
الكتابة في زمن الحرب أو المشي فوق الجمر حافيا
بقلم/أحمد محمود
#ملف_الهدف_الثقافي
السؤال الصعب في زمن الحرب هو: لمن يكتب الذي يمارس الكتابة وهل للكتابة معنى عندما تكون الرصاصة هي الأقوى وهي الأدنى في المعنى والأعلى في إسكات الصوت والحس، وهل بالفعل أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ؟ أم أنه الصحيح أن لا صوت يعلو فوق العراك وتطاحن الثيران ؟؟ لأنه لا توجد هناك معركة من أجل شيء ولكن هناك عراك لتدمير كل شيء..إذن الذي يمارس الكتابة يتحول إلى شخص عاجز في زمن العراك وفي زمن مصارعة الثيران لأنه يقف في المنتصف وأسوأ المواقف هي التي عند المنتصف نتيجة لانعدام الخيارات…والأصعب هو عندما لا يستطيع هذا الكاتب في لحظة وعي عميق بمعنى الوطن أن يترك القلم ويحمل البندقية ليتحقق معنى أن للقلم والبندقية فوهة واحدة وبالتالي يمكن أن يتحقق وجوده الإنساني من خلال الالتحام مع الموت من أجل التغيير ورسم خطوط المستقبل، ولكن في ذات الآن يتجسد السؤال القاهر كيف تحمل البندقية وهنالك ملايين البنادق وعشرات الخنادق تقاتل بعضها بعضا، فأي خندق يختار الكاتب، وهل للبندقية معنى عندما تقاتل نفسها..هذه هي الحرب التي نحن في مواجهتها اليوم، لا تعرف لمن يكون الانحياز ومن الذي يستحق أن تقاتل بجانبه وكل الذين يتقاتلون هم يتقاتلون على أشلاء الوطن، هنا تصبح الكتابة كما هي مثل الحب في زمن الكوليرا كما وصف ذلك الروائي الفذ ماركيز، لكن كانت الكوليرا فكرة داخل رواية، ولكن الحرب اليوم هي واقع يبتلع جميع الأشياء ويبتلع الكتابة نفسها..إذن هل من الضروري أن نكتب في زمن الحرب أم نتفرج؟ الكاتب يبحث عن الرؤى ويجسدها عبر الكتابة ولكن عندما تكون الرؤية والرؤى تأتيك من وقع امرأة تحمل طفلها ولا تدري إلى أين تيمم وجهها أو من بسطاء وقفوا في صفوف العدم وهم فرحين بإفتتاح ( تكية للبليلة) أو عندما تكون المدينة حجبها دخان المعارك، فهل ستكون هنالك رؤى أو رؤية؟ إذن في هذه الحالة سيكتب الكاتب عن العتمة وسيكتب عن ضياعه وسط ضياع الآخرين، تتحول الكتابة إلى متاهة.. (واقف براك والهم عصف) هي كتابة لمدني النخلي في زمن كان رماديا واليوم الكتابة تحدث في زمن يختفي داخل نفسه وتنعدم فيه بوصلة الأشياء فماذا يقول الكاتب وهو خارج الزمن وخارج المكان وهل تستطيع الكتابة مقاومة الفراغ؟ لم يسأل أحد زهير بن أبي سلمى عن توصيف الحرب ولكنه رأى الحرب وأطلق قولته الخالدة: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم.
الحرب ليست مخيال أو تخيل، الحرب معايشة وتذوق مرارة الأشياء كما يخبرنا زهير الشاعر الحكيم وفيها ينعدم الحديث أو ينعدم الخيال والكاتب دون خيال هو شخص عدمي وبهذا المعنى فإن الكتابة في زمن الحرب هي المشي على الجمر حافيا، أو هي الموت على صدأ المدافع وليس على رميها وهي ( ميتة أم رمادا شح) كما تقول المغنية التي تؤرخ للموت خارج المعنى، فهذه الحرب تجعلنا جميعا خارج هذا المعني ولهذا نعيد السؤال لماذا نمارس الكتابة في زمن الحرب؟؟