ثقافة وفنون

رامي يونس وسارة فريدلاند: إعادة تخيل مدينة اللد عبر شاشة السينما

رامي يونس وسارة فريدلاند: إعادة تخيل مدينة اللد عبر شاشة السينما

حاورتهما: لورين كولي/ ترجمة عبدالله الحيمر:

تبقى الوقفة السينمائية العالمية بخصوص الإبادة الجماعية في غزة والمعتمدة على القيمة الإنسانية والأخلاقية علامة فارقة في تاريخ المهرجانات السينمائية الملتزمة. في مواجهة توحش ما بعد الصهيونية، بحرب إبادة جماعية لشعب أصيل وسرقة أرضه واستغلال موارده وتزوير تاريخه، وتقديم سردية مغالطة بالمكان والزمان. هكذا تكلمت المخرجة سارة فريدلاند، على منصة مهرجان البندقية: «بصفتي فنانة أمريكية يهودية، يجب أن أشير إلى أنني أقبل هذه الجائزة في اليوم 336 للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة والعام 76 للاحتلال».
لم يأت هذا الموقف الإنساني من فراغ، بل من ثقافة تصحيحية عن مفهوم النكبة في موقف الأبستيمولوجي والمفاهيم عن نكبة لدى اليهود الأمريكيين، الذي استطاعت المخرجة التغلب عليه باستخدام مهاراتها في سرد القصص لتوسيع المنظور حول هذا التاريخ. مضيفة: «إن أي شيء يدافع عن الحقوق الفلسطينية لا يزال موضع خوف كبير في الولايات المتحدة، بسبب اللوبي الصهيوني». المخرجان استلهما فكرة الفيلم من كتاب سالم تماري «الجبل ضد البحر». نقدم هذا الحوار الاستكشافي عبر ثلاث مناطق زمنية للكاتبة لورين كولي، وهي تحاور ثنائي الفيلم. علما أن الفيلم يروي قصة مدينة اللد، التي مثلت يوما حلقة وصل بين فلسطين والعالم. والفيلم سيناريو افتراضي لما كان من المحتمل أن يغدو عليه مستقبلها من دون نكبة. الفيلم من إخراج يونس رامي يونس وسارة فريدلاند، ويشاركهم التأليف الياس سليمان.

■ لورين كولي: أريد أن أبدأ بسؤالك عن الأجزاء المتحركة من الفيلم، كيف بدأت العمل مع رسامي الرسوم المتحركة لخلق مظهر وشعور هذا العالم التخييلي؟ هل كان استخدام الرسوم المتحركة خيارا عمليا بحتا، أم أن هناك عوامل أخرى في قرار جعل مدينة اللد، مدينة أخرى على الشاشة السينمائية؟

□ رامي يونس: الشيء الجيد في الرسوم المتحركة، أنها تمكنك من إنشاء العالم الذي تريده، دون قيود. على سبيل المثال، أردنا إعادة شخصيتين من مخيم للاجئين إلى مسقط رأسهم في اللد، لكن لا يُسمح لهم بالدخول لأنهم يعيشون في الضفة الغربية، ويمنعهم نظام الفصـل العنصري من دخول فلسطين التاريخية، لكن في الرسوم المتحركة يمكننا وضعهم حيث يريدون. كنا في حاجة فقط إلى تسجيل أصواتهم من أجل صورهم الرمزية، التي سيعيشون بها في «اللد المتخيلة» ويذهبون إلى الجامعة هناك (على سبيل المثال). الفيلم ليس حقيقيا ومن الواضح لأي شخص أن يتخيله عالما حقيقيا، لذا فإن الرسوم المتحركة تسمح بتمييز أفضل بين الواقعين المتوازيين. لحسن الحظ بالنسبة لنا، وجدنا استوديو للرسوم المتحركة متميزا ومقره مصر. لقد تجاوبوا معنا فنيا منذ البداية، لذلك لم يكن هناك الكثير من شرح الرؤية من قبلنا (أنا وسارة). نحن نؤمن أيضا بالحرية الفنية، لذلك كان لديهم مداخلاتهم على مستوى تحريك الصورة أيضا.

