مقالات

هكذا استشرِف الكنيست قبل 20 عاما

هكذا استشرِف الكنيست قبل 20 عاما

أنطوان شلحت

يجد هؤلاء لغةً مشتركةً مع وزراء وأعضاء كنيست من حزب الليكود الحاكم. وأفضى هذا الأمر (ربّما ببوادر أولية) إلى تحوّلات بدأت تطرأ على هذا الحزب إلى جهة تعزيز الطابع القومي – الديني، على حساب خدش طابعه التقليدي القومي – العلماني.

استشرفت تقارير إعلامية في إسرائيل، منذ أكثر من 20 عاما، ما آل إليه الكنيست في الوقت الحالي. كان أبرزها ملحق خاص حول الكنيست الـ16 (بدأ ولايته في أواخر كانون الثاني/ يناير 2003)، صدر من صحيفة هآرتس في نيسان/ أبريل 2004، وتناول الموضوع من جوانب متعدّدة ومختلفة، تحيل إلى أدائه العام باعتباره سلطةً تشريعيةً أوّلا، وقاعدةً نيابيةً للحكومة التي تقف في رأس هرم السلطة السياسية ثانيًا. وتمثّلت أبرز النتائج في:
أولا، تصاعد نفوذ (وتأثير) قوى اليمين المتطرّف، والاستيطاني بالذات، وهذا ما عبّر عنه (ضمن أشياء محدّدة أخرى) ازدياد عدد أعضاء الكنيست من سكّان المستوطنات الكولونيالية في أراضي 67، وتفوّق نسبتهم أضعافًا مضاعفةً على نسبة المستوطنين من مجموع السكّان اليهود.

يجد هؤلاء لغةً مشتركةً مع وزراء وأعضاء كنيست من حزب الليكود الحاكم. وأفضى هذا الأمر (ربّما ببوادر أولية) إلى تحوّلات بدأت تطرأ على هذا الحزب إلى جهة تعزيز الطابع القومي – الديني، على حساب خدش طابعه التقليدي القومي – العلماني.

ثانيا، في عام 2000 بادر الكنيست، في ظلّ رئاسة النائب العمّالي أبراهام بورغ له، إلى استحداث “آلية انعكاس” جديدة لعمله، تمثّلت في ما سمّاه “مؤشّر الكنيست”. وقصد منه أن يتفحّص كيفية تصوّر مكانته في نظر الجمهور الإسرائيلي الواسع. وأظهر هذا المؤشّر أن نحو نصف الجمهور يعتقدون أن الكنيست يُثير في نفوسهم مشاعر الخجل. وربّما في ضوء ذلك لم يكرّر الكنيست تجربة إجراء هذا المؤشّر. وربّما يكون السبب تبدّل الرئيس كذلك.

وقرّرت هآرتس، بالتعاون مع معهد أبحاث، أن تخوض التجربة ذاتها من خلال استطلاع للرأي العام خاصّ بالملحق المذكور، أظهر نتائجَ مذهلة من وقائع تقدير الجمهور لمكانة سلطته التشريعية. يتصدّر هذه الوقائع أن أكثر من الثلثين يعتقدون أن الإجرام المنظّم تغلغل إلى الكنيست بهذا القدر أو ذاك. وكان الأمر المثير أن المشبوهين بعلاقة ما مع الإجرام المنظّم من أعضاء الكنيست المُنتخَبين معدودون كافّتهم على يمين الخريطة الحزبية، بل على أشدّ أنواع هذا اليمين تطرّفًا حيال الفلسطينيين.

ثالثا، ازدادت المؤشّرات إلى تآكل سلطة القانون، وإلى انكفاء الاهتمام بالقضايا الاجتماعية، سواء تلك المرتبطة بوضعيات المواطنين أنفسهم، في ظلّ ما كان يعتبر حتى وقت قريب دولة رفاه، أو تلك المرتبطة بأوضاع العمّال الأجانب، فضلًا عن تآكل الجهود المنصرفة الى سنّ دستور، وعن تعمّق علاقات التوتّر والتنافر مع السلطة القضائية، التي عادةً تتسبّب بمواقف مفرطة في عدائها حيال المحكمة الإسرائيلية العُليا، وحيال مكانتها وأحكامها.

رابعًا، اشتمل أحد التقارير على ثبت بأعضاء الكنيست، الذين خضعوا (أو كانوا حتى ذلك الوقت ما زالوا يخضعون) إلى تحقيقات بوليسية بشتى التهم. ومن مفارقات التمثيل أن هذا الثبت بمعطياته يكاد يكون عابرًا لجميع الأحزاب الإسرائيلية، في الائتلاف والمعارضة، في اليمين و”اليسار”، الأحزاب العلمانية والدينية، وجميعهم مشتبه بهم بتهم ذات طبيعة جنائية، بدءا من رئيس الحكومة (في ذلك الوقت) أرييل شارون نفسه، ورئيسَي حكومة سابقَين هما إيهود باراك وإيهود أولمرت، وانتهاءً بوزراء ونوّاب وزراء وأعضاء كنيست.

خامسا، كما ضمّ الثبت عضو الكنيست عزمي بشارة، الذي قُدّم إلى المحاكمة بشبهة ذات طبيعة سياسية بحتة، إذ اتُّهم بأنه في خطابَين ألقاهما في أمّ الفحم، في حزيران/ يونيو 2000 وفي القرداحة في سورية، في حزيران/ يونيو 2001، قال كلاما فيه “ما يدلّل على تشجيع أعمال عنف وتأييد منظّمات إرهابية”.

وكان بشارة طلب إلغاء لائحة الاتهام، إلّا أن المحكمة ردّت طلبه. وتجسّد هذه الواقعة مفارقةً ينبغي استعادتها لكونها تعبّر (في الآن ذاته) عن مبلغ تطرّف النزعة العدائية الإسرائيلية الرسمية إزاء المواطنين العرب وممثّليهم المنتخبين، بالأساس على خلفية كفاحهم النوعي من أجل القضية الفلسطينية، ومن أجل حقوقهم مواطنين متساوين خارج إطار الأحزاب الصهيونية كافّة وإجماعها القومي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب