دراساتمقالات

في الذكرى العشرين لاحتلال بغداد الرشيد—د. عباس العزّاوي

د. عباس العزّاوي


 في الذكرى العشرين لاحتلال بغداد الرشيد

مَن يَنتَصِرُ لَكِ يَا بَغدادَ بالقَصَاصِ مِن الجَانِي الأثِيم
ويَنتَصِفُ مِمَّن دَنَّسَ أرضَكِ الطَهُورِ وأَهدَرَ كَرامَتكِ؟
د. عباس العزّاوي
مرَّت عشرونَ سنةً على احتلال العراق واقتحام عاصمته بغداد، عرين الأسود وصاحبة المجد التليد، حاضرة الأمة، وزينة الدنيا وتاجها المتلألئ. ففي يوم التاسع من نيسان المشؤوم من عام2003م اقتحمت فلول الشرّ عاصمة الحضارة العربية، وأهمّ حواضر العرب، وداست أقدامهم الهمَجيَّة ترابها الطاهر المُنَقّى، فأضحت بغدادُ تَضجُّ بجراحها النازفة، وباتت حياة أهلها تَعجُّ بالحُزن والمكابدةِ والأسى، والموتُ يلقي بوشاحه في كلِّ مكانٍ من أرض بغداد، قلعة الأمة، ومَكمَن الرِّجال، ودار العلوم، والمعارف، والأدب، والفلسفة.
مَشاهِدٌ مُرَوِّعةٌ مِن القَتلِ لأبنَاء بَغداد
الموت هذا لا يُفرِّقُ بين صغيرٍ وكبير، بين رجلٍ وامرأةٍ، بين شِيبةٍ وشبابٍ، كانَ هَولاً عظيماً، ومأساةً انسانيَّةً ليس لها مثيل في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية. كانت مشاهدها مُروّعة تلك التي يمرُّ بها الرائي فيُخيَّلُ اليه أنَّه في روما أو باريس زمن الحرب العالمية الثانية، من بشاعة المشاهد والصور المُقَزِّزة والمُنفِرة لحالات الدمار والخراب والحرائق المشتعلة في كلّ مكان، والدخانُ المتصاعد من البنايات العالية والمركبات العسكرية والمدنية، وصورٌ بشعةٌ من الجثث المَرمية والمُلقاة على الأرض في الطرق الرئيسية وبين الأزقَّة لمقاتلين أُستُشهِدوا وهُم يتصدون لجيوش الاحتلال الغازية من أبناء القوات المسلحة، وفدائيي صَدَّام، والأجهزة الأمنية والحزبية، والفدائيين العرب، ومن المدنيين الذين لاقوا حتفهم لمجرَّد أنهم خرجوا يبحثون عن لقمة العيش ليعودوا بها الى أُسرهم، فلا هُم عادوا من غيرها، أو بها فقد واجهتهم آليات ودبابات الغُزاة بوابلٍ من الرصاص من فوهات رشاشاتهم ومدفعيَّتهم المحمولة أو من خلال طائرات الأباتشي التي تحوم في كل مكان من سماء بغداد. كلّ ذلك يرافقه أنينٌ ونَحبٌ وبكاءٌ ووجوه مُصفَرَّةٌ مُتَجعِّدة التَقاسيم، أثر الشحوب بادٍ في مِحياها، تُقلِّبُ جثَّةً هنا وجثَّةً هناك، عَلَّها تَعثر على ابنٍ أو أبٍ أو أخٍ بين أكوام الشهداء، وأجسادهم مُتناثرة على الأرصفة والطرقات والأزقّة وبين المنازل في وسط العاصمة بغداد. وكأنَّها قد أُصيبَت بزلزالٍ مُدمِّرٍ تَخَطّى كلّ الأرقام، قضى على الانسانِ والشجرِ والحجر، ضرب هذا العدوان المُزَلزِل بغدادَ ومَزَّقَ كُلِّ خرائطها ودمَّرَ وخرَّب كلّ شواخصها الحضارية والانسانية والجمالية، وباتَت بغدادُ مدينة أشباحٍ يعلوها الرُكام وظلَّت سماؤها تمطرُ زخاتً سوداءً لأشهرٍ عدَّة بفعل تلبّد السماء بالكاربون وغيره نتيجة الدخان المتصاعد من الحرائق التي طالت كلّ مكانٍ وزاويةٍ من على أرضها. هذا الزلزال الرَّهيب المُدمِّر تَبعته هَزّاَتٌ ارتِداديَّةٌ عنيفةٌ وقويَّة ابتدأت بالطائفية المَقيتة، والتَغوّل الإيراني الفارسي، وجرائم عصابات وميليشيات الأحزاب العميلة المجرمة، ممَّا ضاعف من معاناة وآلام ومعاناة أهلها الأصلاء. فعصَفت بهم رياحٌ هائجةٌ مجنونةٌ تحمل غبار كلّ أيام الظلام والكوارث والنكبات التي مرَّت بها بغداد منذ مئات السنين، فأصبحت الحياةُ فيها بلا طعمٍ ولا لونٍ ولا رائحة. ولم يزَل الدم العراقي يُراق فيها، وقد تَعدَّد الجُناةُ واستشرت الجرائم المُنَظَّمة على مرأى ومسمع من الحكومة الباغية، والمرجعيات الدينية الخرساء….. أقدمَ الأمريكان والصهاينة بكلِّ وحشيةٍ وهمَجيَّةٍ، وبكلِّ الحقد الأسود الدفين، بكلِّ الشرِّ المكبوت في نفوسهم الموبوءة، منذ آلاف السنين، منذ سومر وأكد وآشور وبابل. فكان اقتحام بغداد واحتلالها فاجعة الفواجع، وكارثة الكوارث أعادت بها الى الخلف، الى عصور الظلام منذ مئات السنين، عندما وَطِأت سنابك خيول المغول أرض بغداد في العام 1258م.
جَلجَامِشُ ومَلحَمتُه الشِّعريَّة تُحَاكِي بَغدادَ اليَّوم
كانت ملحمة جلجامش الشعرية الخالدة تشكو المجهول وتخاف الآتي وتبحث عن الخلود، فقد كان جلجامش يمتلك قوةً خارقةً وهو يزهو بمكانته العالية بين الملوك، كما هي بغداد التي كانت تزهو بمقامها وقدرها العالي في عنان السماء، بين مدن الدنيا، عندما كانت منارة العلم والنور، وعاصمة الدولة العربية الإسلامية الكبرى، لكنَّها لم تكن تخفي حذرها وخشيتها من غدر الحاسدين والمتربصين بها، من أعداء العراق. كانت بغداد تتحدى قوى الاستكبار والظلام في العالم، خاصة الصهاينة والأمريكان والفرس، كذلك هو جلجامش كما هي بغداد له مآثره البطولية وسيطرته على العالم، وكما أنَّ بغدادَ لم تكن لترى أنَّ لها نهايةً أو أنَّها ستموت لا سمح الله، رغمَ أنَّ جلجامش كان يرى أنَّ الموتَ وحده سيهزمه، لكنَّ بغداد كانت قد ذاقت مرارة الهزيمة على يد المغول، لكنَّها لم تستسلم وظلَّت شامخة كشموخ نخيلها، حيَّةً تدبُّ فيها الحياة كما هو دجلتها الذي يجري بكلَ هدوءٍ وثقةٍ. وأخيراً فقد مات جلجامش، غير أنَّه حقَّق الخلود لاسمه في الدنيا منذ آلاف السنين. ولم تَمُت بغداد، وهي كما جلجامش قد حقَّقت الخلود في التاريخ قديمه وحديثه. وهكذا هو الخلود الرُّوحي الذي تَحدَّثت عنه ملحمة جلجامش، أو هو الخلود الملائكي الذي سيبقى لبغدادَ أبَد الدهر، وفي المقابل فإنَّ الملعون بوش سيخلد أيضاً! لكنَّه خلودٌ شيطانياً، كما هو خلود الشيطان (ابليس)، فبغداد خلودها ملائكيٌّ، وبوش المجرم خلوده شيطانيٌّ، وشتَّان بين خلود الملائكة وخلود الشياطين.
دُعِيَ بوشٌ الملعون لوَقفِ العُدوَان فلَم يَستَجِب
وهكذا ارتكب بوش الملعون وبلير الضاحك جريمتيهما بحق العراق، فكانت بغداد الأبيَّة هدف المحتل الأمريكي الغاشم، لأنَّها كانت زينة الدنيا وتاجها المتلألئ، ومنارة العلم والنور التي أضاءت للدنيا طريقها، وقضت على جاهليَّتها عندما كانت عاصمة الحضارة العربية الإسلامية، ومبتغى العلماء والمفكّرين والفلاسفة والأدباء في العصور الوسطى، حينما كانت أوروبا تعيش في ظلامٍ دامسٍ وجهلٍ وتخلّف، وفي ذات الوقت لم يكن في أمريكا سوى أهلها الأصليون من الهنود الحمر، والذين كانوا يعيشون عيشةً بدائيةً بسيطة.
جاء العدوان الأمريكي والبريطاني ومَن تحالف معهما من أرباب الشرّ في العالم، رغم أنَّ هذا العدوان والغزو والاحتلال لبلاد الرافدين لم يكن هناك قانون دولي يسنده، بل بالعكس كان هناك مشروع قرار دولي في أروقة مجلس الأمن لمنع هذا العدوان الاجرامي، غير أنَّه فشل في اصداره ليوقف هذا العدوان الذي لا يبرّره قانون سماوي أو أرضي ولا أخلاقي على مدى التاريخ الحديث. اضافةً الى مساعي الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي فشل هو الآخر في اقناع المجرم بوش بإيقاف ما رتَّبَ وبيَّت النِيَّة عليه، ومطالبته له بالتخلِّي عن غزو العراق، وعدم اشعال نيران هذا العدوان، كلّ المساعي والسُبُل الخيِّرة والمُنصفة لم تنجح في ثَنيه عن عدوانه، وزَعم بكلّ استكبارٍ وغرورٍ وعنجهيةٍ، بأنَّ لديه تخويلاً من السماء بغزو العراق واحتلاله! وأنَّه لن يقبل الحياد في هذا، فمَن ليس معه فهو ضِدَّه! مُدَّعياً بكلِّ صلَفٍ ووقاحةٍ وكذبٍ بأنَّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ويُشكِّلُ خطراً على جيرانه! والمفارقة الغريبة أنَّه بعد خمسٍ من السنوات أي في العام 2008م، أعلن كولن باول صاحب الملف الكبير الذي كان يرفعه في مجلس الأمن، والأنبوبة الصغيرة التي كانت تحوي مسحوقاً للغسيل!، ليقول لأعضاء مجلس الأمن والعالم أنَّها تحوي سلاحاً بايولوجياً عراقياً فتَّاكاً!، ولا ندري كيف يمكن احضار هذه الأنبوبة التي تحوي سلاحاً من أسلحة الدمار الشامل داخل قاعة مجلس الأمن! نقول أنَّ هذا المجرم باول قد أعلن عن خيبةِ أمله في مصداقية المخابرات الأمريكية التي ضَلَّلتهم وكذَّبت عليهم، كما جاء على لسانه هو، وماذا بعد ذلك وحيث اعترفوا بخطئهم وخطيئتهم في احتلال العراق، أليس الاعتراف سيِّد الأدلة؟
فَيلسُوف السِيَاسَة الأمريكيَّة يَتَنبَّأ بالكِذبَة الأمريكيَّة
الغريب في الأمر أنَّ أحد المُؤسِّسين لدولة الشرّ والارهاب في العالم أمريكا، ومن فلاسفة السياسة الأمريكية بنيامين فراكلين، منذ أكثر من مئة سنة كان يقول: (نصف الحقيقة غالباً ما يكون كذبة عظيمة!)، واليوم فعندما يقول بوش وباول بأنَّ لدى العراق أسلحة دمار شامل، وهما يعلمان جيداً بل ومُتيَّقنان من كذبهما تماماً، فإذا كانت نصف الحقيقة حسب فراكلين، تُعتبر كذبة عظيمة، فمعنى هذا أنَّ الحقيقة الكاملة كما تعرفها الادارة الأمريكية بعدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، تعني حسب فرضية فراكلين أنَّها الكذبة الأعظم في التاريخ، كما يصفها فيلسوفهم ومؤسِّس دولتهم، وإذن فعليهما يقع الحساب والقصاص.
العُدوانُ مَورُوثٌ أمريكيٌّ
لقد تَوارت في هذا العدوان الهمجي كلّ قيَم الحياة كما جاءت في كتب الله السماوية، وما أسَّس له رُسُله وأنبياؤه عبر التاريخ من قيَم ومُثُل. توارت جلّ القيَم والمُثُل بأدنى مستوياتها، بعد أن أعطى المجرم بوش مثلاً اجرامياً يحتذي به القتَلة وعُتاة الجريمة وكلّ أرباب الشرّ في العالم وبأعلى درجات القُبح والسقوط الأخلاقي. وهذا ليس جديداً على دولةٍ قامت وتأسَّست على تجميع فروات رؤوس شعبها الأصلي من الهنود الحمر، والتي كان مجرمو ومؤسِّسو هذه الولايات يعطون لمَن يأتي بها حفنة من الدولارات الأمريكية. وما اقترفوه في فيتنام وكمبوديا وكوريا، وقنابلهم النووية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان وغيرها كثير من الحروب العدوانية التي فتكت بأرواح الملايين من البشر في العالم، خير دليل على أنَّ القبح والاجرام متأصِّل في نفوسهم المريضة، حتى أصبح ازهاق الأرواح البريئة بالنسبة لهم ألعاباً وتَسالٍ!
انَّها الازدواجية في شخصية بوش الموتورة، ففي الوقت الذي يظهر للناس مُتَهندِماً مُتَأنِّقاً في كلّ المحافل الدوَليَّة، فإنَّه يُبطِنُ شخصيَّةً أخرى بعيدة كلّ البُعد عن منظره العام، فهوَ سيِّافٌ جزَّارٌ تَتلَطَّخ يداه وثيابه بدماء الأبرياء في العالم، وهو شبيه السَفَّاح العالمي الأسطوري الذي تَتحدَّث عنه الروايات الغربية نفسها كجاك السفَّاح البريطاني المعروف، وهارمان الألماني من مصَّاصي دماء البشر. هذا هو الوجه الحقيقي القبيح لأمريكا، انَّها ثنائيَّة القُبح والدَنَس الأمريكي التي لم تَنفَكّ تَبطش بشعوبِ الأرض التي ليس على هواها، قُبحٌ واجرامٌ تَتوارى معه مفاهيم التسامح والحوار والسلام، حوارهم لا يكون إلَّا بالصواريخ والقذائف المشعَّة واليورانيوم المُنَضَّب والفسفور الأبيض، وتدمير الحرث والنسل، وهدم وحرق الملاجئ المدنية على الذين يلوذون بها من قصفهم الوحشي، كما جرى في قصف ملجأ العامرية ببغداد عام1991م، خلال العدوان الكوني على العراق بزعامة أمريكا ورئيسها بوش الأب، الذي راح ضحيَّته أكثر من ثلاثة آلاف مدني بين رجالٍ شِيبةٍ ونساءٍ عجائزٍ وصِبْية وفتيات، فالأجرام هو اللغة التي يخاطبون بها شعوب العالم الفقير والضعيف. انَّ استهداف بغداد بمئات الآلاف من أطنان المتفجرات، دليل على مبدأ السطوة والغرور والقُبح الشيطاني الذي مارسته ادارة المجرم بوش في عدوانها على العراق، وهي تفضح أساليب هذه الادارة الدنيئة واللئيمة بحقّ شعب العراق، وتحويل حياة الناس في بغداد الى كوابيس رعب مظلمة.
ذُبِحَت بغداد بسكِّينٍ مَنقوعةٍ بالسُّم
نقول لو كانَ للحقِّ سلطةٌ على عُتاة الجريمة هؤلاء، لكان اخترع لهم دواءً (لُقاحاً) لتطعيمهم ضدَّ أمراض الغرور والسطوة والقُبح، لمعالجة نفوسهم قبل أجسادهم، وعقولهم وأفكارهم قبل أنفاسهم الموبوءة. لم يكن غزو العراق واقتحام بغداد الرشيد وَخزَةً في الوجدان العربي فحسب، بل كانَ خنجراً مسموماً في خاصرة الأمة تَسبَّب في تَشرذمها وتَفكّكها وانحطاطها. وأمام هذه الكارثة لم نرَ الحكومات العربية تَتحرَّك ولو بخطوة واحدة في الوقوف مع عاصمة العروبة الأبيَّة، بل أنَّ النظام العربي تَقاعسَ وتَخاذلَ بشكلٍ مقصودٍ في نجدة العراق وشعبه.
قد يتصوَّر البعض أنَّ حديثنا هذا بعد مرور أكثر من عشرين سنة على اقتحام بغداد واحتلالها، يُمثِّلُ تجديداً للأحزان والآلام والأوجاع، ونقول: وهل يمكن أن تُنسى بغداد المذبوحة بسكينٍ منقوعةٍ بالسُّمِ من بوش وأعوانه؟، وهل يمكن أن تَخفُت وتَتوقَّف تلك الأحزان وبغداد مأسورةٌ اليومَ في قفص الأمريكان والفرس وخونة الدار والديار من العملاء والخونة، وبعد ذلك نتساءل: هل عادت بغدادُ زاهيةٌ في كبريائها المعهود، ومجدها المنشود، تفوح عطراً على الدنيا كلها؟ هل عادت منارةً للنور والهُدى حيث عهدناها، عاصمةً للحضارة، والثقافة، والابداع، والفنّ؟ هل عاد دجلتها كما عُرِفَ عنه ملتقىً للأدباء والشعراء والمثقفين وعُشَّاق الجمال؟!
عشرونَ سنةً عجافاً مرَّت على بغداد، نُزِعَت منها كلّ معاني الحياة التي يجب أن يحياها العراقيون أسوة بكلِّ خلق الله، عشرون سنةً والناسُ تعيشُ في نَكَدٍ وأوجاعٍ وعذاباتٍ ليس لها آخِر. والجاني الأثيم بوش حُرٌّ طليقٌ يَحيا في ترفِ العيشِ وفي أمانٍ ويمارس حياته الطبيعية ويظهر في المناسبات الرسمية المختلفة في أروقةٍ رسمية. عشرونَ سنةً مضَت على جريمته الوحشية البشعة بحق العراقيين، عشرونَ سنةً وجراح العراقيين تنزف الى الآن، والحرائق تشتعل على أرضه وتأكل الأخضر واليابس، وأهلها يَتَعرّضون في كلِّ ساعةٍ للتَقتيل والتَنكيل؟ فالجريمة لم تسقط، فمَن يا تُرى يَنتَصِف منه على جريمته التاريخية الكبرى والتي لا تسقط بالتَقادم خاصةً وأنَّها من جرائم الحروب؟!، كما أنَّ آثار الجريمة باقيةٌ شَواهدها، لم تزل حاضرةً وبقوَّةٍ بين أعين العراقيين وصورها المؤلمة لا تفارق عقولهم وقلوبهم، وفي المقابل فالجاني الآثِم كما قدَّمنا لم يزَل حيَّاً يُرزَق، ويعيش في بحبوحةٍ ليس لها مثيل، ولم يزل يمشي مُتَرَنِّحاً مُختًالاً مغروراً؟، حتى أنَّ أحد أبنائه ينوي التَّرشُح لرئاسة أمريكا!
لا ندري متى تَتِمّ محاكمته على جرائمه أمام القضاء الدوَلي؟، في حين أصدرت المحكمة الجنائية الدوَلية قراراً بألقاء القبض على الرئيس الروسي بوتين بسبب غزوه أوكرانيا، في حين أنَّ جيوشه لم تقُم بقطع آلاف الأميال براً وبحراً وجوَّاً ليشنّوا عدوانهم على أوكرانيا لغزوها واحتلالها، كما فعل بوش الملعون، ولم يتم قتل زعامة الدولة في أوكرانيا، كما اقترف بوش وأعوانه وكلابه جريمتهم باغتيال قيادة العراق الوطنية والقومية، وفي مقدّمتهم الرئيس الِشَّهيد صَدَّام حسين.
سَرَقوا كُنوز العِرَاق ونَهَبوا ثَرَواته
لم تعثر أمريكا على أسلحة الدمار الشامل التي ادَّعت أنَّ العراق يمتلكها ويُخَزِّنها تحت الأرض! وهكذا سَقطَت كلَّ مُبرّرات العدوان الأمريكي على العراق بغزوه واحتلاله وتدمير بناه التحتيَّة، وتشريد شعبه في بقاع الأرض، واغتيال قيادته الوطنية. وفوقَ كلّ هذا وذاك لم يجدوا تبريراً منطقياً فيه رائحة من الحقيقة المفقودة، عن السبب الذي دَفع بهم الى اعدام رئيس جمهورية العراق الشرعي، وهو أسير حرب مع رفاقه في قيادة الدولة والحزب. لم ينبؤنا الأمريكان عن مقدار ما سرقوه من نفط العراق، ولم تُحدَّد الأموال والقصور والمتاحف التي سرقها الجيش الأمريكي المعتدي، ومن كنوز العراق، أو الأموال التي نهبوها من خزائن ومصارف العراق. ورغم كلّ هذه الجرائم، لم يزل بوش الملعون آمِناً ينعم بالأموال التي نهبها في تجارة النفط، وما حَقَّقه من مكاسب تفوق الخيال..
فهَل هُناكَ مَن يَنتَصِف من هذا المجرم السَفَّاح لبغداد الرَّشيد، فيُحاكم كمجرم حرب، أم أنَّ بوش والادارات الأمريكية المتعاقبة هي فوق الحساب والمحاسبة، فوق القانون وحقوق الانسان، فوق العدالة والحقّ؟!
انَّ ما أصابَ بغداد المجد والتاريخ والبطولة، والعراق كَكُلّ، يَتَطلَّب محاكمة مَن شاركَ في هذه الجريمة، بوش الملعون وتابعه بلير الضاحك. لكلّ ما اقترفوه من جرائم بحق الانسانية في العراق، بدايةً من العدوان عليه، وغزوه، واحتلاله، وتدمير بنيته التحتية، وقتل رجال نظامه الوطني المجيد، وتقتيل شعبه وتشريده وسرقة كنوزه ونفطه، ونهب آثاره التي لا تُقدَّر بثمن، والقائمة تطول. فما جرى على العراق كان جريمة تاريخية ممتدَّة سوف يذكرها العالم ولو بعد ألف عام، فكما يذكر التاريخ والعالم واقعة اقتحام المغول مدينة بغداد في العام1258م واحتلالها. كيفَ يتم نسيان حاضرة الدنيا كلّها، وقلعة العروبة وحصنها الحصين، ومنارة الحضارة والنور، ومعقل التاريخ العربي الإسلامي!.
جَرائِم بوش في العِرَاق لا تَسقُط بالتَقادُم
وهنا نقول: أليسَ من حقِّ العراقيين بما ضَمَنته قوانين السَّماء والأرض بالقَصاص من الجاني الأثيم الذي ارتكب جرمه المُتعدِّد الأذى والمُمتَدّ الى حينٍ من الزمان، أن يُطالبوا كل المحاكم والمنظمات الانسانية والحكومية في العالم بضرورة محاكمة المجرم بوش وادارته، الأحياء منهم والأموات منهم كولن باول بعد اعترافهم وبألسنتهم شَلَّها الله تعالى ، أنَّ العراق خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، وأنَّه لم يكن على علاقة بتفجيرات المركز التجاري الأمريكي المزعومة، وتالياً فالاعتراف سيِّد الأدلَّة. وبعد ذلك، أليسَ من حقِّ أُسر ضحايا العدوان الأمريكي من عسكريين ومدنيين، وفي مقدمتهم القيادة العراقية وعلى رأسها الرئيس الشهيد صَدَّام حسين ورفاقه الأوفياء، وما نتج عن هذا العدوان من تضحيات بشرية ومادية وعمرانية وما تسبَّب به من آثار خطيرة في البيئة العراقية قد تَمتدّ الى مئات السنين، أليس من حقِّهم مقاضاة المجرم بوش؟ أليسَ من حقِّ كلّ هؤلاء أن يُطالبوا بالثأر مِمَّن دمِّر العراق، وقتَّل أبناءه، سواءً بفعل العدوان المباشر أو كأحد نتائجه، من خلال الأحزاب والميليشيات الاجرامية، ومنهم شهداء ثورة تشرين، كأحد افرازات الاحتلال الغاشم؟، أليس لكلِّ هؤلاء من حقوق في القوانين الدولية؟ وبعد ذلك يكون من حقِّ أبناء العراق المطالبة بتصحيح ما وقع من خطيئة بحقِّهم، ودولتهم الوطنية التي كانت مُستقلَّةً وعضو دائم في الأمم المتحدة، وعضوٌ مهمٌ وفعَّالٌ ومؤسِّس في جامعة الدول العربية، وعديد من المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، وأن يتم اصدار قراراً دَولياً بمساندة العراقيين في استرجاع وطنهم، واستعادة دولتهم الوطنية، وازالة آثار العدوان السياسية والمادية والمعنوية.
وختاماً ندعو كلّ المنصفين في العالم، بمن فيهم منظمات حقوق الانسان، والمنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، والرأي العالمي الحرّ، أن تَنتصر لبغداد والعراق، وتُطالب بمحاكمة بوش الملعون، بما ارتكبه وافتعله من قضايا اجرامية جنونية في العراق، وما كان يُمثِّله كوحشٍ شبحيٍّ سفَّاح لم يرَ التاريخ الحديث مثيلاَ له بعد الحرب العالمية الثانية.
انَّ الحقَّ لن يُضام أبداً مادام هناك مِن مُطالِبٍ، وسيأتي اليوم الذي تَنتصر فيه بغداد الرشيد على كلّ قوى الشرِّ والظلام والظلم، وستعود بغداد الى مجدها التليد، وزَهوها وبهائها وألَقها، ستعود مدينة الفرسان الشجعان، والأسود الكواسر، والمُفكِّرين والفلاسفة والعلماء والأدباء، ومنارةً للنور والهُدى بإذنه تعالى….

المنبر الثقافي العربي الدولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب