تحريك «المسألة الكردية» في تركيا: أوجالان منفتح على الحلّ
تحريك «المسألة الكردية» في تركيا: أوجالان منفتح على الحلّ
لم تكن مصافحة زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، زعماءَ «حزب الديموقراطية والمساواة للشعوب» الكردي، في افتتاح العام البرلماني التركي في الأول من تشرين الأول الماضي، مجرّد مصادفة، بل – بحسب ما ظَهر من تطوّرات لاحقة – بدايةَ مسارٍ لا يَعرف أحد متى أو كيف سينتهي. ولعلّ أولى أسباب مفاجأة باهتشلي، في حينه، أنها جاءت من العدو الأول للأكراد والحقوق الكردية في تركيا؛ وبما أن زعيم «الحركة القومية» هو الشريك الأصغر للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في السلطة، فإن مبادرته تلك جاءت على الأغلب بإيحاء وتنسيق تامّ بين الرجلين. أمّا الخطوة التي تلت، فكانت أكبر من مفاجأة المصافحة؛ إذ أعلن باهتشلي، بعدها بأيام، أنه سيعمل على حلّ المسألة الكردية من بوابة دعوة زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، المعتقل منذ عام 1999 في جزيرة إيمرلي في بحر مرمرة، ليلقي كلمةً أمام كتلة نواب الحزب الكردي في مبنى البرلمان، يدعو فيها إلى السلام وتخلّي حزبه عن العمل المسلّح. وغالباً ما تقول السلطات التركية إن حلّ المشكلة الكردية يكون تحت قبة البرلمان، في إشارة إلى أن ممثّل الأكراد هو الحزب المنتخب، وليس «الكردستاني» الذي تعتبره أنقرة، منذ 40 عاماً، تنظيماً إرهابياً.
إلى هنا، كان الجميع ينتظر الخطوة التالية، أي ردّ فعل أوجالان. وفي الـ23 من تشرين الأول الماضي، سُمح للنائب عمر أوجالان، ابن شقيق عبد الله أوجالان، بزيارة عمّه في معتقله، فيما كانت الخطوة العملية الأولى، السبت الماضي، عندما زاره في إيمرلي نائبان عن الحزب الكردي، هما: سري ثريا أوندير، وبرفين بولدان، واستمر اللقاء بينهم ثلاث ساعات، علماً أنه اللقاء الأول على صعيد حزبي رسمي منذ الخامس من نيسان 2015. وبعد ذلك بساعات، نشر النائبان بياناً مفصّلاً بمحتوى ما تطرّق إليه المجتمعون، جاء فيه أن «صحة أوجالان جيدة، ومعنوياته عالية، وتقييماته لحلّ المشكلة الكردية مهمّة جداً». وشدد أوجالان على أنه «يجب تعزيز أواصر الأخوة التركية – الكردية»، واضعاً الكرة في ملعب السلطات التركية، بالإشارة إلى أنه «على تركيا أخذ زمام المبادرة، والتصرّف بشكل بنّاء، من دون الوقوع في حسابات ضيّقة ومرحلية»، محدّداً البرلمان التركي كمنطلق لهذه الجهود. ورأى أن «أحداث سوريا وغزة (لم يذكر لبنان)، وتدخّلات القوى الخارجية، تَفرض عدم تأجيل الحلّ»، داعياً السلطة إلى «الأخذ بجدّية باقتراحات المعارضة على أساس أن لها قيمة كبيرة لنجاح الحلّ». كما قال أوجالان خلال اللقاء: «لديّ القوّة والتصميم لتقديم المساهمة الإيجابية اللازمة في النموذج الجديد الذي يعزّزه السيد باهتشلي والسيد إردوغان». ثم أردف في رد مباشر على دعوة زعيم «الحركة القومية» له إلى إلقاء بيان أمام النواب الأكراد: «أنا على استعداد لاتّخاذ الخطوة الإيجابية اللازمة وإجراء النداء اللازم»، مضيفاً أنه «عصر السلام والديموقراطية والأخوة لتركيا والمنطقة».
ما يلفت النظر في موقف أوجالان، ربطه حلّ المشكلة الكردية بما يجري في سوريا وغزة
وينصرف الآن مسؤولو الدولة والحزب الكردي وكذلك حزب المعارضة الرئيس، «الشعب الجمهوري»، على مناقشة الخطوة التالية، ومن أيّ طرف يمكن أن تأتي، خصوصاً أن موقف أوجالان اعتُبر متوازناً للغاية، وإن حذر باهتشلي وإردوغان من الدخول في الحسابات «الضيقة». ولكن على الرغم من كل تلك الإيجابيات، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، التي هي في الحقيقة لبّ المشكلة، علماً أن أحداً لم يتطرّق إليها، لا الأكراد، ولا السلطة، وعلى رأسها ما يلي:
1- عندما يدعو باهتشلي، أوجالان، إلى توجيه نداء في البرلمان لترك «حزب العمال» السلاح، والتخلّي عن الإرهاب، فهو لا يوضح ما هو الثمن المقابل الذي يمكن أن تقدّمه النخبة التركية للأكراد.
2- إن المطالب الكردية واضحة ومعروفة منذ وقت طويل، وهي: منح المجموعة الكردية – وعددها لا يقلّ عن 12 مليون نسمة – حقوقاً دستورية كاملة في الهوية، من حقّ التعلّم باللغة الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية، وحرية التعبير عن الهوية في جميع المجالات، ومراعاة التعيينات في المناصب الخاصة بالمناطق الكردية لتكون مثلاً من حصة السكان المحليين.
3- في المقابل، لا يشير الأتراك من قريب أو بعيد إلى أيّ مطلب كردي، ليس الآن فقط، بل منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، حيث واجهت هذه الفئة حملات إبادة في عهد العلمانيين/ القوميين. والأمر نفسه ينطبق على التيار الإسلامي الذي مثّله أولاً نجم الدين إربكان، ومن ثم رجب طيب إردوغان، علماً أن هذا التيار كان يكتفي بالحديث عن «الأخوة الإسلامية»، مقرّاً بوجود «قضية» كردية، لكن من دون أيّ ترجمة عملية لهذا الشعار.
4- بناءً على ما تقدم، يتعذّر توقُّع أن يكون نداء أوجالان، في حال تحقَّق، دعوةً صريحة إلى التخلّي عن السلاح. وإذا كانت أنقرة تراهن على شقّ إسفين بين أوجالان وقيادة «الكردستاني» في جبال قنديل في العراق، فإن التفاؤل بحلٍّ للمشكلة لن يكون في محلّه عندها. والكلام هنا يتّصل بما يتمّ نشره في الصحف الموالية عن «شراكة» بين إردوغان وباهتشلي وأوجالان لحلّ المشكلة بعيداً من أيّ دور لقادة «قنديل».
5- ما يلفت النظر في موقف أوجالان، ربطه حلّ المشكلة الكردية بما يجري في سوريا وغزة، وتدخّل القوى الخارجية، وهو ما يفتح أمام إمكانية حل المسألة الكردية في تركيا وسوريا معاً.