وثائق بريمر الحاكم العسكري للعراق
البعث وصفحات المقاومة لاسقاط اهداف الاحتلال
(الجزء الأول)
بقلم د. عبده شحيتلي
مقدمة لا بد منها
كذا يعلمنا البعث الصدام
وما في شرعة البعث يوم الملتقى هرب
قالها يوما شهيدنا الشاعر موسى شعيب، فالبعث الذي جسد فكره نضالاً ،منذ التأسيس ، بات الحأضر الأكبر في تاريخ المشرق العربي ، في محطاته المضيئة وفي أزماته وإخفاقاته. كذلك كانت تنظيماته ، ولا تزال في معظم أقطار الوطن العربي مشرقه ومغربه ، حاضرةً في النضال الجماهيري والحياة الثقافية والاجتماعية ، ليشكل في كل ذلك امتدادا لنضال المؤسسين والأجيال التي تتالت في النضال تحت رايته.
كيف للمناضل البعثي أن يهرب في مواجهة اعداء الوطن والأمة؟ وكيف للبعث ان يحل نفسه ، أو يجمد نشاطه حين تكون المواجهة مع الأعداء في أعلى الدرجات التي تقتضي خروج الشعارات من مخازنها لتتحول الى نضال تسجله صفحات التاريخ الناصعة .
ما كنا يوماً نجد في سياسات النظام المنتحل لشعارات البعث في سوريا ما يشبه فكر البعث وتاريخه ، وما كنا نجد بين شخوصه من يمثل قيمة تاريخية أو فكرية يتمثّل بها البعثيون . العكس تماما هو الصحيح ؛ فمن يتمثل بهم البعثيون هم من حكمهم هذا النظام الذي استولى على السلطة بالحديد عليهم بالاعدام ،وقام باعدام البعض ، أو اغتيالهم أونفيهم من بلدهم ،وابعادهم عن مجتمعهم الذين ناضلوا بصدق من أجل نهضته . تلك هي حال ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ، وأكرم الحوراني ، وامين الحافظ، وسليم حاطوم ، ومحمد عمران ، والياس فرح وشبلي العيسمي ،ورفاقهم .
في السياسات كان البعث بقيادته التاريخية داعماً لا يلين للمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها ، وكان هم النظام المنتحل لشعارات البعث في سوريا مصادرة القرار الوطني الفلسطيني لاستخدامه في اسواق المساومة السياسية حتى لو اقتضى ذلك تدمير المخيمات الفلسطينية واغتيال المناضلين الفلسطينين وزجهم في السجون، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالحركة الوطنية اللبنانية التي كان البعث حاضرا فيها ودولة البعث في العراق داعمة لها ، وعاملة للتوفيق بين الوحدة الوطنية اللبناية ودعم الثورة الفلسطينية، بينما استظل النظام السوري بالمظلة الميركية للدخول العسكري الى لبنان ومصادرة القرار الوطني اللبناني ، واستباحة الحياة السياسية وتحويل لبنان ساحة للصراع الإقليمي الذي دمر ما دمره من مقومات الدولة اللبنانية .
كان البعث بقيادته القومية ورموزه التاريخيين في موقع التصدي للنفوذ الإيراني الذي عمل على التمدد في المشرق العربي منذ بداية نظام ولاية الفقيه في إيران ، بينما ذهب منتحل الصفة الى التحالف مع هذا النظام ، وما تورع عن مده بالدعم السياسي والإعلامي والعسكري في الحرب العراقية – الإيرانية .
خاض البعث في العراق معارك الأمة ، في حرب تشرين ، وفي تأميم النفط تجسيدا لشعار نفط العرب للعرب،ودفاعاً عن استقلالية القرار الوطني في العراق في مواجهة العدوان الثلاثيني الذي جاء كرد على واقع القوة الإقليمية التي مثلها العراق بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية ، وفي مواجهة العدوان الأميركي خارج إطار أي غطاء شرعي عام 2003 . وعند احتلال العراق كانت المقاومة العرقية البطلة هي الرد على الاحتلال الذي عمل خائبا على تنفيذ القرار الميركي باجتثاث البعث.وما تورع النظام المنتحل للصفة عن المشاركة العسكرية تحت القيادة الأميركية في حفر الباطن عام 1991 ، ومحاولة شق البعث ومصادرة قرار المقاومة العراقية لمساومة الاحتلال عليها بعد العام 2003 .
وهاهو البعث اليوم يستمر في العراق بنضاله الدائب لتحرير العراق ، وإسقاط كل مفاعيله على الحياة السياسية في العراق والوطن العربي بقيادته المرتبطة بالقيادة القومية، ومناضليه الحاضرين في النضال الشعبي اليوم مثلما كانوا فرسان الفعل المقاوم في مواجهة الاحتلال . كانت السلطة في العراق سلطة دولة بناها البعث ، فسقطت السلطة في المواجهة غير المتكافئة مع الاستعمار الامبريالي الغربي بقيادة أميركا ،وما سقط البعث رغم سياسة الاجتثاث الفاشية . وها هو الحزب المنتحل لشعارات البعث يتهاوي مع سقوط السلطة في مواجهة شعبها ،ليعود البعث الأصيل الى مجتمعه وأبناء شعبه بعد دعوة القيادة الحزبية المرتبطة بالقيادة القومية مناضليها المهجرين للعودة والانخراط مع رفاقهم الذين استمروا في مقارعة نظام الردة في الداخل السوري منذ ردة العسكر الشباطية على الحزب وقيادته التاريخية عام 1966 .
كان لا بد من هذه المقدمة لنقول إن الصدفة وحدها هي التي جعلت مقالتنا هذه ،التي كان هدفها الإضاءة على مجموعة من الحقائق المتعلقة باحتلال العراق وسياسات الاحتلال الهادفة الى اجتثاث البعث من العراق ليكون قاعدة الارتكاز فيما أطلق عليه المحافظون الجدد إبان إدارة بوش “الشرق الأوسط الجديد “، تتزامن مع هذا الانهيار الدراماتيكي للنظام السوري والنفوذ الإيراني في سوريا . فقد تسنى لنا قراءة كتاب بريمر الذي يدون فيها مذكراته عن يوميات الحرب الأميركية على العراق، وإضاءته على الكثير من الوقائع ومن بينها الأهداف الحقيقية للاحتلال وواقع المقاومة التي خيبت هذه الامال وجعلته يخرج من اللعراق متسللاً للمحافظة على حياته .
وسوف نقسم هذه المقالة الطويلة الى أربعة أجزاء
في الجزء الأول، الذي سنعرضه ، فيما يلي ، سنتناول موضع الاحتلال واهدافه المعلنة ، وما يتعلق بقراري اجتثاث البعث ، وحل الجيش العراق ، والمقاومة العراقية في الفترة التي كان يسود فيها الاعتقاد أن المقاومة هي عمل مجموعات ناقمة لا تخضع للقيادة والسيطرة .
وستلي هذا الجزء الأول ثلأثة اجزاء لتكتمل المقالة وتبلغ مراميها.
كتاب بول بريمر “عام قضيته في العراق ” يشكل وثيقة بالغة الأهمية تسمح قراءة ما ورد فيها بالتصريح او التلميح ، ما أفصحت عنه السطور وما استتر بينها ،بإماطة اللثام عن الكثير من الحقائق المتعلقة بأهداف الاحتلال الأميركي للعراق، ومقدماته والقوى الفاعلة والمتعاملة معه ، إن لجهة توفير المبررات والذرائع أو توفير الغطاء المحلي لهذه الأهداف، أو لجهة التعامل معه، سياسيا ، وأمنيا، في تحقيق أهدافه البعيدة والقريبة .
فيما يلي من هذه المقالة، سنحاول ،من خلال شهادة السفير بول بريمر،عرض مجموعة من الأحداث والوقائع التي كان يدونها ،لحظة وقوعها ،على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به. وقد استند ،فيما بعد، الى هذه المدونة في صياعة نصوص الكتاب التي تروي الأحداث والوقائع تبعاً لتاريخ وقوعها،منذ تعيينه حاكما عسكريا للعراق حتى انتهاء مهمته ،مستعيناً بمالكولم ماك-كويل الذي اشترك معه في تأليف الكتاب .
من هذه الوقائع ،سنعرض بداية ،روايته لأهداف الاحتلال التي تم تكليفه بالعمل على تحقيقها ، والمقاومة التي وجد نفسه في مواجهتها منذ بداية مهمته حتى خروجه من العراق متسللاً لكي يرتاح من الجحيم الذي جعلته المقاومة يعيشه، في ليله ونهاره ، ثم ننتقل بعد ذلك الى عرض المفهوم الأميركي لما يسميه تحرير العراق في أبعاده الطائفية والسياسية والاقتصادية،لكي ننهي مقالتنا بتناول تداعيات الإحتلال على مستقبل العراق والوطن العربي .كذلك سنعرض لبعض الوقائع التي يجدر الإشارة اليها، وإن كانت تقع على هامش البحث.
1 – الاحتلال العاري من المشروعية: يختصر بريمر ما يسميه الموقف الذي أدى الى الحرب بالافتراض،أن العراق طور أسلحة الدمار الشامل وقام بتخزينها متحدياً قرارات الأمم المتحدة ،. هذا الموقف تبنته إدارة بوش ، وروجت له على نطاق واسع .يؤكد أن ” العديد من الأعضاء البارزين في إدارة بوش ، بمن فيهم وزير الخارجية باول ، كانوا يأملون بإخلاص أن تنتصر الدبلوماسية الدولية في نزع أسلحة العراق ، وإبعاد البعثيين عن الحكم “(ص 38 ).
هكذا ببساطة تجاوزت إدارة بوش ما تزعم استناده الى الشرعية الدولية ،أي ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل ،لتضيف هدفا أميركيا خالصاً، لا يبين بريمراي شكل من المشروعية القانونية او السياسية او الدبلوماسية التي يستند اليها، وهو ” إبعاد البعثيين عن الحكم ” . وإذا كانت اللجان المكلفة بالبحث عن اسلحة الدمار الشامل قد تشكلت لتبدأ عملها في العراق بعد وقت قصير ، فإن العمل الذي يقول بريمر أن صحيفة النيويورك تايمز وصفته ب”الفاشي”(ص 63 ) أي “اجتثاث البعث” بدأه بريمر،الدبلوماسي العريق والديمقراطي حتى النخاع، بحماسة منقطعة النظير،منذ اليوم الأول لمهمته في العراق.
كانت أسلحة الدمار الشامل مجرد ذريعة لتبرير الإحتلال ، وتبين فيما بعد أن إدرة بوش استندت الى أحمد الجلبي الذي يصفه بريمر بأنه مثل جلال الطالباني ، وبأنهما من النوع الذي يصعب عليهم ” الابتعاد عن الدسيسة والمكر ” (ص 111) ، لذلك ما كان الجلبي ومعاونوه ليشعروا بأي شيء من الحرج ، كما يقول بريمر، في اعترافهم أن كل ما أرادوه كان دفع الأميركيين لاحتلال العراق وإسقاط نظامه ،والخديعة تجوز في السياسة لتحقيق هذا الهدف . لا شك بأن السي أي أي والدولة العميقة في أميركا كانوا يسعون لاحتلال العراق في لحظة دولية وجدوها مناسبة لهم لتطبيق خطط ” المحافظين الجدد” المتعلقة بالفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ، فاستندوا الى هذه الذريعة الواهية من هذه الشخصية المشبوهة أخلاقيا وسياسيا لتحقيق مآربهم .ولأنهم كانوا يعلمون أن الحكم الوطني في العراق يستند الى مشروعية وطنية وقومية اكتسبها بعد حمايته للبوابة الشرقية للوطن العربي في مواجهة العواصف المذهبية الآتية من الشرق تحت عنوان تصدير الثورة ، وأن تنظيمه الحزبي عقائدي متين بنته قيادة ذات مشروعية تاريخية، ظلّ مؤءسس البعث ميشيل عفلق في أمانتها العامة في بغداد حتى وفاته عام 1989 ، فقد حددوا هدفاً أول للاحتلال هو اجتثاث البعث .
كان مطلبهم الذي يسعون اليه بالدبلوماسية كما يقول بريمر إبعاد البعثيين عن الحكم ، وليس صدام حسين فقط ، وهذا ما أكده وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم الذي قال في مقابلة على فضائية العربية أن الرئيس صدام حسين وافق على التنحي عن الحكم ، لتفادي الاحتلال الأميركي للعراق، وحين طلب بن جاسم موعداً عاجلاً مع بوش قبيل الحرب ليبلغه بذلك وجد أن قرار الحرب قد اتخذ ولا يغير تنحي الرئيس صدام في الأمر شيئاً. هدفهم إذا احتلال العراق لأسباب جيو-استراتيجية، وإذا كان الاختلال الهائل بموازين القوى لا يسمح للجيش العراقي بمنع الإحتلال ، فلا بد إذن من اجتثاث البعث ليضمنوا السيطرة الكاملة على العراق،دون مقاومة . لكن البعث خيب أملهم فكانت ملحمة المقاومة التي كلفت المحتل الأميركي ألاف القتلى والجرحى والمعوقين من جنوده ،إضافة الى الكلفة المالية التي بلغت ما يقارب الألفي مليار دولار كما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة عرضتها مؤخرا أحدى الفضائيات الأميركية بعد فوزه بالانتخابات الأميركية .
هذه المقاومة العراقية تم التشكيك كثيراً بهويتها ومدى فاعليتها، وقد اتت مذكرات بريمر لتبين بما لا يقبل الشك قيادة البعثيين لها منذ بدايتها ، وقد استمرهذا الفعل البطولي المقاوم الى حين اعلان الانسحاب العسكري الاحتلال عام 2011 .
– قرار اجتثاث البعث والمقاومة : يؤكد بريمر في كتابه أن القرار الأول الذي ابلغته به الإدارة الأميركية، واكدت على ضرورة تنفيذه هو “اجتثاث البعث”؛ ففي التاسع من أيار عام 2003 ، وهو آخر يوم تحضير له في البنتاغون قبل حضوره الى العراق ، أعطاه وزير الدفاع رامسفيلد أوامر التكليف ، وكان أبرزها محاربة حزب البعث . في ذلك الصباح أطلعه وكيل وزارة الدفاع دوغلاس فيث على أمر يدعو الى ” اجتثاث البعث من المجتمع العراقي ، وقد شدد على الأهمية السياسية للمرسوم ” (ص56 ).
كان الجنرال فرانكس قد اعلن حظر حزب البعث في ” رسالة الحرية ” التي وجهها الى العراقيين ، بعد أن ظن المحتل الأميركي أن الأمور استتبت له في 16 نيسان عام 2003 ، وبعد وصول بريمر الى بغداد ليصبح صاحب الموقع الأول في المسؤولية بصفته الحاكم العسكري للعراق ، أجتمع ، كما يقول ، بريان كروكر وخليفته سكوت ريتر ، وآخرين من فريق الحكم الإداري في سلطة الائتلاف المؤقتة وراجعا نص قرار اجتثاث البعث باللغتين العربية والانكليزية ليكون القرار الأول لهذه السلطة ، استجابة لتوجيه الرئيس الأميركي جورج بوش بتنفيذ ” اجتثاث البعث حتى إذا جرى ذلك على حساب الكفاءة الإدارية “(ص63 )، لمؤسسات الدولة العراقية. وقد ابدى بريمر انزعاجه الشديد من تسريب هذا القرار الى صحيفة نيويورك تايمز التي وصفته بأنه “أمر فاشي” (ص63 )، ولكنه قدر أن رد فعل الشعب العراقي عليه كان مؤيداً بالغالبية لأن مجموعة السبعة التي اعتمد الاحتلال عليها في تشكيل مجلس الحكم أوهمته بذلك .
كان قرار اجتثاب البعث من المجتمع العراقي أميركيا خالصاً حمله بريمر معه على رأس أوامر المهمة التي زودته بها الإدارة الإميركية ، أما قرار حل الجيش العراقي فقد اتخذه بريمر ،كما يؤكد في كتابه، استجابة لمطلب الأحزاب الشيعية والكردية ؛ فبين خيار استدعاء الجيش للعودة الى ثكناته ومراكزه العسكرية وفصل الضباط من رتب معينة من الخدمة ،وخيار حل الجيش العراقي ” بالاضافة الى أجهزة الأمن والمخابرات كفاتحة لإنشاء أجهزة أمنية عراقية جديدة” (ص73 ) عمادها أفراد الميليشيات التابعة للأحزاب المشاركة في مجلس الحكم ،اختار بريمر الخيار الثاني لكي لا يخسر تأييد الأحزاب الشيعية والكردية للإحتلال . بالمقابل ،كانت المقاومة هي الرد الحاسم على هذين القرارين الفاشيين ، حيث قاد الحزب وضباط الجيش ملحمة الدفاع عن العراق منذ اليوم الأول للاحتلال.
في التاسع من نيسان دخل جيش الاحتلال الأميركي الى بغداد ، وانتهت بذلك الصفحة الأولى من المعارك التي خاضها الجيش العراقي من أم قصر في الجنوب الى معركة مطار بغداد، ببسالة ، رغم التفاوت الهائل في موازين القوى، لتبدأ صفحة المقاومة التي فاجأت الاحتلال بانطلاقتها وتصاعدها الذي بدد اهداف المحافظين الجدد، بعدما أغرقوا العراق والمنطقة في أزمات لن تنتهي الا بقيام الدولة التي تنسجم مع حقيقة مجتمعها وحقوق شعبها في العراق والوطن العربي.
في الثاني عشر من أيار عام 2003 حضر بريمر الى العراق بصفته حاكما عسكريا لتسلم مهامه ، للاسراع في العمل من أجل السيطرة على حالة الفوضى وأعمال النهب الناتجة عن الاحتلال التي اصبحت عامة وشاملة. وبعد ذلك يتفرغ لبناء مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، منطلقا من مسلمة تقول :”إن الحريتين السياسية والاقتصادية تسيران جنباً الى جنب “(ص104)، ليكون العراق الأميركي نموذجاً للديمقراطية في الشرق الأوسط .
فوجىء بريمر في الأيام الأولى له في العراق بأن أصوات طلقات الأسلحة النارية كانت تمزق سكون الليل لدرجة جعلته لكي ينام مضطراً لوضع سدادتي الأذنين ليصبح ” الضجيج الصادر عن الطلقات النارية محمولاً ” (ص33 ). في ذلك الحين ما كان لدى بريمر أي دليل ” على وجود قيادة وسيطرة في أوساط حفنة من العراقيين الذين يطلقون النار على قواتنا ” (ص 34 ) .ويقول إنه في الفترة من 13 الى 16 ايار ” شهدنا اتساع الهجمات التي ينفذها فدائيو صدام ، وهم قوات بلباس مدني ، لذا فوضت قواتنا بالدفاع عن نفسها بإطلاق النار على أي مدني يحمل سلاحاً ” (ص 44). تواصلت أعمال المقاومة ، وأخذت تتصاعد ، وتكونت عند مسؤولي الإحتلال الأمنيين قناعة ،بالاستناد الى المعطيات الميدانية، أن البعثيين الناقمين على الإحتلال هم من يقوم بها . وفي الرابع عشر من تموز ، بات واقع المقاومة مقلقاً للادارة الأميركية بعد أن أبلغ جون ابي زيد، المتحدث عبر الشاشة، رامسفيلد في وزارة الدفاع الأميركية أن من يسميهم “المتمردين البعثيين يرفعون حتما من مستوى نشاطهم ” (ص 137 )؛ فقد تصاعدت المقاومة في ” المثلث السني ” ، هذه المنطقة التي تشكل ” الملاذ الذي فر اليه عدد غير معروف من البعثيين المتشددين المنتمين الى فرقتي الحرس الجمهوري “(ص 138 ).
يفصّل بريمر، بالتأريخ اليومي في كتابه، تصاعد فعل المقاومة في هذه الفترة اي صيف 2003، في الفلوجة والرمادي وبغداد نفسها ،حيث اخذ الائتلاف يخسر أعداداً متزايدة من الأفراد والمعدات من جراء القنابل المزروعة على جوانب الطرقات ، وهجمات القناصين ، والهجمات بقذائف الار بي جي . ويذكر أن المقاومة قتلت ” أكثر من أربعين جندياً في اثناء القتال منذ أن حطمت قواتنا تمثال صدام في ساحة الفردوس ” . (ص 138 ) .وقد أدى انتشار المقاومة وتصاعد فعلها في منتصف تموز 2003 الى وعي حقيقة لاحظها بريمر كما يقول في كتابه وهي ” أن الحرب لم تنته بعد ” (ص139 ).
في منتصف تموز صارح بريمر رئيس المحطة التي أنشاتها وكالة الاستخبارات المركزية في سلطة الائتلاف، لتعقب اسلحة الدمار الشامل وإلقاء القبض على كبار البعثيين ،بأن المشكلة الأكبر بالنسبة للاحتلال تمثلها المقاومة قائلاً له : “البحث عن اسلحة الدمار الشامل مهم ، وكذلك الحاجة ماسة الى القبض على صدام ومجموعته ، لكن علينا أن نهاجم الأشخاص الذين ينسفون عربات الهمفي ، ويقتلون جنودنا … ويخربون خطوط الطاقة وأنابيب النفط ” (ص 141 ) . وحجة بريمر التي واجه فيها رئيس المحطة بيل يلخصها قوله : “من المستبعد أن يقتل جنودنا بأسلحة الدمار الشامل ، لكنهم يتعرضون يومياً للتفجير على يد المتمردين البعثيين أو الإرهابيين ، ويجب أن يكون العثور على هؤلاء الأشخاص أولى الأولويات”(ص 141 ). كان هم بريمر اكبر من الاستجابة لما ترغب به الإدارة في واشنطن التي اخذ يساورها القلق لعدم وجود أي دليل يبرر ذرائع الحرب الواهية ، خاصة بعد ان امتد فعل المقاومة ليصل الى الطائرات بحيث أجبره تهديد الهجمات بصواريخ أرض -جو ” على تاخير افتتاح مطار بغداد الدولي أمام الحركة التجارية ، وبات على طائرات سي 130 أن تنحدر حلزونيا بحدة أثناء الهبوط للتحايل على الصواريخ التي تتبع الحرارة ” (ص153 ) . ويؤكد بأنه ، في هذه الفترة توفرت لديهم معلومات ” عن أن ولدي صدام يساعدان في تنظيم بعض المقاومة المضادة للإئتلاف ” (ص155 ) .وما زاد في قلقه أن مؤشرات فشل الاحتلال في مواجهة المقاومة بدأت أصداؤها تؤثر في السياسة الداخلية الأميركية ؛فالنائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي ” انتقدتنا ، كما يقول ” زاعمة أنه لو كانت لدينا خطة لما كان جنودنا يموتون هناك “(ص 154)أي في العراق.
يتبع جزء ثان