حكايتي مع هذا الكتاب؛ تاريخ فلسطين الحديث لعبد الوهاب الكيالي -بقلم مهند طلال الاخرس
بقلم مهند طلال الاخرس
حكايتي مع هذا الكتاب؛ تاريخ فلسطين الحديث لعبد الوهاب الكيالي
بقلم مهند طلال الاخرس
جميلة حكايا الكُتب عندما يرتبط اقتنائها او مطالعتها بمناسبة او حادثة او موقف معين، حيث تبقى هذه الحادثة عالقة في الذهن لا تغيب مهما طال الزمن، وبحيث تساهم هذه الحادثة بتعزيز قيمة الترابط والعلاقة مع الكتاب المقصود، هذا علاوة على تعزيز مضمون هذا الكتاب وحفظ محتواه في ثنايا الذاكرة، حتى انك تخال هذه المواقف جزء من ثنايا الكتاب وصفحاته، وهو ما اصطلح على تسميته ب “اسباب النزول” او “الظروف المحيطة بالنص”، او “كيفية الحصول على الكتاب” وطبعا كل هذه التسميات حسب تصنيف صديقي الجميل جمال الغولة ، اما انا فاسميه “حكايتي مع هذا الكتاب”.
“حكايتي مع هذا الكتاب” بفصوله وسردياته المتعددة، مكتنز ومزدحم بالمواقف والقصص والحكايا، حاله في ذلك من حال الكتب التي يؤرخ لها، لكن الاجمل دائما ان تقترن الحكايتين في حكاية واحدة لتؤلف معا حكاية واحدة متسقة ومكتملة تتسع لكل التفاصيل التي تساهم بشدنا الى كتاب معين شدا، وبحيث تنشأ علاقة اصيلة ومتلاصقة وازلية مع هذا الكتاب، علاوة على ان تفاصيل هذه الحكاية تصبح جزءا لا يتجزأ من تفاصيل هذا الكتاب، وتحسبها تقرأ معه وقبل المقدمة بالذات، حتى انك تخالها لوهلة قطعة واحدة لا تتجزا.
تحت هذا العنوان (حكايتي مع هذا الكتاب) ساتناول وعلى حلقات كتاب معين في كل فصل، وبحيث يتناول الفصل اسم الكتاب والاشارة لمؤلفه وعرض لمحتواه، مع سرد حكايتي الخاصة مع هذا الكتاب.
في سلسلة حكايتي مع الكتب سابدا بأقدمها زمنا، او ما اعتقده كذلك حسب ما اذكر؛ حكايتي الاولى ترد مع كتاب الدكتور الشهيد عبد الوهاب الكيالي والمعنون ب” تاريخ فلسطين الحديث”.
وتعود اصول تلك الحكاية الى عام ١٩٨٨ وهو العام الاول للانتفاضة الفلسطينية الاولى انتفاضة الحجارة، حيث كنت طالبا في المرحلة الاعداية في الصف الثاني الاعدادي، وكان مدرس مادة اللغة العربية والتربية الاسلامية معلم واحد هو الاستاذ يوسف. ولم اعد اذكر ما سبب سؤاله (ما هو اخر كتاب قرأته) بالتحديد في تلك الفترة، لكن مع تصاعد احداث الانتفاضة المباركة افترضت ان هذا الامر هو مدعاة هذا السؤال، ليتبين لي لاحقا خطأ تقديري.
كان سؤال استاذنا (ما هو اخر كتاب قرأته) عاما وموجها لجميع طلاب الصف. بدات الاصابع تاخذ طريقها نحو اعين المدرس، مستهدفة الاستئذان في الاجابة. لم اكن قد اشرت باصبعي للاستاذ بعد ولم اكن انوي.
بدات الاجابات تنهال على الاستاذ، وكان حجم الاصابع التي تطلب الاستئذان كثيرة وملفتة للنظر. مع سماع الاجابات ثار فضولي وبدات احدق جيدا في الاستاذ وفي الطالب المجيب. واستمر هذا الوضع مع سبع او ثماني من الطلاب، وكنت لا اخفي امتعاضي، فقد كانت مطالعات طلاب الصف دون المأمول او على الاقل هكذا بدا الامر لي.
كان الاستاذ يوسف لماحا، ولم تعجبه ملامح امتعاضي، علاوة على ان علاقتي به لم تكن ودودة، ورغم ذلك استمريت بحركات تململي واعتراضي واستهجاني على ما ابداه الطلاب في حديثهم عن اخر ما قرؤوه؛ فأحدهم يتحدث عن قصة روبنسون كروز واخر عن قصة ساندريلا وليلى والذئب، وكتب الغاز الشياطين العشرة او الثلاثة عشرة وتختخ وموزة، وآخر تحدث عن مجلة سيدتي ونجمة الخليج واخر عن مجلة الصقر الرياضي ..
كان الامر مدعاة للسخرية والتندر اكثر حين غامر الاستاذ يوسف وسأل الطلاب عن ملخص ما قرؤوه وطالعوه. احدهم حدثنا عن قصة روبنسون كروزو، وعندما وصل بحديثه لمحاولة روبنسون صناعة السفينة… توقف ، طلب منه الاستاذ ان يكمل الى النهاية، تلعثم الطالب ولم يستطع، فلتت مني ضحكات بصوت مرتفع. جائني الاستاذ ونهرني فاستقمت، ثم سألني عن سبب الضحك. اجبته ان هذا الطالب لا يعرف تتمة القصة فهو لم يقرأها. سألني الاستاذ، وكيف عرفت. اجبت انه يحدثك عن حلقات المسلسل الكرتوني وليس عن الكتاب، ومعرفته مقصورة لغاية حلقة الامس فقط، واذا كنت تريد منه اكمال القصة فعليك الانتظار معه الى آخر السنة.
هاج الاستاذ وغضب، وزاد غضبه تلك الضحكات المنبعثة على اخرها من افواه الطلبة. وتوجه بحديثه لي قائلا: على كل حال اللي بيطالع وبيقرأ او بيحضر تلفاز احسن من اللي قاعد زي الكرسي، اخفضت راسي على المقعد الدراسي، وزاد تقريع الاستاذ لي، فكان من جملة ما قال: “صم بكم عمي فهم لا يبصرون”…واضاف الواحد فيكم قاعد على الكرسي وهو كرسي بحاله، لا من ثمه ولا من كمه. رفعت راسي علّه ينهي موشحه، استمر بتوبيخي، حاول زميلي في المقعد تهدأتي طالبا مني التطنيش والتحمل قدر الامكان.
عند انتهاء الاستاذ من موشح التقريع والشتائم المؤدبة، استدار نحوي قائلا: وعلى كل حال كل من رفع يده وشارك افضل منك بمليون مرة. سألته لماذا، عاد علي بسؤال انهم يقرؤون ويطالعون خارج المناهج وهذه نقطة محط تقدير واهتمام وتربية.
غاظني رده، ولم اعد احتمل اكثر. عاد زميلي في المقعد ونكزني بقدمه بما يفيد ان اصبر واتحامل. لم استطع، طلبت الاذن، تهكم عليّ الاستاذ، قلت له انا اقرأ واطالع جيدا وقد سبق وان فزت بمسابقة لاوائل المطالعين منذ الابتدائية ثلاث مرات. توقف الاستاذ عن التمتمة وقال، ولماذا لم ترفع يدك مثلهم، اخبرته بسبب ركيك لم اعد اذكره تماما، لكنه استدعى الضحك من الطلاب وهذا كان مرادي، اسقط في يد الاستاذ، فرد قائلا: اذن اخبرني يا فهيم يابو المراجل شو اخر كتاب قرأته.
على الفور اجبت كتاب تاريخ فلسطين الحديث، تنبه الطلاب بدقة احرجت الاستاذ، فسار نحوي، طالبا مني اسم المؤلف اخبرته بانه عبد الوهاب الكيالي. حاول هزني بمعلومة المؤلف دون ان يبدوا جديا معي، عدت واكدت على ما قلت.
طلب مني الحديث عن فحوى الكتاب فأسقط في يدي، فأنا لا اعرف من محتوى الكتاب إلاّ شذرا، فأنا لم اكن قد قرأت منه الاّ مقدمته، وذلك بعد الحاح مستمر من ابي وامي، لكني لم اقرأه، هالني في ذلك الوقت عدد صفحات الكتاب، فعندما تصفحته ووجدت بانه يمتد عبر ٤٧١ صفحة صدمت فعزفت عن المتابعة، لكني كنت دائم المرور عليه؛ فالكتاب كان يحتل مكانة خاصة على رفوف مكتبة البيت وبشكل ملفت، فهو يتقدم سائر الكتب وحتى انه يغطي على بعضها.
لكني لم اسقط في يده بعد، فقد كنت لازلت اتذكر عدد الصفحات، فتجرأت وقلت يقع الكتاب على متن ٤٧١ صفحة من القطع الكبير، طبعا اعدت اسم الكتاب-تاريخ فلسطين الحديث- مرتين او ثلاثة في كل دقيقة وكذلك فعلت باسم المؤلف عبد الوهاب الكيالي
اغتاظ الاستاذ وطلب المزيد والايضاح، وكدت اقع في الفخ لولا قدوم آذن المدرسة ابو عبدالله ومعه دفتر الحضور والغياب طالبا من التالية اسمائهم الذهاب فورا الى غرفة المدير، اخذ ابو عبدالله بالمناداة على الاسماء اسما اسما، وكنت اشير له بحكة في راسي بعد كل اسم، كان وجهه يتبدل لونه ويحمر، قبل الاسم الاخير تلعثم ابو عبدالله وارتبك واسقط الدفتر من يديه، عاجلته بالتعليق والدعاء، فهم ابو عبدالله المراد، وعاد وانتصب يتلو بقية الاسماء، كان اسمي الاخير، تنفست الصعداء.
اسقط في يد الاستاذ، وبدت ملامحه غاضبة، وطلب منيّ على وجه الخصوص سرعة الذهاب الى المدير والعودة لاكمال الحصة الدراسية، ومن نافلة القول ان هذا الطلب كان موجها لي وحدي دون العشرة الاخرين والمطلوبين بدورهم للمدير لنفس الغاية.
عدنا جميعا وبتوقيت واحد وقبل انتهاء الحصة بدقيقتين، وولجت الصف اولا وانا اركض لاهثا بحجة محاولة اكمال الاجابة. استغرق دخول الطلاب وهدوء انفاس لهاثهم الدقيقتين. انزعج الاستاذ لذلك وغضب اكثر. كنت ابتسم بخبث واهمس لزميلي المجاور حين لمحني وانا ابدل كتاب اللغة العربية بكتاب اخر.
رأيته بطرف عيني تاخذه خطواته نحوي. جائني واخذ يدق على المقعد بعصاه المستشرة، طالبا الي احضار الكتاب (تاريخ فلسطين الحديث) في الحصة القادمة بالاضافة الى تحضير ملخص عنه مكتوب على ورق خارجي.
بعد اقتناص لحظات من الزهو في مواجهة الاستاذ والصف غادرت المدرسة مسرعا الى البيت، واخبرت والدي بالحكاية. طلب مني والدي عدم القلق، والشروع حالا في مطالعة الكتاب، استهجنت واستنفرت، وعدت أُذكِر ابي بردودي السابقة عليه حين كان يطلب مني وبالحاح مطالعة هذا الكتاب، كانت اجابتي الاثيرة وعلى مدى سنوات، يابا خاف الله، هذا كتاب عدد صفحاته ٤٧١، بدك تقظي علي يابا، بدك تكرهني في القراءة(القراية) كلها.
تدخلت والدتي ملطفة ن الاجواء ومهدئة من روعي، بقولها يا ابني، هذا الكتاب سلس، وسبق ان مرت عليك معظم المعلومات الواردة فيه، اضافة الى انك كنت ترجع اليه في معلومات كثيرة للتاكد من صحتها حالك كحال بقية اشقائك واعمامك، لذا لن يكون الامر عسيرا كما تفترض.
بدأت بتصفح الكتاب وكانت مقدمته مشجعة، فقد كنت قرأتها مسبقا مرارا وتكرارا حيث جاء فيها:
“في فلسطين عرف العرب قمة التحدي، وعلى أرض فلسطين سوف يتقرر المستقبل العربي، في فلسطين يواجه العرب قضيتهم المصيرية الكبرى، ومع ذلك فلا مفر من الإقرار بأننا -شعباً وأمة- لا نزال بعيدين عن تحسس خطورة هذه القضية وجوانبها المختلفة والعيش معها إلى المدى المطلوب. وأن نعيش هذه القضية يعني إلى حد معين الاطلاع على تاريخها ومتابعة مراحلها ومواكبة خط تطورها لنلتقط من خلال ذلك كله الملامح الرئيسية لصورتها الشاملة، فاستلهام الماضي، إذا تم على صورته الصحيحة، يشكل حافزاً للنضال وعاملاً من عوامل الثبات والتقدم. فمعرفة التاريخ شرط أساسي من شروط معرفة النفس، ومعرفة النفس ضرورة لا بد منها لمجابهة التحديات والتغلب عليها”.
ويضيف الكتاب: “كذلك فإن معرفة الشعوب الثائرة لما فيها والواعية على حاضرها تساعدها على تخطى ذاتها وإحراز النصر فى معاركها التاريخية”.
وقد اشار الكاتب في مقدمته الى انه وجد من المناسب ان يبدا الكتاب من عند تاريخ الهجرة الصهيونية منذ عام ١٨٨١ ويتوقف عند بداية الحرب العالمية الثانية على اثر نهاية الثورة الفلسطينية الكبرى١٩٣٦١٩٣٩.
توقفت عند هذا الحد وعدت اقلب صفحات الكتاب بسرعة، وابديت غيظي مما حصل، وعدت وابديت رأيي مجددا بعدم قدرتي على اكمال الكتاب بحلول الغد.
ذكرني ابي بكثير من مواقف الرجال الرجال وقدرتهم على التحدي وتجاوز اقرانهم بحسن الدراية والتدبير، وبالتسلح بشيء كاف من العزيمة والهمة، واضاف قائلا، تعطيك الحياة فرصة المواجهة مرة، لكنها صعب ان تعاد مرتين، امامك فرصة سانحة لكي ثبت لاستاذك وابناء صفك انك قدوة في القراءة والمطالعة وامور اخرى، واما ان تكون من صنف هؤلاء الذين يقرؤون المجلات والالغاز ويشاهدون افلام الكرتون ويعتقدون بذلك انهم يطالعون او يتثقفون، ام هذا واما ذاك، عليك ان تقرر في جهة انت، ومع اي صف تكون، امثالك يا بني محظوظون بامور كثيرة، عليك ان تستغلها جيدا.
تعبجت من قوله محظوظ فتبرمت بفمي وحككت شعري، فخاطبني قائلا، قسها على ابسط الامور، كيف استطعت تدبر امرك في الصف وامام الطلاب حين سألك الاستاذ عن الكتاب، انها النباهة يا بني… ثم اخبرني برب العزة : كيف استطعت تدبير الامر مع حارس المدرسة، تلعثمت وحككت راسي مرة اخرى، واكمل وهو يقول: لا عليك يا ولدي، احسبك نبيها تحسن التخطيط والتدبير ، لكن ذلك كله بتوفيق من الله. اذن عليك ان تتعلم وتجتهد طالما انك تقرر المواجهة ولا تطأطيء الراس.
اقترحت امي منهجا للقراءة والتلخيص، يقتصد الوقت ويقدم المفيد في الحصة المدرسية ويفي بالغرض المطلوب.
تولت امي المهمة وانصرفت انا لمراقبتها وتتبع خطواتها.
بدات امي بالقراءة والكتابة والتلخيص في ان، كان صوت قراءتها مرتفعا بهدف اسماعي وتلقيني ما سالقي غدا على مسامع الطلاب. كتبت امي تقول:
– هذا الكتاب الذى بين أيدينا يقدم دراسة جادة وشاملة لتاريخ فلسطين الحديث، وهو لا يزال ومنذ صدوره وحتى يومنا هذا يلقى ترحيباً وإقبالاً عليه من الأوساط الأكاديمية والوطنية العربية. وذلك لما اتبع فيه المؤلف من منهج ملتزم ورؤية واعية واستناد إلى المصادر الأولية والوثائق الرسمية البريطانية والإسرائيلية، هذا بالاضافة لإحاطة المؤلف بجميع جوانب التاريخ الفلسطينى الحديث.
– واضافت: قسم المؤلف كتابه إلى ثمانية فصول ومجموعة ملاحق.
الفصل الأول: تحدث عن لمحة جغرافية وتاريخية،
الفصل الثاني المقاومة العربية الفلسطينية قبل الحرب العالمية الأولى.
الفصل الثالث: الحرب العالمية الأولى
المؤامرات الاستعمارية ضد الوحدة العربية وعروبة فلسطين.
الفصل الرابع: من الاحتلاك البريطاني إلى ثورة العشرين،
الفصل الخامس، مرحلة التبلور 1920-1923.
الفصل السادس: هدوء وركود 1923-1929.
الفصل السابع ما قبل العاصفة 1930-1935.
الفصل الثامن الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939.
هذا ويضم الكتاب مجموعة من الملاحق الخاصة جاءت تحت عنوان: ملحق وثائقي وجداول احصائية وهوامش وفهرس المحتويات.
بدات امي تقلب صفحات الكتاب واستعانت بالموسوعة الفلسطينية، واخذت تنقل الى الاوراق معلومات متممة تتعلق بالمؤلف وسيرة حياته النضالية، واخذت تكتب وهي تردد:
.
عبد الوهاب الكيالي سياسي، ومفكر فلسطيني، ولد في مدينة يافا وتلقى فيها دراسته الابتدائية. انتقل إلى الأردن اثر نكبة ( 1948 )، وأكمل دراسته الثانوية في عمان وبيروت، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت لمتابعة دراساته العليا. وفصل منها مع عدد من زملائه سنة ( 1960 ) بسبب المظاهرات التي انطلقت تأييداً “للثورة الجزائرية”، لكنه أعيد إليها مع زملائه تحت ضغط الاضراب العالمي الشامل، ونال شهادة البكالوريس في العلوم السياسية سنة ( 1961 ).
.
انتسب الى حزب البعث العربي الاشتراكي سنة ( 1958)، وأصبح عضواً في مكتب “فلسطين القومي” في الحزب ( 1960). وأميناً لسر شعبة فلسطين في لبنان ( 1961 ). انتقل إلى الكويت حيث عمل فيها في وزارة الإرشاد والأنباء سنة ( 1963 )، وعاد في نهاية العام نفسه ليصل في جريدة حزب البعث “الأحرار” مسؤولاً عن صفحة الدراسات والرأي، وليتابع دراسة الماجستير، التي حصل على درجتها سنة ( 1965 ).
.
شارك في مؤتمري “الحزب القومين السابع” ( 1964 ) والثامن ( 1965 )، واختير عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني منذ سنة ( 1968 (. وعندما أسست جبهة التحرير العربية سمي الكيالي عضواً في قيادتها، وانتخب في المؤتمر القومي العاشر عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ( 1970 – 1977 ). نال الكيالي “شهادة الدكتوراه” سنة ( 1970 ) من جامعة لندن، وكانت رسالته عن « تاريخ المقاومة العربية الفلسطينية للاستعمار والصهيونية ». وفي لندن سنة ( 1968 ) شارك في إصدار أول مجلة بلغة أجنبية تحمل راية المقاومة الفلسطينية هي “فلسطين الحرة”، وكان أول رئيس تحرير لها.
.
ترأس المؤتمر الأول لجبهة التحرير العربية سنة ( 1972 )، وانتخب أميناً عاماً لها لمدة تزيد على العام، ثم انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (1974 – 1977). وتولى رئاسة دائرة الشؤون التربوية والثقافية فيها (منظمة التحرير الفلسطينية) وأصبح عضواً في اللجنة السياسية العليا لشؤون الفلسطينيين في لبنان.
.
له عدد من المؤلفات في العربية والإنكليزية، منها: “المطامع الصهيونية التوسعية والمزارع الجماعية في إسرائيل” و “تاريخ فلسطين الحديث” و”المقاومة الفلسطينية والنضال العربي” ، و “دراسات ومطالعات فلسطينية”، و “القضية الفلسطينية” – “آراء ومواقف”، و”العرب والامبريالية والعنصرية”.
.
أنشأ « المؤسسة العربية للدراسات والنشر » في عام 1969، أطلق الدكتور عبد الوهاب الكيالي مشروعه بكتابه تاريخ فلسطين الحديث والذي كان باكورة إصدارات المؤسسة .
كما أشتهرت المؤسسة في الأوساط الثقافية بتقليد سنوي، حيث تقوم في مطلع كل سنة ميلادية بتصميم طابع صغير يوضع على الغلاف الخلفي لجميع مطبوعاتها تكريماً لبعض الأسماء البارزة.
وترأس صاحبنا تحرير مجلة “قضايا عربية” منذ صدورها سنة ( 1974 )، و أوجد “المركز العربي للدراسات الاستراتيجية” الذي يصدر الموسوعة العسكرية، وكان أيضاً رئيس تحرير الموسوعة السياسة.
.
أسس “مركز العالم الثالث للدراسات والنشر” في لندن سنة ( 1979 )، ونشر بعض مؤلفاته حول القضية الفلسطينية باللغة الإنكليزية.
.
استشهد صاحبنا في عملية اغتيال في حي ساقية الجنزير في بيروت يوم 7/12/1981 حين كان معرض بيروت العربي للكتاب في ذروة فعالياته وكان صاحبنا من المشاركين فيه بفعالية.
جاء اغتيال المؤرخ الفلسطيني د. عبد الوهاب الكيالي بلبنان على يد الموساد الإسرائيلي، حسب الموسوعة الفلسطينية، بينما تناقلت مصادر اخرى خبر اغتايله برصاصة غادرة من كاتم صوت في مكتبه بالمؤسسة العربية في بيروت، أطلقها عملاء مخابرات النظام السوري، وكان عمره حينها واحداً وأربعين عاماً، ، ولم يكن ذلك بمستبعد او بغريب؛ فصاحبنا امتلك موقفاً مبدئياً واضحاً في مواجهة سياسة النظام السوري في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، حين كان في قيادة منظمة التحرير، وتم نقل جثمانه إلى عمان ودفن فيها.
صباحا وقبل التوجه للمدرسة استفقت باكرا، وجدت امي تتحضر للدوام ايضا، لكنها زودتني بالملخصات الضرورية والتي تقع على صفحتين “فولسكاب” وطلبت مني قراءتها سريعا وبصوت مرتفع. كانت والدتي تنهي تدوين بعض الملاحظات والعلامات الفارقة على صفحات معينة من الكتاب، وما ان فرغت من القراءة، طلبت مني الاعادة مرة ومرتين على مسامع كل من في المنزل.
وحالما انتهيت اطلعتني على فكرة عامة عن كيفية المطالعة بشكل سريع “تصفح” ، ثم علمتني كيفية اعداد الملخصات والمراجعات بشكل مبسط وشامل، كانت تعليماتها تشير اولا الى قراءة المقدمة والمدخل وعدم القفز عنهما ابدا، وثانيا الالتجاء الى الفهرس والاطلاع على محتوياته وتدوينها، وثالثا تكوين فكرة عامة عن عنوان وموضوع الكتاب، رابعا ابداء الراي الصادق بجودة المحتوى والمضمون، خامسا وعند التصفح وضع علامات فارقة تحت العناوين الرئيسية والفرعية التي يتناولها الكتاب، سادسا وضع اشارات اخرى عند المعلومات والافكار الجديدة او الصعبة الواردة في الكتاب.
تناولت الكتاب وقد لاحظت ان الوالدة قد قامت بطي كثير من صفحاته، ولم تنتظر هي مني السؤال، فقالت، بعد ان تنتهي من قراءة المراجعة عن الورق، لا ضير ان سنحت لك الفرصة ان تطلع على كل الصفحات المطوية، فهي تشكل عصب الكتاب وموضوعه الاساس، وستلاحظ حتى ان هذه الصفحات المطوية مؤشر على اسطر بعينها دون غيرها، أقرأها بتركيز وستكون في حينها على اطلاع بكل فكرة كبيرة اوصغيرة وردت في الكتاب.
وصلت المدرسة باكرا جدا، ظن صديقنا الحارس ان حالنا كحال كل يوم، فالملعب والكرة محجوزة دائما لنا، بحكم خدمات جليلة نقدمها للاذن والمدرسة: كالتنظيف والدهان وجمع الزبالة والاوساخ وقرع الجرس والزراعة والنظام والصحة والكشافة وملاحقة العصاة والمشاغبين وضبط المخالفين وامور كثيرة يطولها لساننا واقدامنا.
بدا الدرس باكرا، وبعد طرح السلام من قبل الاستاذ والتمادي والاطالة في الرد من قبلنا، سألني الاستاذ ان كنت احضرت الكتاب، فاجبت بالايجاب واطلعته عليه. طلب مني الخروج ناحية السبورة والقاء مراجعتي غيباً…
تنبهت الى كل مواعظ ابي وارشاداته لي، للحظة ظننت انه على علم بشخصية ونفسية هذا الاستاذ، لكن الاهم من ذلك والمؤكد انه كان على علم ودراية بشخصية ابنه المراهق ويحاول تحفيزها وتقويمها دون ان تصغر او تنحني إلاّ لصاحب علم او دين او قضية كما كان يوصيني دائما.
تحدثت بما حفظت من اوراق المراجعة غيبا، فاشتد عودي وانطلق لساني، وبحركة ملئها الثقة مشيت بين المقاعد واتجهت نحو الاستاذ وناولته الاوراق ليطلع عليها، كل هذا طبعا وانا اتحدث عن الكتاب غيبا وامارس طقوس المعلمين الاثيرة.
عدت لعند السبورة وتناولت الكتاب عن الطاولة، ورفعته امام الطلاب مظهرا غلافه والذي يحمل صورة الكاتب ويظهر على راسها اسم الكتاب تاريخ فلسطين الحديث واسم مؤلفه الدكتور عبد الوهاب الكيالي.
تقدم نحوي الاستاذ وقاطعني مشيرا باصابع يده لي بالتوقف والعودة الى مقعدي. تبرمت قليلا ولم يلمحني كالعادة، ثم عدت وتبسمت بزهو بينما كان هو يقلب صفحات كتاب اللغة العربية بحثا عن قصيدة اللغة العربية لحافظ ابراهيم موضوع درس اليوم.
عدت الى مقعدي، وعاد الوضع الى حيث كان، استاذ يطرح الاسئلة ، وجموع الطلبة يتسابقون الاستئذان بغية الاجابة وامور اخرى. وبقيت انا مثلما كنت دائما، لا اشارك ولا ارفع يدي، لكني وكالعادة اتحين الفرصة حين يعجز الجميع ويلوذون بالصمت فانطلق.