التسويق المجاني للمصطلحات
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
نقرأ كثيراً ونسمع أكثر ..ممن يعتبرون انفسهم محللين سياسيين، ومؤرخين، لا بل وحتى مفكرين، وبعضهم ممن يزعم انه من المثقفين الثوريين، يمنحون لأنفسهم الحق باستخدام كلمات لها رطانة مميزة ووقع خاص على الأذن، وتمنح انطباع ساذج وسطحي وبأن مستخدم هذه الكلمة مثقف وفهمان …! وبالتالي فإن شخصيات تدعي وتنسب لنفسها ألقاباً ومسميات، هم ليسوا بحاجة لها إذا كان ما يقدمونه يستحق القراءة … وأعرف أشخاصاً يقدمون أنفسهم بأنفسهم ” مفكر ” أو حتى” مفكر استراتيجي “.
أذكر مرة، أني كنت أتحدث في ندوة، ورد في حديثي كلمة ” البورجوازية ” فتصدى لي أحد أبطال الكلام وقال لي رجاء لا تقل بورجوازية، بل قل برجوازية …! فسألته وما المفرق بين الأثنين …؟ هل حرف الواو تزعجك في شيئ .. فهو يعتقد أن كلمة بورجوازية هي غير كلمة البرجوازية، مع العلم أن الكلمتان أجنبيتان أصلاً من اللاتينية (Burgerlich) وجذر الكلمة من اللغة اللاتينية، ومستخدمتان في اللغة الفرنسية والألمانية، ولكنه يظن أن هذا مصطلح ماركسي، وهذه غاية في السذاجة، ولكن محدثي أصر وعاند …والعناد عندنا فن من الفنون ..!
والشيئ بالشيئ يذكر أن طالباً عراقياً في مرحلة الماجستير في ألمانيا، أستخدم في رسالته كلمة ” البورجوازية العقارية ” فطلب منه أستاذه المشرف حذفها، لأنه لا يوجد شيئ أسمه ” البورجوازية العقارية ” وحذره أنه سيواجه المتاعب في الدفاع، فأصر صاحبنا، وفعلاً في الدفاع سأله أحد الاساتذة أعضاء هيئة الامتحان ماذا تقصد ” بالبورجوازية العقارية ..؟ ” فبدأ صاحبنا بالحديث الذي لا معنى له .. فسأله الاستاذ ” طيب، ما هو الفرق بين البورجوازية العقارية في البرازيل عن البورجوازية العقارية في الهند ..؟”. فلم يستطع صاحبنا أن يفتح فمه .. ويبدو أنهم (الاساتذة) قد اعتادوا على ألعاب الطلاب في مرحلة الماجستير وبعضهم يعتقد أنه .. خلاص صرت عبقرياً، فقال له الاستاذ حسناً… تفضل وأمسح المصطلح بنفسك رجاء ..!.
ــ استخدام خاطئ جداً لكلمة طبقة ….
ــ استخدام خاطئ وغير علمي لمصطلح الفاشية….!
ــ استخدام خاطئ وغير مبرر لكلمة لوجستي ..
ــ استخدام خاطئ لكلمة استراتيجة.
ــ استخدام ساذج لكلمة دبلوماسية ..
ــ استخدام خاطئ لمصطلح ديموغرافيا ..
ــ استخدام ساذج لكلمة إمبريالية ..
ــ استخدام خاطئ لمصطلح القوة الناعمة ..
ــ استخدام خاطئ لمصطلح نظرية المؤامرة ..
ــ استخدام خاطئ غير علمي لكلمة ثورة.
ــ استخدام خاطئ لكلمة براغماتية ..
والمشكلة تصبح أكبر وأكثر تعقيداً، حين يتنطح البعض للخوض في قضايا فكرية / سياسية صعبة، أو لنقل ليست سهلة، وأجزم أنه لا يعرف عنها سوى بضع كلمات لا أكثر، وهناك البعض ممن يعتقد أن السياسة هي أن يقول رأيه الإيجابي وهو في الغالب بالمديح وحرق البخور، أو سلبي فينهال بشتائم تقشعر منها الأبدان، ويزين شتائمه ببضعة ألفاظ وكلمات معقدة .. لا يعرف معنى معظمها … !
إني على يقين أن الكثير جداً ممن يكتبون، وربما بعضهم يتفلسف … يمتدح أو يشتم، وهو لا يعرف ماذا يقول .. فمثلاً كثيرون يستخدمون الديمقراطية، وفي ظنه أنه تبادل سلمي للسلطة، أو امعانا في السذاجة، يعتقد أن يحق للمرء في النظام الديمقراطي أن يشتم رئيس الدولة بلا حساب وهناك من يستخدم كلمة وهابية، وأنا أجزم أنه لم يقرأ سطرا عن الوهابية، وبعضهم يقول لي أن الاشتراكية انتهت .. اندثرت، ولكنه لا يستطيع أن يعلل مقولته ..!
كثيرون هم من لا يعرفون ماذا تعني الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها أو يسمعونها .. وذات يوم قلت لأحدهم وكان شاباً لطيفاً ويريد أن يتعلم، قلت له الناس يسمعون نشرة الأخبار ولا يفهمونها ,, فأستغرب، فقلت له أسمع مثل هذه النشرة على موضوعات كهذه : الموقف غير مستقر في أسعار البورصة العالمية مقياس دواوجونز .. أو مقياس نيكي، الاحتياطي النفطي يقدر بكذا في الدولة الفلانية، مشكلات الجرف القاري قد تكون بؤر توتر جنينية، وكلمات كثيرة في نشرات الأخبار يسمعها الناس ولا يعرفون معانيها، فذهل هذا الشاب،
العالم قد أصبح معقداً ولا يقبل الأفكار الساذجة ..!في أوربا الثقافة العامة متاحة لقطاعات واسعة، ولكن لا أحد يتحدث فيما لا يخصه. أو فيما لا يدخل في اختصاصه. والناس لا يضيعون وقتهم الثمين فيما لا داع ولا معنى له.
لا قيمة عند الكثير لكلماتهم التي يطلقونها … الكلام المنحط أنتقل إلى واجهات وسائل الاعلام، الشتائم المقذعة صاروا لا يخجلون من إطلاقها .. كل من تختلف معه قد يوجه لك شتيمة وسخة، وقبل أيام وجه أحدهم لي شتيمة سخيفة، لم أجبه مطلقاً، والناس .. بعض الناس صاروا يشتمون الأنبياء والصالحين .. في انحطاط عام يسري بين الناس …. وكانوا في الماضي يتفننون في ألفاظ التهذيب وإبداء آيات الأدب، واليوم على العكس تماماً …