■ لوين كولي: هل يمكنك التحدث قليلاً عن كيف أصبحت فكرة القديس جرجس مهمة في الفيلم؟

□ سارة فريدلاند: أحد الأشياء التي أدهشتني عندما زرت اللد لأول مرة، كانت أيقونة القديس جرجس في كل مكان ـ على الأبواب وفي الملصقات، لأن القديس جرجس، الذي يُدعى الخضر باللغة العربية، ويعتقد أن والدته كانت أصولها من اللد، وأنه مدفون بالفعل في قبو الكنيسة الأرثوذكسية في اللد. من المثير للاهتمام أنه أيضا شفيع إنكلترا. لم أكن أعرف ذلك، لكنه منطقي تماما ـ مثال آخر على كيفية تخصيص «الغرب» للتاريخ لخدمة روايته الخاصة. تصوره معظم الصور المصنوعة من القديس جرجس على أنه صليبي أوروبي يرتدي درعا لامعا، ولكن إذا كانت والدته من اللد، فسيبدو مختلفا كثيرا ويجب تصويره بملامح شرق أوسطية وفقا لذلك. نجا عيسى فانوس، أحد الشخصيات الوثائقية في فيلمنا، من النكبة، وأصيب بصدمة من ذكرياته في ذلك الوقت. للتعامل مع هذه الصدمة، لجأ إلى الفن ـ إنشاء رسومات ولوحات ومنحوتات للحياة الفلسطينية المسيحية في اللد، بما في ذلك القديس جرجس. وفي جميع صوره للقديس جرجس، يبدو القديس مثله بالفعل ـ فهو يتقمص فعلا شخصية القديس جرجس، الذي أحببناه. في الواقع المتحرك، اتخذنا هذا الاصطلاح خطوة إلى الأمام وقررنا أن تكلفة [فانوس] من البلدية بإقامة تمثال الذكرى السنوية لمقتل الخضر التنين كشخص عربي وليس أوروبيا.
وكما لاحظتم، فإن قتل التنين في صورتنا الخيالية يحيي ذكرى «حربنا الكبرى ضد الاستعمار» عندما هُزمت القوى الاستعمارية يرسم تماري في كتابه «الجبل ضد البحر» صورة للهوية المشتركة لجسد مدينة اللد، حيث تعيش شعوبها المختلفة ـ العربية والمسيحية واليهودية والمسلمة والدرزية ـ بحرية وعلى قدم المساواة جنبا إلى جنب. يزين تمثال القديس جرجس، الذي أصبح «شخصا داكن البشرة من الشرق، وليس رجلا أبيض صليبيا» ساحة المدينة، ويتجمع الفلسطينيون من جميع الأديان للاحتفال بالمدينة وقديسها.

■ لورين كولي: هل يمكنك التحدث عما يعنيه عرض قصة اللد من منظور المدينة بدلاً من منظور أولئك الذين يعيشون هناك؟ ما هي آمالك في ما قد يجلبه هذا على مستوى المواجهة مع واقع الاحتلال؟

□ يونس ريان: هذا سؤال رائع. نعتقد أن المدن لها أرواح أو شخصيات. فكري في الأمر: لماذا نفضل جميعا مدنا معينة على غيرها؟ سرد القصص في هذا الفيلم معقدة للغاية، وكنا في حاجة إلى تبسيط الأشياء من خلال اختيار العمود الفقري السردي سهل المتابعة. ومع ذلك، لم نرغب في إجراء تعليق صوتي بسيط لأنه كان سيكون الخيار السهل والواضح. أثناء صياغة هيكل الفيلم، واصلت أنا وسارة استكشاف العديد من قصص المدينة وأدركنا عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتحدثون عن مدينة اللد برهبة وألم. أصبح من الواضح أنه إذا كانت المدينة شخصا، فستكون هذه المغنية القديمة، هذه النجمة العملاقة التي تقف وراءها أيام مجدها. حتى إن الفلسطينيين الذين ليسوا من اللد لا يعرفون سوى القليل عن تاريخها المؤلم، ثم اعتقدنا أن هذا يجب أن يكون عمودنا الفقري السردي، وأنه يجب علينا ترك هذه المغنية تروي قصتها، والسماح لها بإعادتها إلى أيام مجدها. إذا حكمنا من خلال ردود فعل اللاجئين «اللديين» الذين شاهدوا الفيلم، فقد لاقى صدى طيبا عند أكثرهم.

