مقالات

محمد ضياء الدين أول المقاومين لانقلاب البرهان-حميدتي وأول المصابين وأحد الناجين..بقلم خالدضياء الدين

خالدضياء الدين

محمد ضياء الدين أول المقاومين لانقلاب البرهان-حميدتي وأول المصابين وأحد الناجين..
 
بقلم خالدضياء الدين
عندما تحدث المعجزة وتنتصر الإرادة تكون العودة من عتبة الموت إلى الحياة ممكنة
مواصلة في حديث الذكريات وتدوين الأحداث وأرشفتها، أتناول في هذه الحلقة حادث إصابة الاستاذ محمد ضياء الدين فجر يوم انقلاب المجلس العسكري وزبانيته على حكومة الفترة الانتقالية.
في فجر يوم 25 أكتوبر من العام 2021 رن تلفوني وكان المتحدث استاذ (….) الذي أخبرني بدوره بانقلاب البرهان-حميدتي “الذي كان متوقعا” على حكومة الفترة الانتقالية، وذكرني ببعض الإجراءات الضرورية.
بدأت أتيام(مشتركة) في اعتقال السياسيين والناشطين الثوار.
بعدها ب(5) دقائق توقفت الخدمة من شبكات الاتصال.
خرجت مسرعا للشارع وبشكل عفوي وقبل أن يذيع البرهان بيانه الأول كان الرد حاسما من الثوار الذين بدأت جحافلهم الأولى مباشرة في تتريس الشوارع، وما أن أشرقت الشمس إلا وتوقفت الحركة تماما لكل وسائل النقل، وفرض الثوار العصيان المدني عمليا.
لم أكن أشك أبدا في أن يتم اعتقال شقيقي محمد، وتعودنا ك “أسرة ” ومنذ انقلاب الكيزان في (1989) أن لايمر عام إلا ويدخل فيه سجن كوبر أو ثلاجات موقف بحري أو معتقلاتهم الخاصة، وفي بعض المرات كان يتم اعتقالنا في وقت واحد مثلما حدث في العام (1997) تقريبا والعام (2000)بعد الموكب الشهير للحزب الذي توجه للسفارة الأمريكية، وكان معنا المهندس عادل خلف الله، وتكرر أيضا أيام انتفاضة مارس( 2013)حيث ضمتنا وقتها معتقلات الثلاجات بموقف شندي، اعتقلت من منزلي بمعية الأساتذة المناضلين عادل خلف الله وموسى وهيثم ودكتور عصام، بينما كان هو خارج البلاد وتم اعتقاله من المطار عند إصراره على العودة للحاق بمواكب الانتفاضة.
في مساء يوم (26) أكتوبر بعد يوم واحد من الانقلاب أخبرني الاستاذ ميرغني خضر(أبو عدي) بخبر إصابة محمد إثر اقتحام مجموعة من “القوة المشتركة” منزله بالعباسية أمدرمان بغرض اعتقاله.
حاول ابو عدي أن يخفي عليَّ سبب الإصابة خاصة وأن الجيران سمعوا أصوات إطلاق نار داخل المنزل لكن قلقه انتقل لي فلم أقوى على الانتظار..
خرجت حوالي الساعة (12) ليلا بالسيارة برغم الشوارع المغلقة وحملات البطش للثوار على أمل أن استطيع نقله (إن وجدته) للعلاج ولكن بسبب تتريس الشوارع قضيت أكثر من ساعتين حتى وصلت منزله بالعباسية، واضطررت في النهاية لترك السيارة في أحد أزقة العباسية حيث كان ينتظرني (أبوعدي)الذي أخبرني بأن سمع أن الجيران نقلوه لمكان آمن.
الحق يقال كنت في منتهى التوتر والحدة وهنا لزاما على ان أشكر الرجل الصبور (أبو عدي) الذي احتملني محاولا التخفيف عليَّ خاصة عندما لم أجد أحد في المنزل، وبعد أن طرقت أبواب الجيران حوالي الساعة (3) ص لاطمئن عليه وأسرته ولكن لم يفتح لي أحد، بدا لي أن أمرا جلل حدث مما حدى بالجيران عدم فتح أبوابهم.
عدت مهموما خاصة بعد أن تأكد لي وقوعه من شقته في الطابق الأول على ظهره وأنه يعاني من كسور وأنه فاقدا للوعي.
في اليوم الثالث التقيت بالاستاذ(….) الذي طمأنني عليه وقال لي محمد ضياء في مكان آمن تحت رعاية الحزب وتم البدء في علاجه.
حاولت معرفة مكانه للاطمئنان عليه، لكنه نصحني بان لا أفعل حفاظا على سرية المكان وظرفه، مؤكدا لي بأنه بخير.
لكنني لم اطمئن أبدا..عدت في اليوم الرابع لألح على (…..) لمعرفة مكانه..وفي اليوم الخامس استطعت رؤيته.
كان يرقد في منزل على سرير طبي لايستطيع أن يحرك جزء من جسده، بمعنى أنه “مشلول” غير قادر على تحريك ظهره وبه كدمات ويخرج الكلام منه ببطء ومتقطع وواضح من ملامحه حجم الألم الذي يعانيه.
منظر لن أنساه أبدا وحال لا يوصف وظرف أمني أقل مايقال عنه قاسي جدا..البلد في شلل تام، الحركة شبه مستحيلة، والمصاب مطلوب للأجهزة الأمنية الانقلابية، وحتى زيارته تتم بسرية تامة، ولكن عند الشدائد تظهر معادن الرجال..ولن أنسى وقفة البعثيين وبعض الشباب من الأسرة التي كان لها أثر كبير في علاجه.
لم يكن يقوى على الحركة نتيجة كسرين في السلسلة الفقرية وكسر في الحوض والركبة وفوق كل ذلك أصيب بجلطتين في الدماغ. عندما رأيته أول مرة كان الأكل ضعيف جدا وحتى الشرب كانت فيه معاناة وظننت كل الظن بأنه لن يستطيع تحريك يده وقدمه ناهيك عن الوقوف والمشي مرة أخرى، لكن وفي زيارة ثانية تفاجأت به يحاول تحريك يده وقدمه ببطء وقال لي( م.ع) الذي كان يلازمه في المرض مع (أ.ع) أنه قرر فجأة أن لا يستجيب لجسده ويركن للرقاد وذلك بعد أيام من المعاناة، قرر هزيمة الشلل وكسر الظهر والإصابات المتعددة، انتصرت إرادته.
ظل يداوم وحده على تمارين تحريك يده ورجله برغم الألم بسبب “كسرين” في سلسلة الظهر وإصابة في الرجل وجلطة في الدماغ وهذه “الأخيرة ” تم اكتشافها لاحقا .
تمت إجراءات سفره للمملكة العربية السعودية حيث تقيم ابنته الدكتورة سحر وزوجها المهندس ايهاب نورين الرجل الفاضل الاصيل، ليبتدئ مشوار علاجه الذي كان ملحمة من ملاحم البعثيين وأبناء شعبنا العظيم ورفقة الزمن الجميل من الأصدقاء وخريجي العراق.
والحق يقال وجد أمامه فيض من الرعاية والمحبة والتقدير، وتبارى الأطباء السودانيين في المملكة في تقديم كل مايلزم كذلك الخيريين من المغتربين في الخليج وأوروبا من أبناء شعبنا الذين يعرفون قدره وتضحياته ووقفاته الصلبة في وجه الطغاة.. ظللته خيمة السودانيين إلى أن تم الشفاء بحمدالله وفضله.
اتصلت على الاستاذ أسامة بوب لاطمئن على سير العلاج فقال لي: بالأمس أبكتنا طبيبة سودانية في المستشفى عندما رفضت الجلوس وأصرت على فحص حالته وقوفا قائلة لهم: أقعد كيف قدام زول بقدم حياته لشعبه؟
ثم أخذت تتحدث معهم موضحة بأن ماستقوم به يعد قليلا جدا.
ومرة ثانية أخبرني عن الطبيب السوداني الذي لايعرفرنه، قام باستلام الكرسي المتحرك الذي ينقل به المصاب طالبا السماح له بقيادته.
سأل الطبيب أولا: الزول ده ياهو محمد ضياء؟
وعندما تأكد منه قال: أنا لا أعرفه لكن عندي خال في أوروبا سمع بقصة المناضل محمد ضياء فقال لي إذا وصلكم هذا الشخص في المستشفى الذي تعمل فيه فأرجوك أن تبرني فيه وان تخدمه كانك تخدمني.
هي قصص وملاحم كثيرة وكبيرة يطول المجال إذا حاولت الوقوف عند كل واحدة منها.
رأيت الحزن والدموع في عيون رفاقه الذين زاروه قبل سفره للعلاج، ولن أنسى دموع الباشمهندس عادل خلف الله وهو يقول لي وكان معي شقيقي أبوبكر ..ماكنت متخيل تكون دي حالته، ثم هرب من أمامنا كي يخفي دموعه التي فضحت كم المحبة بين البعثيين.
محمد ضياء الدين كان أول المصابين بعد انقلاب البرهان وأول من واجه الانقلاب وقاوم الاعتقال، وذلك قبل تتريس الشوارع وقبل أن يبتدئ قناصة الفلول في ق-تل الثوار في الشوارع.
هي قصة ملحمة من ملاحم شعبنا الذي يبادل الأحرار محبته.
نواصل في الحلقة القادمة مع حكاية أخرى إن شاء الله وإذا مد الله في أعمارنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب