مقالات
انهاء عهد الردة الشباطية في سوريا -قراءة اولية . بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -

انهاء عهد الردة الشباطية في سوريا -قراءة اولية .
بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –
لم تكن الصور الصادمة التي نقلتها مختلف وسائل الإعلام العالمية والعربية للمعتقلين في سجون آل الاسد بعد تحريرهم من قِبَل الفصائل الثائرة على النظام السوري السابق ، سوى عيِّنَة للآلاف المؤلفة من العرب السوريين وغيرهم من الجنسيات الذين رماهم النظام في آتون جحيم معتقلاته على مدى سنوات حكمه الأربع والخمسين من الزمن فبات كل من يدخل المعتقل “مفقوداً” بحكم زجّه دون محاكمةٍ او شفقة ورحمة من منطلق اليقين لدى النظام ان كراهيته لا تقتصر على ابن سوريا دون غيرها من الأقطار وهو الذي لم يكن ليميّز بين قيادات ومسؤولين كبار سواء من كانوا الاقرب إلى حافظ أسد من السوريين الذين اولوه المسؤولية كوزير للدفاع بعد الانقلاب الشباطي على القيادة الشرعية للحزب عام ١٩٦٦ كالرئيس الأسبق نورالدين الأتاسي ورئيس وزرائه يوسف زعيّن فاللواء صلاح جديد وغيرهم ، إلى قيادات عربية من طراز ” الأردني ” ضافي جمعاني و” اللبناني” محمود بيضون على سبيل المثال لا الحصر وصولاً إلى معتقلين بسطاء فقراء اودت بهم الشبهات وكتابة التقارير وتشابه الأسماء إلى المعتقلات دون ان يكون لهم اي انتماء حزبي او سياسي يتذرع به النظام ، سوى الظلم الذي نشره على القاصي والداني دون ان يستثني حتى من سانده في تثبيت حكمه بمن فيهم الشقيق الذي في رقبته دماء اكثر من أربعين الف شهيداً من ابناء حماه يوم دمر المدينة عن بكرة ابيها مطلع ثمانينات القرن الماضي بأوامر رئاسية وانتهى من كل هؤلاء بغية التوريث للابن الثاني الذي أرسى سفينة حكم ابيه مقدماً نفسه للشعب السوري كطبيب العيون “الإنساني” المنفتح على الحداثة والحريات وتمثل أول امتحان له في مواجهة من صدقوه عندما أجهض “ربيع دمشق” في مهده من قناعة موروثة عن الوالد مفادها : تضع كل معارضيك في السجن حتى تفنى عظامهم ويموتون فيه .
لقد كان القائد المؤسس لحزب البعث العربي الاشتراكي الاستاذ ميشال عفلق اول من مارس النظام حقده عليه فلم يكتفِ بزجه في السجن والحكم عليه بالإعدام لولا ان رفاقه دبّروا له عملية إخراجه السرية إلى لبنان ، ليغتالوا بعدها الاستاذ صلاح البيطار واللواء محمد عمران وشيطنة الرموز والقيادات الشرعية الاخرى وتخييرها بين الولاء الاعمى او السجن الأبدي اوالإبعاد القسري ابد الدهر عن ارض الوطن بعد ان جرى سرقة اسم الحزب ايضاً وجعله عنواناً لحكمه وجبروته لدرجة ان من لا يعرف ببواطن الأمور وصل إلى حدود الكفر ب” البعث” والفكر القومي القومي طالما هو على شاكلة ما يصدر عن هذا النظام من سلوك ومواقف .
هذا النظام الذي لم يكن ليصدق الناس أجرامه عندما كان ينكّل بمناضلي ومناضلات “البعث” الذين سرق اسم حزبهم ، فكان الإعلام الخارجي يعزو ذلك إلى الخلاف السوري العراقي فيما كان النظام ، المستفيد الاول من ترويج هذه المقولة ليصنع من نفسه نداً للحزب الام الشرعي الحاكم في العراق ، دون ان ننسى اغتياله لخيرة المناضلين في الامة وزج المئات منهم في السجون وتشريد الآلاف ايضا من عوائلهم في بلاد الله الواسعة خشية التنكيل والارهاب ،
صحيح انها لحظة الحقيقة التي انتظرها السوريون قبل غيرهم ، ولكن من اكتوى بسياسة النظام هي الامة بمختلف تكويناتها وأطيافها يوم كرّس الطائفية سبيلاً لتكريس حكمه واوهم الناس “الغلابى” ان زواله لا يعني سوى زوالهم ولم يقتصر تسويقه لهذه الأكذوبة – الخدعة ، انما ادى إلى دفع كل العصبيات الطائفية والمذهبية إلى الاستنفار واللجوء إلى خصوصياتها الذاتية على حساب الوطن والمواطنة والعرب والعروبة ، وان ما لدى المعارضة اليوم الكثير من الملفات لفتحها ، ليس من منطلق المحاسبة وحسب ، وانما لفضح حقيقة من اعلن الانتماء للعروبة وطعنها في قلبها وجعل الناس يكفرون بها بعد ان كفروا به ونظامه ، ولو لم يرتكب هذا النظام اية جريمة وطلب إبراء نفسه منها ،
ستبقى قضية المعتقلين لوحدها وصمة العار التي لحقت بسنواته الاربع والخمسين وان حياة من امضوا أعمارهم في سجونه و خرجوا اليوم كالتائهين فاقدي الذاكرة الاشبه بالموتى ، كفيلة بوضع المحكمة الجنائية الدولية يدها على ملفاتهم جميعاً وإصدار قرارات دولية صارمة ، سواء بالتعويض عليهم او باقتياد رأس النظام وأعوانه إلى المحاكمات العلنية وامام الرأي العام العالمي والعربي والسوري ، ولنا في قصة معتقل صيدنايا لوحدها وما فيه من طبقات التعذيب والرعب والإجرام فوق الارض وتحتها بما فيها المبنى الأحمر وغيره من “مقابر” الاحياء ما يكفي إلى ذلك ، فالذي استطاع الحكم على الرئيس الروسي بالاعتقال ، وكرر ذلك بالأمس مع نتنياهو وغالانت على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني ، لهو قادر على ذلك غداً مع نظام الاسد وحاشيته وكل من أمدّه بعوامل الدعم والاستمرار حتى اعلان سقوطه في الثامن من كانون اول ، ديسمبر العام ٢٠٢٤ .
هذا النظام الذي اكد مدير الدفاع المدني في منظمة الخوَذ البيضاء ان ما لا يقل عن ثلاثمائة الف معتقل ومختفٍ ومغيّب ما زالوا حتى الآن في غياهب سجونه المكتشفة المشفرة الابواب وغير المكتشفة بعد ، وهو الذي لم يوفر حتى النساء والحوامل والعجائز والأطفال والبنات العذارى من العيش في طبقات الرعب داخل سجونه ومن لم يسمع بعد بتلك السجينة الخارجة لتوها من معتقل صيدنايا وتصرُخ قائلةً:
انسجنت وكان عمري 19 عزباء ، خرجت عمري 32 وعندي أطفال لا اعرف آبائهم !!
انه ، وقد اثبتت ثورة التغيير على النظام في الثامن من كانون اول ٢٠٢٤ عن موقف حضاري بدعوتها المواطنين الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة فلم تسع إلى المعاملة الامنية والمخابراتية بالمثل ، فإنها مُطالَبة ببذل كل الجهود التي تحض على التمسك بالوحدة الوطنية لكافة اطياف الشعب السوري والحفاظ على السيادة على كل تراب الوطن في مواجهة الأطماع الاقليمية والخارجية دون إغفال الاحتلال الصهيوني للجولان الذي لم يتوقف عن عدوانيته وطمعه في قضم المزيد من ارض الوطن .
إن تضميد جراح الشعب والوطن لا يمكن ان تتم بين ليلة وضحاها ولا بد للمرحلة الانتقالية من الحكم الجديد ان تؤكد على ان سوريا ، القلب النابض للعروبة ، لا يخفق إلا على دقات الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان ،
وعلى مثقفي وكتاب وفناني سوريا المبادرة منذ اليوم إلى توثيق المرحلة البائدة وفضحها والتحذير من تكرارها في أدبياتهم وفنونهم وهم الذين يملكون الباع الطويل في ذلك فكانوا بالأمس مُجبَرين على تمجيد رأس النظام وخليفته بوصفه “القائد الخالد”، فلا يجب بعد اليوم ان يكون ما يعيقهم عن تكبيل أقلامهم وكبحها في سبيل سوريا الجديدة الحرة الديموقراطية الموحدة لكل ابنائها وغير المنسوبة لعائلة وفرد .