لورين كوين: يحتوي فيلمك على بعض المقابلات الأرشيفية الوهمية مع أعضاء البلماح الإسرائيلية، الذين تورطوا في مذبحة اللد. هل كان من الصعب الحصول على هذه اللقطات من الارشيف الفلسطيني المسروق؟

□ سارة فريدلاند: لقد قرأت عن هذه اللقطات في مقال وقررنا أننا في حاجة للذهاب إلى أرشيف مجموعة البلماح الإسرائيلية ومعرفة ما كان هناك من وثائق أرشيفية عن النكبة. كان من الضروري للغاية زيارة هذا الأرشيف العسكري، ومخيفا شخصيا بالنسبة لي، لكن في نهاية المطاف، اسمي سارة فريدلاند (يهودية جدا) ورامي يتحدث العبرية بطلاقة، لذلك عندما أخبرناهم أننا كنا نصنع فيلما عما حدث في اللد خلال عام 1948، نعتقد أنهم افترضوا أنه سيكون من منظور اتفقوا معه ولم نقول لهم خلاف ذلك. ربما لم يهتموا، حتى من المستحيل القول ذلك..
حصلنا على بيان من الأرشيف لاستخدام اللقطات، ولم نضطر إلى دفع ثمنها. تم تصوير اللقطات في الأصل للتلفزيون الإسرائيلي وهي جزء من أرشيف أكبر لجميع هجمات البلماح خلال النكبة. الكثير من اللقطات التي استخدمناها هي مقتطفات مقطوعة من فيلم وثائقي تلفزيوني تم إنتاجه في أواخر الثمانينيات. على الرغم من أن بعض الجنود في اللقطات يبدون متضاربين في افكارهم، إلا أن التيار الرئيسي للإسرائيليين واليهود في الشتات فخورون بهذا التاريخ، لذلك ليس من المستغرب أن يكون موجودا، أو أنهم قدموه لنا. ومع ذلك، أعتقد أنه من المهم التفكير في دور الأرشيف الفلسطيني في مواجهة سردية الاحتلال الإسرائيلي، وكيف أن استخدامنا لهذا الإرث يتحدى هذا الإرث المغلوط على مستوى الوجود الفلسطيني. منذ عام 1948، سرقت إسرائيل مواد أرشيفية فلسطينية، بما في ذلك صور عائلية ووثائق تؤكد الهوية الثقافية الفلسطينية. يتم حبس الكثير من هذا الأرشيف المنهوب في الأرشيف العسكري الإسرائيلي. بعض المحفوظات، مثل تلك التي استولت عليها إسرائيل من مكاتب مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت في أوائل الثمانينيات ـ معظمها سجلات للعائلات والقرى الفلسطينية في فلسطين قبل عام 1948 ـ اعتبرتها منظمة التحرير الفلسطينية مهمة، لدرجة أنها كانت حتى جزءا من تبادل الأسرى. يُعامل الأرشيف الفلسطيني حرفيا على أنه سجين سياسي ـ وهذا هو مدى تهديد الأدلة على وجود فلسطين لدولة إسرائيل. الأرشيف العسكري الإسرائيلي، مثل أرشيف مجموعة البلماح، لا يمكن لمعظم الفلسطينيين الوصول إليه، الذين لا يُمنعون فقط من الوصول إلى الأدلة الفوتوغرافية والمادية المنهوبة على وجودهم، ولكن أيضا من رؤية الأدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية الموجودة في هذه المحفوظات، مثل اللقطات التي حصلنا عليها. لذلك عندما ذهبنا إلى أرشيف مجموعة البلماح، وحصلنا على لقطات لجنود البلماح في اللد، جعلنا هذه اللقطات علنية ومتاحة لجميع الفلسطينيين من خلال فيلمنا.

■ لورين كولي: ينتهي الفيلم بتكرار أهمية ليس فقط الذاكرة الجماعية للبقاء الوجودي، ولكن أيضا لرواية القصص التخمينية. كيف تتشابك الذاكرة والتكهنات في الفيلم؟ هل الفيلم يعتمد على الممارسات الأفروفوتورية، أم سلالات أخرى من التفكير ضد الاستعمار الزمني؟

□ سارة فريدلاند: كلانا من عشاق الخيال العلمي، وفكرنا كثيرا في تاريخه الطويل كأداة للتحرير وتصور آفاق سياسية جديدة، مثل المذهب الأفرو فوتورية. قرأت الكثير من الخيال العلمي والخيال التخميني ـ عن فكرة أورسولا ك. لوجوين في «اليوتوبيا الغامضة» أبلغتنا كثيرا عن الواقع البديل، لأننا لم نرغب في بناء عالم مثالي يشعر بالأهمية؛ أردنا أن نلمح إلى صراعات لا تزال قائمة دون الاحتلال. ساعدني كتاب تشاينا مايفيل: «المدينة والمدن» China Miéville «The City & the City» أيضا على فهم الشعور الذي ينتابني في كل من فلسطين/إسرائيل والولايات المتحدة، بأن هناك مدنا متداخلة مختلفة البناء على حقوق التنقل التي تتخذها الدولة وتمنحها لمجموعات معينة دون اعتبار لمجموعات عرقية أخرى من الساكنة. وهذا يفرض واقعا آخر على جسد المدينة في الواقع المعاش.
بصفتي يهودية أمريكية، تعلمت حقيقة بديلة حول تأسيس دولة إسرائيل التي تعد جزءا من مشروع بناء العالم الأكبر الذي أنشأ دولة إسرائيل ويدعمها. هذا التاريخ البديل يمحو فلسطين والفلسطينيين، ويغير تضاريس الأرض، ويعيد إحياء لغة كاملة وسردية دينية وتسمية توراتية. هناك الكثير من الأدوات لبناء عالم سردي بديل لوطن محتل وهو الخيال العلمي. ما فعلناه هو استخدام هذه الأدوات لصنع شيء آخر، لتصور عالم أكثر تعددية أقرب إلى التاريخ الفعلي في المنطقة، كما كان قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين في عام 1918 وقبل تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.

■ لورين كولي: لا يمكن لمشروع تخيل عوالم أخرى محتملة بأنه يشعر أكثر إلحاحا مما هو عليه الآن. ماذا يعني إطلاق هذا الفيلم خلال ما يُعتقد على نطاق واسع أنه نكبة ثانية للشعب الفلسطيني؟

□ رامي يونس: أثبتت فكرة سرد قصة الفظائع ثم خلق عالم لم تحدث فيه الفظائع المذكورة أبدا، أنها مهمة وتفي بالحاجة ـ الحاجة إلى تخيل واقع مختلف وأفضل. خلال العرض العالمي الأول، كان هناك اللديون ضمن الجمهور. لقد رأينا التأثير العميق للواقع البديل عليهم. لأول مرة، تمكنوا من رؤية نسخة من هذا الحلم الذي سمعوا عنه منذ الطفولة ـ أرض اللد الموعودة في فلسطين. يمكن للاحتلال أن يأخذ منا أشياء كثيرة، لكن ما هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم تحمله؟ قدرتنا على التخيل، والمتمثل بخلق تخيل واقع أفضل لفلسطين؟
في الأساس، يعمل هذا الفيلم كتمرين في الخيال كحق أساسي من حقوق الإنسان. أطلقنا الفيلم في نهاية الصيف الماضي، لكن كان علينا تأجيله في بداية ملحمة طوفان الأقصى. لم أشعر بأنه الوقت المناسب، مع الصدمة الأولية التي كنا فيها جميعا. ولكن الآن، مع تزايد اهتمام الناس بمعرفة خلفية ما يحدث في إسرائيل/فلسطين وكأداة للرد على مجموعات معينة تريد تصديق أن مأساة الاحتلال بدأت فقط في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن الآن، مع تزايد اهتمام الناس بمعرفة خلفية ما يحدث في إسرائيل، نشعر بأن التوقيت مناسب لإعادة إطلاقه من جديد..

٭ ترجمة بتصرف عن موقع ROUGH CUT عُرض فيلم «اللد» في أستراليا في مارس/آذار كجزء من مهرجان الفيلم الفلسطيني لعام 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب