مقالات

«فلسفة» الحرب اللانهائية في غزة [2/2]: بقاء الائتلاف ليس هاجساً أول

«فلسفة» الحرب اللانهائية في غزة [2/2]: بقاء الائتلاف ليس هاجساً أول

يحيى دبوق

يُعدّ الحديث عن خشية رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من سقوط حكومته في حال وافق على إنهاء الحرب على قطاع غزة، أو حتى سمح بإيجاد مسار ملزم لإنهائها، مبالغاً فيه؛ وإنْ كانت هذه الخشية موجودة بقدْر ما. ذلك أن سقوط الحكومة، في حال حصوله، لن يقتصر على رأسها، نتنياهو، وحزبه، «الليكود»، بل سينسحب أيضاً على مَن يهدّد بإسقاطها، أي ثنائي الصهيونية الدينية من أقصى اليمين: وزيرا المالية بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير. وإذا كان «الليكود» يرى في استمرار الحكومة خدمةً لمصالحه الشخصية وتطلّعاته الخاصة، فإن بقاءها يخدم أوّلاً، وقبل نتنياهو، أجندة اليمين الفاشي، والذي لن يجد فرصةً مؤاتية أكثر من تلك القائمة حالياً لتحقيق طموحاته، في حين أن تنفيذ تهديداته بإسقاط الحكومة والتوجّه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، قد لا تكون عودته إلى السلطة مضمونة معهما. وممّا تقدّم، يمكن الإشارة إلى الآتي:
أولاً: لدى حزبَي الصهيونية الدينية مصلحة في استمرار الحرب على غزة، من أجل استكمال السيطرة على القطاع، وإفراغه من سكانه الفلسطينيين، تمهيداً لاستئناف الاستيطان، الذي لم يكن وارداً في مخيلة هؤلاء في مرحلة ما قبل الحرب.

ثانياً: لدى الحزبَين أيضاً مصالح واسعة النطاق في الضفة الغربية، وسط تطلّعهما إلى إمكانية السيطرة على الأراضي الفلسطينية فيها، ومنها تلك المصنّفة «ب» أو حتى «أ»، بعدما لم تَعُد شهية المصادرة والاستيطان مقتصرة على المناطق «ج»، والتي كانت حتى الأمس القريب أقصى ما يمكن الحركة الاستيطانية التفكير فيه، وفقاً للمعادلات السائدة قبل الحرب.

ثالثاً: لدى الحزبَين تطلعات خاصة كانت مدار بحث ومطالبة من قِبَلهما، وإنْ لم تجد آذاناً صاغية كافية، وتحديداً في الضفة الغربية التي يراد ضمّها بالكامل إلى إسرائيل، بعدما خرج الضم من دائرة اللامعقولية في القاموس السياسي الإسرائيلي. وبحسب التعبيرات السائدة لدى المستوطنين وقياداتهم، فإن الفرصة لتحقيق ذلك ماثلة، ولا يجب تفويتها.

بناء عليه، فإن أيّ تهديد بإسقاط الحكومة عبر انسحاب مكوّناتها من الصهيونية الدينية، سيعني تعرقل المشروع الاستيطاني نفسه، والذي يتخذ من الحرب مظلة للتمهيد لإحلال شعب مكان آخر في الضفة أيضاً، بما يتسق مع مقصد الحركة الاستيطانية في فلسطين المحتلة عموماً. وتشير التقديرات الأكثر ترجيحاً إلى أن أيّ ظرف يلي وقف الحرب لن يكون أكثر ملاءمة للحركة الاستيطانية، فيما سيكون أقلّ إشكالية بالنسبة إلى نتنياهو وحزبه ومشروعه السياسي وتطلّعاته إلى تخطّي العقبات القضائية والتّهم الموجّهة إليه. ومن هنا، من شأن سقوط الحكومة أن يتسبّب في ضرر ممتدّ بالنسبة إلى حزبَي الاستيطان، وخاصةً في حال سقوطها على خلفية وقف الحرب، فيما ستكون خسارة نتنياهو محدودة، وربّما يكون إنهاء القتال فرصةً له وليس تهديداً، في حال إجراء انتخابات مبكرة قد تسفر عن نتائج لا تغيّر كثيراً من المشهد السياسي وخريطة الائتلافات.

تستمرّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لأن في مقدور إسرائيل الاستمرار بها

وسيكون نتنياهو معنيّاً، بالتالي، في حال سقوط الحكومة، بأن يعمل على الفوز في الانتخابات المبكرة، هو ومَن معه حالياً في الائتلاف الحكومي، على أن يصار إلى إعادة تشكيل هذا الأخير، الذي يصعب على المراقبين توقّع ولادته بغير الصورة الحالية. بتعبير آخر، فإن خسارة نتنياهو الوضع القائم، ستجبره على طلب استنساخه من جديد، مع تغييرات قد تطرأ على الخريطة السياسية اليمينية، تسمح له باستقدام أحزاب يمينية أخرى موجودة على الساحة أو يمكن أن تنشأ في ظرف انتخابي لاحق، ما يحدّ من سيطرة الحزبَين الصهيونيَّين القوميَّين الحاليَّين، علماً أن أحداً لا يتخيّل في إطار المعادلات القائمة والمرجّحة لاحقاً، أن يشكّل نتنياهو حكومة من دون هؤلاء، ومن دون الشركاء الطبيعيين من الحريديم.

بالنتيجة، إذا كانت مصلحة نتنياهو من استمرار الحرب شخصية ربطاً بأهداف خاصّة تتعلّق بالمكانة والتهرّب من الاستحقاقات، فهي من ناحية حلفائه مصلحة متصلة بمشروع استيطاني على خلفية عقائدية، يعمل أصحابه على تنفيذه واستكماله منذ ما قبل زرْع إسرائيل في فلسطين التاريخية. ومن هنا، يتضح أنه لا يوجد تهديد واقعي بإسقاط الحكومة على خلفية وقف الحرب، كما لا يوجد مهدِّدون فعليّون، ولا جهة يوجَّه إليها التهديد، بل لا مصلحة لمَن يهدّد بأن ينفّذ تهديده. فلماذا إذاً تستمر الحرب؟

لأن في مقدور إسرائيل الاستمرار فيها، ولأن الحكومة لا تمتلك حلولاً مؤاتية للمصالح الإسرائيلية، الأمنية والسياسية، لمرحلة ما بعدها؛ ذلك أن كل الخيارات المطروحة على طاولة البحث، تستلزم من تل أبيب تراجعاً أمام الفلسطينيين، وإنْ كانت الجهات الفلسطينية التي يفترض أن تتنازل أمامها، هي غير فصائل المقاومة التي تخوض الحرب ضدّها. والتعبير الأكثر دقّة، أنه ليس في جعبة إسرائيل رؤية لغزة، قابلة للتنفيذ، ما يلزم استمرار الحرب في انتظار بلورة الخيارات البديلة. وهكذا، فإن فقدان الترتيبات السياسية والأمنية لليوم الذي يلي الحرب؛ وكذلك محدودية الكلفة والخسائر قياساً إلى الفوائد، يسمحان لنتنياهو وائتلافه والمؤسسة العسكرية كما السياسية، بالتماشي مع منع إنهاء الحرب، وإنْ كانت فائدة انتظار البدائل هي التي تحكم التوجهات وقياس المعادلات، في المرحلة الحالية.

على أن تبدّل الظروف، يؤدي إلى تبدّل الأولويات، بعد أن ترتفع كلفة استمرار الحرب، وإنْ ضمن الضوابط والمحددات المشار إليها هنا. وبلا تغير للظرف وارتفاع للكلفة، يمكن لإسرائيل أن تواصل حربها، وأن تتجنّب خيارات ليست مثالية لمرحلة ما بعدها، علماً أن إسرائيل تدرك، للأسف، أن ما فات لن يكون أصعب ممّا سيأتي، ما يتيح لها التسويف والمماطلة إلى حدهما الأقصى، وهذا هو الدافع السياسي الحقيقي لمنع إنهاء الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب