مصطفى مدبولي: إنجازات السنوات العشر الأخيرة تفوق ما أحرزناه على مدار تاريخنا

مصطفى مدبولي: إنجازات السنوات العشر الأخيرة تفوق ما أحرزناه على مدار تاريخنا
القاهره /حسام عبد البصير
جاءت الشهادات المتتالية للإعلام العبري والعالمي بعد مرور يومين على الهجوم الإيراني بما يزيد على مئتي صاروخ، ليخرس اصوات أولئك الذين شنوا حملات سخرية ضد طهران، متهمين حكومتها بأنها تضلل المسلمين والعرب، عبر مسرحيات هزلية وحملات غير مؤثرة، إذ كشفت صحيفة «معاريف» وعدد من صحف الكيان، عن أن الضربات الإيرانية أصابت العديد من القواعد العسكرية والمباني بشكل مباشر ومؤثر، ومثّل قرار الحكومة الإسرائيلية بحظر نشر صور أو فيديوهات تكشف آثار الصواريخ الإيرانية والتلويح بعقوبات للمخالفين بأنه دليل يبرئ ساحة الإيرانيين، بشأن استغفال العالمين العربي والإسلامي بهدف استعادة قدرة الردع بالنسبة للجمهورية الإسلامية، التي تعرضت خلال الأسابيع الماضية لهزات عنيفة، وبرزها بالتأكيد اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية على أرضها، وكذلك حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.
إسرائيل ترتكب جرائم حرب مكتملة الأركان في لبنان… والحكومة المصرية تواجه الحملات التي تطال اللاجئين
وقال الدكتور حامد فارس أستاذ العلاقات الدولية، أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب مكتملة الأركان في لبنان، كونها تستخدم أسلحة محرمة دوليا، مثل القنابل الفسفورية، التي من المفترض عدم إلقائها على المدنيين، موضحا أنّها تستخدم حجة حزب الله في سبيل تنفيذ مخططاتها الواضحة، فضلا عن السعي بقوة نحو إعادة احتلال جنوب لبنان مرة أخرى. وأضاف فارس خلال مداخلة تلفزيونية، أن الطائرات المسيرة التي انطلقت من اليمن باتجاه تل أبيب تعد دليلا قاطعا، على أن لا أمن ولا أمان لإسرائيل، إلا من خلال الحلول الدبلوماسية والسياسية، وأنّ الرهان على الحل العسكري لن يؤتي أُكله، وسيؤدي إلى تهديد الأمن القومي الإسرائيلي.
وبالنسبة للحملات التي تطال الأشقاء اعترف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بحاجتنا لإيقاف الحملة الإعلامية غير الرشيدة على السوشيال ميديا ضد ضيوف مصر، مؤكدا حرص الحكومة على تعديل القوانين الخاصة بهذا الموضوع، وشدد على أن الإشاعات عندما تزيد فذلك يكون بسبب فجوة في المعلومات، مؤكدا أننا بحاجة إلى العمل بجهد أكبر في هذا الشأن. وبالنسبة للشأن الاقتصادي قال مدبولي: إننا مقيدون بكمية المياه المتاحة لنا، وليس الأراضي أو التوسع الأفقي، موضحا أن ما تم إنجازه خلال السنوات العشر الماضية لم يحدث في تاريخ مصر، دون مبالغة. وفي ما يخص كيفية الاستفادة من كل موارد المياه، فتتم تحليتها ومعالجتها والاستفادة منها، والأهم أن الدولة تنفذ مشروعا مهما تسعى للانتهاء منه خلال العامين المقبلين، وهو إضافة 3 ملايين فدان كأراضٍ زراعية جديدة، مع كميات المياه نفسها، وهذه المشروعات تقوم الدولة بتنفيذها باستثمارات هائلة.
ومن الحوادث: تحت عنوان «عريس الجنة» دشن الآلاف «هاشتاغ» لنعي عريس الشرقية الراحل، الذي داهمته سكتة قلبية مفاجئة داخل السيارة وهو إلى جوار عروسه، بعد انتهاء حفل الزفاف. وكان عريس الشرقية قد سافر إلى العمل خارج مصر لمدة 5 سنوات، قبل أن يقرر العودة لإتمام زفافه على عروسه، علا، إلا أنه لم يكن يعلم أن ليلة زفافه ستتحول إلى سرادق عزاء في لحظة بعد أن فارق الحياة في ليلة عرسه.
