أكاديميون مغاربة يعلنون الحرب على الفساد في الوسط الجامعي
أكاديميون مغاربة يعلنون الحرب على الفساد في الوسط الجامعي
عبد العزيز بنعبو
الرباط ـ فيما يشبه انتفاضة كوادر التدريس في الجامعات المغربية، أعلن عدد منهم عن تأسيس «الجمعية المغربية لمحاربة الفساد في الوسط الجامعي» والتي اتخذت من طنجة مقرا لها، كما تشكلت جل لائحة أعضاء مكتبها من أساتذة جامعيين، وعددهم سبعة أشخاص.
الخطوة التي وصفت بـ«المغامرة» تأتي بعد العديد من الفضائح عاشتها عدد من الجامعات، مثل «قضية الجنس مقابل النقط» أو «الابتزاز الجنسي» من أجل علامات مميزة، كما هو حال جامعة سطات (جنوب شرق الدار البيضاء) ناهيك عن حالات منفردة لوقائع اعتبرت تجاوزات مست حرمة الجامعة المغربية وهيئة تدريسها أيضا.
ومن جهة أخرى، كانت إحدى الجامعات المغربية موضوع شكايات تقدم بها متضررون من خروقات واختلالات التوظيف فيها، فضلا عن الطعن في سير إجراءات وشبهات غياب تكافؤ الفرص والكشف عن نتائج قبل موعد ظهورها بشكل رسمي. واستدعت المحكمة الإدارية رئيس الجامعة ومدير مدرسة للعلوم التطبيقية، حيث استجوبتهما عن حيثيات شكايات تقدم بها دفاع مهندسة في تطوان بخصوص عدم احترام العديد من الإجراءات والخروقات التي تمس بتكافؤ الفرص في مباراة توظيف بجامعة عبد المالك السعدي في طنجة، علما أن الأخيرة أكدت مرات عدة أن المباراة مرت في ظروف عادية واحترام القانون وكافة المساطر المنظمة للعمل بالقطاع العمومي، في حين تصر المهندسة المشتكية على أن مباراة التوظيف شابتها خروقات متعددة، أبرزها إعلان الفائز بالمنصب وتسجيله باستعمال الزمن قبل إعلان نتائج المباراة مركزيا.
وكانت الجامعة المذكورة أكدت أنها أجابت عن الشكايات التي وُضعت في موضوع اختلالات وشبهات الفساد في مباريات التوظيف بالقطاع العمومي، وأوضحت احترام معايير تكافؤ الفرص بين الجميع، والالتزام بالمساطر القانونية، لكن مقابل ذلك تتواصل الشكايات وتسجيل ملفات لدى القضاء الإداري في الرباط، ومطالب وجهت إلى وزير التعلييم العالي بالكشف عن نتائج تقارير التفتيش للرأي العام.
الجنس مقابل النقاط
وتبقى واقعة «الجنس مقابل النقاط» هي الأبرز خلال السنوات الأخيرة، وانتهت بالسجن في حق المتورطين وخاصة الأستاذ الذي كان «بطل» الفضيحة، كما انتهت مسيرة المتورطين المهنية، حيث كانت وزارة التعليم العالي قد قررت عزل الأساتذة المتورطين في هذه الفضيحة التي تفجرت في كلية العلوم القانونية والسياسية في مدينة سطات سنة 2021.
ويبدو أن الجمعية حديثة التأسيس تطوعت لتحمل على عاتقها حملا ثقيلا جدا، فليست فضيحة «الجنس مقابل النقاط» سوى ملمح واحد من مجمل ملامح الوجه «الخفي والقبيح» للجامعة المغربية، ونذكر مثيلا لها تلك المحادثات الجنسية التي جمعت أساتذة بطالباتهن داخل عدد من الجامعات والمؤسسات بكل من وجدة وتطوان. كما تحضر في الذاكرة وعلى عجل فضائح أخرى، مثل فضيحة «الماستر مقابل المال» التي هزت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس وتورط فيها سبعة متهمين تلقوا رشوة لتسهيل الولوج إلى ماستر المنازعات العمومية مقابل مبلغ مالي.
وليست الممارسات الفاسدة وقفا على الجنس والمال، بل لها امتدادات في جوانب أخرى مثل التدخلات السياسية والقصد على الحزبية، والمعاملات التجارية وغيرها، «باختصار شديد» يقول الطيب بوتبقالت، «إن نسيج التعليم العالي المغربي يعاني من استفحال ظاهرة الفساد على مستويات متعددة، وبمختلف أشكال وأنماط هذا الفساد».
وأوضح رئيس «الجمعية المغربية لمحاربة الفساد في الوسط الجامعي» متحدثا لـ«القدس العربي» أن أشكال وأنماط هذا الفساد، تتوزع عبر «التحرش الجنسي، والزبونية والمحسوبية، واستغلال النفوذ، والولاءات الحزبية والنعرات القبلية، وانحدار الأخلاق الأكاديمية، وما إلى ذلك من مظاهر الاختلال المتنامي على أكثر من صعيد».
وشدد الأكاديمي بوتبقالت على أن «هناك بعض الاستثناءات، لكن النادر لا حكم له» لذلك «كان لزاما علينا بصفتنا جامعيين مغاربة، أن ندق أجراس الخطر، وهذا كان في الواقع هو الدافع وراء إقدامنا على تأسيس الجمعية» وأشار المتحدث إلى تلقي «أصداء كثيرة من مختلف مناطق المغرب، وبالخصوص من مختلف المؤسسات الجامعية المغربية، التي رحبت بهذه الفكرة، كما أعلن عدد كبير من الأساتذة الجامعيين انخراطهم في هذه المبادرة التي أعتقد أنها غير مسبوقة في الوسط الجامعي المغربي إلى حدود الساعة».
الجمعية الجديدة التي تتخذ من «المعهد العالي للتدبير ووسائل الإعلام في طنجة» مقرا لها، أكدت في بيان التأسيس الذي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، أن المبادرة تأتي «سعيا إلى تعبئة الإرادات الحسنة وتضافر الجهود الفعالة من أجل مكافحة الفساد في مختلف مؤسسات التعليم العالي في القطاعين العام والخاص» حيث تم تأسيس هذه الهيئة طبقا للأهداف المسطرة في قانونها الأساسي.
وذكرت الجمعية في بيانها أنها تستمد أهدافها من الدستور المغربي لسنة 2011 ومن القانون المتعلق بتنظيم التعليم العالي بالمغرب، ومن البيان الصادر عن المعهد الدولي للتخطيط التربوي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» والمجموعة الدولية لضمان الجودة التابعة لمجلس اعتماد التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية، وستعمل وفقا للمقتضيات الدستورية، روحا ونصا، الواردة في الباب الثاني عشر الخاص بالحوْكَمة الجيدة.
وبعد تعداد الأهداف والقوانين التي ستشتغل في ضوئها، استعرضت الجمعية في بيان التأسيس أمثلة على الممارسات الفاسدة في الوسط الجامعي، ومنها «منح مؤسسة ما ترخيصاً للعمل أو سلطة منح الدرجات العلمية أو اعتماد البرامج مقابل رشاوي أو امتيازات» و«تعيين أفراد غير مؤهلين أو أفراد لديهم تضارب مصالح في الهيئات التنظيمية ومجالس إدارة مؤسسات التعليم العالي» وأيضا «تعيين مدير لمؤسسة التعليم العالي دون اتباع الإجراءات الرسمية» ثم «التدخل السياسي أو التجاري في قرارات هيئات ضمان الجودة».
وتطرقت الجمعية إلى التدابير الوقائية، مثل «وضع عمليات شفافة لتعيين الأعضاء في مجالس إدارة جميع الهيئات العامة المشاركة في تنظيم وإدارة التعليم العالي» و«رفض الأفراد الذين لديهم تضارب في المصالح من عضوية مجالس ضمان الجودة والتأكيد على أهمية النزاهة في معايير ضمان الجودة» و«معاقبة السياسيين والمديرين وموظفي مؤسسات التعليم العالي الذين يقدمون مؤهلات وهمية» وأيضا «ضمان الالتزام بإجراءات منح تراخيص التشغيل وسلطة منح الدرجات العلمية واعتماد البرامج» ثم «سن تشريعات لحماية المبلغين عن المخالفات» و«رفع الوعي بمفهوم تضارب المصالح».
ولم تتوقف الجمعية في بيان التأسيس عند هذا الحد، بل تطرقت إلى «مكافحة الفساد بين المدرسين في مؤسسات التعليم العالي» وأعطت «أمثلة على الممارسات الفاسدة» ومنها «تعيين أو ترقية أعضاء هيئة التدريس أو غيرهم من الموظفين على أساس الرشاوي التي يتلقونها، أو وفقًا لمعايير المحسوبية أو نتيجة لاستغلال النفوذ» و«تغيب أعضاء هيئة التدريس الذين لا يفون بالتزاماتهم التعاقدية» و«التحرش الجنسي أو غيره من أشكال التحرش بالموظفين والطلاب» وأيضا «تغيير درجة الطالب مقابل الحصول على امتيازات، خاصة الامتيازات الجنسية».
وفي سياق محاربة هذه الممارسات، تقترح الجمعية مجموعة من التدابير الوقائية، منها «وضع إطار عمل لضمان الجودة بعد التشاور مع جميع أصحاب المصلحة» و«إسناد الإشراف على إطار عمل ضمان الجودة الشاملة إلى شخص ذي سلطة معترف بها».
وفي باب التحرش الجنسي، اقترحت الجمعية وضع سياسات مؤسسية بشأنه، إلى جانب إجراءات لتنفيذها، كما تطرقت إلى «استخدام عمليات شفافة لتعيين الموظفين الأكاديميين والإداريين» و«وضع إجراءات للطعن في القرارات الأكاديمية أو الإدارية».
وتابعت الجمعية استعراض أمثلة على ممارسات فاسدة بخصوص عمليات قبول الطلاب وتعيينهم، ومنها «تجاوز الحد الأقصى لعدد المسجلين الذي حددته السلطات العامة والهيئات التنظيمية» و«نشر إعلانات توظيف احتيالية» و«دفع رشاوي لموظفي القبول أو مسؤولي التوظيف» وأيضا «تقديم كشوف درجات مزورة أو خطابات توصية مزورة» ثم «المشاركة في حلقات غش منظمة لاختبارات القبول».
ومثل الممارسات الفاسدة السابقة، اقترحت «الجمعية المغربية لمحاربة الفساد في الوسط الجامعي» بعض التدابير الوقائية، للحد من ذلك، وهو الشيء نفسه الذي طرحته بخصوص الفساد في تقييم الطلاب، وذكرت «بيع أوراق الامتحانات أو المستندات المتعلقة بالامتحانات، واستخدام إعداد الأطروحات المزورة» و«دفع الرشاوى للمراقبين والمصححين» و«انتحال شخصية المرشحين واستخدام الكتاب الوهميين للواجبات المنزلية» وأيضا «الانتحال والغش في الاختبارات والواجبات والامتحانات الجارية» ثم «التناقضات والمحسوبية في منح الدرجات» ولأجل محاربة ذلك اقترحت أيضا عددا من التدابير الوقائية.
ولم تتوقف الجمعية فيما يشبه بيان حقيقة أقرب منه إلى بيان تأسيس، عند الحفر في الممارسات الفاسدة المذكورة، بل أشارت أيضا أمثلة الفساد في المؤهلات المقدمة، وفي العمل البحثي والمنشورات العلمية وحتى حملات التوعية العامة.
وبالنسبة للجمعية، فإن الوقت قد حان من أجل «الخطوة التالية» من خلال «دعوة إلى العمل» وبذلك فهي تسعى إلى «ربط علاقات التشارك والتعاون مع منظمات وجمعيات المجتمع المدني ذات الأهداف المشتركة على الصعيدين الوطني والدولي» و«التنسيق مع المدارس العليا والمؤسسات الجامعية المغربية والدولية المهتمة بأخلاقيات التعليم العالي ومحاربة الفساد الأكاديمي في كل تجلياته» و«تنظيم ندوات ومؤتمرات وتأطير أنشطة اجتماعية وثقافية وعلمية وبيئية ذات الصلة بمحاربة الفساد في الوسط الجامعي».
الفساد الجامعي يصل إلى البرلمان
ووصل موضوع الفساد الجامعي إلى البرلمان، حيث دعت فاطمة التامني، البرلمانية عن فدرالية اليسار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إلى معالجة الاختلالات التي تشهدها العديد من الجامعات المغربية. وأوضحت في سؤال مكتوب وجهته إلى الوزير، أن منظومة التعليم العالي في المغرب تواجه «مجموعة من الاختلالات والمشاكل التي تعيق تحقيق الإصلاح المنشود، ومن ذلك الصفقات والتوظيفات التي تطرح العديد من الأسئلة المشككة في مصداقيتها». وكمثال على ذلك، استحضرت البرلمانية التامني «ما باتت تعرفه جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال من ملفات مشبوهة، كان آخرها فضيحة توظيف أستاذ محاضر، حيث أشارت كل القرائن الواردة في الطعون المقدمة في الموضوع، إلى أن المنصب المذكور فُصّل على مقاس أحد المترشحين مقابل إقصاء ملفات آخرين أكثر كفاءة، وهو ما اعتبر مساسا بحقوق باقي المترشحين، وضربا صارخا بشعارات الشفافية وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد». وأوضحت النائبة البرلمانية أنه، على الرغم من رفض عضو رسمي في لجنة المباراة التوقيع على نتائج الانتقاء الأولي، وكذا على محضر نتائج المقابلة الشفوية، احتجاجا على العيوب القانونية وشبهة الفساد التي حامت حول هذه المباراة، فإن الوزارة الوصية أشّرت على النتائج النهائية للمباراة والتي تم الإعلان عنها فعليا، مما يطرح عديد التساؤلات حول جدوى تشكيل لجان التوظيف.
وحسب البرلمانية عن «فدرالية اليسار» فإن «الطعون المقدمة في شأن المباراة، أكدت أن هذه الأخيرة لم تكن سوى إجراء صوري لما شابها من خروقات قانونية». ولاحظت أن الإعلان عن النتائج النهائية لهذه المباراة وعدم الأخذ بالطعون المقدمة في شأنها، أمر يثير التساؤل والاستغراب، وهو ما يستوجب فتح تحقيق نزيه وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية. وسألت البرلمانية، وزير التعليم العالي، عن التدابير التي تعتزم الوزارة القيام بها من أجل إصلاح منظومة التعليم العالي ووضع حد للاختلالات التي تشهدها العديد من الجامعات المغربية، حسب فاطمة التامني.
ويرى الباحث عبد الحق غريب، الأستاذ في كلية العلوم بجامعة شعيب الدكالي في مدينة الجديدة، أن الجامعة العمومية المغربية أضحت في السنوات الأخيرة مجالا لمختلف مظاهر الفساد، ومرفقا عموميا يسيّره مسؤولون فاسدون، ما انعكس سلبا على صورتها وسمعتها، وباتت تتعرض لهجمات إعلامية، من خلال نشر وتداول أخبار تسيء لمكانتها الرمزية في المجتمع وتخدش قيمتها لدى العموم، بالإضافة إلى احتلالها مراتب مخجلة في تصنيف أفضل الجامعات عربيا وأفريقيا وعالميا.
واعتبر في مقال نشره في صفحته على «الفيسبوك» أن «الجامعة العمومية مستهدفة، وتتعرض للضربات من كل حدب وصوب» معربا عن اعتقاده بأنها لا يمكنها أن تخرج من هذا الوضع المزري والمخجل، وترقى إلى مصاف الجامعات العالمية، وتقوم بدورها الأكاديمي والفكري والعلمي خدمة للمجتمع، إلا إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية للدولة لإصلاح الجامعة العمومية والرقي بها، ويبدأ ذلك بمحاربة الفساد وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية». بالإضافة إلى شرط «الحوْكمة الجيدة» الذي يجب على الأساتذة الباحثين أن يلعبوا دورهم في تكريسه، وذلك من خلال «تفعيل صلاحيات ومهام هياكلهم المنتخبة (مجلس المؤسسة ومجلس الجامعة) عوض تحويلها إلى غرف للتسجيل».
أمثلة من هناك وهناك
وتساءل الباحث عبد الحق غريب: «هل يجوز لرئيس جامعة أو عميد كلية أو أي مسؤول في الجامعة، تحوم حوله شبهة ما أو متهم بتهمة ما، ان يستمر في منصبه وهو لم يستنفد كل صيغ الطعن؟ أم يجب عليه أن يقدم استقالته مباشرة بعد توجيه التهمة إليه، حفاظا على صورة وسمعة الجامعة واحتراما لأمانة المسؤولية؟».
وأعطى بعض الأمثلة بالبلدان التي تُحترم فيها المسؤولية وأمانة المنصب أخلاقيا وقانونيا، والتي يُعتبر فيها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أحد مقومات الحكامة الجيدة، موضحا أنه في هذه البلدان المسؤول الجامعي لا يقدم استقالته بسبب اتهامه بتبذير أو اختلاس المال العام أو ارتكابه خطأ إداريا جسيما فقط، بل تجده يسارع الزمن لتقديم استقالته حتى بعد وقوع مشكل عادي في مؤسسته، لا دخل له فيه. ومن الحالات التي ذكرها الباحث المغربي:
ـ في بلجيكا، قدم عميد كلية الهندسة الحيوية بجامعة «غاند» استقالته في آذار/مارس 2022 بعد أن بثّ برنامج إذاعي تقريرا يشهد فيه حوالي عشرين طالبا بسلك الدكتوراه على إساءة استخدام السلطة والسلوك غير اللائق تجاههم من قبل الأساتذة والطاقم الأكاديمي.
ـ في ماليزيا، قدم رئيس جامعة ماليزيا استقالته بعد أن تراجعت جامعته بمئة رتبة في تصنيف الجامعات العالمية الذي نشرته مؤسسة «التايمز» عام 2005. وقد أحدثت القائمة المنشورة نقاشاً حاداً على جميع مستويات الدولة بسبب تراجع جامعتين بماليزيا، وتمت الدعوة لتشكيل لجنة ملكية للتحقيق في ذلك.
ـ في كندا، قدم رئيس مجلس إدارة جامعة جزيرة الأمير استقالته في حزيران/يونيو 2023 بعد أسبوع من نشر تقرير ينتقد بشدة الجامعة لكونها لم تعد مكانًا آمنًا أو محترمًا لجميع الأفراد، ولا بيئة مناسبة للعمل أو التعلم.
– في فرنسا، قدم عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في مونبلييه استقالته في آذار/مارس 2018 بعد الإخلاء العنيف على يد رجال ملثمين للطلاب الذين احتلوا مدرجا بالكلية، احتجاجًا على قانون «فيدال» بشأن قواعد الالتحاق بالجامعات.
أما في المغرب، يقول الباحث عبد الحق غريب، فلم نسمع أبدا أن رئيسا أو عميدا قدم استقالته من منصبه، حتى وإن ثبت تورطه في اختلاس المال العام، ما نسمعه هو الفضائح التي تقع في هذه الجامعة أو تلك، حيث لا يكاد يمر يوم من دون أن تنفجر فضيحة أخلاقية أو مالية أو إدارية، إلى درجة أننا أصبحنا نخجل من أنفسنا أمام عموم المواطنين. للأسف ما يُلاحظ في السنوات الأخيرة هو أن بعض المسؤولين في الجامعة العمومية طبّعوا مع الفساد، وباتوا لا يجدون أدنى خجل أو حرج في تورطهم في هذه الفضيحة أو تلك. واعتبر أن «الفساد جرى إخراجه من دائرة المحظور إلى فضاءات المشروعية وأصبح يعتبر من الأمور العادية، ولا علاقة له بدماثة الأخلاق، بعد أن توارت الروادع الأخلاقية والقانونية إلى الوراء».
وأعطى أمثلة بثلاث حالات، تتمثل أولاها في رئيس سابق لجامعة المولى إسماعيل في مكناس، توبع بتهمة «اختلاس أموال عمومية» كانت ستُصرف على البحث العلمي. وقد أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس في آذار/مارس 2022 حكما في حقه يقضي بالسجن النافذ لمدة سنتين. ومع ذلك، قدم ترشيحه لمسؤولية تسيير مؤسسة عمومية.
وتخص الحالة الثانية مديرا سابقا للمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير في سطات، كانت النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات قد قررت متابعته لوجود قرائن على ارتكابه مخالفات في مجال التسيير المالي بمؤسسته، قد تثير مسؤوليته أمام المجلس في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ورغم ذلك تم تعيينه مؤخرا نائبا لرئيس جامعة ابن زهر في أغادير.
أما الحالة الثالثة فتتعلق بنائب عميد في مدينة الجديدة استدعته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء أكثر من مرة للتحقيق معه حول شبهة فساد، وقد استمر في منصبه طوال المدة التي كانت تحقق معه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. ثم جرى تعيينه نائبا لعميد مؤسسة أخرى حديثة العهد.
«القدس العربي»: