ليبيا: مساع محلية ودولية لدفع العملية السياسية في البلاد بعد سنوات من الجمود
ليبيا: مساع محلية ودولية لدفع العملية السياسية في البلاد بعد سنوات من الجمود
نسرين سليمان
طرابلس-: بعد إعلان نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا والقائمة بأعماله ستيفاني خوري، الأحد الماضي، لخطة تهدف لكسر حالة الجمود السياسي الراهن في ليبيا، أثير جدل وردود فعل عديدة على الصعيد المحلي والدولي، شملت تساؤلات حول جدول المبادرة ومدى اختلافها عن سابقاتها من المبادرات التي لم تر النور أو لم تسفر عن نتائج ملموسة.
وتشمل المبادرة التي أعلنت عنها ستيفاني خوري تشكيل لجنة فنية مكونة من خبراء ليبيين لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وخيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، بما في ذلك ما يجري اقتراحه من ضمانات وتطمينات وإطار زمني، وذلك وفق ما طرحته في مقطع فيديو نشر على حساب البعثة على موقع فيسبوك.
وتعقيباً على ذلك، أكد نائب المجلس الرئاسي عبدالله اللافي دعم المجلس الكامل والمطلق لإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية أممية في ليبيا معتبراً أن هذه العملية تمثل مسارًا وطنيًا ضروريًا لتحقيق الاستقرار، وتوحيد مؤسسات الدولة، والخروج من حالة الجمود السياسي، وصولًا إلى انتخابات وطنية حرة ونزيهة تحقق بناء دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة.
وقال اللافي إن نجاح العملية يتطلب تعزيز التنسيق الدولي وتوحيد الجهود الإقليمية والدولية لدعم هذا المسار السياسي، مشيرا إلى أن التغيرات الإقليمية الجارية تفرض على الأطراف ضرورة استثمار المناخ السياسي المتجدد لتحقيق توافق دولي يعزز سيادة ليبيا.
من جهته رحب خالد المشري بمبادرة خوري لحل الأزمة، مؤكدا على أهمية الملكية الليبية للعملية السياسية في البلاد، كما عبر عن دعمه الكامل للعمل على دفع العملية السياسية نحو إنجاز الاستحقاق الانتخابي، داعيا كافة الأطراف المعنية إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإنجاز الانتخابات في أقرب وقت ممكن، تحت إشراف حكومة موحدة.
وفي سياق آخر عبر 4 أعضاء من مجلس النواب عن رفضهم لما جاءت به مبادرة المبعوثة الأممية، واصفين الخطوة بـ”العبث بالقضية الليبية” وغير مسؤولة لإنهاء حالة الانسداد السياسي.
وقال الأعضاء في بيان لهم الاثنين إن إحاطة خوري أمام مجلس الأمن لم تحمل في طياتها سوى العبارات المتكررة التي لا تلبي الحد الأدنى لمتطلبات الشعب الليبي، معتبرة استمراها في ذات النهج تأجيجا للأزمة وإطالة لمعاناة الليبيين.
وفي سياق دولي رحبت خمس دول غربية بإحاطة القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ستيفاني خوري في مجلس الأمن الدولي الإثنين، معبرة عن دعمها توحيد الحكومة الليبية ورفضها لأي مبادرات موازية للجهود الأممية.
وقالت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، في بيان مشترك الثلاثاء إن إحاطة خوري حددت نهج البعثة الأممية لدفع العملية السياسية في ليبيا، مبدية دعمها جهود التوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا يُعالج التفتت المؤسسي، وتوحيد الحكومة والبلاد على نطاق أوسع.
كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاقتراح الذي قدمته القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري خلال إحاطتها، أمام مجلس الأمن بشأن ليبيا معتبرة إياه تطوراً إيجابياً جاء في الوقت المناسب.
وبعد يومين فقط من إطلاق المبعوثة للمبادرة أعلن أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة النظيرين الليبيين عن نتائج مشاورات عقدوها في مدينة بوزنيقة المغربية، والتي خُصصت لمناقشة كيفية تجاوز الجمود السياسي الراهن، والمبادرة المقترحة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في هذا الشأن، وخلص اجتماعهم إلى تشكيل خمس لجان مشتركة، للعمل على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وملفات أخرى.
وحسب الاتفاق فستتخصص اللجان الخمسة المشتركة في إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة، وفي النظر في المسار الاقتصادي والمالي والحكم المحلي، والملف الأمني، واستكمال إعادة تكليف المناصب السيادية ومتابعة ملف الأموال المهربة وغسل الأموال، وذلك وفق نص الاتفاق الذي جرت تلاوته من قِبل ممثلين عن وفدي المجلسين خلال مؤتمر صحافي عُقد في مقر الاجتماع.
وأعلن الوفدان اتفاقهما على المرحلة التمهيدية لإجراء الاستحقاق الانتخابي، انطلاقا من الإعلان الدستوري وتعديلاته، والاتفاق السياسي، وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، وبالإشارة إلى اتفاق المرحلة التمهيدية الموقع بين الأطراف الليبية في جنيف، واستنادا على القوانين الانتخابية المنجزة من قِبل لجنة (6+6) واعتدادا بالوثيقة الصادرة عن لقاء القاهرة بين أعضاء مجلسي النواب والدولة.
واتفق أعضاء المجلسين على أن يُعاد تشكيل السلطة التنفيذية تأسيسا على المادة (4) من الاتفاق السياسي الليبي، والمعتمد بقرار مجلس الأمن رقم 2259 لسنة 2015، بهدف إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق القوانين الانتخابية التي أقرتها لجنة 6+6.
وحسب الاتفاق ذلك من خلال لجنة عمل مشتركة يشكلها المجلسان بشأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة تكون مهمتها التواصل مع البعثة الأممية ومختلف الأطراف المحلية والدولية بخصوص تشكيل السلطة التنفيذية، ومراجعة آلية الاختيار المقترحة بلقاء القاهرة بين المجلسين، وتقديم مقترحات للتعديل في حال حقق ذلك مزيد التوافق، وتقديم مقترح بالضوابط الكفيلة، لضمان عمل الحكومة وفق معايير تدعم الشفافية واللامركزية، وتدعم مسار الانتخابات.
وانطلقت أعمال الاجتماعات التشاورية بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في بوزنيقة بالمغرب على مدار يومي الأربعاء والخميس.
ورحّب أسامة حماد، رئيس الحكومة الليبية في الشرق، بمخرجات الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى الذي تحتضنه مدينة بوزنيقة المغربية، وبالتوافقات التي تحققت بين المجلسين بشأن المرحلة التمهيدية لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية والإعداد للاستحقاق الانتخابي في هذا البلد المغاربي.
وقال حماد في منشور على حسابه الرسمي عبر منصة “إكس”: “تابعنا الخطوات الإيجابية التي بذلها مجلسا النواب والدولة، والتي جسدت المعنى الحقيقي لفكرة أن الحوار لا بد أن يكون ليبيًّا-ليبيًّا حتى تتحقق أهدافه بشكل صحيح”.
وأضاف: “بهذا الصدد، نبدي ارتياحنا وترحيبنا بمخرجات الحوار الذي التأم بين أعضاء من مجلسي النواب والدولة (اليوم) في مدينة بوزنيقة بالمملكة المغربية، خاصة فيما يتعلق بإنشاء سلطة تنفيذية جديدة مكونة من مجلس رئاسي جديد وحكومة جديدة، على أن تتم الخطوات المنفذة لهذه المخرجات برعاية وإشراف الاتحاد الأفريقي والدول الشقيقة والصديقة الداعمة لحل النزاع وإنهاء الانقسام السياسي في ليبيا، وهي: جمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والجمهورية التركية، والجمهورية الإيطالية، والجمهورية الفرنسية، والمملكة المتحدة”.
ورحب عضو مجلس النواب عبد النبي البشير بالاجتماع التشاوري بين مجلسي النواب والدولة الاستشاري في مدينة بوزنيقة المغربية قائلا إن هذا الاجتماع يأتي بالتزامن مع إحاطة نائبة المبعوث الأممي ستيفاني خوري والتي طرحت مبادرة جديدة مضيفا أنهم أرادوا الدفع بمسار سياسي يتوافق مع مبادرة خوري لإنجاز مشروع متكامل ينتج عنه حكومة موحدة للبلاد.
وفي سياق آخر صرح عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي، بأن لقاء بوزنيقة الحالي لا يمكن تفسيره إلا كخطوة تزيد من تعميق أزمة مجلس الدولة معربا عن استغرابه من موقف الحكومة المغربية، الذي وصفه بـ”السلبي”، متهماً إياها بالانحياز لأحد طرفي النزاع داخل مجلس الدولة. كما عبّر عن رفضه لما اعتبره تدخلاً سلبياً من قبل رئاسة مجلس النواب وبعض أعضائه تجاه الأزمة بين أعضاء مجلس الدولة.
وطالب لنقي بأن تضطلع رئاسة مجلس النواب بدور إيجابي في حل النزاع داخل مجلس الدولة، بما يسهم في إعادة اللحمة السياسية بين الأطراف. وأكد أن مجلس الدولة شريك محوري لمجلس النواب في هذه المرحلة الحساسة، مشدداً على ضرورة التعاون بين المؤسستين لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد.
“القدس العربي”