشة الأردن بين “أثر الدومينو” وجملة اللاعبين..هل أدرك العالم ما وراء خطاب الملك؟

في ظل المواجهة المحتدمة ضد حزب الله في لبنان وتصعيد الصراع ضد حماس في قطاع غزة، يتعاظم التهديد الأمني على إسرائيل من الحدود الشرقية مع الأردن. فبينما تتبنى المملكة الأردنية موقفاً مؤيداً للغرب بتأييد فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتعتبر عاملاً استراتيجياً للاستقرار في الشرق الأوسط، تجد صعوبة في مواجهة المحاولات المكثفة للتسلل والسيطرة من جانب إيران. فتآمر إيران الخطير على استقرار الأسرة المالكة والنظام الأردني والذي يتواصل منذ سنوات طويلة، تعاظم منذ 7 أكتوبر على نحو خاص، بينما صغر المملكة، وضعف النظام، وضائقته السياسية – الاقتصادية وأساساً موقعه الجغرافي بين سوريا والعراق وإسرائيل والسعودية، يجعله هدفاً جذاباً لإيران. فهذه تسعى لضرب نسيجه الاجتماعي، مثلما تضرب أيضاً أمنه وسيادته ووحدته الإقليمية.

وفي إطار ذلك، فإن زعامة الملك عبد الله الثاني وقدرته على التصدي في آن معاً، سواء نزاعات إقليمية مركبة أم توترات وتحديات داخلية، تقف كلها قيد الاختبار. ضائقة اقتصادية (مثل دين قومي بمقدار 46.6 مليار دولار وبطالة وصلت إلى 21.4 في المئة في أيار)، وضعف ديمغرافي (نحو 3.5 مليون لاجئ يشكلون نحو 30 في المئة من السكان) وتعلق بمساعدة أمنية واقتصادية (مثل مساعدة أمريكية تقدر بـ 1.5 مليار دولار في السنة) كل ذلك يعظم هشاشة المملكة وانعدام استقرارها. يعتبر الأردن في نظر طهران تهديداً أمنياً ينبع من كراهيتها التاريخية للنظام الملكي العلماني ومشاركته في الائتلاف المناهض لإيران من اتفاق السلام الذي وقعه النظام في 1994 مع إسرائيل وكونه قاعدة لعمل الجيش الأمريكي والقوات الغربية ضدها. لذا، فإن الحرص على أمن واستقرار المملكة الصغيرة من الشرق حرج. يدور الحديث عن مصلحة استراتيجية ذات أهمية لإسرائيل والسعودية ودول أخرى هائلة.

وضع طوارئ إقليمي

ليس صدفة أن نشرت صحيفة سعودية شعبية مؤخراً تصريحات رسمية تقضي بأن “حكومة السعودية ترى في استقرار الأردن جزءاً لا يتجزأ من أمن المملكة السعودية”. باستثناء استئناف العلاقات بين الرياض وطهران (آذار 2023) ومساعي إيران للامتناع عن مواجهات مع السعودية والإمارات ومصر، حلفاء الأردن، فإن قيادة السعودية – التي ترى في تقويض استقرار الأردن اجتيازاً لخط أحمر – غير مستعدة لتحويل جارتها إلى هدف للإرهاب. هذا وضع سيزيد الفوضى في العالم العربي، باسم تأييد الفلسطينيين في غزة.

فضلاً عن ذلك، في نظر المملكتين، اللتين تتقاسمان حدوداً طويلة تمتد 731 كيلومتراً ماضياً ثقافياً – تاريخياً، إلى جانب مصلحة استراتيجية مشتركة لصد تعاظم إيران والتهديد الإيراني – يدور الحديث عن ساعة طوارئ هي من أكثر الساعات شدة وصدمة. فالخطوات الاستفزازية من جانب طهران تستهدف تعزيز النفوذ الإقليمي وتثبيت قوة ومكانة “محور المقاومة”. وبالتالي، فإن هزة الاستقرار الأمني وتقويض النظام في الأردن، ضمن أمور أخرى من خلال تصعيد الإرهاب من جانب ميليشيات مؤيدة لإيران تعمل في المملكة والعراق وسوريا، وتسلل خلايا إرهاب إضافية (شيعة من أفغانستان وباكستان) بما في ذلك ميليشيات حوثيين من اليمن، كل هذا يحمل تداعيات جغرافية سياسية وأمنية عديدة.

يدور الحديث عن وضع حد خطير للغاية يشكل تهديداً حقيقياً على استقرار المملكة السعودية، وعلى الوضع الراهن في أوساط الدول العربية والعالم الإسلامي. هذا منحدر سلسل يؤشر إلى جدية نوايا إيران في التوجه إلى تفاهم إضافي في أزمة الشرق الأوسط. هذا تفاقم سيشعل المنطقة كلها، ويوسع التنسيق والارتباط بين الفروع الكثيرة وساحات الصراع المختلفة، وسيجر دولاً أخرى إلى جانب قوى عظمى عالمية بما فيها روسيا، إلى حرب شاملة ضد إسرائيل.

على هذه الخلفية، فإن علاقات عمان – الرياض، تلقى معنى جديداً وأهمية استراتيجية. وهذا يتجاوز حقيقة غياب تماثل هائل إلى جانب تعلق متبادل بين الأردن والسعودية. فعلى الرغم من العداء التاريخي والفوارق الاستراتيجية والخلافات العميقة بينهما (مثلاً في مسألة الوصاية الأردنية إلى الأماكن المقدسة في القدس، أو مسيرة التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل)، فإن عظمة اللحظة والقرب الجغرافي يشكلان فرصة لتعزيز العلاقات بين الدولتين، وبلورة علاقات ثقة بين زعيمي المملكتين، وتوثيق الاتفاقات ومظاهر التعاون المختلفة في المجال الأمني كما في مجالات التجارة والبنى التحتية. وهذا بخاصة على خلفية الضائقة الاقتصادية للأردن، الذي أعلن عن خسارة مداخيل بمبلغ نحو 250 مليون دولار في الشهر، كما يفهم من منشورات رسمية لحكومة عمان، في ضوء تعلقها بأموال المساعدات من مصادر أجنبية، بما فيها السعودية (التي تعهدت إلى جانب الإمارات بتحويل 2.5 مليار دولار لها هذه السنة).

إن نظرة ثاقبة أكثر تبين أن الإنشاء المحتمل لطريق التجارة والنقل الدولي (IMEC) يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا عبر دول الخليج بما فيها السعودية، من المتوقع أن ينتج لها الفوائد الاستراتيجية، ويخدم مصالح مهمة وبعيدة المدى لإسرائيل أيضاً. كل هذا مع مراعاة التقدم في “رؤيا 2030” وتطوير الخطط الطموحة التي لها بن سلمان ولي العهد السعودي (مثل إقامة المدينة المستقبلية نيوم) إلى جانب رفع مستوى تموضع السعودية كمركز اقتصادي عالمي. هذا إضافة إلى نمو حجم التجارة الثنائية مع الأردن (مثلاً، بلغ حجم الاستيراد الأردني من السعودية 3.79 مليار دولار في 2022 مقابل تصدير عام وصل إلى 2.31 مليار دولار) إلى جانب ترفيع مكانة المملكة وادعائها الحيوي في المنطقة الجغرافية السياسية الأمنية الإقليمية.

ممزقة بين المصالح

في نظرة استراتيجية واسعة، عمان التي هي تحت تهديد أمني وجودي، تناور بين جملة لاعبين، ومصالح وتحديات مركبة. مثلاً، بين دعوات الجمهور الأردني لإلغاء اتفاق السلام ومقاطعة إسرائيل من جهة، والحاجة لزيادة حجم المساعدة الأمنية وتكثيف القوات الإسرائيلية على طول الحدود المشتركة، بخاصة بعد عملية معبر اللبني في 8 أيلول. ولها مصلحة قوية لمنع تهريب المخدرات والسلاح والذخيرة التي تصل إليها من سوريا، ومنها إلى إسرائيل وإلى منظمات الإرهاب الفلسطيني العاملة في الضفة الغربية (مثلاً، نشر مؤخراً أنه بين كانون الثاني وتموز 2024، فإن نحو 4 آلاف أردني تسللوا إلى إسرائيل وأن ميليشيا مؤيدة لإيران تعمل في العراق، بل وهددت بتسليح 12 ألف مقاتل أردني بسلاح إيراني).

إن الخطوات التآمرية الأردنية تتضمن إقامة آلاف المساجد الشيعية في أرجاء الدولة إلى جانب تشجيع ودعم مظاهرات التأييد المؤيدة للفلسطينيين التي تحظى بتغطية واسعة تترافق ودعاية لاذعة في وسائل الإعلام العربية. يتبين أن الحديث يدور عن جهود تجنيد مكثفة للسكان الأردنيين (الذين نحو 50 في المئة من 11.3 مليون نسمة من أصل فلسطيني، و66 في المئة مؤيدون لحماس). كل هذا بهدف ربطها بالمصالح الإيرانية في إطار صراع الوعي والعملي، غايته تشديد الكراهية لإسرائيل والمس باستقرار النظام الأردني وتجنيد شباب أردني وجهات متطرفة تساعد في تحويل المملكة إلى جبهة إضافية في الصراع ضد “الكيان الصهيوني”.

ليس صدفة أن قال الملك عبد الله الثاني في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انعقدت هذا الأسبوع إن “حكومة إسرائيل تشجع خرق الوضع الراهن في الحرم”. على خلفية تعقيد وضع الأردن وعلاقاته مع إسرائيل وفي ضوء التوتر الكبير السائد بين الملك وحكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، هذا نقد حاد موجه ضدها، إلى جانب إشارة أو دعوة للمساعدة تستهدف تشديد تفجر الوضع الأمني والحاجة للامتناع عن خطوات معينة وتنفيذ أفكار استفزازية (مثل نقل لاجئين غزيين إلى الأردن). إذ إنه باستثناء حقيقة أن اتفاق السلام والشراكة الاستراتيجية بين الأردن وإسرائيل هما عنصران مركزيان في المفهوم الأمني القومي لكل منهما، فإن هز استقرار المملكة الهاشمية قد يخلق “أثر دومينو”، فتاكاً. بمعنى أن يؤدي إلى اهتزاز بنيوي لأمن إسرائيل وكذا للسعودية كما أسلفنا، مثلما للشرق الأوسط كله. وإلى ذلك، فإن احتدام المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية ونتائج الحرب في القطاع ستقرر المكانة الإقليمية للأردن مثلما ستقرر مصير النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

د. عنات هوكبرغ – مروم

27/9/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب