لنجاح مبادرة «مودة»: على إيران بناء الثقة بتغيير نهجها!
لنجاح مبادرة «مودة»: على إيران بناء الثقة بتغيير نهجها!
د. عبد الله خليفة الشايجي
تدخلات إيران في الشؤون العربية وتفاخرها بسيطرتها على أربع عواصم عربية وإرسالها حرسها الثوري وميليشيات زينبيون وفاطميون الباكستانية والأفغانية إلى العراق وسوريا وتعميق سياستها الشرخ بمشروعها التوسعي ـ الطائفي، كما نشهد دورها في لبنان وانحيازها لنظام الأسد في سوريا لقمع الثورة الشعبية منذ عام 2011. واستمرت بدعم وإسناد أذرعها وخاصة حزب الله على مدى ثلاثة عشر عاماً لنظام أوغل بدم شعبه وقمعه … حتى فر هارباً وتخلت عنه روسيا وإيران. ما يترك علامات استفهام كثيرة حول ادعاءات النظام الإيراني في دستوره بدعم «المستضعفين»! والذي على ما يبدو يستثني السوريين!
خسارة إيران استراتيجية، بتخليها عن أهم حليف بإطلالته على البحر الأبيض المتوسط ـ وطريق البر من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا ـ تفقدها الرافعة التي عززت مشروعها التوسعي ووصولها لحدود كيان الاحتلال عبر أهم أذرعها ـ حزب الله ـ قاعدة إيران المتقدمة في المواجهة المفتوحة والمحتدمة مع إسرائيل.
والواقع انتكاسات إيران أفقدتها أوراق قوتها وثقلها في المنطقة ـ بعد انكسار حزب الله وتلقيه ضربات متتالية، وفقدان حماس دورها وثقلها برغم استمرار مقاومتها العدوان والاحتلال الإسرائيلي والتنكيل وحرب الإبادة في شهرها الخامس عشر من هولوكوست العصر. تخلي إيران عن النظام السوري، أكبر استثماراتها، لا شك يدفع حلفاء لها وأذرعها للتشكيك بصواب الاعتماد والتعويل على دعمها ومواقفها ـ وهي التي لم تهب لنجدة الأسد ولا للدفاع عن حزب الله ولا لمواجهة إسرائيل التي توعدت بإلحاق ضربة موجعة بها بعد عدوانها الثاني على إيران في شهر أكتوبر الماضي… والجميع ينتظر الرد والانتقام الإيراني الذي لا يبدو قادما. لقد ألحقت ضربات إسرائيل الموجعة ضد إيران وأذرعها خسائر استراتيجية فادحة بها، وفككت لحد كبير «محور المقاومة والممانعة» وبالتالي أضعفت مشروع إيران وأذرعها!
وكان مستغربا مطالبة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني السابق، حشمت الله فلاحت بشه، من الحكومة الجديدة في سوريا بتوثيق ودفع الديون المستحقة لإيران والتي قدرها بين 20 و30 مليار دولار. قيمة استثمارها بنظام الأسد البائد، الذي أراق وأزهق أرواح مئات آلاف السوريين وشرد نصف الشعب السوري، وغيّب مئات آلاف في المعتقلات والمسالخ البشرية والمقابر الجماعية كما شهدنا فظائع سجن صيدنايا ومعتقلات النظام على كامل التراب السوري. وعلى النقيض يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقوف ودعم تركيا الراسخ لسوريا ويطالب العالمين العربي والإسلامي المساندة وتقديم الدعم والمساهمة بإعادة إعمار سوريا لاستتباب الأمن فيها.
مبادرة «مودة» ـ كما مبادرة «أمل» قبلها لأمن الخليج والطاقة ومضيق هرمز ـ لن تنجح، ما لم تبن إيران الثقة أولاً، وتعيد النظر بمشروعها ونهجها وأدوار أذرعها. بهدف تعزيز الأمن والاستقرار المشترك، قبل تقديم مبادرات جوفاء لتخرجها من مأزقها الاستراتيجي!
وفيما نفى مسؤول في الإدارة السورية الجديدة ترويج إيران التواصل مع الجانب الإيراني ـ أكد المسؤول «أن الإدارة السورية الجديدة تعمل على إعداد مذكرة ستقدمها للمحاكم الدولية، تتضمن مطالبة إيران بدفع 300 مليار دولار كتعويضات للشعب السوري والدولة السورية عما سببته سياسات طهران «الإجرامية والتعسفية» من ضرر للسوريين والبنية التحتية السورية، بانحيازها عسكرياً مع ميليشياتها لصالح نظام الرئيس المخلوع».
وحتى بعد سقوط نظام الأسد لم يظهر رأس النظام وأركانه أي مراجعة حقيقية لمواقفهم المعادية للشعب السوري المكلوم.
بل علّق المرشد الأعلى علي خامنئي بتغريدة باللغة العربية: «ليس لدى الشباب السوري ما يخسره: جامعته، مدرسته، منزله وحياته كلها غير آمنة، فماذا يفعل؟ يجب عليه أن يقف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفّذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن، وسيتغلب عليهم إن شاء الله»! وعلّق وزير الخارجية الإيراني ـ عباس عراقجي بتحد: «من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا عليهم التمهل في الحكم فالتطورات المستقبلية كثيرة». وأرسل رسالة لجامعة الدول العربية يؤكد «نريد الاستقرار ومنع الفوضى في سوريا مثلكم»
يقترح محمد جواد ظريف نائب رئيس جمهورية إيران للشؤون الاستراتيجية ووزير الخارجية الأسبق إطلاق مبادرة «مودة» MWADA ـ اختصار «Muslim West Asian Dialogue» منظمة حوار الدول المسلمة في غرب آسيا «تشكل الحروف الأولى مجتمعة كلمة «مودة» باللغة العربية. قدم ظريف الخطوط العريضة لمبادرته بمقال كتبه في مجلة الإيكونومست البريطانية باللغة الإنكليزية قبل أيام بعنوان: «مقاربة إيرانية جديدة للأمن والرخاء الإقليمي» محجاجا ـ يمكن عبر مبادرة «مودة» وتعمد استخدام المصطلح باللغة العربية لغة القرآن والصلاة للمسلمين لتعزيز التعايش السلمي والشراكة. على أمل نجاح إيران بجعل المنطقة أكثر أمناً ورخاء»..
يقترح ظريف في المبادرة إقامة منظمة وتحالف بين الدول المسلمة الـ14 في غرب قارة آسيا. تضم إيران ودول مجلس التعاون الخليجي الست والعراق ومصر والحكومة السورية المستقبلية والأردن ولبنان واليمن وتركيا. ترتكز المبادرة على قيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ السيادة واحترام وحدة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والأمن الجماعي للدول الأعضاء، والاندماج الاقتصادي بين الدول الأربع عشرة، بإنشاء صندوق تنمية لتمويل مشاريع البنى التحتية الأساسية للدول الأعضاء وخاصة التي عانت من الصراعات. وتقترح «إصلاحات سياسية في سوريا تعزز المساءلة وتؤسس لأرضية آمنة ومستقرة كشرط لتقديم المساعدات الاقتصادية لسوريا».
وستعزز مبادرة «مودة» مشاريع النقل وأنابيب الطاقة وتعزز أمن وممرات الطاقة في المنطقة وخاصة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب، وحماية ممرات نقل الطاقة ومصادر الطاقة البديلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وشبكات الاتصالات. وخاصة بما تملكه إيران من موقع وخبرة يؤهلها للعب دور رئيسي في ذلك المجال. وتعزز مبادرة إيران «أمل» التي قدمتها إيران عام 2019 ـ لحماية أمن واستقرار الخليج ومضيق هرمز. وكما تعزز العلاقة بين إيران والسعودية والسنة والشيعة لمواجهة التطرف والصراع الطائفي الذي يهدد استقرار وأمن المنطقة».
مبادرة «مودة» ـ كما مبادرة «أمل» قبلها لأمن الخليج والطاقة ومضيق هرمز ـ لن تنجح، ما لم تبن إيران الثقة أولاً، وتعيد النظر بمشروعها ونهجها وأدوار أذرعها. بهدف تعزيز الأمن والاستقرار المشترك، قبل تقديم مبادرات جوفاء لتخرجها من مأزقها الاستراتيجي!
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت