ثقافة وفنون

الشاعر الأمريكي تيد كوزر: يكتب للبسطاء أولاً وشعاره «الشعر للجميع»

الشاعر الأمريكي تيد كوزر: يكتب للبسطاء أولاً وشعاره «الشعر للجميع»

د. سارة حامد حواس

”أكتب للآخرين على أمل أن أساعدهم في رؤية الأشياء الرائعة في تجاربهم اليومية. باختصار، أريد أن أظهر للناس مدى الإمتاع الذي يمكن للعالم العادي أن يكون عليه إذا انتبهنا إليه”. هذا ما قاله الشاعر الأمريكي تيد كوزر الذي نال حظه من الشهرة متأخرًا بالتحديد بعد فوزه بجائزة بوليتزر عام 2005. وأرى أن هدفه من الكتابة هدفٌ نبيل، فكم من الكُتَّاب أو الشعراء يكتب للشخص العادي؟ أو يضع في اعتباره الأشخاص قليلي المعرفة والثقافة إلى حدٍّ ما؟ لماذا نُوجِّه دائمًا المعرفة والثقافة والكتابة إلى الصفوة من القرَّاء العارفين؟ أليس من حق الشخص العادي أن يقرأ ويفهم ما نكتبه؟ أليس من حقه أن تسمو روحه بقراءة الشعر؟
وأن أصل إلى أكبر قطاع من البشر، ذلك هو النجاح، أن يستمتع بكتابتي المثقف العارف ويفهمني الشخص العادي، ذلك هو أيضا النجاح. كما أرى أن السلاسة التي يتسم بها شعر تيد كوزر من مميزات كتابته الشعرية وليس شيئًا يعزف عنه النقاد كما كانوا يفعلون معه، فالنقد ليس مقتصرًا على الأعمال الأكثر وعورة وغموضا وصعوبة، فاهتمام هذا الشاعر بالعادي والتفاصيل الدقيقة اليومية التي نمر بها وتمر بنا ليست بالعادية كما نراها، فقط لو تأملناها لوجدناها تستحق الاحتفاء منا والكتابة عنها، بل ويمكن أن تعد من المعجزات/ فكما قال الشاعر والروائي الأسكتلندي إدوين موير: «الأفكار والمشاعر العادية ليست بالضرورة ضحلة، تمامًا كما أن الأفكار الدقيقة أو غير العادية ليست بالضرورة عميقة».
ولد تيد كوزر في إيمس بولاية آيوا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1939 وعاش طوال حياته في الريف بالغرب الأوسط. درس في جامعة آيوا، حيث حصل على درجة البكالوريوس في عام 1962 وفي الوقت نفسه كان قد بدأ كتابة القصائد والتحق ببرنامج الكتابة في جامعة نبراسكا ولكنه لم يُكمل البرنامج وخرج منه بعد عام لأنه وصف نفسه بأنه: ”طالب دراسات عليا سيء”. في ذلك الوقت، كان كوزر في حاجة إلى دخل فعمل بوصفه متدربًا إداريًّا في شركة تأمين على الحياة وظل في هذه الوظيفة حتى عام 1999 حيث أصبح نائب رئيس شركة ” لينكولن بينيفت لايف» وقد فعل ذلك من قبله الشاعر الأمريكي والاس ستيفنس. ظل كوزر في مجال التأمين معظم حياته العملية، كما أنه لاحظ بشكلٍ ساخر أن ستيفنس كان لديه وقت أكبر للكتابة مما كان لديه، حيث كان يكتب قصائده عادة من الخامسة والنصف حتى السابعة صباحا قبل أن يذهب إلى المكتب، وعلى الرغم من ذلك فقد أنتج ثلاث عشرة مجموعة شعرية: ”حشدٌ» و«أطيب التحيات: قصائد جديدة ومُختارة»، و«تقسيم أمر»، و”مسرَّات وظلال» والذي نال على إثره جائزة بوليتزر عام 2005، و”نزهات شتوية: مائة بطاقة بريدية إلى جيم هاريسون» والذي فاز بجائزة نبراسكا للكتاب في الشعر عام 2001، وغيرها من المجموعات الشعرية الأخرى.
وفي كتب كوزر النثرية: «دليل إصلاح الشعر في المنزل: نصائح عملية للشعراء المبتدئين» عام 2007 و”جدول مائي مُتشابك’» عام 2003 وهذا الكتاب كتبه معه صديقه المقرب جيم هاريسون، وأيضا كتاب ”عجائب محلية: مواسم في جبال بوهيميا» وفاز بجائزة نبراسكا للكتاب النثري عام 2003.
وحصل كوزر أيضا على زمالتين من المؤسسة الوطنية للفنون في الشعر، وجائزة بوشكارت، وجائزة ستانلي كونتيز التذكارية، وجائزة الاستحقاق من مجلس الفنون في نبراسكا، أما في خريف عام 2004 فقد عُين كوزر الشاعر الوطني الثالث عشر في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 1999، أُصيب كوزر بالسرطان وتخلَّى عن وظيفته وعن الكتابة لوقتٍ ما. ثم جاءت عودته إلى الشعر في شكل مراسلة مع صديقه الكاتب جيم هاريسون، الذي كان يُرسل إليه كوزر قصيدة يومية مُلصقة على بطاقة بريدية، وأصبحت تلك المراسلات في كتابٍ بعد ذلك بعنوان ”نزهات شتوية…”. وفي أثناء مرضه، كان يأخذ نزهات طويلة من أجل الإلهام حتى أن موهبة كوزر في استخدام التشبيهات والاستعارات تجلت في هذا الكتاب الشعري، ولكنه تجنب الحديث عن مرضه، وأدمج تجربته مع استعارات عن الريف من حوله، ولهذا كتب ديفيد ميسون في مجلة ”برايري سكونر” أن ”كوزر هو واحد من أفضل صانعي الاستعارات الموجودين في البلاد، ومن أجل هذا وحده يستحق الشرف».
وفي هذه الفترة، كانت شعبية كوزر في تزايد، ولكنه لم يبدأ في جذب اهتمام وطني كبير حتى نشر أول كتاب نثري له وهو ”عجائب محلية». وعلى الرغم من أنه لا يعتبر نفسه شاعرًا إقليميًا، فإن أعماله غالبًا ما تحدث بيئة معروفة من الغرب الأوسط. عندما عُين كوزر شاعرًا وطنيًا للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2004، وصفه أمين مكتبة الكونغرس بأنه ”أول شاعر من السهول الكبرى اُختير لهذا المنصب”، ومع ذلك رأى المحرر الأمريكي ديفيد ميسون أن أعمال كوزر أكثر من مجرد إقليمية فقال: ”في الغالب كتب كوزر قصائد قصيرة تتعلق بالإدراك نفسه، وعلامات الوجود البشري وعدم اليقين في المعرفة والإنجازات البشرية».
أما عن الشاعر والنَّاقد دانا جويا، فوصف كوزر بأنه شاعر ”شعبي” ليس من حيث مبيعات الكتب ولكن لأنه على عكس أقرانه يكتب بشكل طبيعي لجمهور غير أدبي، كما أن أسلوبه متقن ولكنه بسيط للغاية ومفرداته مستمدة من الحديث اليومي وموضوعاته مأخوذة من العالم اليومي في السهول الكبرى، وحساسيته بالرغم من كونها أكثر دقة ووضوحًا لكنها مساوية لحساسية المواطن العادي من الغرب الأوسط، حيث إنه يلاحظ التفاصيل البسيطة والدقيقة في حياتنا اليومية كمجموعة من الأزرار، أو الصواني القديمة أو حتى العنكبوت في الحمام. كما تحدث جويا أيضا عن كوزر قائلا إن اهتمام كوزر بتقديم ”رؤى صغيرة ولكن حقيقية في عالم التجربة اليومية” هو ما يعزله عن ”القراءة المتخصصة التي تدعم الشعر الآن”، ورغم ملاحظة جويا بأن كوزر ”لم يتلق اهتمامًا مستمرًا من النقاد الأكاديميين» فإنه يعتبره من بين أفضل الشعراء في جيله.
ومن أعمال كوزر المتميزة المتفردة التي لا يشبهه أحد فيها هي تأسيسه ”الحياة الأمريكية في الشعر” بالتعاون مع مؤسسة الشعر وتقديمه قصيدة أسبوعية مجانية للصحف في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، والهدف من هذا البرنامج رفع مستوى رؤية الشعر كفن أساسي وأصيل في المجتمعات الثقافية. فكرة غير تقليدية وداعمة للأصوات الشعرية الجديدة الموهوبة التي لا تستطيع أن توصل صوتها الشعري إلى الجمهور الأمريكي وأرى أن هذه الفكرة يمكننا تنفيذها في مجتمعاتنا الشرقية أيضا خصوصا أن هناك دائما مشكلة بالنسبة للشباب والموهوبين المبتدئين في النشر سواء نشر المقالات أو القصائد شعرية أو حتى الكتب. فلماذا لا نبدأ في الاستفادة من خبرات هؤلاء الشعراء الأمريكيين وننفذ هذه الفكرة؟
تيد كوزر من الشعراء الذين تأثرت كثيرا بقصائدهم ومسيرة حياتهم، إنه شاعر البساطة والتأمل والجمال الطبيعي النَّابع من الداخل ليس فقط من بيئته المحيطة (الغرب الأوسط)، فكثر هم من يعيشون في هذه البيئات الطبيعية التي تحث على الكتابة والإبداع. ولكن كم شخصا يتأملها ويحاكيها ويحكي عنها ويكتبها، كم شخصا تأثر بما يراه يوميا من جمال وإبداع الخالق والمخلوقات؟
فنحن بحاجة ماسة الآن إلى البساطة في اللغة والأسلوب والفن والحياة ولا أقصد بالبساطة هنا ”السطحية” ولكنني أقصد السلاسة والسهولة في توصيل أعقد المشاعر والتفاصيل بأبسط طريقة ممكنة في فن أدبي نادر مثل ”الشعر”، وفي هذا استطاع كوزر أن يجمع بين البساطة والعمق في قصائده باحتراف شاعر عاش حياته بين السهول الكبرى.
في حوارٍ مع الأكاديمي ومحرر الشعر شابمان هود فريز، سُئل كوزر: «قصائدك غالبا ما ترتقي بالعادي.. حدثنا قليلا إذا كنت ترغب عن كيفية نشأتك وما الأحداث التي تعتبرها مهمة في حياتك وأثرت عليك بوصفك كاتبا؟”. أجابه كوزر: ”نشأت في أيمس بآيوا وذهبت إلى الكلية هناك. نميل إلى استخدام مصطلح ”العادي» لوصف الأشياء التي ننظر إليها أو نتجاوزها بسرعة، لأنها لا تشد انتباهنا على الفور ولكن خلف ”العادي” يمكننا العثور على أشياء فريدة ورائعة. أما بالنسبة للأحداث المهمة في حياتي، فهناك زواجان، وولادة ابني وتشخيصي بالسرطان وما إلى ذلك. كانت وفاة جدي وجدتي وعماتي وأعمامي لها تأثير كبير في حياتي، وبالطبع وفاة والديَّ. توقفت عن الشرب في عام 1986 وأعتقد أن ذلك كان له تأثير أكبر على مسار حياتي من أي شيء آخر. لم أواجه مشكلات بسبب الشرب ولم أكن مدمنا بالمعنى الكبير ولكن الشرب أضاع الكثير من وقتي وشكل الطريقة التي عشت بها. كتبت بعض القصائد عندما كنت صبيا صغيرا في المدرسة الابتدائية، لكنني أعتقد أننا جميعا كنا نفعل ذلك حينها ولم أبدأ الجدية في الكتابة إلا عندما كنت مراهقا. كنت نوعا ما من الغرباء كمراهق. لم يكن لديَّ أي قدرة رياضية. لم أستطع العزف على آلة موسيقية، لم أستطع القيام بأي من الأشياء التي كنا نقول إن الأطفال المشهورين يمكنهم القيام بها، وكنت بعيدا جدا عنهم. بطريقةٍ ما، اعتقدت أن الكتابة والرسم سيجعلانني مثيرا للاهتمام من الناحية الرومانسية وكان الأمر يتعلق في الغالب بالفتيات. لذلك اندفعت إلى الكتابة بعزيمة مراهقٍ غريبٍ وبدأت أكتب وأحاول أن أكتب كشاعر».
عندما قرأت قصائد كوزر وتأملت سيرة حياته شعرت لوهلةٍ بتشابهه مع الشاعر الأمريكي تشارلز رايت، وتذكرت مدى تعلقي بهدوء إيقاع حياته وحبه الطبيعة وتأملها، وأيضا تشاركا في شيء مع اختلاف الأسباب، وهي حبهما العزلة والابتعاد عن الأضواء برغم إقبال جمهور رايت عليه كما الجوائز، ومن الناحية الأخرى عدم إقبال كثير من النقاد الأكاديميين على كوزر برغم حصوله على أكبر الجوائز الأدبية الكبرى في أمريكا، وقد ساعده ذلك في حبه العزلة والكتابة. يكفي بأنه استمر في إبداعاته الشعرية والنثرية برغم نفور بعض النقاد منه، الذي بدوره كان يمكن أن يؤثر على أدائه ويثبط من عزيمته إلا أنه آمن بذاته وموهبته الشعرية والأهم بمبدأه ورسالته في الحياة والإرادة في تحقيق رسالته في الشعر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب