لا تنتحروا يا أهل فلسطين!

لا تنتحروا يا أهل فلسطين!
سهيل كيوان
ما يجري في الضفة الغربية من مواجهات بين قوى أمن السُّلطة الفلسطينية، وبعض الشُّبان في مخيمات ومدن الضفة الغربية، يعكس المأزق الذي وصلت إليه القيادة والقضية الفلسطينية، وهو وضع يقترب من الانتحار. ما يجري في قطاع غزة وفي جنوب لبنان هو نموذجٌ مرعب لما يمكن أن يقترفه جيش الاحتلال في مدن وقرى ومخيّمات الضّفة الغربية، وممكن له بأيّة ذريعة، ومن دون أي اهتمام بالمصداقية التي لا يعمل حسابها أصلا، أن يرتكب جرائم الحرب ويوسّعها لتشمل الضفة الغربية، ويعزّز ثقة هذه الحكومة المتطرّفة والفاشية في ممارساتها، عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، ونجاحات الاحتلال في سوريا بعد تفكّك جيشها، على المدى القريب على الأقل.
الأهم من ترامب، هو التواطؤ الرسمي العربي مع الاحتلال، الذي وصل الى أحط درجاته بعد مضي أكثر من أربعمئة يوم من الإبادة، من دون أي فعل جدّي لإنقاذ المدنيين أكثر ضحايا هذه المقتلة، فالعالم يشاهد حرب الإبادة وملاحقة الناس في بيوتهم وهدمها عليهم وإحراق خيامهم وقصف مراكز الإيواء والمؤسسات التي تسوّى بالأرض، فيُقتل الناس بالمئات، وقد تجاوزت المقتلة رقم الخمسة وأربعين ألف شهيد معظمهم من الأطفال ولم تشبع الوحوش بعد.
بالتأكيد أن المقاومين في الضفة الغربية، لا يملكون سوى إمكانيات ضئيلة، لا تقارن بما كانت تملكه المقاومة في قطاع غزة، أو ما كان وما زال يملكه حزب الله في لبنان. نعم قد يسبّبون بعض خسائر وإزعاج للاحتلال، ولكنّه سيتخذ منها ذريعة، ليس لقتال المقاومين فقط، فقد عبّأت حكومة الاحتلال الشّعب بأنّه يخوض حرب وجود، حياة أو موت، ولهذا فإن المبادرة إلى حملة عسكرية مانعة واسعة قد تنطلق في الضفة الغربية، فوصفها الجبهة الثانية، وسوف يستمر أو يطبّق نموذج قطاع غزة في الضفة الغربية، ما يعني الدّمار الشّامل. هذا يعني أنّ الضفة الغربية مرشّحة لدمار شامل كما حدث لغزة وقرى جنوب لبنان والضاحية الجنوبية.. لا أقول هذا لتخويف أحد، لكنه طرح واقع.
هناك مخطط ضمّ للضّفة الغربية، سواء دافعت سلطة أبو مازن أو هاجمت من تسميهم خارجين عن القانون وقمعتهم، أو تركت أمرهم للاحتلال ليتدبّر أمره معهم
المشكلة أنّ المستوطنين لا يتوقّفون عن استفزاز الأهالي والاعتداء عليهم وعلى أملاكهم، من شجرٍ يقطعونه وحيوان يقتلونه، هذا يدفع الناس دفعاً، خصوصا الجيل الشاب إلى التفكير في المقاومة، خصوصاً الشبان الذين ليس لديهم ما يخسرونه ونسبة البطالة مرتفعة في الضفة الغربية وتصل إلى 33%، إضافة إلى عمليات هدم البناء والمصالح التجارية التي لا تتوقف، بينما يصول المستوطنون ويجولون في أراضهم من غير رادع. الجمهور الإسرائيلي بات مختلفاً جداً عن الذي عُرف جزءٌ منه سابقا، فقد تراجع أصحاب الفكر الليبرالي والمواقف الإنسانية، وحلّ مكانهم متطرّفون دمويّون يباركون المجازر ويطربون لها، حتى تلك التي تنفّذ ضد المدنيين والأطفال، لقد فقدوا ما كان في يوم ما يعتبر مخجلاً، صار عادياً، وهذا التوجّه في اتساع مستمر. تحاول سلطة رام الله برئاسة محمود عباس، أن تتقي الرّفسة التي يعدّها نتنياهو ورهطه، فهو وحكومته الإرهابية يسعون إلى هدم السُّلطة في رام الله، من خلال تحميلها مسؤولية أي عمل مقاوم، فتتعرّض بعد كلّ عملية مقاومة إلى تهديد ووعيد بقطع ميزانيات عائدات الضرائب، ويصل التحريض على محمود عباس إلى مستوى التّحريض نفسه على حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، تمهيداً لإسقاطه.
في المقابل يمعن أبو مازن وسلطته في إثبات «حسن السُّلوك» أمام الاحتلال والأمريكيين وأنظمة عربية والغرب، فتهاجم قواته المقاومين وتقتل منهم، كي يثبت للاحتلال أنّه ما زال قادراً على حفظ أمن الاحتلال وحماية المستوطنين، على أمل أن ترقّ قلوب المحتلين والأمريكيين والغربيين له، وأن ينظروا بعين العطف إلى سلطته. هذه الخدمة تقدَّم للاحتلال تحت ذريعة ضبط القانون والحفاظ على سلامة الناس.
وهذا يضع الفلسطينيين على شفير حربٍ أهلية لن تبقي ولن تذر، وإذا وقعت لا سمح الله ستكون ضربة قاصمة لشعبنا وتضحياته، ولن تقوم قائمة بعدها لعقود طويلة. سلطة رام الله تخشى أن توصَم بدعم الإرهاب، فتزيح هذه التهمة على المقاومين، بدلا من تفهم الحالة والدوافع التي أوصلت الناس إلى هذا الوضع، بعد انغلاق الآفاق، وتفاقم الاستيطان المتمثل بمزيد من الهدم والتوسّع والمصادرة والاعتداءات على المواطنين، وفي الوقت الذي لا تحمي السُّلطة الناس وممتلكاتهم ولا تحاول ذلك، ويبدو أنها مقيدة ولا تستطيع، ولكنها تستشرس في الهجوم على أولئك الذين قرّروا أخذ زمام المبادرة في الدفاع عن أنفسهم وعن أملاكهم، وانتصارا لمظلومية أبناء شعبهم الذي يباد أمام سمعهم وبصرهم. سوف تستمر حكومة نتنياهو بالاستفزازات للضغط على سلطة أبو مازن، فهي لن تتنازل عن توريطه في مواجهة مع أبناء شعبه، ومن ثم الادعاء بعدم وجود شركاء، وحلّ السّلطة الفلسطينية، بعد ما يكون قد تدمّر ما بُني حتى الآن، ودفع الشعب ثمنه غالياً، خصوصاً وحدته.
في كل الحالات، نتنياهو سوف يصل إلى نقطة حل السُّلطة الفلسطينية، بغضّ النّظر عن تصرف هذه السّلطة، لأن هذا جزء من أيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة، هذا ممكن أن يعلنه في لحظة ما بسبب تصريح ما، أو بسبب مقتل مستوطن ما، أو في مناسبة تطرأ على أرض الواقع، كما حدث في سوريا خلال الأسبوعين الماضيين، فقد ضم الاحتلال حوالي 260 كيلومترا مربعا لم تكن في الحسبان حتى قبل شهر. في كل الحالات هناك مخطط ضمّ للضّفة الغربية، سواء دافعت سلطة أبو مازن أو هاجمت من تسميهم خارجين عن القانون وقمعتهم، أو تركت أمرهم للاحتلال ليتدبّر أمره معهم.
ضم الضفة بات هدفا معلنا في سياسة حكومة إسرائيل الحالية، ولا مكان لسيادة فلسطينية على شيء، وما سلطة اليوم سوى أمرٍ مؤقت. يحبذ الاحتلال ويعمل على إذكاء حرب أهلية يُنهك فيها الفلسطينيون بعضهم بعضا، كما حدث في سوريا، لتكون أعداد الضحايا بالآلاف وليس بالعشرات فقط. لهذا وحرصاً على ما أنجزه شعبنا حتى اليوم، وحرصا على وحدته أوّلا، وعلى أرواح أبنائه من كل فئاته وأطيافه، وكي لا يسقط أحد ويلعب في ملعب المستوطنين، يتحمّلُ الجميع مسؤولية تجنّب الصدامات المسلّحة واللجوء إلى لغة الحوار. يجب الامتناع بأي ثمن كان، عن الدخول في أتون حرب أهلية لن تبقي ولن تذر، وستكون وصمة عار على جبين كل من يذكيها، وستكون انتحاراً لشعبنا، خصوصاً أنّها تأتي في وقت تمارس فيه حرب إبادة على جزء كبير وعزيز من شعبنا في قطاع غزة، أمام عالم يتفرّج على هذه المحرقة، كما لو كانت فيلما أو مسلسلا يومياً.
كاتب فلسطيني