
في الرد علي المتاجرين بشرفهم الوطني و القومي :
* شرف البنت زي عود الكبريت *
بقلم : ضرغام الدباغ
هذه مقولة خالدة لأحد عمالقة المسرح العربي، يوسف وهبي. قالها في فلم ” أولاد الفقراء ” الذي أنتج عام 1942، أي قبل 65 عاماً من اليوم (2017). والفكرة هي رؤية كلاسيكية للمفهوم الشرقي لشرف البنت، واليوم طرأت تعديلات كثيرة على هذه الفكرة، منها امكانية إصلاح “الخطأ ” الذي تقع فيه البنت فتفقد أعز ما تملك، بتصليح لا يكلف أكثر من دنانير معدودة في عملية بسيطة جداً يقوم بها الأطباء في عياداتهم، خلال دقائق. والصينيون وضعوا عقلهم في هذه القصة، فأنتجوا غشاء بكارة يباع اليوم في الأسواق بنصف دولار ويعود بعدها شرف البنت كما كان وأحلى.
وهناك الكثير من النكات قيلت عن شرف البنت وارتباطه شرطاً بالأعضاء التناسلية، يحول أدب الكتابة والنشر دون ذكرها، ولكن بتقديري أن شرف الإنسان مفهوم أوسع من ذلك بكثير. وإذا كان العلم والتكنولوجيا قد حول الشرف إلى أمر نسبي جداً، ولا يساوي سوى بضعة سنتات، ولكن العلم لم يخترع وسيلة لمحو عار فقدان الشرف الوطني، الذي تحاول دوائر كثيرة ” ولها مصلحة في ذلك … وأي مصلحة ..! ” أن تسفه مفاهيم الولاء الوطني والقومي، فأطلقوا في أوساط هواة الزحلقة والتزحلق كلمات للسخرية والاستهزاء “قومجي/ وطنجي” في مسعى خائب بلغ درجة خيبته أنه لا يعادل غشاء البكارة الصيني، فمصطلح “الخيانة العظمى” ما زال سائداً في القوانين الجزائية، لكافة بلدان العالم وتسمى باللغة اللاتينية (Collabortion) وهو عار لا تغسله مياه كل بحار العالم.
والتعاون مع الأجنبي في مغزاه القانوني الشامل ” كل من أقام اتصالاً مع جهات أجنبية بقصد تسهيل مآربها في الوطن”. ولا يهمني هنا كثيراً، البحث في عقوبة هذا الفعل الشائن، الذي يفقد أي إنسان شرفه الوطني والشخصي معاً، وهي العقوبة الأكبر في نظري، وإن كانت لدى بعض الناس سهلة وكأنه يشرب كأس عصير ليمون ” ليمونادة “، أو شربت تمر هندي ….!
وبتقديري أن الشرف الوطني للإنسان رجلاً كان أو إمرأة، أشد حساسية من عود الكبريت الذي تحدث عنه المرحوم يوسف وهبي، لذلك لا ينبغي أساساً السير في طريق يحتمل فيه مواجهة عود الكبريت ومشتقاته، لأن عود الكبريت الخياني له طبيعة جاذبية، وإذا كان شرف البنت ينصاع للغرائز، أو إغراء المال، فعود الكبريت الوطني يعمل وفق نفس القواعد الأنحرافية، يضاف إليها، غسيل الدماغ. ففي عملية غسيل الدماغ هذه، يتم بتغطيس المستهدف شرفه الوطني في حوض من البواعث والرغائب والشهوات، ويدرس خبراء ثنايا دماغه، ويستغلون عقده النفسية خير استغلال والمؤثرات على ثقافته وذكاؤه (المحدود على الأغلب)، أو طموحه الغير مشروع ليصبح نجماً، لا يهم في أي سماء، وحتى لو في سماء المزابل، وتدس في جمجمته دودة شريطية تبدأ بألتهام مخه، وتحاول جهات أجنبية ترويج مفاهيم تسهل الأنزلاق لفقدان الشرف الوطني، وهكذا يجري تفكيك إنسان، كما تجري تفكيك آلة أو ماكنة، وهي عملية ليست صعبة لدى هذه الجهات، فالمهم هنا أختيار دقيق للضحية، وإقناعه أن هذا ضرب من الجمناستك …! وأذا تصورنا مثلاً أن سيارة ستروين الفرنسية التي تتألف من 35 ألف بين قطعة كبيرة أو برغي صغير، مع ذلك فميكانيكي ماهر بوسعه تفكيك السيارة بسهولة نسبياً، وبوقت قصير ..!
والميكانيكيون لا يفضلون التعامل مع عربات كبيرة، أو قاطرة قوية، فهذا يصعب تفكيكه، فيتجنبه الميكانيكيون.
وإذا كانت البنت تواسي نفسها بما فقدته بأمرين أثنين :
• إما بمعالجة الخطأ الذي ارتكبته (هذا إذا كانت تعتبر ما فعلته خطأ). بالعلاج في عيادة الطبيب.
• أو بشراء الغشاء الرخيص.
ولكن لا يمكن للمرء رجلاً كان أو إمرأة استعادة ما خسره، وفاقد الشرف الوطني، لا يستعاد في هذه الحالة، بمعنى آخر، أن البنت الفاقدة لشرفها، قضيتها أهون بكثير … كثير جداً من فاقد الشرف الوطني. فالبنت لا تلحق الضرر بأحد سوى نفسها بالدرجة الأولى، ثم أهلها. ولكن فاقد الشرف الوطني يلحق الضرر بنفسه وأهله، وبالوطن وأمة كاملة، فالسياسي أو الإنسان، لا يواسيه أحد، وفي قرارة نفسه يدرك أنه أضاع نفسه.
كل خطأ في العالم قابل للتصحيح، وكل غلطة يمكن التراجع عنها، ويمكن للرجل أن يلملم بقايا نفسه، ويصعد على منضدة ويلقي خطاباً قصيراً ” أيها الأخوات والأخوة … لقد أرتكبت خطأ فضيعاً، أنا نادم عليه، وأنا أخوكم في الوطن، الوطن كبير جداً، لابد أن قلبه كبير أيضاً، سامحوني، وافرضوا علي ما تشاؤون جزاء، أقبل أياديكم وأرجلكم ولا سيما أخوة وأخوات الشهداء، وأشكركم “.
من يقرأ هذه السطور ممن تسللت الميكروبات لدماغه سينعتني بأسوء النعوت، ولكن هذا لا يهمني بفلس واحد، ومن كان على وشك أن يتزحلق ويصبح من هواة التزحلق، فيتمالك نفسه سيشكرني، وآخرون يرفعون رؤوسهم بأباء وشمم، أنوف عالية .. يسيرون في دروب الوطن لا يهابون شيئاً، ولا يخافون حساب اليوم الآخر … يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الوطن والأمة بقلب سليم .. أولئك هم المهتدون … والحمد لله رب العالمين على نعمة الإيمان والولاء الذي لا شائبة فيه للأوطان.