المسرحية نفسها
إذا كان قد فاتك هجوم إيران على إسرائيل بمئات الصواريخ، ينصحك سليمان جودة في «المصري اليوم» أن تسترجع هجومها في أبريل/نيسان وسوف لا تجد فارقا بين الهجومين. والحقيقة أن المنطقة تعيش فترة من العبث لم يحدث أن عاشتها في تاريخها القريب، لأنه لا شىء أكثر عبثا من أن يستهدف الإيرانيون إسرائيل بمئات الصواريخ، ثم يتبين أن الصواريخ لم تقتل أحدا.. وللدقة، حسب سليمان جودة فإنها قتلت شخصين أحدهما شاءت الأقدار أن يكون فلسطينيا.. لماذا تصمم حكومة المرشد على خامنئي، في طهران، على أن تبدو أمام العالم بهذه الصورة الساخرة غير الجادة في مواجهتها مع إسرائيل؟ فهجوم أبريل الذي نذكره كان هجوما تلفزيونيا كوميديا، ولم يختلف عنه الهجوم الأخير الذي أخطرت إيران الولايات المتحدة وروسيا به قبل أن يبدأ.. وحتى تكتمل الصورة الساخرة فإن الإخوة في الأردن تداولوا فيديو لمواطن أردني أشعل سيجارته من شظية صاروخ سقطت على منطقة في الأردن، وفي فيديو آخر حمل مواطنون أردنيون جسما لصاروخ سقط هناك وداروا به في ما يشبه الزفة في الشوارع والحارات. المفارقة أن عملية قتل جرت في تل أبيب بالتوازي مع هجوم الصواريخ الإيرانية، فأدت إلى مقتل 8 وإصابة عشرة أشخاص.. وهي حصيلة من القتل والإصابة في عملية محدودة تفوق بكثير الحصيلة الناتجة عن مئات الصواريخ الإيرانية المهاجمة.. أما جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، فقال في أعقاب الهجوم، إن فاعليته كانت محدودة، وإن صده كان سهلا وهذا بالضبط ما كنا قد تابعناه في هجوم أبريل/نيسان، عندما سهرت الفضائيات وهي ترصد الصواريخ في طريقها إلى الهدف، فلما وصلت كان الهدف قد تهيأ واستعد فأسقطها صاروخا من وراء صاروخ.. وإذا شئت المزيد من العبث من هذه الدرجة فسوف تجد الكثير والكثير، وسوف تحاول أن تضبط أعصابك وأنت تتابع هذا كله قدر الإمكان. لإيران أن تفعل ما تراه طبعا، ولكنها تفعل ما تفعله للمرة الثانية، دون أن تنتبه إلى تأثيره السلبي على صورتها لدى الناس.. فلو أنها التزمت سياسة ضبط النفس التي تكلم عنها رئيسها مسعود بزشكيان بعد مقتل هنية لكان ذلك أكرم لها بكثير.
انقسام الوطن العربي
الوطن العربي لم يكن في وقت من الأوقات أكثر انقساما وتشتتا مما هو عليه الآن، بين بلدان تشهد حروبا أهلية وأخرى تعيد بناء كياناتها التي تفككت في العقدين الماضيين، وأخرى كما يرى زياد بهاء الدين في «المصري اليوم» تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية تستحوذ على كل اهتماماتها، ودول تبحث عن فرصة مناسبة لإقامة جسور التواصل والتعاون مع إسرائيل. أما في ما يخص الرأي العام العربي فهو صامت وساكن حيال الاعتداء الإسرائيلي على غزة ثم لبنان. وكنت أميل إلى الاعتقاد بأن الغضب موجود والرغبة في التعبير عنه قائمة، لا تمنعها إلا القوانين المنظمة لحريات التظاهر والعمل الحزبي والنقابي في مختلف أنحاء الوطن العربي. وأظن أن قدرا من هذا صحيح بالفعل. ولكن مع الوقت بدأت أخشى من أن يكون غياب التعبير عن هذا الغضب يرجع لأسباب أعمق من ذلك. هناك ربما يأس في الشارع العربي من إحداث تغيير جذري وعادل، وهناك فقدان للرغبة في الانخراط في أي نشاط سياسي أو شعبي، وهناك انقسام حقيقي ومكتوم في الرأي حيال منظمتي حزب الله و»حماس»، وهناك انشغال بمشاق ومتاعب الحياة، كلها عوامل جعلت الشارع العربي يغضب ويحزن، ولكن لا يتحرك تعبيرا عن ذلك. أعترف بأن رد الفعل الإيراني الأخير لم يحقق حتى الآن إلا إعطاء إسرائيل المبرر العسكري والغطاء السياسي للاستمرار في عدوانها على لبنان، دون اعتبار للضحايا المدنيين، ومنح رؤساء الدول الكبرى – وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا – الفرصة لتجديد التزامها بكل ما يضمن لإسرائيل أمنها وسلامتها وحقها في الدفاع عن نفسها. وقد استغل المتحدث العسكري الإسرائيلي هذا الموقف أفضل استغلال، إذ لم يتوقف خلال الأيام الماضية عن ترديد أن إسرائيل تحارب بمفردها على عدة جبهات وتواجه أعداء متنوعين، سواء «حماس» أو حزب الله أو القوات الحوثية أو غيرها.
إسرائيل تعول على عامل الوقت
هذه الصورة الذهنية لواحة الديمقراطية والحداثة الواقعة في محيط من التخلف والتطرف والعداء للسامية هي بالضبط وفقا لزياد بهاء الدين ما تسعى إسرائيل دوما لتأكيده وتغذيته، كي يظل لها مطلق الحرية في ارتكاب ما يحلو لها من العدوان والحصار والاستعمار، من دون مساءلة أو حتى لوم. صحيح أن فظاعة العدوان الإسرائيلي على غزة بالذات، أبرزت بعض العناصر الداعمة للحق الفلسطيني، وعلى رأسها الحركة الشبابية والطلابية العالمية التي اكتسبت زخما واتساعا غير مسبوقين، ومحاولات محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، وبروز مواقف حاسمة لبعض البلدان الأوروبية (أيرلندا والبرتغال وإسبانيا بالذات)، إلا أن إسرائيل تعول هنا على عنصر الوقت، وعلى استيعاب الضغوط السياسية والدبلوماسية لحين إنهاء العمليات العسكرية ثم توجيه الاهتمام والموارد الإعلامية والسياسية والمالية نحو إعادة توجيه الرأي العام الشبابي لوجهة مختلفة غير معادية. ولكن على الرغم مما سبق، ورغم ما يبدو على السطح من أن إسرائيل قد نجحت في استغلال مجموعة الظروف والعوامل التي أشرت إليها، كي تحقق كل ما كانت تطمح إليه في غزة ولبنان، إلا أن المفارقة في هذا المشهد المأساوي، أن كل هذا لم يحقق لإسرائيل النصر الذي تحلم به، ولن يحققه. فحجم الدمار والقتل والتهجير والتجويع في غزة بالذات، أكبر من أن يُنسى، والتغير في الرأي العام الشبابي العالمي أكثر عمقا من مجرد مظاهرات واعتصامات عابرة، وحالة الدمار الشامل التي خلفها العدوان الإسرائيلي قد تقضى على البنية التحتية لمنظمتي «حماس» وحزب الله ولكنها لن تغلق منابع العنف، بل ستضيف إليها طاقة جديدة، وإسرائيل ستجد نفسها بعدما تنتهي الحروب في عزلة أكبر وفي حاجة لإعادة تقييم ما جرى وتقدير ثمن ما ارتكبته من جرائم بحق الإنسانية.
ما نخشاه وقع
اصطدمت عينا خديجة حمودة في «الوطن» بتلك الشاشة فأدركت أن ما نخشاه قد حدث، وأن الماضي والحاضر قد تشابكا، ولكن لم يجدوا مكانا معهم ووسطهم للمستقبل، فقد تُرجم هذا المشهد إلى سطور قصيرة تقول، إن زخم الذكريات وتلاحمها وتجمعها وتضاربها في وقت واحد يحمل معنى مختلفا، كما يخلق داخلنا شعورا مبهما من الصعب تفسيره، أو وصفه، أو حتى عبوره ومحاولة نسيانه، فمثل هذا اليوم سجل التاريخ عبورا ونجاحا وفرحة ودموعا وأوسمة ونياشين وأعلاما تُرفرف ويداعبها الهواء بشدة، ليظهر الرمز واللون واضحين وكأنه يهتف وينادي. وانطلقت أغنيات وطنية تحيي العلم والبطل والأرض والقائد ورجاله، مثل هذا اليوم كانت هناك منازل فقدت السند والأمان الخاص جدا، دفعته ثمنا لسند أكبر وأمان الجميع وللإقليم الذي ننتمي إليه ونعيش داخله، مثل هذا اليوم سدّدنا ثمنا باهظا لاسترداد الكرامة والأرض، وانطلقت الأغاني والإبداعات من قسوة الفرح والمفاجأة. والآن تتلاحم مع هذا اليوم هجمات لا إنسانية وتهجير وتنطلق أسلحة، لم نرها من قبل وتُضاء السماء بصواريخ تحمل أسماء وصفات وسموما مخلّقة، للقضاء على جميع صور الحياة وتطير فوق البنايات والرؤوس طائرات تشبه الحشرات الطائرة، لتُصور وتُحدّد الأماكن وتشير وكأنها جاسوس من حديد وأسلاك يساعد على نشر الدمار والموت. وإذا كانت أولى الذكريات قد مضى عليها أكثر من خمسين عاما، فإن الثانية ستكمل عامها الأول بعد ساعات، لتلتحم معها ونرى الذُعر والخوف في عيون العدو والأسرى وعائلاتهم، وتستمر تلك الدورة في التحرّك لتذكرنا بالكثير من المجازر في الأماكن نفسها، وتخرج لنا الصور من حقيبة الذكريات لنرى جثث الأمهات تعانق أطفالها في مخيم صبرا وشاتيلا.
دموع عزيزة
يعود إلينا الهجوم على الجنوب ودموع جبل لبنان، حسب خديجة حمودة على من ذهبوا بلا عودة، على الشيخ أحمد ياسين، وعلى ابن المخيم إسماعيل هنية، وعلى غسان كنفاني وحسين أبوالخير ومحمود همشري وعاطف بسيسو ويحيى عياش والدكتور باسل الكبيسي، وعلى تلك الأسماء التي ضمتها قائمة وضعتها عام 1973 «سايرت ماتاكل» وهي وحدة الاستطلاع الخاصة التابعة لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية، التي تتركز مهامها في جمع معلومات استخباراتية ميدانية، كما تجري استطلاعا عميقا خلف خطوط من تصنّفه إسرائيل عدوا للحصول على المعلومات، وقد أطلقت اسم عملية «ربيع الشباب» على القائمة، التي ضمّت عددا كبيرا من أهم وأكفأ القادة الفلسطينيين. ويبدو أن الخمس شاشات لم تحتمل نشر أسماء هؤلاء الشباب الفلسطينيين الذين شكلوا جبهة للمقاومة والدفاع، فما كان من العدو إلا تفجيرهم في عمليات داخل وخارج الوطن، وما كان من الباحثين والكتاب إلا تسجيل قوائم الشرف والشهادة في الموسوعات البحثية بالاسم والتاريخ ومكان الاستشهاد، ولم ينسوا تلك المذابح التي بدأت منذ عام 1947 في بلدة الشيخ، لتعقبها في عام 1948 مذبحة دير ياسين، وفي العام نفسه تتكرّر في مناطق الطنطورة وقرية أبوشوشة، وفي عام 1953 مذبحة قبية، وفي 1956 مذبحة قلقيلية، ثم كفر قاسم. ويأتي عام 1967 بمذبحة جديدة في تل الزعتر تعقبها عام 1982 صبرا وشاتيلا، ثم مذبحة المسجد الأقصى عام 1990 ومخيم جنين عام 2002. وتذكر الموسوعات أن تلك المذابح كما أشارت الكاتبة نُفّذت على أيدي الكثير من المنظمات اليهودية، ومنها الهاجاناه ومنظمة سيترون والأرجون والجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وإذا كانت تلك الأوراق والصور هي شاهد الإثبات على ما يحدث من تطهير عرقي للفلسطينيين فإن تلك الشاشة التي قُسّمت إلى خمسة أجزاء شاهد آخر على ما تنتظره المنطقة من أحداث وجرائم ضد الإنسانية، دون جدال.
رحل المقاوم
سيظل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله رمزا للمقاومة والصمود على مر السنين، ضد العدو الصهيوني، وسيبقى نصر الله الذي اغتالته إسرائيل خالدا في الذاكرة. بالتأكيد والكلام لهشام الهلوتي في «الوفد» كانت هناك خيانة أدت إلى تحديد موقع نصر الله هو وعشرين شخصا من كبار قيادات الحزب، واستشهادهم في عملية خسيسة استخدمت فيها إسرائيل ما يقدر بـ80 طنا من القنابل. وهو ما أكدته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية التي كشفت عن أن رجلا التقى نصر الله وصافحه وكان في يده مادة سمحت لإسرائيل بتعقبه، وأكدت «معاريف» أن إسرائيل استغرقت دقيقتين لتحديد موقع نصر الله والتأكد من وجوده في مقر في الضاحية الجنوبية في بيروت. أيا كانت الأسباب فقد عاش نصر الله عمره أسدا في مواجهة العدو الصهيوني وشوكة في ظهره، وسيبقى في ذاكرة التاريخ واحدا من أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية في العالم العربي، ويكفي أنه حقق في المواجهة مع إسرائيل ما عجزت عنه حكومات وزعماء من ورق. فعلى مدى ثلاثين عاما قاد خلالها حزب الله اللبناني، ومنذ عام 1992، خاض حسن نصر الله مواجهات عسكرية عديدة ضد إسرائيل، أبرزها حرب 2006 التي أجبرها على الانسحاب من جنوب لبنان ووصفها بأنها أوهن من بيت العنكبوت، على الرغم من أنها تمتلك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة. وكان يُنظر إليه على أنه «عقدة» لإسرائيل بسبب قدرته الفائقة على قيادة تنظيم مسلح نجح في مقاومة العمليات العسكرية الإسرائيلية. وعلى يديه نما نفوذ حزب الله إقليميا وعسكريا، وأصبح قوة مؤثرة في لبنان والشرق الأوسط. ظل حزب الله يشكل تهديدا كبيرا على إسرائيل، مع تزايد قدراته العسكرية، بما في ذلك ترسانة الصواريخ التي يمتلكها، والتي وصفها نصر الله بأنها قادرة على ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية، والصمود أمام آلة الحرب الصهيونية. وبسبب صلابته ونجاحه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أصبح نصر الله رمزا للمقاومة ليس فقط في لبنان، بل في العالمين العربي والإسلامي. على المستوى الشخصي كنت أشعر بالفخر والعزة وأنا أشاهد هذا الرجل يزلزل الكيان الصهيوني بخطاباته السياسية القوية، التي جعلته شخصية محورية في الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقاومة الهيمنة الغربية في المنطقة.
الرفيقان
السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين ليسا رفيقي كفاح طويل فقط، بل مقاومان من طراز رفيع كما وصفهما الدكتور وحيد عبد المجيد في «الأهرام»: نذرا حياتيهما لمقاومة المشروع الصهيوني ـ الغربي، الذي يستهدف المنطقة، وليس فلسطين ولبنان فقط. استشهاد نصر الله كان متوقعا إن لم يكن قبل أيام فبعد أسابيع أو أشهر. كل مقاومٍ حقيقي يعتبر نفسه مشروع شهيد يكافح من أجل النصر أو الشهادة. يسعى إلى النصر أولا. ولا يخشى الشهادة التي تُعَّبد الطريق أمام النصر. فلولا استشهاد أعداد يستحيل حصرها من المقاومين في أكثر من 50 بلدا، وتضحيات غيرهم، لما انتصرت حركات التحرر فيها. أدى نصر الله رسالته، ويستعد صفي الدين على الأرجح لحمل الأمانة في ظروف هي الأصعب منذ تأسيس حزب الله. ولكنها ليست أكثر صعوبة من تلك التي واجهت الشهيد ياسر عرفات والمقاومة الفلسطينية المسنودة بالقوى الوطنية اللبنانية عام 1982. يعرف المطلعون على أوضاع المقاومة في لبنان أن صفي الدين أُعد لخلافة نصر الله منذ أوآخر التسعينيات، بعد أن اختير لرئاسة المجلس التنفيذي للحزب. وكان طول تلك الفترة الرجل الثاني فعليا بحكم إدارته مؤسسات الحزب المختلفة، وإمساكه بالملفات الحساسة، ومتابعته العمل اليومي. أما الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام فهو الرجل الثاني رسميا، وسيبقى كذلك لأنه يؤدى دورا يُتقنه في هذا الموقع، في ما يتعلق بالقضايا الحكومية والنيابية. ولهذا تبدو كفة صفى الدين هي الأرجح للانتقال إلى الموقع الأول. ويعني هذا أن استشهاد نصر الله لن يكسر الحزب، ولا المقاومة اللبنانية عموما. فلم يحدث أن كُسرت حركات مقاومة وتحرير بسبب اغتيال قادتها، سواء في منطقتنا أو غيرها. لم تتأثر حركة «حماس» مثلا باغتيال زعيمها ومؤسسها أحمد ياسين عام 2004، ثم خلفه عبدالعزيز الرنتيسي. ولم تتأثر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برحيل الحكيم جورج حبش، ثم اغتيال أبو علي مصطفى. ستبقى المقاومة اللبنانية، وسيتواصل كفاحها، رغم كل شيء. ولكن هذا لا يمنع التفكير في ما إذا كان حزب الله أخطأ التقدير هنا أو هناك، فجلّ من لا يُخطئ.
أبو تريكة محللا
من أبرز معارك الكتاب هجوم شنه حمدي رزق في «المصري اليوم» ضد نجم الجماهير محمد أبو تريكة: خلال استوديو مباراة (أتلتيكو مدريد وريال مدريد) في الدوري الإسباني، وجَّه الكابتن محمد أبو تريكة رسالة لأولئك المعارضين لنهجه السخيف، نصا: «نحن لا نتحدث رياضة فقط، هناك دور توعوي وثقافي لنا، لو تريد مشاهدة كرة القدم فقط أطفئ التلفزيون». جدٌّ فوجئت بغلظته، وفجاجته، يفجع مشاهديه، ويلومهم، ويوبخهم، ويطلب منهم إغلاق التلفزيون، لسان حاله: «اللي مش عاجبه كلامي يطفي التلفزيون». كشكشها متعرضهاش، لست محللا استراتيجيا، ولا خبيرا سيبرانيا، أنت فحسب لاعب كرة معتزل تحلل المباريات في قناة رياضية، ضبط المصطلحات والوظائف من حسن الفِطن. الخلط والتخليط الذي يمارسه أبو تريكة زاد عن حده، يخلط بفجاجة بين الرياضة والسياسة، ويستبيح منبرا رياضيا ليؤذن فينا بالنضال، وينط كالكرة الكاوتش في وجوهنا، اللي مش عاجبه يطفئ التلفزيون؟ الكابتن رسم لنفسه دورا توعويا، الكابتن التوعوى، كالكائن اللوذعي، وفي الترجمة إنسان كروي نادر، واختلق لنفسه دورا ثقافيا، متى كان أبو تريكة مشتغلا بالثقافة، ربما خضع لجلسات توعوية في المهجر، مصنف مثقف على كبر، لله في خلقه شؤون، إذ فجأة تريكة مهموم بالقضايا المجتمعية، وما له يا خويا توعوية توعوية، مش عيب، على رأي فيلسوف الفن «الدكتور شديد». فقط اختر منبرك، beIN sports مصنفة قنوات رياضة، كرة قدم وألعاب أخرى ليس بينها الألعاب السياسية، في الجوار شبكة قنوات الجزيرة، هناك مقعد جوار المحلل الاستراتيجي اللواء فايز الدويري، هناك متسع للتحليل والتوعية والتثقيف السياسي.
لا يا كابتن
واصل حمدي رزق هجومه على نجم الملاعب: حاطط إيده اليمين في جيب بنطلونه الشمال، استباحة منبر رياضى بهذه الفجاجة لا يتسق مع عناوين رياضية تنقي الرياضة من فيروسات السياسة، خشية على الكرة من الكوفيد السياسي وعلى المستوى الأدبي، عيب عليك، تأدب وأنت تخاطب بهذه اللغة المتدنية مشاهد دفع ثمن ما يشاهده، «اطفى التلفزيون لو مش عاجبك»، لا يا كابتن لن أطفئ التلفزيون، أنا مشاهد متعاقد على مشاهدة مباريات كرة القدم، المباريات السياسية لها منابرها، فلترحل يا كابتن وتحل عن سمانا. فكرة أن يتحول لاعب كرة مهاري إلى لاعب سيرك يمشي على الحبال السياسية، خلط بين الأدوار، نعلم وجهتك جيدا، لست في حاجة إلى التدليل على إخوانيتك المفضوحة، رائحتك نفاذة كل الكباتن المحترمين من حولك في الاستديو التحليلي يتحدثون كرة، ويحللون خطط لعب، ويقيمون أداء، ويقفون على أهداف، وفرص ضائعة، وسيادتك لابس فانلة الإخوان في الاستديو، هذا ستديو كروي وليس ستديو توعوي، أقصد دعوة على طريقة ع القدس رايحين شهداء بالملايين، العيب مش عليك، العيب على من يصدرك للمشاهدين المصريين ليحك أنوفهم، ويصر على ظهورك رغم ما ترتكبه من خطايا سياسية في محافل رياضية، يفرضونك فرضا على الشاشات دون إجادة. قارن يا أخى مقارباتك الرياضية بتحليلات طارق ذياب الرصينة، وتعليقات طارق الجلاهمة اللطيفة، لماذا كل هذا الافتعال؟ أتروم لقطة؟ سيادتك محلل مباريات كروية لست محلل معارك سيبرانية أخطر ما نواجهه في زمن الفوضى الهدامة «محللين الغبرة»، إلحاح فج على حديث السياسة في غير محل، فحسب ترهات توعوية تنم عن مراهقة سياسية، عملا بنصيحتك يا كابتن تريكة، سأطفئ التلفزيون حتى لا أراك.
صبر غير استراتيجي
لا يفهم السفير معصوم مرزوق في «المشهد»، معنى «الصبر الاستراتيجي»، الذي تكرر مؤخرا على ألسنة بعض خبراء السياسة المخضرمين.. إذا كان ما يسمى (صبرا) هو الصبر الذي تناولته الأديان، ومنه صبر أيوب وناعسة، فربنا يعوض علينا عوض الصابرين. ولكن الغموض يحل عند اقتران مصطلح «استراتيجي» مع الصبر، فذلك على أفضل حال خلط لبن سمك تمر هندي، لمجرد برجلة المتلقي من عامة الناس، كي يتعللوا بالصبر دواء، على اعتبار أنه علم «غويط» لا يفهمه إلا حواة الاستراتيجية في الفضائيات العربية. ولا مانع في هذا المجال، أن يرشرش المصطلح الجديد ببعض التعبيرات الواسعة التي تناسب مقاس كل عقل مثل حكم الضرورة، والتراتيبية الإقليمية، والمقترب الفعال.. ومن ألطاف الله أن أولئك «الخبراء» يبشرون في برامج حوارية لا يتابعها أحد، فلا يمتد أثرها إلا إلي الموجودين في الأستوديو، الذين لا يزيد حوارهم عن حوار الطرشان، الذين يتقمصون الجدية والأكاديمية المفرطة، وربما ارتفعت أصواتهم واختلفوا بشدة، دون أن يعرف المذيع الذي يدير اللقاء علام يختلفون أو يتفقون، فهو بدوره يشارك بحماس في «الزيطة الاستراتيجية». والناس في عموم القطر صابرة محتسبة، تدعو في سرها على من كان السبب في هذه الحفرة الاستراتيجية التي وقعوا فيها، ولا يهتمون كثيرا بأن يكيفوا «صبرهم».
صبر الهوانم
سواء أكان صبرا استراتيجيا، أم صبر أيوب، فهو صبر مفروض على الناس، كما أشار السفير معصوم مرزوق، لأنهم لا يملكون منه فرارا. فإذا طلبت ربة البيت مصاريف الشهر، قال لها زوجها ببلاغة «اصبري صبرا استراتيجيا»، فإذا عاودت السؤال، شرح لها أن ذلك الاستراتيجي يعني: «الله جاب، الله خد، الله عليه العوض».. في الغالب تتكرر قصة المرأة التي «أكلت ذراع زوجها» في نهاية حوارهما «الاستراتيجي». لقد ارتفع الوعي السياسي في أرجاء القطر، وفي ذلك لا تتناطح عنزتان، فأصبحت «السياسة «نوعا من المسلسلات التلفزيونية التي لا يعرف الناس سببا في إضاعة وقتهم في متابعتها، ومن الطريف أن محترفي السياسة المخضرمين يمارسونها بالطريقة نفسها، فيختلط الفهم العام مع الفهم الخاص، «ويا دار ما دخلك شر».. وإذا كان الصبر مفتاح الفرج، فإنه في ما يبدو أن «الصبر الاستراتيجي» لا يفتح أي باب، كما أن «فرج» لا يستسيغ هذه المصطلحات المتقعرة التي تستخدم كنوع من المخدرات لتلهية الناس عن همومهم. وإذا كانت الست أم كلثوم تقول: «ما تصبرنيش بوعود.. وكلام معسول وعهود أنا ياما صبرت زمان، على نار وعذاب وهوان.. آهي غلطة ومش ح تعود.. فإنها تؤكد رغم كل «صبرها الاستراتيجي» أن للصبر حدود.. وأنه «ماتصبرنيش ما خلاص، انا فاض بيه ومليت»..
كان يعتقد
لم يكن صدام حسين هو الوحيد الذي ذهب إلى المشنقة ثابتا، لكنه الأشهر على الإطلاق. فقبله كما ذكرنا الدكتور عمار علي حسن في «الوطن» رفض ذو الفقار على بوتو أن يعتذر للجنرال ضياء الحق، الذي انقلب عليه واقتنص منه حكم باكستان، وقال للذين ذهبوا إليه برسالة من الرئيس الجديد يطالبه بالاعتذار مقابل أن يظل على قيد الحياة: «سأحكم باكستان من قبري»، وتحققت نبوءته حين أصبحت ابنته بينازير بوتو رئيسة للوزراء. والأمر نفسه تكرر مع سيد قطب المنظِّر الأكبر لـ«جماعة الإخوان» في مصر، وصاحب الكتب المؤثرة في تاريخ الحركة السياسية الإسلامية العنيفة، حيث يقول البعض إنه قد طُلب منه أن يكتب خطاب اعتذار إلى الرئيس جمال عبدالناصر حتى يعفو عنه، فينجو من حبل المشنقة، لكنه أبى واستعصم بموقفه، ومضى إلى المشنقة. ورغم أن أفكار قطب تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار التطرف والعنف المسلح في العالم العربي، فإن ثباته في اللحظة الأخيرة لا يزال يُذكر بمزيد من الإعجاب، لدى حاملي أفكاره، حين تُستدعى سيرته. وتكررت التجربة مع متطرف آخر وهو شكري مصطفى، أمير ما تسمى «جماعة المؤمنين» المعروفة أمنيا وإعلاميا بـ«التكفير والهجرة»، فقد صورت له خيالاته المريضة، أنه لن يُشنق أبدا، وأن النجاة آتية لا محالة، وأن يد الله ستمتد إليه وتنقذه في اللحظة الأخيرة، ومن ثم مضى إلى مشنقته مغتبطا، حتى شد الوثاق، وكسر عنقه، ففاضت روحه، وماتت معه أوهامه. ومن دون شك فإن الصورة الأخيرة للمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري قد عززت الصورة الذهنية الإيجابية عنه التي قامت على أكتاف كتبه العديدة، وفي مطلعها موسوعته الخالدة «اليهود واليهودية والصهيونية». فالمسيري كمفكر كان محل إعجاب شديد، لكنه آثر في نهاية حياته أن ينزل إلى الشارع، ويهجر غرفة مكتبه التي شهدت ميلاد الأفكار وإعداد الأبحاث المطولة، ليشارك المصريين احتجاجهم على أداء السلطة في عهد حسني مبارك، ومطالبتهم بالإصلاح. وبنزوله هذا حقق المسيري نظرية «المثقف العضوي» التي وضعها المفكر الإيطالى أنطونيو غرامشي التي تنتصر للمثقفين الذين لا يكتفون بإنتاج الأفكار، بل ينخرطون مع الجماعة في سبيل نقل هذه الأفكار من بطون الكتب إلى رحاب الواقع.
لا تحزن
لا حب من دون رحمة، ولا مشاعر من دون وفاء، ولا حياة لحبٍّ لم يعرف غير الإهمال.. حين تعطى بلا حدود وتكتشف أن ما أعطيتَ لا يجد صدى لدى من أحببت، وحين تحيط بك العواصف ولا تجد جدارا يصد عنك قسوة الرياح، وحين تسقط متألما أمام لحظة مرض أو ضعف، ولا تجد بجوارك قلبا يعينك على عواصف الزمن، ولم يبقَ لك غير قلبٍ يتألم ولا يجد من يمنحه الأمل والثقة، في أن العاصفة سوف تهدأ، وأن القلب سوف يستعيد نبضه القديم.. أصعب الأشياء من وجهة نظر فاروق جويدة في «الأهرام» أن تقف وحيدا أمام العاصفة ولا شيء يحميك، وتنظر حولك وتتساءل: أين من كانوا أحبابا؟ وأين رفاق المشوار؟ وتكتشف أن الجميع قد تخلّى عنك وبَخِل حتى بالسؤال.. هل كان الحب وهما أم خيالا؟ أم مجرد لحظة عابرة؟ أم كان مجرد حلقة في مسلسل فكاهي رخيص؟ حين تهدأ العاصفة ويعود إليك شيء من الدفء، تراجع دفاتر رحلتك: من سأل؟ ومن تجاهل؟ ومن تنكر؟ ومن باع؟ وتكتشف أنك كنت وحيدا حين تخلّى الجميع عنك.. وفي لحظة مراجعة، تقلب الصفحات وتكتشف أنها أصبحت بيضاء، لا شيء فيها.. وتحاول أن تمنح الناس فرصة للعتاب، ولا تجد من تعاتب؛ لأن العالم كله تخلّى عنك وتركك وسط العاصفة وحيدا. لا تندم على قلب أحبَّ، ولا تحزن على عمر أو حبيب تخلّى عنك.. وإذا كان الندم هو آخر ما بقي، فاترك الندم للآخرين.. ولا تترك عاصفة أخرى تقتحم أيامك؛ تكفي عاصفة واحدة، لأن عمرك أغلى من كل العواصف، ودرس واحد يكفي في الحياة.
«القدس العربي»: