
انثروبولوجيا الشباب العربي -الماهية والأهداف والغايات
بقلم الاستاذ الدكتور عز الدين حسن دياب-استاذ جامعي -سوريا –
ملخّص الدراسة
اهتمت الدراسات بالشباب العربي وجعلت من أمرهم وحالهم وعوائدهم موضوعاً لأنثروبولوجيا الشباب العربي، وكان مسوّغها، أن الشباب العربي يشكلون نسبة عالية من سكان الوطن العربي تصل إلى حوال نسبة 50% أو أكثر بقليل، وأن العصر الذي تعيشه أمتهم العربية الباحثة عن دور حضاري لها، عصر الشباب بامتياز لما قدمته ثورة المعلومات والاتصال من آليات وفرص جديدة، ما كان لهم بلوغها في العصر السابق.
والشباب العربي بحكم دورهم ووظائفهم في البناء الاجتماعي العربي المتميز بإمكاناتهم، والتفاعل الخلاق مع منجزات ثورة المعلومات والاتصال، وخاصة الشبكة العنكبوتية ومعطياتها المتجددة، على سبيل المثال: في أجيال الهاتف المحمول ومواقع الاتصال الاجتماعي، وكل قادم جديد وتواصلهم مع ما يجري في العالم من أحداث، وأثاره المباشرة على اهتمامهم وتطلعاتهم واتجاهاتهم وهمومهم .نقول لابد من دراستهم بين فترة وأخرى ومعرفة أحوالهم الاجتماعية المرفوقة بمطالبهم وحقوقهم المستجدة.
ومن المفترض أن ما قدمته ثورة المعلومات من فرص جديدة للشباب العربي أن يظفروا بدورهم البنائي، بعيداً عن الوصاية والتوجيه السياسي القسري وحيد الجانب، وأن يعيشوا حياتهم الاجتماعية الخالية من العوز والجور والتقشف، وأن يمارسوا دورهم في إطار الفرص المتاحة للمجتمع ،على أساس وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وإقدام الدراسة على جعل الشباب العربي موضوعاً لها ألزمها الإشارة اللازمة في منهجها وأهدافها وفروضها ومشكلاتها ومراحلها ومفاهيمها لمشكلاتهم ودواعيهم.
إن الاستحقاقات المنهجية للدراسة ووضعها وجهاً لوجه أمام سؤال: من أين تبدأ أنثروبولوجيا الشباب العربي مهامها في بحث وتحليل وتفسير ظاهرة الشباب العربي لأنهم ظاهرة بنائية بامتياز.
وفي بحثها عن شرعيتها في وضع الشباب موضوعاً لأنثروبولوجيا الشباب العربي أقدمت على توضيح دواعيها ومنهجها الأنثروبولوجي البنائي ،الذي أقرنته بشرط أساسي يتمثل بأن ظاهرة الشباب العربي محكومة إلى وظيفتها البنائية بوصفها جزء من الكل البنائي الاجتماعي.
وأبانت الدراسة أنً دراسة الشباب العربي أنثروبولوجياً، حتى تتوفر لها المصداقية المنهجية، وامتلاك المؤشرات ذات الطبيعة الرقمية لابد أن نكون دراسة حقلية/ تطبيقية قائمة على أساس الملاحظة المباشرة ومعايشة البناء بأحداثه ووقائعه.
وتفترض الدراسة أن هناك دواع وشرعية لبحث ظاهرة الشباب ودراستها ميدانياً، لابد أن تؤخذ في أبعادها المحلية والوطنية والعربية، تجاوباً مع حقيقة أن الوطن العربي بثرواته المادية والبشرية وحدوده الاستراتيجية، يمثل المحدد الموضوعي لانطلاق العرب نحو حياة جديدة لا مكان فيها للتخلف والتبعية، حيث إن القطر العربي الواحد لا يملك على الاطلاق هذه الامكانية. ولابد أيضاً من أن توضع ظاهرة الشباب بوصفها ظاهرة بنائية، مسكونة بأدوار ووظائف تشغلها داخل هذا البناء في سلمه الاجتماعي ومحدداته البنائية مثل: الأمن، الوطن، والأمن الثقافي وثقافة التعايش المشترك والوحدة الاجتماعية….. إلخ .
وأكدت الدراسة أن أي بحث أنثروبولوجي ميداني للظواهر البنائية الشبابية لابد أن يعامل بدليل عمل ميداني يراعي الوحدة والاختلاف ،والتمايز في التطور التاريخي بين الأقطار العربية. ولابد أيضاً أن يأخذ البناء الاجتماعي في أنسابه، وأن يستخلص من كل نسق المؤشرات والمعطيات التي تعكس بوضوح خصائص هذه الأنساق وخصائص الشباب العربي.
وأعطت الدراسة أهمية خاصة للنسق الثقافي، حيث رأت من واقع ما قاله العلم الأنثروبولوجي عن دور الثقافة في تشكيل الإنسان وتنشئته وتكوين معالم شخصيته: قل ما ثقافتك أقول لك من أنت.
وخلصت الدراسة إلى أنَّ دراسة البناء الاجتماعي العربي بمستوياته المحلية والوطنية والعربية دراسة ميدانية/ تطبيقية، مهمة عربية لا تقبل التأجيل.لأنها البداية الصحيحة في تأسيس أنثروبولوجيا الشباب العربي، ودالتها على مشكلات الشباب وما يتحول منها إلى أزمات /علل اجتماعية تعكس نفسها في طريقة تكيفهم الاجتماعي، وتنشئتهم الاجتماعية ومستويات مشاركتهم في الشأن العام ومستحقاته على صاحب القرار، ومن في معيته من مستشارين وباحثين ومنظرين….إلخ .
أنثروبولوجيا الشباب العربي الماهية والأهداف والغايات:
مقدمة:
أفادنا تاريخ الأمم أنَّ الشباب شغلوا دورهم بامتياز إبان مسيرة أوطانهم، وكانوا دائماً يشكلون الجزء الأساس، من الإرادة الشعبية، وهي تعيش الأحداث والوقائع التي تعيشها أممهم.وفي العصر الراهن أضحت ظاهرة الشباب من أولى القضايا المطروحة على أصحاب القرار ومن حولهم من باحثين ومنظرين وأساتذة جامعات ومراكز بحوث.ومن المعروف أن قضايا الشباب، ومشكلاتهم واحتياجاتهم المتغيرة ،تؤخذ على رأس قضايا السلم الاجتماعي في المجتمعات المتقدمة ،المهمومة بالأجيال القادمة.والشباب العربي وهم موضوع أنثروبولوجيا الشباب بحثاً وتنقيباً وتحليلاً وتفسيراً، يبحثون عن دور لهم في الشأن العام، وعن حياة ينعمون فيها بالأمن والحرية والعدالة الاجتماعية، والظفر بحقوقهم المستحقة من منظور الرجل المناسب في المكان المناسب، والفرص المتساوية للجميع، وفق مبدأ المساواة في المواطنة وولاءاتها المشروعة، البعيدة عن ولاءات المجتمعات الأهلية التقليدية التي تحكمها مستويات القربى الدموية والجهوية والحزبية المغلقة والعقائد المتطرفة.
بقول آخر أن يعيش الشباب العربي حياتهم الاجتماعية الخالية من العوز والجور والتعصب الأعمى والوصاية من أي طرف ،كان، يشكل ضمانة للعيش المشترك والسلامة الاجتماعية،والأمن الوطني والقومي،وتلفت الأنظار الدعوات الجادة في حرم الجامعات لتأسيس علوم اجتماعية للظاهرة الشبابية العربية بحيث تصبح عوناً لأصحاب القرار في إدارة ما يتأتى من الشباب من سلوك اجتماعي وسياسي. بحيث يصب في الصالح العام من خلال انخراطهم في الشأن العام. وحضورهم المستحق لهم في الساحة السياسية، وبلوغهم المواقع المتقدمة في رسم السياسات العامة.
نفترض أن ما يقال عن سياسات شبابية تأخذ بها بعض الأنظمة العربية لا تجدي نفعاً بدمج الشباب في هذه السياسات، وما يتأطر عنها من منظمات، وهذا ما يؤشر عنه الحراك الشبابي في أكثرمن ساحة من ساحات العواصم العربية، ما معنى ذلك؟
سنفترض أن هذه السياسات تدل على أن ثمة مسافة بينها وبين تطور وعي الشباب العربي، وما يضيفه من مطالب وحاجيات شبابية ،لا تفي بها تلك الأنظمة ونظامها السياسي.وهذا معناه أنثروبولوجياً، أن وعي الشباب المتجدد يدل على أن المجتمع العربي يتقدم في وعيه وتطوره على سلطته السياسية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الشباب كقوة اجتماعية تسعى إلى إنتاج سلطة سياسية مطابقة لوعيها، وتقوم بالإصلاح السياسي كلما لزم الأمر.وتجد القوة الشبابية في قطاعات المجتمع العربي وفئاته الاجتماعية تجاوباً ومناصرة لمطالبها فيتحول حراك الشباب إلى حراك مجتمعي ينتج بدوره الإرادة الشعبية وشرعيتها المدنية التي تجاوزت الشرعيات الثورية التقليدية.ويبدو في أكثر من قطر عربي أن مطالب الحراك الاجتماعي له دلائل في تحوله إلى إمكانية، وأن الإرادة الشعبية في طريقها إلى الظفر بتلك الإمكانية المتمثلة بالحرية والعدل الاجتماعي، ومبدأ المواطنة وكل مواطن خفير.
وجواباً عن الأسئلة الكامنة في صيرورة التناقض بين وعي الشباب العربي، وتطور السلطة السياسية المحدود في بعض الأقطار العربية. تطرح الأزمة المجتمعية في الأقطار العربية نفسها على العلوم الاجتماعية بحثاً ودراسة وتفسيراً.وتأتي مهمة أنثروبولوجيا الشباب لمعرفة السبل والآليات التي تتمكن بها ومن خلالها إعادة النظر في هذه السياسات واجراءاتها، على أرض الواقع على ضوء المكانة التي يستحقها الشباب في الشأن العام، ومطالب الإرادة الشعبية في تحقيق إصلاحات سياسية واجتماعية.غير أنَّ أنثروبولوجيا الشباب العربي تعلم علم اليقين أنَّ ما مر من تحليل قامت به هذه الدراسة لا يغطي كل جوانب الأزمة، وفي عمقها مشكلات الشباب العربي، وحسبها المضي في البحث عن بقية جوانب والملامح المجتمعية.علماً أنَّ هذا ليس مهمة هذه الدراسة، وإنما لفت الأنظار إلى دور أنثروبولوجيا الشباب العربي في قراءة الواقع العربي بكل تعقيداته، واختلاف مستويات تطوره لأنّ فهم الواقع يمنحها القدرة على طرح أفكارها، وبدائلها الحاملة للإمكانيات من أجل ترشيد الإرادة الشعبية وحراكها الاجتماعي خلال فعلها التاريخي في الحياة العربية.
وعن سؤال من أين تبدأ الأنثروبولوجيا الشبابية العربية مهامها البحثية في البناء الاجتماعي العربي تفسيراً للأزمة الراهنة وطرح البدائل الممكنة؟
ان دراسة الشباب بوصفهم ظاهرة بنائية، نسبة إلى البناء الاجتماعي، واعتماد دليل عمل ميداني يتشكل ويتركب من مؤشرات مستخلصة من دراسات استطلاعية ميدانية للحياة الاجتماعية في الأقطار العربية، واضعة بحسابها اختلاف مستويات التطور بين الأقطار العربية ،بحيث يصبح دليل العمل الميداني الموجه الفطن الذي يقود الدراسات والأبحاث الأنثروبولوجية الحقلية/ التطبيقية، وهي تدرس حياة الشباب العربي وتجسداتها في أفعال وأنشطة اجتماعية وسياسية وثقافية، واهتمامات ومطالب وحاجات وحقوق وهموم وطموحات.
إذا؛ أنثروبولوجيا الشباب العربي لا تقوم بمهامها البحثية والدراسية من فراغ، وإنما بطرح الحلول الممكنة لمشكلات الشباب العربي مستندة إلى مؤشرات ومعطيات بنائية مستخلصة من الواقع العربي الراهن ومن الأزمات التي يفرزها من وقت لآخر هذا الواقع.
ويقين الدراسة المنهجي أن تلك المهمة المستعجلة أحد أهم مبررات الدعوة والقول في أنثروبولوجيا الشباب، بجعلها مالكة لشرعيتها في فتح الأبواب أمام الإرادة الشعبية لبلوغ مطالبها واستشراف المستقبل العربي.
مشكلة الدراسة:
تتجلى مشكلة الدراسة في الإجابة عن سؤال: هل يصبح القول بأنثروبولوجيا شبابية عربية وفرنسية وروسية وأمريكية ….. الخ.
ان وجه العلاقة بين الأنثروبولوجيا والشباب العربي يأتي من كونهم يشكلون موضوعاً للأنثروبولوجيا في بيئتهم الاجتماعية ومشكلاتهم، ومن أنهم ظاهرة بنائية متطورة في وعيها عن بنية الأنظمة العربية.
والعرب في هويتهم العربية الثقافية، واقعة موضوعية متعينة على بقعة جغرافية معروفة بحدودها، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبثرواتها البشرية، والمادية، والهوية العربية كما تراها أنثروبولوجيا الشباب العربي ثقافية بامتياز لها عاداتها وتقاليدها، وأعرافها وقيمها الروحيةوالمادية، ولها لغتها العربية التي تشكل المحدد الرئيسي في وعيهم ومن أنهم أمة واحدة في تاريخها وهي تعيش معركة مستقبلها.
كما تظهر الإشكالية في بنية الأزمة المجتمعية الراهنة في أكثر من قطر عربي، من أنها واحدة من العلل الكبرى في الحياة العربية التي تختلف اتجاهات ومناهج العلوم الاجتماعية في تفسيرها.
وثمة جانب آخر للإشكالية، تكمن في الأسباب التاريخية للأزمات البنائية وما إذا كانت الدراسة مالكة للحلول/ الإمكانية المتوفرة في البناء الاجتماعي العربي الراهن.
وبما أن الشباب العربي يشكلون نسبة عالية من سكان الوطن العربي لا تقل عن 50% تتراوح أعمارهم ما بين: 15ـ35 سنة وأنهم القوة الفاعلة في الأزمة البنائية السياسية التي يشهدها أكثر من قطر عربي، يحتاجون إلى معرفة أنثروبولوجية ترى بعين مستقبلية حقائق واقعهم المعيش في إطار البناء الاجتماعي العربي المتغير، المتمثلة بالمؤشرات والمعطيات، والمشاهد المستخلصة بالمشاهدة المباشرة. والتعايش مع الوقائع البنائية التي تنتج الأزمة.
ولعل البحث في الأزمة بوصفها من العلل الاجتماعيةالكبرى كما أسلفت الدراسة، لا يمكن تصورها والقول السليم فيها دون معرفة الأسباب المباشرة لها وما يجاورها من علل حاملة للإمكانيات التي تحولها إلى أزمات بنائية كبرى.ولا شك أن هذه المعرفة الأنثروبولوجية للأزمة ومنطقها تمثل المدخل لحلها في إطار توافق اجتماعي سياسي. والوصول بالشباب العربي إلى بر الأمان.
تساؤلات الدراسة/ الفروض:
وتستمر الأسئلة. ذلك قدر الأنثروبولوجيا المتمثل في الظروف التي تحيط بالبناء الاجتماعي العربي ،في واقعه القطري ،الذي يشكل أحد التحديات التي تواجه الشباب العربي، والتي تطرح نفسها على أنثروبولوجيا الشباب العربي:
1. ماهي أنثروبولوجيا الشباب العربي في فروضها ومناهجها وإجراءاتها البحثية الكفيلة بتغطية ظاهرة الشباب العربي درساً وتحليلاً وتفسيراً ووضع المعاني السليمة على وقائعها اليومية. كما يقول عنها الناس؟
2. ما وجه العلاقة بين أنثروبولوجيا الشباب ،والشباب العربي على وجه التحديد، وهل علاقة التأثير المتبادل بينهما تؤصّل أنثروبولوجيا الشباب العربي وتعمق منهجها، وتجعلها تضيف طرق وأدوات بحثية جديدة.
3. من أين تبدأ أنثروبولوجيا الشباب العربي في تشخيص مشكلات الشباب العربي، هل تبدأ من مستويات الاختلاف بين وعي الشباب والسياسات الشبابية الرسمية التي تحاول استيعاب الشباب على هوى الأنظمة السياسية؟
4. هل يمكن لأنثروبولوجيا الشباب العربي أن تقرأ ما يواجهه الشباب العربي من تحديات من خلال الاعتماد الوظيفي المتبادل بين مطالب الشباب ،والأزمة الراهنة في أكثر من قطر عربي باعتبارها علّة بنائية؟
5. يتفاوت منطق الأزمة وتداعياتها البنائية من قطر عربي إلى قطر عربي آخر. ومع ذلك فإنّ القواسم البنائية المشتركة متعددة فهل من سبيل لأنثروبولوجيا الشباب العربي لجعل الوحدة والاختلاف بين الأقطار العربية أحد مداخلها لقراءة الأزمة السياسية العربية الراهنة؟
أهداف الدراسة:
1. التعرف على معالم الحياة الشبابية العربية بناءً على دورهم والوظائف البنائية التي يشغلونها في البناءالاجتماعي العربي في أبعاده المحلية والوطنية والعربية.
2. استشراف المشكلات الشبابية على ضوء التحديات التي يواجهها الشباب العربي.
3. معرفة وعي الشباب العربي، وتجلياته في حراكهم الاجتماعي والمسافة المعرفية بين ما يسكن هذا من مطالب مستعجلة، وبين سياسات النظام العربي.
4. قراءة تكيف الشباب العربي مع مستجدات الحياة العربية على ضوء الإحلالات التي تحدث في البناء الاجتماعي العربي بتأثير من التواصل مع ثقافات المجتمعات المتقدمة.
5. ترشيد فعاليات الشباب العربي ومردودها في البناء الاجتماعي العربي وتبصيرهم بمخاطر التدخل الخارجي في إطار ما يطلق عليه “العولمة”.
محددات الدراسة:
البناء الاجتماعي العربي في مستوياته المحلية والوطنية والعربية، وفي أنساقه الفيزيقية / البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
مراحل الدراسة:
إن أنثروبولوجيا الشباب العربي في إعلانها عن مراحل الدراسة، تشير إلى أنها مفتوحة على الزمان والمكان والناس في الحياة العربية، لتحيل كل ما تعرفه عن هذه الحياة إلى مؤشرات تودعه في بنك معلومات تؤسسه لنفسها ليكون سندها في نهجها ومخططها، وهي تدرس الشّباب العربي بوصفهم ظاهرة بنائية متطورة ومتغيرة خلال المراحل التي تمر بها اليوم، وفي الغد وأن يفتح هذا البنك أبوابه ونوافذه أمام الشباب العربي لتزويده بمعلومات ومؤشرات عن حياة ومشكلات الشباب العربي والتحديات التي يواجهونها.
مفاهيم ومصطلحات الدراسة(1):
❖ الشباب: حتى هذه اللحظة لا يوجد مصطلح جامع بين العلوم الاجتماعية عن الشباب وإنما هناك تعريفات متعددة ومتنوعة للشباب، ولكن أغلب هذه التعريفات تعترف بالسن الفيزيقي للشباب ما بين 15ـ40 سنة.
❖ أنثروبولوجيا الشباب: العلم الذي يختص بدراسة الشباب، دراسة تكاملية بوصفهم ظاهرة اجتماعية ،معتمدة على الملاحظة المباشرة والمعايشة مع الشباب في مدنهم وجامعاتهم ومعاهدهم وبلدانهم وقراهم.
❖ الأنثروبولوجيا: يتكون هذا العلم/المصطلح من كلمتين يونانيتين أصليتين هماanthropo ومعناها الإنسان Logos ومعناها العقل/ العلم، إذاً يعني علم الإنسان.
❖ البناء الاجتماعي: وله أكثر من تعريف، قاسمها المشترك بأنه مجموع العلاقات التي تقوم بين الأفراد والزمر والمجموعات الاجتماعية، التي تعرف بقدرتها على الاستمرار والبقاء في الحياة الاجتماعية. ويتكون البناء الاجتماعي من أنساق اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية متداخلة مرتبطة بفعل تداخلها الوظيفي القائم على الاعتماد المتبادل بين الوظائف البنائية.
❖ النسق البنائي: مصطلح أنثروبولوجي يعرف بأنه جزء لا يتجزأ من البناء الاجتماعي، يربط بين المراكز التي يحتلها الأشخاص في المجتمع، في حين أن النسق الوظيفي يربط بين الأدوار التي يمارسها الأشخاص إبان نشاطهم الاجتماعي المتنوع في مضامينه وفعالياته.
❖ الاتجاه/المنهج الأنثروبولوجي البنائي التكاملي: الذي ينظر إلى المجتمع على أنه يتكون من أشخاص يحتلون مراكز محدودة في بنائهم الاجتماعي، وتقوم بينهم شبكة من العلاقات المحكومة إلى معايير وإجراءات محددة. وخلال حياتهم اليومية تصدر عنهم أنماط سلوكية معينة تؤدي إلى تكوين أنماط من السلوك ويقوم هذا المنهج/الاتجاه بدراسة مكونات المجتمع دراسة تكاملية قائمة على الملاحظة المباشرة والتعايش مع الوظائف البنائية، تمهيداً لتحليلها وتفسيرها ووضع المعاني الصحيحة لها الذي يتداولها الناس في معاشهم وتحصيل أرزاقهم وعوائدهم اليومية، لأن مهمة الأنثروبولوجيا وضع المعاني على الظواهر البنائية.
❖ الظاهرة البنائية: ظاهرة اجتماعية تؤخذ وتفهم حسب حضورها ووجودها في البناء الاجتماعي، والوظائف التي تمارسها داخل هذا البناء من قاعدة وظيفية أنّ الجزء يصب في الكل.
❖ القرابة: وهي الرابطة الدموية التي تعود إلى الجد المؤسس لهذه المجموعة البنائية أو تلك. وتختلف مستويات القربى بالاقتراب والابتعاد عن الجد المؤسس. ويختلف باختلافها وازع الالتحام والانقسام بين مستويات القربى التي تتوزع بموجبها مستويات العصبية. إلا أن القرابة لم تعد محصورة بالدم والنسب والمصاهرة وإنما هناك الجهة والعقيدة والمهنة، والانتماء الطبقي….الخ.
❖ الأنثروبولوجيا التطبيقية: التي تقوم بتطبيق ما جاء بالفكر الأنثروبولوجي على الواقع الاجتماعي لامتحان النظريات والاتجاهات الأنثروبولوجية ومعرفة مصداقيتها في قراءة وتفسير الظواهر البنائية. والأنثروبولوجيا التطبيقية تعتمد على الدراسات الميدانية/الحقلية للظواهر التي تدرسها، ولذلك تعتبر الملاحظة المباشرة أو بالمعايشة أحد آلياتها أو أدواتها في تطبيق النظرية على أرض الواقع، بالإضافة إلى المقابلة وتاريخ الشخصيات الفاعلة في الحياة الاجتماعية اليومية.
الدراسات السابقة:
نشير بعجالة إلى الدراسات الاجتماعية تحدثت عن الشباب العربي وهذه الدراسات تفتقر إلى البحث الميداني لأنها اعتمدت على الكتب والمقالات النظرية التي تمت عن الشباب مثل:
1. د.عزت حجازي، مشكلات الشباب العربي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1985.
2. عبد الرحيم العطري، سوسيولوجيا الشباب المغربي ـ جدل الادماج والتهميش ـ ، المغرب، 2000.
3. منذر بالضيافي، حضور المسألة الشبابية في العلوم الاجتماعية المعاصرة، دراسة مجلة الحياة الثقافية، العدد216، أكتوبر2010، ص28ـ35 .
4. د. محمد نجيب بو طالب، خصائص الشباب المعاصرة ومرجعياته، الحياة الثقافية، العدد216، أكتوبر2010، ص5ـ13 .
دواعي الدراسة:
لاتزال الدعوة مفتوحة للجامعات العربية ومراكز الأبحاث التي يقودها القطاع الجدي من أبناء العروبة لدراسة أنثروبولوجية تطبيقية للظاهرة الشبابية العربية، حيث نرى في هذه الدعوة استشراف مستمر لمستقبل الشباب العربي وحضورهم، بل قيادتهم للحراك الاجتماعي الذي تعيشه الأمة العربية بكل أبعادها المحلية والوطنية والعربية، قيادة واعية محسوبة لصالح مقولة المستقبل العربي بعيدة عن الشد والجذب من قبل الفئات الاجتماعية التي قبلت العمالة و التبعية الحضارية(1)، وتلك التي أشهرت شعارات اقصائية.
والاستشراف الذي نريده للظاهرة الشبابية لابد أن يبدأ من المشكلات الماثلة والمتعينة في الحياة العربية، وما تشهده من نشاط اجتماعي وثقافي وسياسي.
على أن يبدأ هذا الاستشراف من التحديات التاريخية التي تحيط بالظاهرة الشبابية العربية، وظروفها المعيشية في مستوياتها المحلية والوطنية والعربية، وأن تؤخذ هذه المشكلات في سياق الخصائص التقليدية والجديدة للشباب العربي.
وأنثروبولوجيا الشباب التي يقودها ويوجهها منهجها الانثروبولوجي وهي تبحث وتحلل وتعاين الظاهرة الشبابية تضع في خلدها كما سنلاحظ، قيم الشباب الموروثة والمستجدة وما يتجلى عنها من ألوان سلوكهم الاجتماعي والسياسي والثقافي.
إذاً؛ في هذه اللحظة من دواعي الدراسة نعترف بأننا لا نقدم الجديد إذا قلنا أن هناك أنثروبولوجيا للشباب تخصصت في دراسته بوصفهم ظاهرة بنائية متغيرة(2)، وهم من الفئة الاجتماعية الأكثر تفاعلاً واستخداماً لشبكة الانترنت والتواصل الاجتماعي.
وأن أنثروبولوجيا الشباب أخذت في الاعتبار وظيفة ودور الشباب في الشأن العام بوصفه المؤشر البنائي على طبيعة مشاركة الشباب لأن في هذه المشاركة دلالات على إسهام الشباب في مواجهة التحديات التي يواجهونها، وتلك القادمة التي سيواجهونها وخاصة العلاقة بين الشباب والأنظمة العربية.
وانطلاقاً من أنّ الأبواب التي يدخل منها الشباب إلى الشأن العام مثل الأسرة والعائلة والمدرسة والجامعة، ومؤسسات المجتمع المدني تشكل مؤشرات على فاعلية انخراط الشباب في الحياة المدنية والسياسية وفي النقابات والجمعيات الأهلية، فإن أنثروبولوجيا الشباب تولي مشاركة الشباب في الشأن العام وحجم هذه المشاركةالأهمية المعرفية التي تستحقها بحثاً وتحليلاً، وتأويلاً وتفسيراً لأن في هذا التحليل والتفسير دلالة على نوعية العلاقة القائمة بين الشباب ونظامهم السياسي.
المنهج الأنثروبولوجي(3):
وتختلف وتفترق أنثروبولوجيا الشباب في فهم وتفسير الظاهرة الشبابية. فمنها من يجعل ديديانه احتواء الظاهرة الشبابية، ومن ثم دمجها في الحياة السياسية كما يريدها النظام السياسي.
ومنها من يسعى جاهداً لفتح الأبواب النوافذ المغلقة بين النظام السياسي والشباب على طريق فهم أفضل للظاهرة الشبابية بكل فاعليتها ومضامينها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية، بحيث تواكب اتجاهات الشباب واهتماماتهم اتجاهات المجتمع واهتماماته الرئيسية تمهيداً لمعرفة المؤشرات/المحددات البنائية التي تشكل فضاء لتنشئتهم، وتكوين ميولهم ونزعاتهم وهمومهم الفردية والاجتماعية ورغباتهم المتغيرة المتطورة وطموحاتهم المشروعة بحاضرها ومستقبلها، وخط تطورها في سياقاتها الداخلية والخارجية.
وأنثروبولوجيا الشباب تنطلق في رصد الظاهرة الشبابية من أنها ظاهرة بنائية، متعينة داخل البناء الاجتماعي وإن كان هذا التعين فيه الكثير من الثوابت والمتغيرات البنائية المميزة لأسلوب الحياة الذي يحيياه ويعيشه الشباب أينما كانوا وأينما وجدوا، وفي عصر من العصور، والوظائف التي يمارسونها داخل البناء الاجتماعي على قاعدة الاعتماد الوظيفي المتبادل بين الوظائف التي يمارسها الجزء في الكل البنائي.
أسلوب حياة الشباب بل طرائقهم في ممارسة أدوارهم الاجتماعية التي يغلب عليها ما يمكن تسميته بالحيوية الاجتماعية، وتبدل ومن ثم تجدد نزعاتهم الفردية والاجتماعية، وتشددها في بعض الأحيان، وتأثرها بمستجدات الحضارة، وما تحمله من أفكار وعقائد وتيارات فكرية وفلسفات اجتماعية ومواقف سياسية.
والمعروف أن الأنثروبولوجيا على اختلاف فروعها والمواضيع التي تدرسها اعتمدت مناهج واتجاهات العلم الاجتماعي الأنثروبولوجي وما استحدث من تقنيات وآليات. وأنثروبولوجيا الشباب لا تحيد عن هذه الوجهة في توظيف المناهج الأنثروبولوجية خلال دراستها للظاهرة الشبابية وإن كانت تولي المنهج الأنثروبولوجي البنائي الاهتمام الأكثر في دراستها وأبحاثها لأنه يتعامل مع ظاهرة الشباب انطلاقاً من أن وظائفها تمثل الجزء في الكل، وما بينهما من اعتماد وظيفي يتم داخل أنساق البناء الاجتماعي وما تحمله هذه الأنساق من سمات وعناصر بنائية، ونظم بسيطة ومركبة يراها المنهج الأنثروبولوجي بوظائفها التي تمارسها داخل البناء الاجتماعي.
والحقيقة أن العناصر البنائية، ماهي في التحليل الأخير إلا أنشطة وفعاليات يمارسها ويقوم بها المجتمع؛ أفراداً وجماعات داخل بنائهم الاجتماعي، وخلال حياتهم اليومية.
ولا شك أنَّ دراسة الظاهرة الشبابية المنقادة بالمنهج الأنثروبولوجي، وما ملك من أساليب وأليات بحثية نظرية وميدانية تقود البحث إلى جمع المؤشرات /المحددات الثقافية التي تشكل مقدمات لبناء وتأليف دليل العمل الميداني بدراسة الظاهرة الشبابية دراسة حقلية/ تطبيقية(4) وفق ما تمليه وتدل عليه تلك المؤشرات عن خصائص الشباب ونشاطهم الاجتماعي/ الثقافي اليومي بعيداً عن التخمين والتأويل وإنما بناءً على الحقائق الأثنوجرافية التي تقولها تلك المؤشرات عن الظاهرة الشبابية، خلال فترة الدراسة ومكانها.
ولابد من الإشارة أنَّ المعلومات التي تحصل عليها مجموعات البحث أثناء الدراسة الميدانية تتحول كثير من مضامينها وجوانبها البنائية إلى أرقام، لأن المؤشرات كما يفيد المنهج الأنثروبولوجي ذات طبيعة رقمية في كل حالاتها.
ولا شك أيضاً أنَّ المنهج الأنثروبولوجي الذي يشكل رافعة لأنثروبولوجيا الشباب، وهي تقوم بمهامها البحثية التحليلية يتأثر باجتهادات ورؤى مجموعة البحث الأنثروبولوجية، وهي تهتم إلى جمع المعلومات من مصادرها مباشرة خلال فترة الدراسة، آخذة بالاعتبار الظروف والأوضاع البنائية من أيكولوجية وسياسية واجتماعية وثقافية التي تحيط بالظاهرة الشبابية، ولكن في إطار تصور فكري ومنهجي مسبق لها، وما تطرحه من مشكلات مهتدية بالأهداف التي تتوخاها وتتطلع إلى معرفتها. وما تستحقه وتقرره من خطوات إجرائية بحثية توفر أعلى قدر من الفهم للجدل الاجتماعي القائم في البناء الاجتماعي الذي تسكن فيه الظاهرة الشبابية، وتمارس فعاليتها وأنشطتها وحراكها الاجتماعي مؤثرة ومتأثرة به.
والظاهرة الشبابية في الوطن العربي مثل غيرها من الظواهر الشبابية في العالم بحاجة ماسه إلى متابعتها بالدراسة الميدانية، ومستجداتها اليومية وما يساكنها من تنوع واختلاف في بنيتها الاجتماعية على المستوى المحلي والوطني والعربي.
وأن تأخذ بالمشتركات البنائية، لأن الوظيفة البنائية كما أسلفنا للشباب العربي هي عملية تفاعل وتأثير متبادل بين الأنشطة الجزئية والكلية داخل البناء الاجتماعي العربي في مستوياته سالفة الذكر.
إذاً؛ وظيفة الظاهرة الشبابية العربية كما يراها المنهج الأنثروبولوجي. مجموعة مركبة من الأفعال والأنشطة الاجتماعية لها اسهامهاالفعّالفي حياة المجتمع العربي، ومصاحباتها من علاقات اجتماعية قائمة بين الأجيال مثل العلاقات القائمة بين أفراد الأسرة وعلاقة الآباء بالأبناء والكبار بالصغار.
وهذه العلاقات في أساسها البنيوي كما يقول عنها المنهج الأنثروبولوجي (( أنماط أساسية تشكل المدخل لدراسة الأنماط السلوكية للظاهرة الشبابية))5.
ونؤكد أنَّ الأخذ المنهجي لبنية الظاهرة الشبابية العربية، كما طرحته وتطرحه الدراسة وحده الكفيل بالحصول على المعلومات الأساس والتفصيلية لمكونات هذه الظاهرة، وما لها من نظم وأنماط سلوك اجتماعي وثقافي تتضمنها الأنساق البنائية في المجتمع العربي داخل أبعاده المحلية، والوطنية والعربية.
وثمة ما يجب أن ندعم به المنهج الأنثروبولوجي بناء على ما اعتبرته الدراسة شرط سلامة النتائج التي تصل إليها أنثروبولوجيا الشباب العربي وهو القول الفصل بكل ما يحيط بظاهرة الشباب العربي من عوامل داخلية وخارجية، وما يمكن أن يستجد أيضاً من عوامل في حياة الشباب وهم يعيشون حياتهم الاجتماعية اليومية المتغيرة.
يؤكد المنهج الأنثروبولوجي أن شرط نجاح دراسة الشباب العربي بوصفهم ظاهرة بنائية لها حضورها وقوتها في الحياة العربية الراهنة والمستقبلية. أي في إضفاء طابعهم وخصائصهمالشبابية على هذه الحياة. نقول دراسة الظاهرة الشبابية دراسة أنثروبولوجية نظرية وتطبيقية متكاملة هدفها معرفة المكونات البنائية لتلك الظاهرة وجدل التعامل بين هذه المكونات وما تضيفه من ظواهر جديدة، وما تتجلى عنها من ظواهر انتهت واستنزفت وظائفها، ثم ما تثيرهمن أزمات بنيوية، هذا إذا قبلنا طرح منطق الأزمة على الظواهر البنائية.
والمنهج الانثروبولوجي الذي يقود ويوجه المهما البحثية والتحليلية لأنثروبولوجيا الشباب يفتح الأبواب أمامها لتزيد كل ما يستجد من مناهج أنثروبولوجية وتقنيات واجراءات بحثية، ومعارف نظرية وتطبيقية والإحاطة بالأنساق البنائية التي يتألف ويتكون منها البناء الاجتماعي العربي في مستوياته وأبعاده المحلية والوطنية والعربية.
على أن تضع أنثروبولوجيا الشباب تلك الأنساق بمستوى واحد من الأهمية لا غلبة فيها للبعد المحلي على حساب البعد الوطني والعربي لأنّ هذه الأبعاد تتعايش في علاقة جدلية قائمة على قاعدة منهجية تقول: إنَّ الوطن العربي يُشكّل المحدد الموضوعي بثرواته البشرية والمادية ومساحته وموقعه الجغرافي الاستراتيجي للتنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ولأنَّ المحلي هو الوطني والوطني هو العربي في الحياة العربية.
والحق أنَّ المنهج الأنثروبولوجي عندما يضع باعتباره أهمية تعامل أنثروبولوجيا الشباب مع ما يتأتى من التأثير المتبادل بين الأنساق البنائية، وحضوره في ظاهرة الشباب العربي وما يفرزه هذا الحضور من ظواهر بنائية، لا يغيب عن باله اطلاقاً التأثير الخارجي في هذه الظواهر بل قل حضورها فيها وما يضفيه عليها من ملامح بنائية لأن العالم بفعل الثورات: ثورة المعلومات والاتصال والهندسة الوراثية، تحول إلى قرية الكترونية/كونية يغلب فيها تأثير ثقافات العالم المتقدم ـ عالم الشمال على ثقافات عالم الجنوب وفي أوساط هذا التأثير يعيش الشباب العربي بهمومه وتطلعاته، ونزعاته ورغباته وحقوقه وخاصة حقه في الشأن العام بكل معانيه وفعاليتهومضامينه، وما يمارسه الشباب في المجتمعات المتقدمة برعاية حكومية وحضارية.
ويؤكد المنهج الأنثروبولوجي على أنثروبولوجيا الشباب العربي، وهي تهتم بدراسة الظاهرة الشبابية العربية في أبعادها سالفة الذكر أن تعيد صياغة دليل عملها الميداني، على ضوء ما تمليه الظاهرة الشبابية المتغيرة في كل لحظة من لحظات الدراسة انطلاقاً من حقيقة أنثروبولوجية منهجية تقول: ((إنَّ التغيرات البنائية العربية والعالمية تتم بسرعة مذهلة لم تعرفها العصور السابقة على الإطلاق)) (6).
إن حقائق الظاهرة الشبابية العربية المتغيرة تضع أمام أنثروبولوجيا الشباب شأن هذه التغيرات في تنشئة الأجيال العربية الجديدة وما تمليه من قدرة وضعف في تكيف الشباب العربي مع المستجدات الثقافية: عادات، تقاليد، أعراف، طرائق تفكير، حوار اجتماعي ثقافي، تخلٍ واكتساب، وحالات ثقافية جديدة، ونزعات فكرية وأخلاقية، واتجاهات سياسية.
أنثروبولوجيا الشباب العربي وعمليات التكيف الاجتماعي:
لا شك أن اهتمام أنثروبولوجيا الشباب العربي بالمتغيرات البنائية في إطار دور ووظائف آليات التواصل الاجتماعي التي تجعل تأثير المتغيرات الثقافية الآتية في المجتمعات المتقدمة قوية في احالات ثقافية كثيرة التنوع في مضامينها داخل الثقافة العربية وما لها من نزعات عندالشباب العربي، وهو يعيش حياته اليومية.وما تمليه من وظائف بنائية ثقافية خلال تكيف الشباب العربي مع المستجدات الثقافية الآتية إليه من ثقافات المجتمعات المتقدمة، وردود فعله عليها، وما يتبناه ويقلده ويمارسه في حياته اليومية.
ويؤكد المنهج الأنثروبولوجي على أنثروبولوجيا الشباب العربي أن عملية التكيف هذه لابد أن تدرسها من كل جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية والقيمية، وفعلها بل وقل وظائفها في حراك الشباب العربي ومطالبه اليومية ومدى قبول أو عدم قبول الأنظمة السياسية الكيفية التي يتم بها تكيف الشباب العربي على طريقتهم وأسلوبهم مع المستجدات، وجديدها في حراكهم الاجتماعيوما تفرزه من ردود فعل على ما تقوم به الأنظمة السياسية، والنتائج المباشرة وغير المباشرة على علاقة الشباب العربي مع أنظمتهم السياسية.
والمنهج الأنثروبولوجي عندما يقود أنثروبولوجيا الشباب العربي إبّان بحثها ودراستها الحقلية التطبيقية للظاهرة الشبابية في الحياة العربية، فإنه يدعوها للوقوف أمام التكيف القائم بين الشباب والسياسات التوجيهية /الإرشادية التي تتبناها الأنظمة العربية، وتضعها كمحددات تربوية وثقافية واجتماعية للعمليات التي تقوم بتكيف الشباب العربي مع واقعهم الاجتماعي، وما فيه من سياسات اجتماعية إرشادية إعلامية تعبوية.
والهدف المباشر من دراسة وتحليل ومن ثم تفسير عمليات التكيف القائمة في المجتمع العربي أن تستوضح وتستشرف أنثروبولوجيا الشباب العربي نجاح وفشل عمليات التكيف الاجتماعي والسياسي والثقافي والنفسي والتربوي والعقائدي، وما يصاحبهما من صراع اجتماعي وسياسي، موجهة نظرها على تداعيات هذا التكيف الايجابية والسلبية، وما إذا كانت هذه الأخيرة تنتج مجموعة من العلل الاجتماعية التي تتفاعل وظائفها لتولد الأزمات في الحياة العربية الراهنة، لأنَّ الأزمات عادة من أهم المؤشرات على فشل سياسة التكيف وما يصاحبها من إرشاد وتوجيه سياسي واعلامي تعبوي، وعلى الفارق الحضاري بين طموحات ورغبات واهتمامات الشباب ومضامين سياسات التكيف.
وفي هذه الحالة لا في غيرها دلالة على أن رغبات الشباب وطموحاتهم وهمومهم تتقدم حضارياً وسياسياً على عمليا التكيف التي تقوم بها الأنظمة العربية، عبر إعلامها الرسمي ومنظماتها الشعبية وفي كثير من الأحيان اضرابها إذا وجدت هذه الاضراب في موقع إدارة عمليات التكيف.
خارطة مقترحة للموضوعات التي تدرسها أنثروبولوجيا الشباب العربي:
انطلاقاً من فرضية أنثروبولوجية في أنك إذا عرفت ثقافة الإنسان الذي تدرسه عرفت شخصيته. وهذه الفرضية مبنية على قول أنثروبولوجي: قل ما ثقافتك أقول لك من أنت، لأنَّ الثقافة في رأي أصحاب هذا القول تشكل الإنسان.
نقول إن الخارطة المقترحة للموضوعات التي تدرسها أنثروبولوجيا الشباب في الوطن العربي تنحصر في هذه الدراسة بالذات في الخطوط العريضة لهذه الموضوعات والتي تراها مبدئياً في الأنساق الآتية: النسق الاقتصادي النسق الاجتماعي، والنسق الثقافي وأنساق الضبط الاجتماعي وعلى رأسها النسق السياسي.
هذه الأنساق مجتمعة تُكون البناء الاجتماعي، فإذا قلنا المجتمع العربي قلنا تلك أنساقه مثله في ذلك مثل سائر المجتمعات في العالم، والتي تتلاقى وحدة مكوناتها في تلك الأنساق ومالها من عموميات وخصوصيات تشترك وتتمايز فيها مع سائر المجتمعات.
وتتوخى الدراسة من دليل العمل الميداني المقترح أن يذهب توضيحاً وتفصيلاً لتلك الأنساق، وهو يحول العناصر البسيطة والمركبة إلى مؤشرات عن حياة الشباب وسط مجتمعهم العربي في أبعاده المحلية والوطنية والعربية.
ومهمة التفصيل في بنيان المجتمع العربي من خلال البحث والتحليل في أنساقه. كل نسق في وظائفه وأدواره البنائية التي تقوم على قاعدة وظائف النسق البنائية الجزئية في الكل البنائي في سياق الاعتماد الوظيفي المتبادل القائم بينهم.
وهذه المهم الأنثربولوجية البحثية التفصيلية لا تتم من فراغ وإنما لأنَّ الظاهرة الاجتماعية العلّة ستنتج لاحقاً ظاهرة اجتماعية معتلّة وهكذا دواليك.
لأن الظواهر البنائية تتعايش داخل البناء الاجتماعي في تأثير وظيفي متبادل وغير متوقف على الاطلاق .
تتكون الخارطة المقترحة من النسق البيئي الذي يشكل المنطقة الجغرافية التي تبدأ منها الدراسة الأنثروبولوجية الشبابية للأوضاع البيئية التي تحيط بالشباب العربي انطلاقاً من انثروبولوجي يمت للاتجاه الأيكولوجي بصلات وثيقة يرى بأن علاقة الشباب العربي ببيئتهم تظهر قوتها أكثر من علاقة الشباب ببيئتهم في المجتمعات المتقدمة،لأنها بلغت شوطاً كبيراً من التقدم الصناعي والمعلوماتي ولأنها أيضاً مجتمعات أكثر تعقيداً في بنيانها الاجتماعي.
وتقدم أنثروبولوجيا الشباب العربي معتمدة على منهجها الأنثروبولوجي دراسة التأثير المتبادل بين الشباب وبيئتهم وما يترتب عليه من عمليات تكيف يقوم بها الشباب العربي في إطار ما يحيط بالبيئة العربية من أوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية.
وهذا معناه أن تضع أنثروبولوجيا الشباب العربي وفي مهامها البحثية دراسة الوضع الجغرافي، ومافيه من مناخ وملامح فيزيقية مثل التربة والجبال والأنهار ودرجات الحرارة والمطر والصحراء، وحجم وتركيب السكان وتوزيعهم المهني وتركيبهم العرقي وتنوعهم الثقافي واتجاهات الحراك السكاني والخارجي، والموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية، وموقعها الجغرافي والطرق ووسائل النقل والتجمعات السكانية والسكن والأسواق، وأثاث المنزل.
ثم تنتقل أنثروبولوجيا الشباب العربي إلى دراسة الحياة الاقتصادية، وما فيها من إنتاج وصناعات وآلات وثروات طبيعية وأدوات مستخدمة في الإنتاج بكل أنواعه وسلعه، وعلاقات الإنتاج وفضل القيمة وإقدام أنثروبولوجيا الشباب على دراسة الحياة الاقتصادية يراد منه معرف العلاقات الاجتماعية التي تنتجها الحياة الاقتصادية، وما يترتب عليها من وحدة وانقسام وصراع في البنى الاجتماعية العربية والالتزامات الاقتصادية في المجتمع العربي وتراكم الثروة، وحيازة الأرض وملكيتها والقوى العاملة، والبطالة والأدوات المستخدمة في العمل الزراعي و الصناعي….الخ.
وتتقصد أنثروبولوجيا الشباب دراسة النسق الاجتماعي لتتعرف على نظم الزواج والأسرة والقربى ومستوياتها والوراثة وتركيب الأسرة الزوجية والأسرة المركبة والعائلة، ووحدة وانقسام العائلة حسب مستويات العربي وعصبياتها وما يطلق من مصطلحات يقولها ويستعملها الناس في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى الوظائف التي يشغلها أفراد الأسرة والعائلة والوجهاء والكبار والصغار، وما يرافق كل ذلك من تغيرات في بنية العائلة.
وفي خلد أنثروبولوجيا الشباب العربي أهمية النسق الثقافي لأنه الأساس من وجهة نظرها في تكوين الأفراد والجماعات والتنشئة الاجتماعية(7)، وما يتبعها من تطبيع الأفراد وتوحدهم مع الأسرة والعائلة واكتساب القيم والاتجاهات السلوكية والأعراف السائدة في المجتمع العربي(
.

وتهتم أنثروبولوجيا الشباب بالقيم التي تحكم في الولاء تكمن وحدة المجتمع وانقسامه حسب تسلسل هذه الولاءات في اقترابها من الولاء للوطن لأنه يمثل القيمة العليا في ثقافة الحوار، جنباً إلى جنب مع قيمة المواطنة، والعدل الاجتماعي والعقد الاجتماعي الذي يأتي الدستور مفسراً، لثقافته من الناحية القانونية والسياسية.
ويقبلوا المنهج الأنثروبولوجي أنَّ الولاءات(9) في المجتمعات الأهلية مثل أغلبية البنى الاجتماعية العربية تلعب دوراً تقسيمياً حيث يسمى العلم الأنثروبولوجي الغربي/الأمريكي المجتمع العربي بالمجتمع الانقسامي، لذلك قلنا في أكثر من دراسة عن البنى القرابية في المجتمع العربي: دلني على الولاءات أدلك على الانقسامات في البنى القرابية العربية.
إذاً؛ التنشئة الاجتماعية التي تقوم بمهام تطبيع الفرد العربي لا بد أن تشكل محوراً هاماً في الدراسات الأنثروبولوجية الشبابية في الوطن العربي.
وعلى هذا الأساس تعمل أنثروبولوجيا الشباب العربي على جمع المؤشرات والمعطيات المتعلقة بالقربى مثل: قربى الدم، وقربى الجهة، وقربى المذهب وقربى الحزب والعقيدة …..إلخ
وتعمل على جمع هذه المؤشرات من خلال متابعتها ودراستها لدورة الحياة التي تبدأ في مراحل مبكرة من العمر وأسماء المراحل التي تمر بها، والمفاهيم والمصطلحات التي تحكم التمييز والتقسيم الذي تقوم عليه دورة الحياةومراحلها، ونظرة الآباء والمجتمع إلى الذكر والأنثى في هذه الدورة.
وعندما نقول التنشئة الاجتماعية نعني الثقافة التي تحكم هذه التنشئة وآلياتها ومفاهيمها.
ويعتبر النسق السياسي وما فيه من ضوابط ونظم اجتماعية وحياة سياسية ودولة وأحزاب وموالاة ومعارضة من الأنساق المهمة التي توليها أنثروبولوجيا الشباب بحثاً وتحليلاً وتفسيراً تمهيداً لوضع المعاني التي تواكب مضامين النسق السياسي ونظمه وقوانينه وضوابطه السياسية، والحكم المحلي والتنظيم الإداري، وقوانينه المنظمة للمؤسسات الحكومية ودور العرف في الحياة السياسية، خاصة في المناطق التي لا تزال تعيش الحياة القبلية، وما فيها من عصبيات و وازعيها في الالتحام والانقسام (10)، وما يترتب على هذه العصبية من ولاءات تذهب في اتجاه الالتحام مرة، وفي اتجاه الانقسام مرات.
وفي هذه السياقات تدرس أنثروبولوجيا الشباب العربيالتعبئة السياسية الأهلية والحكومية وأساليب هذه التعبئة، وتكوين الرأي العام وحشده وراء الأحزاب والدولة والحزب الحاكم، والمنظمات الشبابية والضوابط الاعلامية التي تحكم التعبئة في تكوين الرأي العام في قطاع الشباب.كما تدرس الدين وثقافته وتأثيره ونظمه وتأثر السلوك الشعبي اليومي بالدين وتعاليمه وطقوسه ومصاحباته من ممارسات مثل السحر والتنجيم والطب الشعبي….الخ.كما عليهاأيضا أن تدرس العلاقة بين القوى الاجتماعية والاقتصادية التي يتكون منها المجتمع العربي، وبين السلوك الديني الذي نلاحظه في الحياة العربية.
ويظل على أنثروبولوجيا الشباب دراسة اللهجات المحلية، ووقعها في نفوس الناشئة، ودورها في الكتابة والابداع الأدبي وفي التعصب الجهوي، وحصول الناشئة على المعونة الشعبية التقليدية، والمعرفة التي تأتي عن طريق العلم ووسائل الاعلام ـ مثل المحطات الفضائية ومواقع الاتصال الاجتماعي، والكتب الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي …… الخ، وعلاقة هذه المعرفة في النظر إلى الحياة والكون.
ولاشك أنّ دراسة الأمثال والحكم الشعبية تشكل أحد الأسس في دراسة نسق المعرفة، وأحد المؤشرات التي توظفها في دراسة ما يطلق عليه “العقلية العربية” والوعي الذي يتحكم في الشخصية الاجتماعية العربية، وما إذا كان هذا الوعي يقوم على معرفة قائمة على العلم والاختراع، وما وصلت إليه العلوم في تفسير الكون، أم على التصور الديني لنشأة الحياة والقوانين التي تحكم تطورها.
والخلاصة : إنَّ أنثروبولوجيا الشباب العربي تدرس البناء الاجتماعي العربي على اختلاف مستوياته لتتعرف على خصائص الشباب العربي الثابتة والمتغيرة، ودور الشباب في الشأن العام.
وتتابع تحديات التي يتعرضون لها و يواجهونها لأنَّ في هذه المعرفة دالة على تواصل وانقطاع الشباب عن الأجيال الأخرى، وخاصة جيل الكبار ومنهم في موقع المسؤولية السياسية، ومشاركة الشباب وابتعادهم عن الحياة السياسية، وهذه المشاركة تشكل دالة على النظام السياسي، وما إذا كان يعبر الشباب والأدوار التي يشغلونها في البناء الاجتماعي القيمة التي يستحقونها، كما تشكل دالة على المرجعيات السياسية والعقائدية، بل قل الثقافة القديمة والجديدة التي تمارس دورها ووظائفها في وعي الشباب، وتنشئتهم الاجتماعية/ السياسية، وفي انتمائهم للأحزاب السياسية والعمل السياسي.
وتسأل الدراسة في نهاية مهمتها عن أنثروبولوجيا الشباب العربي، إذا كان الشباب العربي لهم الحضور الذي يستحقونه في العلم الاجتماعي وفي الأنثروبولوجيا الثقافية والسياسية والاجتماعية؟
وهل لنا بأنثروبولوجيا عربية تدرس البناء الاجتماعي العربي وما عليه من وحدة وانقسام وما فيه من عداوات، وثقافة محبة وكراهية وولاءات تعيش في مواجهة مع الولاء للوطن والمواطنة، وتمارس التقسيم والشرذمة في الحياة العربية الراهنة؟
إنَّ حاجات الشباب العربي المتعاظمة للمعرفة والمشاركة المسؤولة في الشأن العام، وإشهار حقوقهم المشروعة في سباق الحقوق والواجبات التي ارتضاها لهم العقد الاجتماعي أصبحت تفوض نفسها على أنثروبولوجيا الشباب العربي من أجل استشراف مستقبل الشباب العربي في معركة المصير العربي التي تراهن على حقوق الشباب، وقوة دورهم في صنع المستقبل العربي.
مراجع وهوامش الدراسة:
1. حول مصطلحات/ مفاهيم الدراسة يرجى الرجوع إلى: موسوعة علم الإنسان ـ شارلوت سميث: ترجمة مجموعة من الأستاذة في جامعات مصر العربيةـ اشراف د. محمد الجوهري ـ المجلس الأعلى للثقافة والترجمةـ القاهرة، 1990.
2. د. عز الدين دياب، العرب والغرب حوار وصراع على الدور الحضاري، الدار الوطنية الجديدة، دمشق، 2010.
3. حول المنهج الأنثروبولوجي يرجى الرجوع إلى المرجع الآتي:
د. فتحية محمد إبراهيم/ مصطفى حمدي النشواني، مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان “الانثروبولوجيا”، دار المريخ، الرياض، 1988.
4. د. عز الدين دياب، دراسات أنثروبولوجية تطبيقية، الدار الوطنية الجديدة، دمشق، 2006، ص5ـ18.
5. د. أحمد أبو زيد، البناء الاجتماعي ”