مقالات

أوهام القوة وأوهام النصر  بقلم الدكتور يوسف مكي

بقلم الدكتور يوسف مكي

أوهام القوة وأوهام النصر
 بقلم الدكتور يوسف مكي
نستعير عنوان هذا الحديث من كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي تناول فيه حرب الخليج الثانية. والعنوان يظل صالحا عند تناول ما يجري الآن في غزة ولبنان وسوريا، من اعتداءات مستمرة، يشنها الكيان الإسرائيلي، على أهلنا في هذه الأقطار، وبدعم وإسناد كاملين من قبل الإدارة الأمريكية، ورئيسها دونالد ترامب.
هذا الأسبوع، حافل بعدة أحداث، لعل أهمها الخروقات المستمرة من قبل إسرائيل، لاتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان، التي تمت بوساطة أمريكية، وصدقت عليها الأمم المتحدة. وذلك ما يعني اعتداء على مفهوم السيادة، في هذا البلد، الذي يروج له كثيرا في هذه الأيام.
والأغرب أن يتزامن العدوان المستمر على سيادة أرض الأرز، مع زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي توم باراك إلى لبنان، مطالبا بنزع سلاح حزب الله، وتأكيد سيادة الحكومة اللبنانية على البلاد. وهنا نقول إن من المفترض في المبعوث الامريكي، أن يمنع العدوان المستمر على لبنان، وأن تطرح بجدية مسألة تسليح الدولة اللبنانية، لمستوى تكون فيه قادرة على صد الاعتداءات المتكررة على أراضيها. ومن غير ذلك، يكون نزع السلاح، أشبه بتقديم العربة أمام الحصان، وهو ما يتعارض جذريا مع مبدأ السيادة التي تدعو له الولايات المتحدة.
في الماضي طرح عدد من السياسيين اللبنانيين، أن قوة لبنان هي في ضعفه، لكن هذا المنطق لم يصمد أبدا أمام الواقع. فلبنان كان عرضة لاعتداءات اسرائيلية مستمرة، منذ عام 1948، العام الذي عرف بعام النكبة، الذي صاحب تأسيس الكيان الإسرائيلي.
أمور كهذه لم تكن غائبة، عن الصحفيين الذين حضروا المؤتمر الذي عقده المندوب الأمريكي، باراك في بيروت، والذي لم يعد لديه ما يكفي من الصبر، للإجابة على أسئلتهم، فوصفهم بالحيوانات، في لغة غير معهودة من أي دبلوماسي، يلتزم بأساسيات الكياسة واللباقة، وليس له من معنى سوى طغيان غطرسة القوة وجبروتها. وكان من نتائج ذلك، سيادة حالة من الغضب لدى اللبنانين، حجبت عنه إمكانية استكمال برنامج زياراته، ومغادرة البلاد، مؤكدا بهذا السلوك مقولة وهم القوة. فالمندوب، تصرف بعقلية الكاو بوي، وليس بعقلية مبعوث لدولة عظمى، لا تزال تفرض نسبيا سطوتها على القرارات الاممية.
الخبر الثاني، من غزة ويأتي في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عزمه على احتلال غزة، بعد حرب إبادة مريرة مارسها جيش الاحتلال، منذ السابع من تشرين/ أكتوبر 2023، وذهب ضحيتها أكثر من 63 ألف شهيد وأكثر من 225 ألف جريح، جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتسببت في عزلة دولية لإسرائيل، لم تشهدها منذ تأسيسها. فقد شهد اليوم التاسع والعشرين من شهر آب/ أغسطس، الماضي، أعظم مواجهة بين حماس وجيش الاحتلال، عندما نصبت للجيش الاسرائيلي، عددا من الكمائن، اعترفت أجهزة الإعلام الإسرائيلية، أنها كانت الأقوى والأعنف، منذ أحدات تشرين/ أكتوبر 2023. إن ذلك يلقي أسئلة كثيرة، حول امكانيات الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مشروع الاحتلال، الذي وعد به نتنياهو.
ويطرح سؤالا أكثر وجاهة، حول أوهام القوة، التي تحكم عقلية رئيس الحكومة الإسرائيلية. كيف سيحقق أحلامه أو أوهامه، لا فرق في احتلال سوريا ولبنان والعراق وجزء من مصر، وهو لم يتمكن، خلال ما يقرب السنتين من إحكام قبضته على شريط صغير من أرض فلسطين، هو قطاع غزة.
الحدث الأخر، الذي فاجأ العالم بأسره، هو الموقف الأمريكي، من زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن لنيويورك، وإلقاء كلمة من على منبر الأمم المتحدة، يشرح فيه تطورات القضية الفلسطينية. لقد منعت وزارة الخارجية الأمريكية، حصوله على تأشيرة دخول للولايات المتحدة الأمريكية. وهو أمر غير مألوف، إذ المفترض أن يكون موقع هيئة الأمم المتحدة، أرضا حيادية، لا سلطة للولايات المتحدة عليها. هكذا نصت بروتوكولات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهكذا كان الواقع فيما مضى.
فبعد أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962، والتي كادت أن تتسبب في نشوب حرب عالمية ثالثة، زار الرئيس الكوبي، فيدل كاسترو نيويورك، وألقى خطابا تاريخيا من على منبر الأمم المتحدة، هاجم فيه بعنف السياسة الأمريكية، ووصفها بالعدوانية. ولم يتسبب ذلك مطلقا في منع الولايات المتحدة لاستمرار حضور المندوب الكوبي، بالأمم المتحدة جلساتها المعتادة. فما الذي استجد في الأمر.
ولدينا مثل أخر، حصل عام 1974، عندما منع عرفات، من إلقاء كلمة له من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، قرر الأمين العام للأمم المتحدة نقل الجلسات إلى جنيف، لتمكين عرفات من إلقاء كلمة من على منبرها. وفي حينه لم تحظ منظمة التحرير الفلسطينية، باعتراف دولي. وألقى خطابه الشهير، قائلا” “لقد جئتكم حاملا البندقية في يد وغصن الزيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي. وكرر عبارة لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي ثلاث مرات. ورغم كل الحروب، والتصفيات والاغتيالات، بقيت منظمة التحرير صامدة حتى يومنا هذا.
سياسة الاغتيالات، سواء في غزة أو في أقطار عربية كلبنان وسوريا واليمن، والعراق، وإن ساندتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لن تغير من الواقع شيئا، ولن تكون سوى تأكيد آخر، على خطل أوهام القوة والنصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب