روسيا تحاول الاستمرار في قاعدتي طرطوس وحميميم للحفاظ على نفوذها في المتوسط وأفريقيا
روسيا تحاول الاستمرار في قاعدتي طرطوس وحميميم للحفاظ على نفوذها في المتوسط وأفريقيا
حسين مجدوبي
مدريد- من أبرز التساؤلات التي رافقت سقوط نظام بشار الأسد في سوريا هو مصير القاعدتين الروسيتين طرطوس البحرية وحميميم الجوية في هذا البلد العربي، ثم ما يجري الحديث عنه من إنتقاد موسكو لتخليها عن حليف رئيسي مثل سوريا في وقت كان الرئيس فلاديمير بوتين يؤكد الوقوف إلى جانب الحلفاء.
وشكل السقوط السريع لنظام بشار الأسد الأسبوع الماضي مفاجأة كبرى للمتابعين للعلاقات الدولية بحكم ما كان يعتقد بمركزية وأهمية النظام الحاكم في دمشق لبعض الدول مثل إيران والصين وخاصة روسيا. وعموما، توجد ثلاثة تساؤلات رئيسية حول روسيا وسقوط نظام بشار الأسد وهي: لماذا لم تدافع روسيا عن نظام الأسد تنفيذا لعقيدة الدفاع عن الحلفاء، ثم ما مصير القاعدتين الروسيتين وأخيرا، الانعكاسات الجيوسياسية لهذا الحدث على النفوذ الروسي.
ومن ضمن أبرز الملاحظات لسقوط بشار الأسد هو ضعف تقدير الاستخبارات العسكرية الروسية لتطورات الملف السوري، إذ لم تكن تنتظر سقوطه السريع، وذلك بحكم مواقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كان يرغب في فرض بعض الشروط في اجتماعات أستانا في قطر. وعلى رأسها انتقال منظم للسلطة في حالة انسحاب الأسد. في الوقت ذاته، لم ترصد المخابرات الروسية المخطط التركي في تنظيم محكم للمقاتلين.
في هذا الصدد، لم تقف روسيا إلى جانب بشار الأسد عكس ما فعلت سنة 2015، ويبدو هذا تخليا عن عقيدتها بالدفاع عن حلفائها، لأن الرئيس بوتين سبق وأن أكد في مناسبات كثيرة أنه قد يلجأ بما في ذلك إلى استعمال السلاح النووي للدفاع عن الدول الصديقة في حال تعرضها لهجوم نووي. والواقع، لقد تأكدت موسكو من السقوط العاجل أم الآجل لنظام بشار الأسد، حيث لم يستغل وقوف القوات الروسية إلى جانبه ليعيد بناء الجيش السوري، إذ استمر الفساد وسط المؤسسة العسكرية بشكل ملفت، ثم لم يعمل بشار الأسد على تهدئة الأوضاع بل أطلق يد المخابرات لتعقب المعارضين بمن فيهم المعتدلين، ليخلق وضعا من التوتر المستمر الذي يغذي مختلف المتمردين. ومن جانب آخر وبعد اندلاع حرب أوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022، أصبحت سوريا ثانوية في الأجندة العسكرية الروسية مقارنة مع التحدي الكبير الذي تشكله الحرب ضد أوكرانيا، لأنها تمس مباشرة الأمن القومي الروسي نظرا لما تعتبره من مخططات الغرب والحل الأطلسي لإضعافها. وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قد أكد الأربعاء من الأسبوع الجاري “العملية العسكرية الخاصة (في أوكرانيا) تشكل أولوية مطلقة لبلدنا. يتعين علينا ضمان مصالح أمننا ومصالح شعبنا الروسي، وسوف نفعل ذلك”.
ورغم انهيار نظام بشار الأسد، فهذا لا يعني عدم تأقلم الكرملين مع الوضع الجديد في سوريا. ولهذا، فقد تحلت بالبراغماتية وبدأت محاولة نسج علاقات مع السلطات الجديدة في دمشق لكي تحافظ على القاعدتين خاصة طرطوس التي تتواجد فيها منذ سنة 1971، وجددت عقد الإيجار سنة 2017 لمدة 49 سنة. في هذا الصدد، قال المتحدث باسم الكرملين، بيسكوف، للصحافيين الاثنين من الأسبوع الجاري إن روسيا “تبذل كل ما هو ممكن وكل ما هو ضروري للبقاء على اتصال مع الذين يمكن أن يتكفلوا بالحفاظ على أمن” القاعدتين الروسيتين في هذا البلد.
وألمحت سلطات دمشق الجديدة إلى تبني الليونة الدبلوماسية في ملف استمرار روسيا في طرطوس وحميميم، ولا يمكن صدور موقف مثل هذا بدون وجود مفاوضات مسبقة بينها وبين موسكو. كما لا يمكن استبعاد رغبة القيادة الجديدة في دمشق استمرار روسيا في القاعدتين لأسباب استراتيجية، ومنها أن جزءا هاما من سلاح الجيش السوري الجديد هو الترسانة العسكرية المتواجدة مسبقا في البلاد ومصدرها روسيا، وتدرك هذه القيادة أن الغرب لن يساعدها للتحول إلى قوة في الشرق الأوسط، وسيبقى مصدر التسلح هو روسيا وتركيا بالأساس. ونقل موقع “غالاكسيا ميليتاري” هذه الجمعة أن تركيا اللاعب القوي في الملف السوري تشجع هيئة تحرير الشام على الحوار مع روسيا خاصة في شأن القاعدتين.
انعكاسات جيوسياسية
ويحمل انهيار نظام بشار الأسد انعكاسات على الوضع الجيوسياسي لروسيا في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وجزء من أفريقيا. في هذا الصدد، تعتبر طرطوس هي القاعدة العسكرية الرئيسية التي لدى الجيش الروسي في المياه الدافئة، وبالتالي خسارة هذه القاعدة يعني تراجع مستوى تواجد البحرية الحربية الروسية في البحر المتوسط. في الوقت ذاته، تفقد موسكو مخاطبا رئيسيا في الشرق الأوسط كان يعتبر بوابة رئيسية لتأكيد الحضور الروسي ومحاولة المشاركة في القرارات الكبرى الخاصة بهذه المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة.
وفي تطور آخر، تناولته بعض المواقع المتخصصة في القضايا العسكرية مثل “غلاكسي مليتاري” و”أوبكس 360 ” التي أشارت إلى أن نسبة هامة من تعزيز روسيا لنفوذها في القارة الأفريقية ومنها في منطقة الساحل كان يتم انطلاقا من قاعدة طرطوس السورية نظرا للقرب الجغرافي، إذ أن طرطوس كانت محطة رئيسية لخبراء روسيا وقوات فاغنر للتوجه إلى بعض مناطق القارة السمراء.
غير أنه لا يمكن إعطاء القاعدتين أهمية حاسمة في النفوذ الروسي في المتوسط وأفريقيا، فخلال ذروة الحرب الباردة في الخمسينات والستينات وحتى منتصف السبعينات لم تكن روسيا تمتلك قاعدة طرطوس ولا قواعد أخرى في المياه الدافئة. وحصلت على طرطوس سنة 1971 خلال فترة حافظ الأسد وكانت قاعدة صغيرة، واكتسبت أهمية مع مرور الوقت لاسيما سنة 2015، ويمكن لموسكو التأقلم مجددا مع فقدانها القاعدتين أو استمرار التواجد وفق شروط جديدة.
“القدس العربي”: