ثقافة وفنون

أبو التكتك: من شوارع بغداد إلى مسرح الفن السياسي

أبو التكتك: من شوارع بغداد إلى مسرح الفن السياسي

عامر درويش

يحدد ماجد الخطيب في مسرحيته هذه – وهي الثانية عشرة من تأليفه – وابتداء من السطور الأولى توجهها وأهدافها. يأخذنا إلى قلب الحدث المكون للدراما، والشخصيات المتعلقة به وذلك بافتتاح المسرحية بعرض (على شاشة) مشاهد حقيقية لأحداث انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر2019 العراقية ضد حكام العراق، وبشكل أدق نهوض الشباب العراقي أولاً ثم الشعب العراقي ضد الطبقة الحاكمة في العراق، رافضين منهجها السياسي وتبعيتها للقوى السياسية العالمية والإقليمية وفسادها العميق المرتبط بالاثنين.
بل يمكن القول، وحتى قبل ذلك، يحدد الخطيب أين ستأخذنا أحداث مسرحيته بمنح مسرحيته عنوان «أبو التكتك». يحدثنا عن رؤيته لأحد شخوص وأبطال الانتفاضة، وهو سائق التكتك وسيلة نقل فقراء العراقيين الشعبيين، التي تحولت، بتراكم أحداث الانتفاضة، إلى «مدرعة» شباب الانتفاضة غير المصفحة وأصبحت في أحد أدوارها «سيارة إسعاف» شعبية فعالة لنقل الجرحى والقتلى إلى المستشفيات الميدانية، فضلاً عن دورها ودور سائقها في نقل المنتفضين وإخلاء المصابين ونقل المواد الغذائية وغير ذلك.
هذا ما سيراه المشاهد على الشاشة من صور أو أفلام قصيرة، كمدخل لأحداث العمل مدعومة بأغاني العراقيين التي تشيد بـ»أبو التكتك» الباسل. ثم يضيف في مونولوج الافتتاح -على لسان شخصية أبو التكتك – الذي يخاطب الجمهور- كاسراً بذلك حائط تغريب الحدث عن العلاقة المباشرة مع المشاهد، أي محولا المشاهد إلى مشارك وشاهد باختيار التفاعل الدرامي المباشر، أي أن ماجد الخطيب يختار «ابن الشعب» بطلاً لمسرحيته.
تأخذنا أحداث المسرحية إلى قلب الحدث السياسي والدرامي في آن واحد، إلى أطراف «ساحة التحرير» في بغداد، مركز الانتفاضة الرئيسي والمحرك للأحداث السياسية وتأثيراتها وتبعاتها من أكتوبر2019 إلى آذار/مارس 2020. وتبقى الأحداث متفاعلة ومتداخلة هكذا إلى نهاية العمل.
يحدد المؤلف مكان الحدث الدرامي، وأحداث المسرحية، قرب «ساحة التحرير أو خلفها، لكنه يقدم أبو التكتك الذي اضطرته الظروف إلى تحويل عربته لنقل القمامة إلى «مزبلة» قمامة بغداد وكأنما يقول – دون كلمات – إذا كان مكان أبو التكتك الباسل هو قلوب العراقيين وذاكرتهم فخراً، فمكان السياسيين العراقيين «المتورطين بالفساد» (شخصيتي الهارب1 والهارب 2) هو بلا شك «مزبلة التاريخ. حيث ينهزم الهاربان في مسعاهما للاختفاء في الزبالة باختيارهما، بل يتفاوضان مع أبو التكتك عارضين عليه المكاسب مقابل مساعدتهم على الاختفاء في الزبالة.
لغة المسرحية الساخرة مليئة بـ»القفشات» والإشارات المضحكة، رغم وضوح رؤيتها السياسية الاجتماعية. وتوجهه السياسي، كذلك مع تكوين كل شخصية بحد ذاتها. ولا ينسى ماجد الخطيب شخصيات عراقية حقيقية محبوبة ومفضلة لدى العراقيين – وبالتأكيد لديه شخصياً- كي يبني أحداث المسرحية، إذ يختار لشخصياته الرئيسية، استكمالا لأبو التكتك، شخصيتي «بائعة المناديل» و»بائع الشاي الأنيق»، وهما شخصيتان حقيقيتان من الشارع العراقي.
والصراع في المسرحية واضح، وهو الصراع بين أبناء الشعب الثائر وبين سياسيي الصدفة والفاسدين، الذين أثروا سياسياً ومالياً على حساب الشعب. ناهيكم عن صراع ثانوي ظاهر بين الهاربين وهما يتنافسان لخطب ود أبو التكتك ومحاولة تجنيده لتهريبهما إلى خارج البلاد بحقيبتيهما المنتفخة بالدولارات.
لا يقرأ الكاتب المسرحي في أبو التكتك مستقبل نظام الفساد المحاصصة في فنجان، ولا يرى ذلك في كرة بلورية سحرية ما، وإنما يعرض واقعاً لما قد يحصل حينما تدور الدوائر ويهرب الفاسدون من «جنتهم الخضراء» إلى مصيرهم الأسود. الحوار والصراع يتصاعدان ببناء دراماتيكي كلاسيكي وينتهي في ذروة تلخص مصائر الشخصيات المتصارعة فيها. وتمتاز المسرحية بلغة عراقية عامية سلسة وساخرة تصل مباشرة إلى المتلقي، وشخصيات واضحة و»مستقرة» درامياً مما يعطي الأحداث واقعية وشفافية حقيقية. تكتسب مسرحية أبو التكتك لماجد الخطيب صفة مسرحية سياسية ساخرة جديرة بالقراءة والعرض.
صدرت عن دار السرد في بغداد في كتاب من القطع المتوسط في نحو 80 صفحة. لوحة الغلاف للفنان تحسين الزيدي. تصميم الغلاف للفنان فلاح العيساوي.

كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب