مقالات
الحرب فى السودان:فرضيات وإجابات بقلم محمد الأمين أبوزيد -السودان –
بقلم محمد الأمين أبوزيد -السودان -

الحرب فى السودان:فرضيات وإجابات
بقلم محمد الأمين أبوزيد -السودان –




إن فهم الحرب التي تدور في السودان منذ الخامس عشر من أبريل 2023م يتطلب نظرة شاملة لتطورات الأزمة الوطنية الشاملة المستحكمة بتلابيب البلاد، لايمكن النظر إليها في سياق الأحداث المباشرة أو النتائج المترتبة على نشوبها بمعزل عن الظروف التاريخية التي أنتجت الحرب كحلقة أخيرة من حلقات الصراع على السلطة، عليه فإن فهم أسباب الحرب في السودان يتطلب النظر إلى مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية يمكن إجمالها في:
1-التاريخ الطويل من النزاعات الداخلية والحروب الأهلية بين الشمال والجنوب، الذي أدى إلى انفصال الجنوب في يوليو 2011م، بالإضافة للنزاعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
2-التنوع العرقي والديني والثقافي الذي تستغله النخب والأنظمة الفاقدة للبصيرة الوطنية خاصة عندما يشعر البعض بالتهميش وعدم التمثيل والمساواة في المواطنة.
3-الموارد الطبيعية في ظل انعدام منظور وطني يعمل على قسمتها وتوظيفها لصالح التنمية المستدامة، تعتبر الموارد مثل النفط والمياه والمعادن والأراضي الزراعية من العوامل المحورية للنزاعات حيث التنافس والسيطرة عليها.
4-الفساد وسوء الإدارة لاسيما في حقبة الإنقاذ الذي ساهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما جعل الشرائح الضعيفة أكثر عرضة للأزمات.
5-التدخلات الخارجية حيث تلعب القوى الإقليمية دوراً في النزاعات السودانية سواء من خلال الدعم العسكري والسياسي للأطراف المتصارعة.
6-التحولات السياسية التي فجرتها انتفاضة ديسمبر 2019م التي أطاحت بحكم الإسلاميين ورغبة الشعب في إقامة حكم مدني ديمقراطي في ظل تشبث الإسلاميين بالسلطة ومحاولاتهم المستميتة لتصفية الثورة من خلال التحكم بجهاز الدولة المختطف.
7-تفاقم الأزمات الاقتصادية بمافي ذلك التضخم والبطالة ممازاد من الاستياء الاجتماعي ودفع المزيد من الناس الى الانخراط في الصراع.
8-ضعف التركيبة السياسية التي قادت الانتقال وتناقض مصالحها وعدم الثقة بينها وخوف الجانب العسكرى من مآلات الوضع السياسي بعد الاتفاق الإطاري بالرغم من تأمينه لمشاركتهم.
9- الابتزاز الذي ظل يمارسه الإخوان المسلمين على قيادات المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من تبعات العملية السياسية في المستقبل التي ربما تقودهم للمشانق.
10-تحالف المصالح الاقتصادية والفساد ورأس المال الذي جعل المؤسسة العسكرية تتحكم باقتصاد البلاد وارتباط ذلك بالنزوع السلطوي.
يعتبر طمع العسكر في السلطة أحد الأسباب الرئيسة للصراع في السودان، تاريخيا شهد السودان عدة انقلابات عسكرية وصراعات سلطوية، حيث يسعى العسكريون للسيطرة على الحكم في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، تتداخل هذه الرغبة مع عوامل أخرى مثل النزاعات العرقية والفقر والفساد، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمات وفشل جهود السلام.
إن الصراع على النفوذ والموارد بين الفصائل العسكرية مقرونا مع مجمل العوامل المذكورة أعلاه هو ما أدى إلى الحرب الحالية.
العلاقة بين المتأسلمين والمؤسسة العسكرية:
بدأت العلاقة منذ عام 1978م عندما دخل المتأسلمين في تحالف مع النظام المايوي لتحقيق هدف أعلنه زعيمهم الراحل د.الترابي عندما سأله الشريف حسين الهندى زعيم الجبهة الوطنية للمعارضة والزعيم الاتحادي المعروف عن سبب دخولهم مع النظام فرد الترابي حينها نحن حزب صغير ونريد أن ننمي كوادرنا!!!ولاحقا ومن خلال اعترافات الترابي الشهيرة اتضح أن المخطط جزء من استراتيجية الجهاد التي اختطتها حركة الإخوان المسلمين لاحتواء النظام المايوي سياسياً وأمنيا واقتصاديا، التي تطورت بخلق تنتظيم داخل القوات المسلحة وظل يخطط للاستيلاء على السلطة على مدى عشر سنوات حتى تمكن من تنفيذ انقلاب يونيو 1989م ووأد التجربة الديمقراطية الثالثة التي كانوا جزءا منها بتمثيل كبير، الأمر الذي يؤشر عدم إيمانهم بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
بعد الاستيلاء على السلطة عملوا على خلق المليشيات والتنظيمات العسكرية الخاصة من دفاع شعبي وشرطة شعبية وأجهزة أمنية حركية وجهاز عمليات وكتائب ظل وغيرها..وفي إطار الصراع في دارفور صنعوا الجنجويد الذي تطور إلى الدعم السريع كجيش موازي تفوق إمكاناته القوات المسلحة إلى أن ارتد السحر على الساحر في لعبة التوازنات بعد انتصار ثورة ديسمبر.
فشل المتأسلمون في تحقيق تحالف بينهم والدعم السريع وقيادة المؤسسة العسكرية بعد أن شق قائد الدعم السريع عصا الطاعة بعد فشل الانقلاب الذي خططوا له سويا في أكتوبر 2021م، واستمر تحالفهم مع قيادة الجيش وقيادة الحرب ضد الدعم السريع الموصوف بالتمرد، ثمة سؤال جوهري هنا ما هي المصالح المشتركة بين المتأسلمين وقيادة الجيش التي تتخفى خلف شعارات مضللة؟
1-التخلص من جرائم عديدة وملاحقات بدءاً من فض اعتصام القيادة وتنفيذ انقلاب أكتوبر 2021م.
2-الرغبة في وقف عمليات تفكيك تمكين النظام الذي اطلعت به لجنة إزالة التمكين.
3-وأد قضية انقلاب 1989م التي ستحاكمهم تاريخياً وتقصيهم من المشهد السياسي مستقبلا.
4-السعي لقطع الطريق أمام أي عملية سياسية تستبعدهم من المشهد السياسي.
5-قيادة البلاد إلى مصير مجهول كماقال المبعوث الأمريكي بريللو:جنرالات الحرب وداعميهم من المتأسلمين يقودون السودان وسكانه إلى مصير مروع ستكون له تأثيرات بالغة الخطورة على المنطقة ككل.
5-اللعب بورقة التناقضات في ظل وتيرة الانهيار المتسارعة بهدف تصفية الثورة واستخدام حالة الفوضى لتحقيق أهدافهم.
6-الحل السياسي السلمي سيعرضهم للانكشاف وعرضة للمحاكمات، لذلك هم يستميتون في تضليل قطاعات واسعة بوهم الانتصار والقضاء على المليشيا وتجييش المواطنين ودفعهم وقود لمحرقة الحرب.في الوقت الذي يخفون فيه رغبتهم بحلم العودة للسلطة على اكتاف الجيش.
ماهى فرص العودة للسلطةبالنسبة للمتأسلمين؟
تتوقف على عدة عوامل وتبقى معقدة وتعتمد على تفاعل هذه العوامل:
1-الظروف السياسية وتغير الديناميت السياسي في السودان بشكل كبير وتأثره بالتحالفات السياسية الحالية والمستقبلية.
2-الاستجابة والمقبولية الشعبية التي تبدو بعيدة خاصة بعد التجربة السابقة وانكشاف مخططاتهم في تدمير البلاد.
3-التطورات الإقليمية والدولية الرافضة للتعايش مع الأفكار الأصولية الإسلامية (مصر،تركيا،السعودية)يمكن التأثير على فرصهم.
4-الانقسامات الداخلية في التيار الإسلامي برغم تباينها وعمق تناقضاتها.
5-الموقف الدولي وردود الفعل الدولية تجاه عودة الإخوان المسلمين.
ماهو مستقبل الحرب في السودان؟
يمكن أن يتجه في عدة اتجاهات:
1-استمرار النزاع إذا لم تتمكن أطراف وتحالفات الحرب من تحقيق اتفاق سلام قد يستمر النزاع لفترة طويلة مما يؤدي الى معاناة إنسانية أكبر وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
2-التسوية السلمية من الممكن أن تؤدي الضغوط الداخلية والخارجية إلى فتح قنوات للحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة ممايسفر عن اتفاق لوقف الحرب وشروط جديدة للحكم.
3-تدخلات دولية تحت أي مظلة تؤدي إلى تغيير ديناميكية الصراع من خلال الضغط على الأطراف عسكرياً وإنسانيا.
4-تأثير الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى زيادة الضغوط على الطرفين.
5-من المتوقع بروز تغيرات داخلية في قيادة الجانبين أو في الأهداف التي يرفعونها مما يؤثر على مسار النزاع.
6-التقسيم أو الفوضى وهذا اتجاه وارد ومتعاظم في حالة استمرار النزاع لفترة طويلة دون حل وعدم تحقيق اختراق عسكرى حاسم ينهي الحرب لمصلحة أي طرف قد تؤدي إلى تقسيم البلاد أو انتشار الفوضى مما يزيد من تعقيد الوضع.
إن مستقبل الحرب يعتمد على تفاعل هذه العوامل وعلى الإرادة السياسية للأطراف المعنية والمجتمع الدولي.
كيف تنتهي الحرب في السودان؟
إن التجربة التاريخية الوطنية في السودان والتجربة الإنسانية في الحروب تشير إلى أن الحروب تنشأ لأسباب سياسية وتنتهي بالتفاوض.
إن إنهاء الحرب في السودان يتطلب جهوداً متعددة الأبعاد :
1-التفاوض والحوار ووصول الأطراف المتحاربة لاتفاق سلام يوقف الح-رب، ويؤسس لعملية سياسية متوافق عليها تنهي تدخل العسكر في السياسة.
2-الدعم الدولي من الدول الكبرى ومنظمات الأمم المتحدة تحفيزا من خلال تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لتحقيق الاستقرار السياسي.
3-إعادة الإعمار والتنمية وإعادة بناء البنية التحتية وتقديم مشروع لدعم الاقتصاد السوداني يساعد على تحسين الحياة.
4-تعزيز المصالحة الوطنية بين المجتمعات المختلفة ونبذ خطاب الكراهية والعنص-رية والتمييز والعنف لضمان عدم تكرار النزاعات مستقبلاً.
5-العدالة الانتقالية بمعالجة الجرائم التي حدثت خلال النزاع بطرق قانونية لضمان محاسبة المسؤولين عن الحرب.
6-توعية المجتمع بنشر ثقافة السلام والتسامح بين المواطنين بما يسهم فى تحقيق الاستقرار على المدى البعيد.
ستظل الحرب فى السودان منفتحة على كل الاحتمالات والاتجاهات داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يتطلب التزام قوى وإرادة فاعلة ونافذة من جميع الأطراف بأهمية وقفها ووقف تداعياتها الكارثية.