الوضع العسكري والسياسي لأربعة قواعد أمريكية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
العدد : 407
التاريخ : تشرين الأول / 2024
تمهيد
الولايات المتحدة الأمريكية، دولة ليست كباقي الدول، بل هي من الدول النادرة التي لم يكن لها كيان سابقاً، وليست هناك أمة، ولها ظروف تكون وتشكل غريبة، لا تماثل تقريبا أي كيان آخر سوى : إسرائيل وإيران ..! وليس من غرائب القدر أن يجمع هذه الدول (الكيانات) الثلاث تحالف سري، ولكنه متين، له خصائص لا تشبه التحالف بين الدول ولا بين التحالفات السياسية والعسكرية. الولايات المتحدة من أولى خصائصه، أنتشار القواعد العسكرية في أرجاء مخلفة في العالم، والمتأمل سيستغرب وجود هذه القواعد، وليست هناك دولة تمتلك مثل هذه القواعد عدا بريطانيا، التي تحتفظ بقواعد لها منتشرة في أماكن استراتيجية : ألمانيا الاتحادية، جبل طارق، فوكلاند، قبرص، ديغوغارسيا (معارة للولايات المتحدة).
والاحتفاظ بقواعد عسكرية، وفق نظام استئجار بعيد المدى، أو امتلاك، أو اتفاقيات سياسية، مسألة لها كلفتها الاقتصادية، والسياسية العالية، ودون ريب التي تمتلك قواعد خارج أراضيها، لا تفعل ذلك دون جدوى يفوق تكاليف تشغيلها، إلى المزايا الاستراتيجية المحيطية التي تحسب حسابها، فحين يكون لبريطانيا قاعدة جوية وبحرية على مقربة من القطب الجنوبي في جزر فوكلاند/ جيورجيا، فإن للأمر مغزاه بتواجد عسكري في أقصى الكرة الأرضية، على أرض الجزر التابعة أصلاً للأرجنتين، واستدعت تدخلاً عسكرياً للحفاظ على سيادتها على الجزر (حرب فوكلاند/ المالوين عام 1982) بتكاليفه الاقتصادية والبشرية. وكذلك الحفاظ على قاعدة اكرتيري / قبرص، وإن كانت موجودة منذ العهد الاستعماري، إلا أن بقاءها على أرض الجزيرة مكلف ماليا وسياسياً، وكذلك قاعدتها في جبل طارق/ أسبانيا.
الولايات المتحدة الأمريكية تعاملت مع القواعد العسكرية بطريقة تختلف عن بريطانيا، بسبب:
• سعة الخطط الاستراتيجية الأمريكية في التدخل وضرورة القواعد في هذا السياق.
• القدرة على التكاليف المالية.
وتحتاج القيادة العسكرية الأمريكية، ونهجها التوسعي إلى القواعد العسكرية من أجل حشد، والتحضير لشن الهجمات ضد بلدان أخرى والتجسس والتحريض الآيديولوجي بالإضافة إلى العديد من الفعاليات الإخرى المعادية للشعوب.(1)
وبدا بوضوح تام أن توجه الولايات المتحدة نحو أهدافها الاستراتيجية إنما تعتمد بدرجة مهمة على الوسائل والسبل العسكرية وليس على المجهودات الدبلوماسية فقط، لذلك فإن القواعد العسكرية قد تأسست بناء على أهميتها من حيث عامل المدى والامكانية التي توفرها وقت استخدامها في رفع درجة انجازية الحركات الجوية، وهو ما يتمتع بأهمية بالغة في الاستراتيجية الامريكية الشاملة، بل ومن أجل تواصل العلاقة بين الأهداف العسكرية والسياسية التي تمتاز بها والتي تتضمن تحقيق التفوق العسكري والاحتفاظ به، وهي اهداف لا يتم التوصل إليها إلا عبر مجموعة من الإجراءات: أحلاف، وقواعد فيما وراء البحار، ونقاط حماية وخطط عمليات. (2)
وفي الشرق الأوسط، حققت الولايات المتحدة هذه الفقرة من الاستراتيجية في الواقع العملي بأشكال مختلفة. ففي المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإلى نهاية الخمسينات، كانت الأساليب الكلاسيكية هي السائدة في الحضور العسكري الأمريكي، وأبدت وزارة الخارجية الأمريكية اهتماماً كبيراً فيما يسمى ب ” الحزام الشمالي / Northernline” وبجيوش المنطقة ووجدت لها أهمية في أن تساهم فيما أطلقت عليه بخطر الاتحاد السوفيتي، وكان ينطوي أيضاً على توفير سبل مكافحة الحركات الوطنية والتحررية. وإذن في واقع الأمر بناء تحالف متين لمكافحة الحركات الوطنية التي كانت نشطة في تلك الحقبة.
وقد وجدت هذه السياسة ترجمتها العملية في تأسيس حلف بغداد 1954، المؤلف من : العراق وتركيا وإيران والباكستان، وبريطانيا، والذي سمي بعد انسحاب العراق منه بحلف المعاهدة المركزية السنتو (SENTO)، ثم التحقت الولايات المتحدة فيما بعد بالعضوية الكاملة، وكانت الدولة الرئيسية التي تمتد الحلف بالسلاح . (3)
ويمكننا معرفة ذلك من خلال الأرقام والاحصائيات. ففي المرحلة 1945ـ 1975 كان للولايات المتحدة أكثر من 2000 قاعدة عسكرية في أكثر من 30 بلد في أرجاء العالم تضم 600,000 عسكري ومنها أقطار الشرق الأوسط. (4)
الجدول رقم 12: القواعد الإمبريالية في الوطن العربي(نهاية الخمسينات). (5)
القطر القاعدة الدولة الاستعمارية
العراق الحبانية ـ الشعيبة بريطانيا
مصر السويس بريطانيا
ليبيا طبرق ـ ويلس فيلد الولايات المتحدة
تونس بنزرت الولايات المتحدة
المغرب نوافيرـ بني كريرـ القنطرة الولايات المتحدة
السعودية الظهران الولايات المتحدة
البحرين قاعدة جوية وبحرية الولايات المتحدة
عمان قاعدة جوية وبحرية الولايات المتحدة
جيبوتي قاعدة جوية وبحرية فرنسا
والسبب الرئيسي الذي أدى إلى تحديث سياسة القواعد ونقاط الارتكاز هو الاتجاهات الحديثة في الاستراتيجية الامريكية، فقد تخلت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عن 200 قاعدة عسكرية، أو كان ينبغي التخلي عنها لصعوبات سياسية أو اقتصادية، ولكنها أقامت الجديد منها على سبيل المثال قاعدة دييغو غارسيا (Diego Garcia) في المحيط الهندي. والبواعث الامريكية في سياسة القواعد كانت:
• الاحتفاظ بالقواعد الحالية وتطويرها من أجل تأمين النفوذ الامريكي.
• العمل على تطوير وتجديد القواعد المتوفرة حالياً وتحديد قيمتها من خلال الاسلحة المتواجدة فيها، واحتمالات الموقف الجيوبولتيكي، وذلك بسبب تطور تكنولوجيا السلاح الذي أدخل مفاهيم جديدة إلى استراتيجية استخدام القواعد وأهميتها ومدى فاعليتها.
وفي دراسة سرية لحلف الناتو، فإن البحر الأبيض المتوسط يعتبر مسرح عمليات حربية رقم (1) لذلك فإن الولايات المتحدة بذلت مجهودات عديدة لحماية نفوذها وبنفس الوقت جنوب حلف الناتو. وتهدف الفعاليات الامريكية إلى:
• حماية وتأمين البلدان الصديقة للولايات المتحدة.
• حماية المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط بصفة عامة. (6)
وفي تحليل هذه الحقائق ومقارنتها بالأساليب القديمة، نجد أن الاستراتيجية العسكرية الامريكية تهدف إلى:
• التوصل إلى بناء قواعد جوية وتجسسية لمراقبة حدود الاتحاد السوفيتي وتأسيس حلقة من القواعد التي تغطي مجال مراقبة حدود الاتحاد السوفيتي من إيران حتى المحيط الهندي بما في ذلك المناطق السوفيتية في بحر قزوين وبحر آرال.(7)
• مكافحة حركات التحرر الوطنية وإسقاط الأنظمة الوطنية .
• حماية المصالح والنفوذ الامريكي
وفي تحليل للعقيدة العسكرية الامريكية، نلاحظ أنها تهدف حماية مصالحها الاساسية والتمسك بالمبادرة في الشرق الأوسط، وإن الانسحاب من العديد من القواعد العسكرية لم يكن في الواقع إلا انسحاباً مرغماً، أي أنها لم تنسحب باختيارها، وأن العناصر التي أرغمتها كان تطور المد التحرري الوطني الذي أدى لتصفية العديد من القواعد، بالإضافة إلى التطور التكنيكي الذي ألغى الحاجة لبعضها، وأدى لتقليص عدد من القواعد مقابل التطور التكنيكي الذي ضاعف من أهمية ومدى قواعد أخرى مثل دييغو غارسيا.
ومن خلال تنفيذ هذه السياسة على الصعيدين السياسي والعسكري وفي إطار من الدبلوماسية المرنة ” تحالف وتكوين كتلة من البلدان الصديقة والتنسيق في المساعي المشتركة، وليس هناك صيغة نهائية للتحالفات، بل التلائم مع ما يناسب المصالح الامريكية “. (
واستخدامها لطائفة من الأساليب التي بمجموعها تحقق المصالح الأمريكية. ومن تلك الأساليب:
• استخدام القواعد العسكرية التقليدية مثل دييغو غارسيا.
• التواجد العسكري المباشر بواسطة الاساطيل الامريكية، مستشارين، خبراء، زيارات لوحدات جوية وبحرية امريكية.
• قواعد للتجسس والتصنت والإنذار المبكر كما في قاعدة سيناء للإنذار المبكر.
• تحالفات جديدة لها وظائف سياسية / عسكرية كما في اتفاقية كمب ديفيد.
هذه ومعطيات أخرى، تستفز عدوانية الولايات المتحدة التي تجد إعلاناً صريحاً في مبادئ كارتر (Carter Doktrin) التي لا تختلف جوهرياً عن مبادئ أيزنهاور، التي تنص “بحق” لجوء الولايات المتحدة إلى كافة الوسائل بما في ذلك استخدام القوات المسلحة للولايات المتحدة الامريكية من أجل الدفاع عما يسمى ” المصالح الحيوية الأمريكية “. (9)
وهناك مؤشر يستحق التمعن، فحجم الفعاليات العسكرية خارج الولايات المتحدة يعكس مكانة القوة المسلحة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية ويعبر عن أهدافها. وحتى نهاية عقد السبعينات كان للولايات المتحدة 429 قاعدة عسكرية كبيرة، و2,297 قاعدة صغيرة في الخارج، وهي تعتزم الآن بناء نظام قواعد، ويخدم وأحد من كل أربعة جنود أمريكان خارج الولايات المتحدة. والرئيس الأمريكي يعد كافة أقاليم العالم لا سيما تلك الثرية بالنفط كمناطق نفوذ حيوية للولايات المتحدة تستحق التدخل بالقوات المسلحة الأمريكية. (10)
وسنحاول في هذا البحث أن نتطرق إلى اربعة قواعد، لها خصائص في التكوين، والتشكيل، إضافة إلى المهام الاستراتيجية. وهي : هونولولو/ جزيرة هاواي الباسفيك، جزيرة غوام الباسفيك، ديغوغارسيا المحيط الهندي، إسرائيل حوض البحر الأبيض المتوسط. والملاحظ التوزيع الاستراتيجي الدقيق للقواعد المهمة، فهاواي وغوام يقعان في جبهة تتضاعف أهميتها بمرور الوقت، فبينما كانت اليابان قوة مؤثرة في المحيط الباسفيكي، أنتقلت الأهمية القصوى حاليا إلى الصين بوصفها قوة أقتصادية وعسكرية ناهضة. تمثل خطرا أكثر بكثير من اليابان في الثلاثينات والأربعينات. والمحيط الباسفيكي هو خط الدفاع الثاني والثالث قبل السواحل الامريكية.
أما جزيرة ديغوغارسيا، فأهميتها خطيرة، إذ تمثل الاحتياط الاستراتيجي لوى الباسفيك من جهة، وإطلالتها على جنوب الشرق الأوسط، واستخدمت بكثافة في حرب أفغانستان، والحروب الأمريكية على العراق، وإسرائيل قاعدة منحت شكل دولة في المشرق العربي لتجاوز مشكلات سياسية أراد الغرب(بقيادة الولايات المتحدة) استباقها .
قاعدة هونولولو / جزر هاواي:
شكل أرخبيل من الجزر في المحيط الهادي تبلغ مساحته 16,642 كم. بحسب إحصاء السكان لعام 2000، بلغ عدد سكان هاواي هو 1,211,537 نسمة. هنولولو هي العاصمة وأكبر المدن، تتكون هاواي من 19 جزيرة رئيسية.
هاواي هي آخر الولايات التي انضمت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكواحدة من الولايتين اللتان تقعان خارج التواصل الجغرافي للولايات المتحدة (الولاية الأخرى هي ألاسكا)، وهي الوحيدة التي تزداد مساحتها باستمرار بسبب النشاط البركاني وتدفق الحمم البركانية، وبشكل خاص في جزيرة كيلاو Kīlauea. سكانيا، هي الولاية الأمريكية الوحيدة التي لا يوجد فيها أغلبية من البيض كما أنها واحدة من ثلاث فقط لا يشكل فيها البيض ذوي الأصول غير الأمريكية الجنوبية والوسطى أغلبية وفيها نسبة عالية من الأمريكيين الآسيويين. بيئيا وزراعيا، تعتبر هاواي عاصمة الأنواع المهددة بالانقراض في العالم وهي المكان الوحيد الذي تعتبر فيه صناعة القهوة جزءا من الإنتاج الصناعي في الولايات الأمريكية المتحدة. كما أن من أهم منتجات هاواي الزراعية هي الأناناس والموز وقصب السكر وجوز الهند.
اكتشفها الكابتن كوك عام 1778 وظلت تابعة للتاج البريطاني فترة طويلة، وكانت في تلك الفترة تحت حكم 4 ملوك محليين، استطاعت الملكة ليليوكالاني توحيدها في مملكة واحدة، وكانت تأمل أن تنضم للولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة رفضت فكرة الضم في بادئ الأمر، ثم أعلنت بها جمهورية 1884 من جانب الأمريكيين المقيمين بها، وفي عام 1898 صوّت الكونغرس الأمريكي في صالح ضم هاواي، وأصبحت جزء من الولايات المتحدة، وتكونت ولاية هاواي عام 1900.
هاواي هي واحدة من أربع ولايات كانت دول مستقلة قبل أن تصبح جزءا من الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع جمهورية ولاية فيرمونت (1791)، وجمهورية تكساس (1845)، وجمهورية كاليفورنيا ا (1846، وواحدة من اثنتين، جنبا إلى جنب مع تكساس، اللتان حصلتا على اعتراف دبلوماسي رسمي على الصعيد الدولي. مملكة هاواي كانت ذات سيادة من 1810 حتى 1893 عندما تمت الإطاحة بالنظام الملكي من قِبَل المقيمين الأمريكان (وبعض الأوروبيين) من رجال الأعمال. وتحوّلت بعدها إلى جمهورية مستقلة من 1894 حتى 1898، عندما تم ضمها من جانب الولايات المتحدة كولاية تابعة لها.
ولأهميتها الاستراتيجية، كانت هاواي هدفاً لهجوم جوي / بحري مفاجئ على بيرل هاربر من قبل الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 حيث كان الهجوم على بيرل هاربور وغيرها من المنشآت العسكرية والبحرية في جزيرة أواهو، التي قامت بها الطائرات والغواصات الصغيرة ومثلت السبب في دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية . ويرجح أن اليابان لو كانت قد أحتلت الجزيرة، لكانت قد خلقت صعوبة في إعادة احتلالها من قبل الجيش الأمريكي، وربما هذه واحدة من الأخطاء الكبيرة للقيادة العسكرية اليابانية.
تتكون هاواي من (23) جزيرة، أكبرها جزر هاواي، وماوي وأواهو وبها العاصمة، ومالاكاس، ولانا، ونيهاو، وكاهولاوي وأرضها عبارة عن قمم سلاسل جبلية بركانية غارقة، أقدمها الطرف الغربي من هذه المجموعة من الجزر، تكثر بها البراكين، وبهذا الموقع الفريد، تمثل نقطة أتصال مهمة مع البر الأمريكي، ومحطة مواصلات جوية / بحرية، وقاعدة خدمات إدارية، ومخازن ومستودعات، ومراكز طبية للأخلاء.
قاعدة غوام / Guam :
إقليم منظم وغير مدمج تابع للولايات المتحدة في منطقة ميكرونيسيا الفرعية في غرب المحيط الهادئ. تعد هاغاتنيا عاصمة غوام، وتعد ديديدو أكثر القرى اكتظاظًا بالسكان. تعد أقصى نقطة في غرب الولايات المتحدة وإقليمها، وتحسب من المركز الجغرافي للولايات المتحدة في أوقيانوسيا، وهي أكبر جزر الماريانا وأقصى نقطة في جنوبها وأكبر جزيرة في ميكرونيسيا. في عام 2022، بلغ عدد سكان غوام 168,801 نسمة. يعد الشامورو أكبر مجموعة عرقية، لكنهم أقلية في الجزيرة متعددة الأعراق. يمتد الإقليم على مساحة 210 أميال مربعة (540 كم2؛ 130,000 فدان) وتبلغ الكثافة السكانية 775 لكل ميل مربع (299 كم)
سكان غوام الأصليون هم الشامورو الذين يرتبطون بالشعوب الأسترونيزية في أرخبيل الملايو والفلبين وتايوان وبولنيزيا. لكن، على عكس معظم جيرانها، لا تصنف لغة الشامورو من اللغات الميكرونيسية أو البولينيزية. ربما تشكل، مثلها مثل اللغة البالاوية، فرعًا مستقلًا من عائلة اللغات الملايو-بولينيزية. استوطن شعب الشامورو غوام وجزر الماريانا منذ حوالي 3,500 عام. كان المستكشف البرتغالي فرناندو ماجلان أول أوروبي يزور الجزيرة ويطالب بها في 6 مارس 1521 في أثناء خدمته لإسبانيا. استعمرت إسبانيا غوام بالكامل في عام 1668. بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، كانت غوام محطة توقف مهمة للغلاوين الإسبانية في مانيلا. خلال الحرب الأمريكية الإسبانية، استولت الولايات المتحدة على غوام في 21 يونيو 1898. بموجب اتفاقية باريس لعام 1898، ثم تنازلت إسبانيا عن غوام للولايات المتحدة اعتبارا من 11 أبريل 1899.
قبل الحرب العالمية الثانية، كانت غوام إحدى خمس مناطق أمريكية في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى جزيرة ويك في ميكرونيسيا وساموا الأمريكية وهاواي في بولنيزيا والفلبين. في 8 ديسمبر 1941، وبعد ساعات من الهجوم على بيرل هاربر، استولى اليابانيون على غوام في 8 ديسمبر 1941، واحتلوا الجزيرة لمدة عامين ونصف قبل أن تستعيد القوات الأمريكية الجزيرة في 21 يوليو 1944، والذي يحتفل به عيدا للتحرير. منذ ستينيات القرن العشرين، كان اقتصاد غوام مدعوما في المقام الأول بالسياحة والجيش الأمريكي الذي تعتبر غوام إحدى القواعد الاستراتيجية الرئيسية له. كانت حالتها السياسية المستقبلية موضع نقاش كبير، إذ تشير استطلاعات الرأي العام إلى ميل قوي لاعتبارها ولاية أمريكية.
بدأ الاستعمار الإسباني في 15 يونيو 1668، بوصول بعثة تبشيرية بقيادة دييغو لويس دي سان فيتوريس، الذي أسس أول كنيسة كاثوليكية. كانت الجزر جزءًا من جزر الهند الشرقية الإسبانية، وجزءًا من نيابة إسبانيا الجديدة، ومقرها مدينة مكسيكو. بدأت الحروب الإسبانية -الشاموروية في غوام عام 1670 بسبب التوترات المتزايدة مع البعثة اليسوعية، وحدثت آخر انتفاضة واسعة النطاق في عام 1683.
الحرب العالمية الأولى
في 10 ديسمبر 1914، أُجبرت إس إم إس كورموران (أو كورموران الثانية)، وهي مستعمرة تجارية ألمانية مسلحة، على البحث عن ميناء في مرفأ أبرا في إقليم غوام الأمريكي بعد أن نفد الفحم. رفضت الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت محايدة في ذلك الوقت، تزويد كورموران بالمؤن الكافية لوصولها إلى الميناء الألماني؛ لذلك، احتُجزت السفينة وطاقمها حتى عام 1917.[
في صباح يوم 7 إبريل عام 1917، وصل خبر إلى غوام عن طريق برقية تلغرافية بأن الكونغرس الأمريكي أعلن الحرب على ألمانيا. أرسل الحاكم البحري لغوام، روي كامبل سميث، ضابطين لإبلاغ كورموران بأن حالة الحرب قائمة بين البلدين وأن الطاقم أصبحوا الآن أسرى حرب وأنه يجب تسليم السفينة. في هذه الأثناء، أغلقت سفينة يو إس إس سبلاي مدخل ميناء أبرا لمنع أي محاولة للفرار. كان الضابطان في زورق منفصل برفقة بارجة يقودها الملازم دبليو. إيه. هول، الذي كان قد تعين قائدا للغنيمة، وكان قد أحضر 18 بحارًا و15 من مشاة البحرية من الثكنات في قرية سوماي.
الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت إمبراطورية اليابان غوام وغزتها في معركة غوام عام 1941 في 8 ديسمبر 1941، في نفس وقت الهجوم على بيرل هاربر. أعاد اليابانيون تسمية غوام وأطلقوا عليها اسم أوميا-جيما (جزيرة الضريح العظيم). استمر الاحتلال الياباني لغوام حوالي 31 شهرًا. خلال هذه الفترة، خضع السكان الأصليون في غوام للعمل القسري والتفرقة الأسرية والسجن والإعدام ومعسكرات الاعتقال والدعارة القسرية.
لقي نحو 1,000 شخص حتفهم في أثناء الاحتلال، وفقًا لشهادة لجنة الكونغرس الأمريكي في وقت لاحق من عام 2004. يقدر بعض المؤرخين أن عنف الحرب أودى بحياة 10% من سكان غوام البالغ عددهم 20 ألف نسمة آنذاك. عادت الولايات المتحدة وخاضت معركة غوام عام 1944 من 21 يوليو حتى 10 أغسطس لاستعادة الجزيرة. يُعتبر يوم 21 يوليو عطلة إقليمية، وهو عيد التحرير.
ما بعد الحرب
بعد الحرب العالمية الثانية، وُضع قانون غوام التأسيسي لعام 1950 باعتبارها إقليمًا منظمًا غير مدمج تابع للولايات المتحدة، ونص على هيكل الحكومة المدنية للجزيرة، ومنح الشعب الجنسية الأمريكية. كان حاكم غوام يعين فيدراليًا حتى عام 1968 عندما نص قانون انتخاب حاكم غوام على انتخابه شعبيًا. بما أن غوام ليست ولاية أمريكية، لا يسمح لمواطني الولايات المتحدة المقيمين في غوام بالتصويت لانتخاب الرئيس، وممثلهم في الكونغرس هو عضو لا يحق له التصويت
المناخ والسطح
توجد حواجز مرجانية قبالة ساحل غوام، وترتفع هضبة جيرية على الجزء الشمالي من الجزيرة. وتمت إزالة العديد من الغابات في الشمال لإنشاء المزارع والمطارات. وفي النصف الجنوبي من الجزيرة سلسلة جبلية بركانية الأصل. وتنبع العديد من الأنهار في الجبال وتصب في الساحل. وتضرب الزلازل الجزيرة بين حين وآخر. ويوجد متنزه الحرب في الباسفيكي التاريخي الوطني – الذي أقيمتخليدًا لذكرى الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)- في غوام.
وطقس غوام دافئ معظم السنة، ويتراوح متوسط درجات الحرارة بين 20 و 32°م، بيد أن الأعاصير كثيرًا ما تجتاح الجزيرة. ويبلغ متوسط هطول الأمطار 230سم في العام. ويستمر موسم هطول الأمطار من مايو إلى نوفمبر.
السكان
معظم الغواميين من الشامورو، سكان الجزر الذين ينتمون أساسًا لأصول ميكرونيزية وفلبينية وأسبانية. وينحدر آخرون من مستوطنين أمريكيين وإيطاليين وفرنسيين وبريطانيين ويابانيين. وسُدسُ سكان غوام جنود عسكريون أمريكيون مع عوائلهم. واللغة الرسمية لغوام هي الإنجليزية، ولكن معظم الناس يتحدثون لغة الشامورو. والرومانية الكاثوليكية هي الديانة التي يعتنقها معظم السكان و يوجد أقلية اسلامية بالجزيرة تمثلها رابطة المسلمين في غوام. وجامعة غوام في مانجيلاو هي الجامعة الوحيدة في الجزيرة؛ وأكبر مدنها تامونينج.
الاقتصاد
يرتكز اقتصاد غوام أساسًا على الجيش الأمريكي والسياحة. ويحتفظ الجيش الأمريكي بقاعدة أجانا البحرية والعديد من المنشآت البحرية الأخرى على الجزيرة. وتوفر المنشآت العسكرية العديد من الوظائف للغواميين. ويزور آلاف السياح، ومعظمهم من اليابانيين، غوام كل عام. والزراعة وصيد السمك نشاطان اقتصاديان صغيران. ويزرع الفلاحون جوز الهند والبطاطا الحلوة والقلقاس (خضار جذري). والتونة أهم أسماك الجزيرة. وميناء غوام الرئيسي هو آبرا.
دييغو غارسيا / Diego Garcia
دييغو غارسيا هي جزيرة مرجانية في وسط المحيط الهندي على بعد نحو 1600 كم (1000 ميل) إلى الجنوب من الساحل الجنوب للهند وسريلانكا. وهي جزء مما يعرف بمنطقة المحيط الهندي البريطانية (BIOT). يبلغ طول الجزيرة 60 كم وهي تطوق بحيرة ضحلة طولها 19 كم وعرضها 8 كم. منذ تم تفريغ الجزيرة من سكانها بالقوة خلال سنوات ستينات وسبعينات القرن العشرين تم تحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية لبريطانيا والولايات المتحدة. قاعدة عسكرية إستراتيجية أمريكية-بريطانية تقع في جزيرة دييغو غارسيا، وهي أكبر جزر أرخبيل شاغوس في وسط المحيط الهندي. وتقع الجزيرة في منتصف المسافة بين ساحل الهند وجزيرة موريشيوس، عند تقاطع خط الطول 72.25 شرق مع خط العرض 7.2 جنوب.
جغرافيا الجزيرة
و تتميز الجزيرة بموقع استراتيجي ممتاز، إذ تبعد مسافة 600 ميل عن مركز الاتصالات البريطاني في جزيرة غان شمالا، في حين تبعد حوالي 1000 ميل إلى الشرق من جزيرة سيشل، حيث توجد القاعدة الأمريكية لتتبع الأقمار الصناعية. وعلى بعد 1250 ميلا منها إلى الجنوب الغربي تقع قاعدة فاكواس البريطانية في موريشيوس. كما أنها تبعد مسافة 67 ميلا إلى الجنوب الشرقي من جزر “ايغمونت”. كذلك تقع جزيرة دييغو غارسيا في منتصف المسافة بين مركز الاتصالات الأمريكي في طنورث-ويست كيب” في أستراليا، وأريتريا حيث كانت توجد قاعدة اتصالات أمريكية كبيرة.
و تبلع مساحة الجزيرة 28 كيلومترا مربعا، ولا يتجاوز عدد سكانها 500 نسمة، في حين يبلغ إجمالي سكان أرخبيل شاغوس حوالي 1000 نسمة، معظمهم من صيادي الأسماك. ولا ترتفع الجزيرة في تضاريسها عن 6 أقدام عن مستوى سطح البحر. وتتمتع بحوض ملاحي جيد يبلغ عمقه 140 قدم، وهو ما يكفي لإدخال أسطول من 50 إلى 60 قطعة بحرية.
إنشاء قاعدة دييغو غارسيا
[و من العام 1965، أصبحت الجزيرة نقطة حساسة في الاستراتيجية الدولية، اتفقت بريطانيا والولايات المتحدة في ذلك العام على إنشاء قاعدة مشتركة فيها. و في ديسمبر 1970، أعلنت لندن أن البدء بإنشاء القاعدة سيباشر في العام 1971، واعتبر ذلك القرار بمثابة رد على القنبلة النووية الصينية (1965) وتنامي الوجود السوفييتي في المحيط الهندي، الي تصاعد بشكل خاص بعد الحرب العربية -الإسرائيلية الثالثة (1967).
وتستخدم الولايات المتحدة مركز اتصالاتها في القاعدة لرصد حركة الأسطول السوفييتي في منطقة المحيط الهندي، بعد أن أصبح ذلك الأسطول الأكبر من حيث الكم في تلك المنطقة في العام 1975، وقادرا على الإفادة من التسهيلات البحرية في عدن، و«فيز أخا باتنام» (في الهند) وسقطرة (عند مدخل البحر الأحمر)، والصومال. كما أنها تستخدم القاعدة لرصد تجارب الصواريخ التي تقوم بها الصين الشعبية في المحيط الهندي. وفي الوقت نفسه، فإن المحيط الهندي يعد من المناطق التي يمكن منها للصواريخ التي تطلق من الغواصات أن تضرب أهدافا صناعية في قلب الاتحاد السوفييتي أو الصين الشعبية، الأمر الذي يعطي قاعدة دييغو غارسيا أهمية إستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة.
و يعتبر الأمريكيون والبريطانيون أن دييغو غارسيا تسد فراغا في نظام اتصالات البلدين في منطقة المحيط الهندي. ولقد سمحت القاعدة للأمريكيين بالتخلي عن قاعدتهم الكبيرة في أريتريا (كانيوستيشن). ولقد زادت أهمية القاعدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة-و الغرب عموما- بعد إعادة فتح قناة السويس للملاحة في العام 1975، نظرا لأن فتح القناة جعل من السهل على الأسطول السوفييتي الانتقال بسرعة كبيرة من البحرين الأسود والأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي.
و زاد من أهمية القاعدة كذلك تنامي أهمية الخليج العربي كمصدر حيوي للطاقة، وضرورة مراقبة منابع النفط وطرق إيصاله إلى الغرب.
ردود فعل سياسية دولية على إقامة القاعدة
و لقد أثارت إقامة القاعدة في دييغو غارسيا اعتراضات حادة من جانب الهند. فمن العام 1965، لم تتوقف الهند عن إبداء اعتراضها ضد إقامة القاعدة. وفي يناير 1974، نددت أنديرا غاندي -رئيسة وزراء الهند في ذلك الحين- بنية «بعض الدول على إقامة قاعدة نووية في المحيط الهندي». وتركز الاعتراض الهندي خاصة على وجود الغواصات النووية الأمريكية في المحيط الهندي، الأمر الذي يعرقل المشروع الهندي الرامي إلى جعل هذا المحيط منطقة خالية من الأسلحة الذرية، وتحييده وإبعاده عن صراعات القوى الكبرى.
و أبدى السوفييت كذلك احتجاجهم على المشروع الذي «لا يحمل طبيعة دفاعية». كما أبدت كل من الصين وسيلان وفيتنام الشمالية وأستراليا عدم ارتياحها لهذا المشروع. وفي مارس 1974، قررت الحكومة العمالية البريطانية إعادة النظر في الاتفاق. ومع ذلك استمر العمل على إنشاء القاعدة.
و في 1977، طلبت الولايات المتحدة من الاتحاد السوفييت الموافقة على «تثبيت النشاط البحري في المحيط الهندي في مستواه القائم آنذاك»، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي كارتر موافقته على تحييد ذلك المحيط، وذلك في إطار السياسة الخارجية الأمريكية التي تبناها الرئيس جيمي كارتر منذ توليه منصب الرئاسة الأمريكية.
الجزيرة تضم أحد خمسة هوائيات أرضية تساعد في تشغيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في حين توجد الهوائيات الأربعة الأخرى في بقاع أخرى من العالم.
لعبت القاعدة العسكرية على الجزيرة دوراً في الحرب الباردة وفي غزو أفغانستان عام 2001 وحرب الخليج الثانية وغزو العراق عام 2003. وما تزال القاعدة العسكرية في الجزيرة تلعب دوراً مهماً في العمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط رغم الأهمية الكبيرة لقاعدة العديد الجوية في قطر.
القاعدة الصهيونية / إسرائيل
الولايات المتحدة والغرب: بريطانيا وفرنسا، بصفة خاصة، ومن أجل حماية نفوذهم وتأثيرهم في المشرق العربي، ولم تشأ أن تضع كامل ثقلها واعتمادها على القواعد المقامة في الدول الأجنبية وما تعانيه من متاعب سياسية / اقتصادية في قواعدها في قبرص، ومالطا، وجبل طارق،
وفي تحليل للاتجاهات الأساسية لإسرائيل، من المطلوب التعرف على الجوانب القانونية والنظرية الآيديولوجية التي تتحكم بالفعاليات السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا الكيان. إن الأفكار والنظريات الصهيونية السائدة في هذا الكيان، والذي تتحكم في فعالياته الخلفية للنظريات والأخلاقيات التي تتأسس عليها الدولة. وتسعى إسرائيل إلى تحقيق الأهداف النظرية للصهيونية.
” والصهيونية هي تيار بورجوازي رجعي / يهودي، معادية في جوهرها للاشتراكية، متطرفة واستعمارية. وهذا التيار يدعم الدين ويخدم الإمبريالية والرأسمالية العالمية ” لذلك ” فإن الفعاليات الصهيونية هي جزء ثابت من الاستراتيجية الإمبريالية الشاملة، وتحقيق الخطط الصهيونية ممكنة فقط من خلال الاستراتيجية الإمبريالية ” . (11)
وخلال سنوات تلت مرحلة التأسيس، تحول الكيان الصهيوني إلى أداة مهمة في أيدي الغرب لا سيما الولايات المتحدة لإضعاف الحركة الثورية وبصفة خاصة في الوطن العربي.
وأنتجت إمبريالية الولايات المتحدة الأيدولوجيات الرجعية وتدعم موقف الرجعية والأكريليكية (Klerikalism) والشوفينية المتطرفة في ذلك تلعب الصهيونية الدور الرئيس ” إذ تنكر الآراء الاشتراكية العلمية وتقف من الاشتراكية والتحولات الاشتراكية والتقدمية على الدوام موقفاً معادياً ” . (12)
وقد انعكس ذلك في تأسيس دولة إسرائيل من أجل خلق ” دولة إمبريالية صغيرة ” في الشرق الأوسط وإلى منبع رئيسي للصرعات المسلحة ولعدم احترام حقوق الشعوب، وعلى الرغم من أن إسرائيل قد قبلت في الأمم المتحدة وفق شروط وهي لم تفرض على أي دولة من الأعضاء. وفي ذلك لابد من ملاحظة بيان ممثل الحكومة الإسرائيلية أمام لجنة السياسية الدائمة في الأمم المتحدة بقبول قرار الأمم المتحدة في 29/ 11/ 1947 (حول الحدود وقرارها في 11/12/1948 حول تقسيم فلسطين واحترامها. (13)
إن القوام الصهيوني لدولة إسرائيل ينعكس في سياستها الخارجية وفي تعاونها وتنسيقها مع الإمبريالية العالمية حيث تحولت إلى أداة مهمة في استراتيجيتها حيال الشرق الأوسط وفي سياستها الداخلية، فقد عرفت هذه الدولة وطبعن طابعها من حيث أنها خلقت مجتمعاً عنصرياً وجدت انعكاساتها في قوانين الدولة. وتلك هي بعضها:
ــ إن إسرائيل هي واحدة من الدول النادرة التي ليس لها دستور، وهذا يمنح الدولة الامكانية للقيام بأعمال غير ديمقراطية وكذلك عدم تحديد مساحة الدولة، أو بالأحرى الخارطة السياسية. و ” إسرائيل من الدول القليلة التي تطرح حدوداً جديدة تطالب بها. وهي في سياستها الخارجية تذهب أن على الدولة أن تناضل حتماً من أجل حدود تتناسب مع متطلباتها. والحرب والتفوق العسكري هي من الأساليب لذلك ليس هناك اعتبار لحقوق الشعوب الأخرى، والحرب والتصعيد هي ضمانة وحماية للحدود “. (14)
ـ إن الرفض المتعمد لتشريع دستور، هو تعمد تجاهل حقوق قوميات وأديان أخرى، وفي إسرائيل هناك 159 قانون ساري المفعول تمنح الطابع العنصري لهذه الدول ضد المسلمين والمسيحيين العرب. (15)
وكمثال على ذلك، أن إسرائيل وفي غضون 25 سنة الماضية، استولت على أكثر من 80% من أراض تعود للعرب وطردت مئات الألوف منهم خارج أرضهم وبلادهم. (16)
وفي 5/ تموز/ 1950، وفي 1/4/1952 شرعت إسرائيل قوانين لكافة اليهود في العالم وفيها تجيز ازدواج الجنسية، وتعد أي يهودي أينما كان هو إسرائيلي وإن لم يطالب ويحرز الجنسية الإسرائيلية ولا يقيم في إسرائيل. (17)
وتدل الحقائق التاريخية على أن الدولة المدعمة بقوة من الإمبريالية العالمية لم تتوصل إلى نظام سياسي واجتماعي فحسب، والتي هي صورة مصغرة من الدول الإمبريالية الكبرى، بل أداه استراتيجية مهمة لها منذ تأسيسها وحتى الآن.
وحتى عام 1956، كانت الإمبريالية البريطانية والفرنسية تمثل القوة الأكثر نفوذاً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لإسرائيل. ففي العام 1956 خاضت إسرائيل مع هذه الدول الحرب ضد مصر من أجل تحقيق أهداف الإمبريالية تجاه الحقوق الشرعية في تأميم قناة السويس. ومنذ أواسط الستينات، استلمت الولايات المتحدة دور المجهز والممون الرئيسي للسلاح وكان هذا لسببين رئيسيين:
• كرد فعل على تعاظم قوة حركة التحرر الوطنية وملامحها البارزة المعادية للإمبريالية، ومن أبرز ظواهرها، هي الاعداد المتزايدة من البلدان العربية التي تنتهج طريق التطور اللارأسمالي مع التوجهات الاشتراكية,
• الاهتمام الاستعماري المتزايد لإمبريالية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. (18)
وقد بذلت الولايات المتحدة منذ الخمسينات، المساعي الحثيثة والكبيرة من أجل أن تحول دون أن تنتهج بلدان الشرق الأوسط المنهج التقدمي في تطوير مجتمعاتها. ولكن تلك المساعي لم يكتب لها النجاح بسبب التناقض الصارخ بين المصالح الإمبريالية وشعوب المنطقة، وكان ذلك دافعاً لزيادة دعمها لإسرائيل. (19)
ومنذ عام 1965، تحول الدعم الأمريكي من المستوى السياسي والاقتصادي إلى الدعم العسكري الواضح والصريح مع نوايا عدوانية قوية، وبالضبط منذ أن أتضح الخط الاشتراكي في مصر وتصاعد وتطورت وتيرة العلاقات المصرية ــ السوفيتية، ومع البلدان الاشتراكية وبشكل متكور من العلاقات. (20)
وبذلك تحولت إسرائيل بصورة تامة إلى أداة في السياسة الخارجية الأمريكية واستراتيجيتها الشاملة، وأضحت هدفاً لتهديد مصر التقدمية، وهي ترمي إلى خلق علاقات جديدة في الشرق الأوسط من أجل المضي في خططها العدوانية ” وهي بذلك تستخدم موقعها في الشرق الأوسط كعنصر ضغط للتأثير على علاقات الاتحاد السوفيتي على الاصعدة الاستراتيجية ” . (21)
وحرب حزيران / 1967 خير مثال على تلاق المصالح الاسرائيلية والأمريكية، إذ غدا معروفاً أن الخطط العدوانية ضد البلدان العربية قد جرى تخطيطها في قيادة الأركان لحلف الناتو والاستخبارات الأمريكية ( (CIA نسقت أعمالها في الشرق الأوسط، كما عمل وقاتل طيارون وضباط وخبراء أمريكان إلى جانب إسرائيل، وكانت الأهداف الرئيسية تتمثل في إسقاط الأنظمة التقدمية، وتوسيع المجال الحيوي الإسرائيلي، وتقوية نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل وأكثر من ذلك، فقد كانت الأوساط الإمبريالية تتوقع أن الحرب ستقلص وتضعف من نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط. (22)
وأوضح أحد قادة إسرائيل(أيغال ألون) وهو وزير دفاع سابق، أن أحد الأسباب الجوهرية لحرب حزيران / 1967 قائلاً: ” أولاً أن إسرائيل قد أصبحت بتوجهها الرأسمالي وتحولت إلى دولة إمبريالية صغيرة، والآخرين (سورية ومصر) إلى دول وطنية قومية ــ تقدمية وتنتهج طريق التطور اللارأسمالي في تطوير مجتمعاتها والذي يحمل سمات وتوجهات اشتراكية معادية للإمبريالية . (23)
وبعد ذلك بست سنوات، وفي تشرين الثاني / 1973، صرح الرئيس الأمريكي نيكسون أمام السفراء العرب في واشنطن ” أريد أن أبلغكم أن أمن إسرائيل هو أمر فوق ما نستطيع مناقشته ” . (24)
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أكثر وضوحاً بقوله: ” إن إسرائيل لا تحتمل حرباً لتسعة أيام دون الاعتماد على الولايات المتحدة “، إذن فإسرائيل في هذه الحالة لابد ان تكون ذات أهمية فائقة للإمبريالية العالمية والولايات المتحدة بصفة خاصة. وفي الجدول أدناه نلاحظ المساعدات الأمريكية إلى إسرائيل.(25)
وكمثال آخر لتنامي أهمية إسرائيل في استراتيجية الولايات المتحدة الشرق أوسطية، هو الدعم العسكري والاقتصادي الكثيف التي تجاوزت عام 1979 ال 2،4 مليار دولار، وهو بالطبع مبلغ يعاد كل ما دفع لإسرائيل من مساعدات أمريكية منذ تأسيسها وحتى عام 1972. (26)
وتعبئ إسرائيل طاقاتها البشرية في قواها المسلحة، وتضعها في خدمة الإمبريالية:
1. تمتلك إسرائيل قوات مسلحة ضخمة، وسكان مدربين على الحرب، ويستدعى 10% من سكان إسرائيل إلى الخدمة العسكرية. (27)
2. تتراوح نفقات الجيش الإسرائيلي بين عام 1967 إلى العام 1973 كمعدل 25 ــ 30% من الناتج القومي الإجمالي، وهذا يمثل ضعف التخصيصات المماثلة في الولايات المتحدة. (28)
3. تلعب الصناعات العسكرية الاسرائيلية دوراً مهماً ولها امتدادات عريض وعميقة مع الاحتكارات الامريكية. وحتى بداية السبعينات، كان يعمل في هذه الصناعات 100،000 عامل وهذا يمثل 10% من قوة العمل الإسرائيلية و32% من العاملين في الصناعة بصفة عامة. وفي العام 1971، ناهز تصدير السلاح من إسرائيل 11% من مجموع الصادرات الإسرائيلية. (29)
4. في عام 1979 تواصل تصدير السلاح إلى الأنظمة الفاشية والديكتاتورية والأنظمة الرجعية في أميركا اللاتينية بما قيمته 1 مليار دولار، وتقدم إسرائيل هذه القوة والامكانات في خدمة الاستراتيجية الامريكية الشاملة والتي لا تتناقض مع مصالحها، وبنفس الوقت تتفق مع الآيديولوجية الصهيونية كقاعدة رئيسية.
5. العمل ضد حركات التحرر الوطني، ومن هنا فإن إسرائيل تلعب دوراً مهماً ووسيلة من أجل حماية وضمان التطور في البلاد العربية تحت النفوذ الأمريكي، وإعاقة تعميق العلاقات مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية. (30)
6. تحتل إسرائيل مكانة مهمة في استراتيجية الولايات المتحدة الشاملة، كما تلعب دوراً في إحباط النفوذ السوفيتي في المنطقة، كما أنها الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه، وتضع قوتها وامكاناتها في خدمة الولايات المتحدة وتنتهج سياسة معادية للسوفيت في وسط بحر من العرب الراديكاليين “. (31)
7. وبفضل الدعم الأمريكي والمساعدات، ومن خلال الاحتكارات الدولية والصهيونية العالمية، وأيضاً من خلال هجرة الكادر المؤهل إليها، تطورت إسرائيل إلى دولة رأسمالية حديثة، وأن تلعب دوراً إمبريالياً تحت مظلة الحماية لتمارس دوراً يهدف لبسط السيطرة الامريكية ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل وفي مناطق أخرى من العالم ولا سيما في أفريقيا، ثم صعدت من تصدير الأسلحة وفي ذلك استخدمت الولايات المتحدة إسرائيل في تقاسم الأدوار والفعاليات، وكانت إسرائيل وما تزال تقف إلى جانب القوى الغاشمة المضطهدة لشعوبها في القارة الافريقية. (32)
8. وتركز إسرائيل في علاقاتها الخارجية على الدول الرجعية المتطرفة في أفريقيا مثل النظام العنصري في جنوب أفريقيا، والتي ترسل إليها الاسلحة وتساعدها على اضطهاد وقمع حركة التحرر. (33)
إسرائيل ليست أمة، (الأمم لا تقام على أسس دينية)، بل حركة سياسية أسستها جمعية عنصرية (المجلس الصهيوني الاعلى)، ومنحهم الإنكليز حق إنشاء دولة(وعد بلفور)، وهي ليست أرض إنكليزية لا يحق لبريطانيا التصرف بها، ودولة مخالفة (ليومنا هذا) شروط قبولها في الأمم المتحدة (قرار تقسيم فلسطين الغير منفذ الساري المفعول ليومنا هذا)، ولم تقدم خريطتها للأمم المتحدة.
استخدمتها بريطانيا وفرنسا عام 1956 في العدوان على مصر، واستخدمتها الولايات المتحدة كأداة في سياستها العربية، وهي تعيش على المساعدات والدعم الخارجي. وتضع نفسها كأداة سياسية / عسكرية بأيدي السياسة الامريكية وصناع القرار فيها. واستقلال الدولة شكلي، وفي الواقع فهي كيان تحت الرعاية السياسية/ الاقتصادية / العسكرية التام، ويستبعد بنسبة 100% قدرتها على أتخاذ قرارات حاسمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1. بيلاشنكو,ت: قواعد الإمبريالية أداة العدوان، موسكو 1978، ص6
2. لويس، بيلتير: الجغرافية العسكرية، بغداد 1975، ص9
3. Gallman, W.: Iraq under Genral Nuri, Meryland USA 1964, P. 21
4. Simanjan, R.: Gefährliche Aufmärsche , in Krasnja Sved, vom 02.03.1974
5. الجدول من عمل الباحث استناداً إلى مصادر شتى
6. ناطق بأسم وزارة الخارجية الأمريكية، صحيفة الجمهورية بغداد 16/ 1/1979
7. Konzelmann, G.: Die Reichen aus dem Morgenland, München 1975, S. 44-45
8. بالدوين، هانسون: نفس المصدر، ص 278
9. النشرة الاستراتيجية: مركز دراسات العام الثالث، لندن 1979، العدد 1
10. Honecker, E., Die Einheit der Revolutionären Hauptstürme festigen , in Probleme der Friedens und des Sozialismus, Berlin 1981, S. 3
11. إيرليش، في: الصهيونية الحقيقة والاختلاقات، موسكو 1980، ص112
12. أيرليش: نفس المصدر، ص113
13. سلام، م: من رودوس إلى جنيف، بيروت 1974، ص59
14. دييف: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975،ص55
15. لارني، م: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص141
16. بيلفايس، ك: الصهيونية الحقيقية والاختلاقات، موسكو 1980، ص152
17. لاديكين: الجوهر الرجعي للصهيونية، موسكو 1975، ص 98
18. . بن فورت، دان أوري: تأسيس وتطور القوات الجوية الاسرائيلية، بيروت 1972/ ص 224
19. Safran, N.: Israel the Imbattled Ally, Harvard University Press 1978. P. 581
20. بيرس، شمعون: حروبنا مع العرب، بيروت ـــ، ص93
21. . Safran, N.: P. 582
22. . ألون، أيغال: تأسيس ونمو الجيش الإسرائيلي، بيروت 1971، ص220
23. ألون، أيغال: تأسيس ونمو الجيش الإسرائيلي، بيروت 1971، ص220
24. هيكل، محمد حسنين: الطريق إلى رمضان، بيروت 1975، ص 221
25. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص221
26. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص221
27. مجموعة مؤلفين: التقصير، بيروت 1974، ص35
28. سلمان، س، الدور الجديدة للصهيونية في المنطقة العربية، بيروت 1995، ص78
29. سلمان، س: نفس المصدر السابق، ص78
30. بريماكوف، يفغيني: تشريح نزاع الشرق الأوسط، دمشق 1979، ص223
31. تارابراين: الاستعمار الجديد في أفريقيا، موسكو 1975، ص166
32. Nixon, R.: So haben wir den Frieden frloren, Hamburg 1980, S. 103
33. Dayan, M.: Die Geschichte meines Leben, München 1976, S. 405
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة :
المعطيات حول هاواي، وغوام، وديغوغارسيا، من الموسوعة الألمانية.