الأردن في مسار القضية السورية وبدون أي موقف مسبق… لماذا انعقد “الأمن القومي” مرتين؟

الأردن في مسار القضية السورية وبدون أي موقف مسبق… لماذا انعقد “الأمن القومي” مرتين؟
عمان /بسام البدارين
مبادرة القيادة الأردنية في عقد اجتماعين متتاليين لمجلس الأمن القومي بعد الحدث السوري مؤشر إضافي على “عمق اهتمام” مركز القرار الأردني بالتأسيس لتفاصيل مرحلة جديدة، خصوصا وأن المجلس مشكل منذ أكثر من عامين وعقد حتى الآن 3 اجتماعات أحدها فقط للقضية الفلسطينية والثاني والثالث لما يسمى الآن في عمان “القضية السورية”.
تلك خطوة تعني بأن ثمة متغيرات في الإقليم وعلى الحدود تستوجب ليس فقط انعقاد هذا المجلس لكي يساهم في تحمل مسؤولياته تجاه تطورات الأحداث على الخاصرة السورية ولكن “مأسسة” تصور أمني يحدد بوصلة الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه المؤسسة الرسمية بما ينسجم مع “قدرات ومصالح” المملكة.
الملك عبد الله الثاني بادر إلى دعوة المجلس للانعقاد بمجرد عودته من رحلة استكشافية وصفت بانها مهمة للغاية في واشنطن. ولاحقا عندما قضي الأمر في دمشق عقد الاجتماع الثاني حيث المسألة السورية دخلت في الاحتمالات التي يؤثر بعضها على “الداخل الأردني”.
لا توجد الآن مؤسسات سيادية سورية في الطرف الآخر من الحدود وعمان لا تريد استجلاب المعلومات من الفاعل الإقليمي سواء أكان التركي أو الإيراني، والفعاليات الأهلية وأحيانا التشكيلات المسلحة في كل من درعا جنوبا والسويداء في الجنوب الشرقي بدأت تخاطب الدولة الأردنية وترسل الرسائل وعنوانها العريض على الأرجح هو توفير ضمانات ورغبة في المساعدة، فيما رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني زار عمان مستشعرا الرأي الأردني فيما يجري التحضير له.
الاتصالات الدبلوماسية الأردنية والاستشعارات “الأمنية” أعقبت زيارة واشنطن الاستكشافية. بصرف النظر عن واشنطن ومحطتها “المتغيرة” والتي أصبح فيها “رأيان” اليوم حتى بقياسات عمان الأول للإدارة الآيلة للسقوط، والثاني لإدارة دونالد ترامب التي تقتحم بعض التفاصيل، يمكن القول إن الإيقاع السوري فرض نفسه كحدث مركزي على الأردنيين شعبا ودولة. وهو ما يستوجب أو استوجب في الواقع سلسلة اتجاهات وقراءات وقرارات كانت سريعة وأمنية الطابع وأهمها التركيز على أولا إغلاق الحدود والمعابر وثانيا إنشاء خلية أزمة تعمل ليلا نهارا بعنوان إعادة الأردنيين العالقين في سوريا قبل تدشين مرحلة التجاوب مع ترتيبات الإقليم والمجتمع الدولي بصيغة تتحدث مع الجميع وبدون استثناء ولا تتخندق خلف أي “موقف مسبق”.
خلية الأزمة التي أعلنت عنها خارجية عمان هدفها إبراز القابلية للتحدث بالتفاصيل السورية مع الجميع.
ما لم يعرف ولا تقوله حكومة الأردن بعد هو طبيعة ليس فقط القراءة الأردنية العميقة لتطورات الأحداث عند الجار السوري ولكن محتوى المعلومات والتقديرات العميقة المركزية داخل الدولة الأردنية عن ليس ما يجري فقد بات مكشوفا ويتابعه الرأي العام بشغف عبر المنابر والمنصات بل عن ما يمكن أن يحصل لاحقا.
الأردن بهذا المعنى أمام اختبارات قاسية وعميقة ما يفسر إصرار وزير الاتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة الدكتور محمد المومني على إصدار سلسلة تصريحات يؤكد فيها أولويات بلاده المرحلية وحكومته في التعاطي مع تدحرجات الملف السوري.
المومني تحدث عن الإنشغال بمراقبة الحدود أمنيا كما أشار إلى قدرات الدولة الأردنية ومؤسساتها على حماية حدودها وترابها الوطني ثم تطرق إلى أوضاع الأردنيين الموجودين الآن في سوريا وبذل كل السبل لإعادتهم والأهم تكرار الموقف الرسمي الثابت بعنوان الحرص على وحدة وسلامة الأراضي السورية.
ما لا يتطرق له الأردنيون الرسميون بعد تحديد ما إذا كانت عمان قد طورت موقفا للاعتراف بـ”النظام السوري الجديد” أو بقوى الأمر الواقع حيث فراغات هنا وأحرف بدون بعض النقاط من باب الاحتياط الوقائي لكل الاحتمالات.
الوضع الجيوسياسي والحدودي والاجتماعي والاقتصادي بهذا المعنى مفتوح على عدة احتمالات وما يفهم من صمت الحكومة الأردنية عن التطرق للتفاصيل أو إعلان موقف قطعي من مسار الأحداث في سوريا مع أو ضد الثورة السورية مؤشر حيوي على أن عمان في الانتظار تترقب التفاصيل وتجمع المعطيات لكي تحدد موقعها وتموقعها لاحقا خصوصا وأن الانطباع الأكبر وسط النخب هو ذلك الذي يشير إلى أن ما يجري في سوريا حقيقي وليس مصطنعا والأهم “قد يستقر”، الأمر الذي يفرض انعكاسات لا يستهان بها على حسابات الإقليمي والداخل أيضا.
لذلك تزاحم عمان للاطلاع وجلست على “طاولة الدوحة” وتفاعلت مع “جسر المساعدات الجوي القطري” وفتحت سفارتها في دمشق واستمعت لتوني بلينكن وإن كانت لا تتواصل حتى اللحظة مع أي “صديق أو شريك” سوري داخلي من فصائل الثورة السورية التي يغازلها الجميع عالميا ويراقبها في نفس التوقيت.
عمان تجلس عمليا في منتصف المسافة، في إشارة إلى أن الترتيبات في الملف السوري باتت دولية وإقليمية والمطلوب أن لا تتطلب “إن نجحت تجرية التحول في دمشق” الكثير من التغييرات في الأردن.
“القدس العربي”: