مقالات

الأونروا وقرارات «الكنيست»… احذر مما تتمنى

الأونروا وقرارات «الكنيست»… احذر مما تتمنى

كريس غونيس

قرار الكنيست الإسرائيلي في 28 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام بمنع عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة الغربية، يُعد إخفاقاً ذاتيا مذهلًا. سيؤدي هذا القرار إلى رفع مستوى الحماية الدولية لما يقرب من مليونين ونصف المليون لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية لتصبح تحت ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تفضل الحلول الطوعية طويلة الأمد لوضع اللاجئين: حق العودة.
هذا هو النقيض تماما لما كان أعضاء الكنيست بشكل عام، وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بشكل خاص، يأملون تحقيقه عندما شرعوا في تدمير «الأونروا». فلقد اغترّوا بقوتهم وتأثّروا بما يعتبرونه انتصارا عسكريا في غزة، وعاشوا وهما خاطئا بأنه إذا تم وقف عمل «الأونروا»، فسيتم استبعاد اللاجئين الذين ترعاهم، من عملية السلام، وتجاهل تاريخهم وهويتهم وحقوقهم ومطالباتهم التاريخية واستبعاد الوكالة أيضاً من النقاش.
لكن إسرائيل على وشك أن تدرك أن 6.8 مليون شخص – وهو العدد المسجل لدى «الأونروا» – لا يمكن التخلص منهم بهذه السهولة، على الرغم من الدعم السياسي في واشنطن والقوة العسكرية الإسرائيلية.

مسؤوليات المفوضية السامية

التزامات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تجاه اللاجئين الفلسطينيين منصوص عليها في المادة 1 (د) من اتفاقية اللاجئين لعام 1951. وتوضح الجملة الثانية من هذه المادة ذلك بشكل واضح: «عندما تتوقف هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب كان، دون تسوية وضع هؤلاء الأشخاص بشكل نهائي وفقا للقرارات ذات الصلة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصبح هؤلاء الأشخاص تلقائيا مستحقين للمزايا التي توفرها هذه الاتفاقية.»
بمعنى آخر، إذا تم تنفيذ تشريع الكنيست ومُنعت «الأونروا» من تقديم خدماتها، فإن اللاجئين الفلسطينيين – في غياب حل عادل ودائم، وهو أبعد من أي وقت مضى – سيخضعون بعد ذلك لاتفاقية اللاجئين وولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
يتم تأكيد ذلك في الإرشادات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2017، حيث تشدد الفقرة 29 على أنه «عندما يتضح أن حماية أو مساعدة الأونروا قد توقفت… فإن اللاجئ الفلسطيني يصبح تلقائيًا مستحقا للمزايا التي توفرها اتفاقية عام 1951.»
ليس هذا هو الحال فقط بالنسبة للاجئين الفلسطينيين اليوم، بل إن الأجيال القادمة التي تسجل مع «الأونروا» في ظل غياب حل لوضعهم كلاجئين ستندرج أيضا تحت التفويض الأوسع للحماية العالمية الذي تقدمه اتفاقية اللاجئين. والأهم من ذلك، وفقا لإرشادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يتم تسجيل اللاجئين من خلال الخطين الذكري والأنثوي. بينما تقصر «الأونروا» ذلك على الخط الذكري فقط، مما يعني أنه وفقا لنظام المفوضية، من المحتمل أن يزداد عدد اللاجئين الفلسطينيين بسرعة أكبر مقارنة بالنظام المتبع لدى «الأونروا».

قاعدة بيانات اللاجئين

في هذه الأثناء، ستواصل «الأونروا»، بقدر استطاعتها، تحديث سجلات تسجيل اللاجئين. وبشكل بطولي، قامت الوكالة بنقل آلاف النسخ الورقية من الوثائق الأساسية للتسجيل التي تعود إلى عام 1948 من مقرها الرئيسي في غزّة خلال القتال الحالي، وكذلك من الضفة الغربية، إلى العاصمة الأردنية عمّان. وبفضل تفاني موظفي «الأونروا»، أصبحت قاعدة بيانات التسجيل للوكالة رقمية بالكامل الآن، ومخزّنة في فضاءات إلكترونية آمنة حول العالم.

إن الحفاظ على هذا العمود الفقري لثقافة وهوية اللاجئين سيكون مصدرا للراحة الجماعية لشعب مشتت، وللناجين من النكبة الذين يواجهون ما تصفه المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، بأنه «محو استعماري». وليس أقل أهمية أن يصبح الآن من المستحيل على إسرائيل تدمير هذه القاعدة الثمينة للبيانات، والتي ستكتسب أهمية محورية إذا قرر اللاجئون المطالبة بحقهم في العودة، والتعويضات، وردّ الحقوق من إسرائيل، وهو حق مكفول لهم بموجب القانون الدولي كما يؤكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. وحتى وإن لم يكن ذلك ممكنا على الفور، فإن قاعدة بيانات «الأونروا» الرقمية بالكامل تواصل الاحتفاظ بسجل مستمر.

المسؤولية عن الحماية

بالنظر إلى المستقبل، يُعد القول، كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن غياب «الأونروا» يجعل من مسؤولية تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين تقع حصريا على عاتق سلطة الاحتلال أي إسرائيل، تراجعا في القيادة الإنسانية. وهذا الأمر يزداد خطورة في وقت تنخرط فيه تلك سلطة الاحتلال، وفقا لمحكمة العدل الدولية، فيما يمكن اعتباره إبادة جماعية محتملة. وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أخيرا مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح حرب، والاضطهاد وأفعال غير إنسانية أخرى.
إنه لأمر محزن بشكل خاص أن نرى السيد غوتيريش يطالب بمسؤوليات لسلطة الاحتلال، مع الأخذ في الاعتبار أنه قبل أن يصبح أمينا عاما للأمم المتحدة، شغل لمدة عشر سنوات منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكان على دراية تامة بالحمايات المنصوص عليها في المادة 1 (د) من اتفاقية 1951. وعلاوة على ذلك، سيكون من المفيد رؤية دعم عام قوي بشأن هذه القضية من المفوض السامي الحالي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الذي شغل قبل ذلك، منصب نائب المفوض العام لـ»الأونروا»، ثم المفوض العام من عام 2005 إلى 2014. إن التزام السيد غراندي الثابت بقضية اللاجئين الفلسطينيين هو مسألة موثقة علنا.
في هذه اللحظة الحرجة، يجب على القيادة العليا للأمم المتحدة أن تطمئن الفلسطينيين بقوّة، حيث تتحمل الأمم المتحدة مسؤولية تاريخية تجاههم، بأن حقوقهم ستتم حمايتها، وأنهم سيحظون بمكانة متساوية فيما يتعلق بحقهم في العودة، إلى جانب عشرات الملايين حول العالم، وكثير منهم أيضا لاجئون عبر الأجيال. إذا استمر هذا الجنون وانتهى دور «الأونروا»، فسيفتح ذلك فصلا أقوى في مسألة حق العودة الفلسطيني، حيث ستنتقل حمايتهم من كيان إقليمي صغير نسبيا تابع للأمم المتحدة، إلى منظمة عالمية طالما دافعت عن حق العودة في «أوضاع اللاجئين الممتدة».

المادة 99 من الميثاق

مع تعرّض «الأونروا» لتهديد وجودي، ومواجهة اللاجئين الذين تخدمهم لما يُسمى بـ»المحو الاستعماري»، أدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة، المسؤولة عن تفويض «الأونروا»، إلى إحالة القضية إلى مجلس الأمن بشكل عاجل.
كما أطلب من السيد غوتيريش استخدام صلاحياته بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن يطالب مجلس الأمن باتخاذ إجراءات لحماية «الأونروا»، والوقوف بجانب مسؤوليتها المقررة، للحفاظ على السلام والأمن الدوليين.
ومع اشتعال الحرب في الشرق الأوسط، فإن السماح لإسرائيل بتدمير وكالة قدمت خدماتها على مدى 75 عاما، وخلقت رأس مال بشري وأملا لمستقبل سلمي بين بعض المجتمعات الأكثر تهميشا وضعفا في الشرق الأوسط، يعني المخاطرة بكل شيء.

*كريس غونيس – المتحدث باسم الأونروا ومدير الاتصالات فيها من عام 2007 حتى 2020. يشغل حاليا منصب مدير «مشروع محاسبة ميانمار».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب