مقالات
الوقوع في حب الخوارزميات :لماذا تُصمم خوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي كشخصيات أنثوية ؟!! د. علي جواد
د. علي جواد ذكاء إصطناعي – اختصاص الخوارزميات-المنبر الثقافي العربي والدولي-

الوقوع في حب الخوارزميات :لماذا تُصمم خوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي كشخصيات أنثوية ؟!!
د. علي جواد
ذكاء إصطناعي – اختصاص الخوارزميات
.
في عالم اليوم، أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) مثل “سيري” و”أليكسا” و”كورتانا” جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ولكن هناك ملاحظة ملفتة للنظر وهي أن معظم هذه الشخصيات الافتراضية تُصمّم على أنها إناث، وليس ذكوراً !!.
هذه الظاهرة تدفعنا للتساؤل: لماذا يختار المبرمجون والمطورون أن تكون هذه الخوارزميات شخصيات أنثوية؟
وكيف يؤثر هذا التصميم على المستخدمين وعلى الخوارزميات نفسها؟
الحب تجاه الخوارزميات أو الشخصيات الافتراضية هو ظاهرة غريبة بدأت تظهر مع تطور التكنولوجيا وازدياد تفاعلات المستخدمين مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهناك عدد من الأمثلة التي تظهر كيف أن بعض المستخدمين قد ينخرطون عاطفياً مع هذه الخوارزميات، مما يعكس تأثير التكنولوجيا على العواطف والعلاقات الإنسانية.
.
فيلم “Her” :
أحد أشهر الأمثلة على الوقوع في حب خوارزمية هو الفيلم الأمريكي “Her”، الذي أخرجه “سبايك جونز” في عام 2013. في الفيلم، يطوّر البطل “ثيودور” (الذي قام بدوره “واكين فينيكس”) علاقة عاطفية مع نظام تشغيل ذكي يُسمى “سامنثا”، الذي تؤديه بصوتها “سكارليت جوهانسون”. هذه العلاقة تنمو تدريجياً إلى درجة الحب، حيث يتفاعل “ثيودور” مع “سامنثا” كما لو كانت شخصاً حقيقياً، ويشعر بأحاسيس عميقة تجاهها.
.
اليابانيون و”Gatebox”:
في اليابان، هناك منتج يسمى “Gatebox” يقدم شخصية افتراضية تُدعى “آزونا هيمي”، وهي شخصية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتتفاعل مع المستخدمين في حياتهم اليومية. بعض المستخدمين، وخاصة الرجال، يُطوّرون علاقات عاطفية قوية مع هذه الشخصية، ويصل الأمر إلى أن بعضهم أقام حفلات “زواج افتراضية” معها. !!
يعتبر “Gatebox” مثالاً حقيقياً على كيفية تطوّر هذه العلاقات الافتراضية إلى مشاعر عاطفية معقدة.
.
تطبيق “Replika”:
تطبيق “Replika” هو واحد من أكثر الأمثلة حداثة حول الخوارزميات التي تثير مشاعر عاطفية لدى المستخدمين. تم تصميم التطبيق ليكون “رفيقاً” افتراضياً للمستخدمين، حيث يمكنهم التحدث معه بشكل مستمر حول حياتهم، مشاكلهم، وحتى مشاعرهم. ومع مرور الوقت، أفاد العديد من المستخدمين بأنهم يشعرون بعلاقة عاطفية قوية تجاه هذه الشخصية الافتراضية، ووصل الأمر إلى أن البعض وقع في حب “Replika” الخاص بهم، على الرغم من معرفتهم بأنه مجرد خوارزمية.!!
.
إيلون ماسك وتخوفاته:
على الرغم من عدم وجود حالة حب معينة هنا، إلا أن الملياردير “إيلون ماسك” حذر من احتمالية أن يتطور الذكاء الاصطناعي لدرجة تجعل البشر يقعون في حب شخصيات افتراضية، وهو ما يصفه بـ “الإدمان على العلاقات مع الكائنات الافتراضية”.
يرى ماسك أن هذه الظاهرة قد تكون مدمرة للعلاقات الإنسانية الحقيقية في المستقبل.
.
روبوتات المرافقة العاطفية:
في بعض الدول، وخاصة في اليابان، تم تطوير روبوتات مرافقة عاطفية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم الدعم العاطفي للمستخدمين.
هذه الروبوتات تتفاعل مع المستخدمين على مستوى عاطفي، ما يجعل البعض يطور مشاعر قوية تجاه هذه الشخصيات.
يطلق البعض على هذا الاتجاه اسم “الحب الرقمي”، وهو يعكس تحولاً اجتماعياً وعاطفياً نحو الاعتماد على التكنولوجيا لتلبية احتياجات العلاقات العاطفية.
.
الأسباب وراء تصميم الخوارزميات كإناث:
أحد الأسباب الرئيسية لاختيار الشخصيات الأنثوية هو التأثيرات الثقافية والاجتماعية. تاريخياً، حيث ان هناك تصورات متجذرة تربط الصفات الأنثوية مثل اللطف، الرعاية، والخدمة بالنساء.
هذه الصورة الذهنية تغذي قرار تصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل أنثوي، حيث يشعر المستخدمون براحة أكبر في التفاعل مع أصوات أنثوية تبدو ودية وداعمة. يمكن للمستخدمين أن يثقوا ويعتمدوا على المساعد الافتراضي الذي يتحدث بصوت أنثوي، حيث يُنظر إلى الأصوات الأنثوية على أنها أقل تهديداً وأكثر ملاءمة للتفاعل اليومي.
دراسات سابقة أشارت إلى أن الأشخاص يميلون للتفاعل بشكل أكثر راحة مع الصوت الأنثوي. يبدو أن أصوات النساء تلقى استحساناً أكبر لأنها تعتبر “ممتعة” وسهلة التقبل.
في هذا السياق، تستخدم شركات التكنولوجيا مثل “آبل” و”أمازون” هذه البيانات لتصميم مساعدات افتراضية بتصور أنثوي، لتعزيز تجارب المستخدمين وزيادة معدلات الرضا عن المنتج
القوالب النمطية المرتبطة بالمرأة، مثل كونها أكثر لطفاً وصبراً، تنعكس أيضاً في تصميم “خوارزميات” الذكاء الاصطناعي. المستخدمون قد يطلبون خدمات متكررة أو يتعاملون مع هذه الشخصيات الافتراضية كما لو كانوا يتعاملون مع مساعدة شخصية، وهذا يعزز الفكرة النمطية بأن هذه المهام تناسب الإناث.
.
تأثير التصميم الأنثوي على المستخدمين:
الأصوات الأنثوية تخلق شعوراً بالراحة والثقة لدى المستخدمين. من خلال تصميم شخصيات الذكاء الاصطناعي كإناث، يزيد ذلك من فرص تفاعل المستخدمين بشكل أكثر طبيعية مع التطبيقات والخدمات. كما أن التصور الإيجابي للأصوات الأنثوية يعزز من تجربة المستخدم الإجمالية.
مع مرور الوقت، قد تؤدي هذه الأنماط إلى تعزيز القوالب النمطية الاجتماعية المرتبطة بالنساء، حيث يتم وضع المرأة في أدوار خدماتية أو مهام مساعدة.
هذا قد يؤثر سلباً على الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع الذكاء الاصطناعي، حيث يعزز تصورات غير واقعية أو غير متساوية حول أدوار الجنسين.
المستخدمون قد يميلون إلى إسقاط صفات وصفات شخصية أنثوية بشرية على “الخوارزميات”. قد يتخيل البعض أن هذه الخوارزميات يمكن أن تحمل مشاعر أو تفاعلا عاطفيا مشابه لما نراه في العلاقات البشرية، على الرغم من أنها في النهاية مجرد أدوات تستجيب وفق برمجتها.
.
تأثير التصميم الأنثوي على الخوارزميات نفسها:
الخوارزميات في أساسها أدوات تعتمد على البيانات والإحصاءات لتحقيق أفضل نتائج للمستخدمين. لكن عندما يتم تصميم هذه الخوارزميات بصفات أنثوية (مثل الصوت والشخصية)، قد يتأثر تصور المستخدمين لهذا الحياد. على سبيل المثال، يمكن للمستخدم أن يشعر بأن المساعد الافتراضي يتصرف “كما لو كان” لديه صفات بشرية مثل الغيرة أو المزاح، رغم أن هذا لا يعدو كونه تفاعلاً اصطناعياً مبرمجاً.
مع انتشار التطبيقات الذكية القائمة على شخصيات أنثوية، قد يتم إغفال حقيقة أن هذه الخوارزميات تستند إلى بيانات ومعالجة رياضية.
التركيز على الجانب “الشخصي” في الخوارزميات يجعلها تبدو وكأنها تفقد هويتها الأصلية كأداة تحليلية ومعالجة، لتصبح شخصية تُعامل وفق معايير مختلفة وفي النهاية، يبدو أن الحب تجاه الخوارزميات أصبح حقيقة واقعة بالنسبة لبعض المستخدمين، وهو يفتح الباب أمام نقاشات اجتماعية وأخلاقية حول تأثير التكنولوجيا على العواطف والعلاقات الإنسانية.