سوريا في انتظار المؤتمر الوطني لملئ الفراغ الدستوري
سوريا في انتظار المؤتمر الوطني لملئ الفراغ الدستوري
بقلم رئيس التحرير
الإدارة السياسية الجديدة في دمشق صرحت إنه سيتم “تجميد الدستور والبرلمان مؤقتاً” وسيتم العمل على تشكيل لجنة خبراء لإجراء التعديلات اللازمة على الدستور، فيما تستمر الحكومة الانتقالية بإرسال تطمينات إلى قادة الدول الغربية متعهدة “بإقامة دولة قانون في سورية واحترام وحماية جميع الطوائف”، فيما أعربت مجموعة دول السبع عن استعدادها لدعم حكومة سورية “جامعة وغير طائفية” وأعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية التابعة للحكومة السورية الانتقالية عبيدة أرناؤوط، الخميس 12/12، تجميد الدستور والبرلمان لمدة ثلاثة أشهر، المدة التي تستغرقها إضافة التعديلات الدستورية بعد الإطاحة بنظام الأسد، بما يكفل انتقال السلطة من حكومة الإنقاذ إلى الحكومة الجديدة في البلاد.
في ظل الوضع المؤقت تعيش سوريا حاله من الفراغ الدستوري و يناشد العاملون في الشأن العام السلطات الجديدة ملء الفراغ التشريعي، من خلال إصدار إعلان دستوري مؤقت، كما هو متعارف عليه، أو ما ينوب عنه، ريثما تتم كتابة الدستور الجديد الذي لن يبصر النور، طبقاً لما أعلنه قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، قبل ثلاث سنوات كحدٍّ أدنى. واكتسبت تلك الدعوات طابعاً ملحّاً، في خضمّ التخبط الذي تواجهه الحكومة الحالية في إدارة البلاد، بسبب غياب أي مصدر تشريعي واضح يحكم باسم الشعب.
واستنادا للتغيرات في سوريا وسقوط النظام السياسي فيها ما يعني نظريا ، انتهاء العقد الاجتماعي السابق وضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد يستجيب للإرادة الشعبية ومتطلباتها المستجدة يحكم البلاد ويجنّبها الفراغ، وهذا يحتم على القوى الثورية الجديدة اعتماد وسلوك أحد المسارين فإما تعمل الاداره الجديدة التوافق على اعتماد الدستور السابق للبلاد، وهو ما لا يتماشى، على الأرجح، مع متطلبات المرحلة الحالية. وأما السلوك الثاني وهو المفضل ، فيقضي بإصدار إعلان دستوري مؤقت يشكل مرجعية الإدارة الجديدة و ينص على إسقاط الدستور القائم، وتفويض الإرادة الشعبية بصياغة عقد اجتماعي جديد.
خبراء في القانون الدولي برأيهم أن التأخر في إصدار صك دستوري يملأ الفراغ التشريعي سيربك عمل الدولة، لعدم وجود سلطة محددة تتولى عمل المشرع وإصدار التشريعات اللازمة.
وهذا يعكس حالة الإرباك في التأجيل المتكرّر لموعد انطلاق المؤتمر السوري الوطني، ويعكس حالة ارتباك الإدارة الجديدة في إدارة ملف المرحلة الانتقالية. ومنذ لحظة إعلان أحمد الشرع نيّته عقد المؤتمر، طغى على التعامل مع هذا الملفّ تعقيدات ما زالت تعترض عملية الاستقرار وعبور المرحلة الانتقالية بسلاسة وتوافق السوريين بمختلف مشاربهم إلى الحدّ الأدنى من متطلّبات المرحلة الجديدة
وكانت قد وجّهت انتقادات إلى طريقة تعامل الإدارة السورية مع انعقاد المؤتمر لعدم اتسامها بالشفافية ولغياب المعايير الواضحة في تشكيل اللجنة التحضيرية، وعدم الإعلان عن أسماء أعضائها، كذلك عدم إعلان آليات تحديد المشاركين الذين قيل إنّ عددهم قد يصل إلى 1200 مدعو، وأسباب اختيارهم وما هي خلفياتهم وكيف تمّ التأكد من تمثيلهم للفئات التي سوف يقسم المدعوّون على أساسها.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الانتقادات الداخلية هي التي دفعت الإدارة الجديدة إلى تأجيل موعد انعقاد المؤتمر أو ثمة أسباب خارجية لهذا التأجيل، خصوصاً أنه لوحظ أن ترحيل موعد انعقاده إلى أجل غير محدد جاء بعد زيارة الوفد السوري المملكة العربية السعودية، وكذلك بعد انتهاء زيارة وزيري خارجية ألمانيا وفرنسا لدمشق.
وتنقسم الآراء في سوريا بشأن المؤتمر وموعد انطلاقه، إذ يرى البعض أن المجتمع السوري بحاجة إلى وقت أطول كي يعيد تنظيم نفسه ويفرز قيادات تمثله. بينما يتخوف آخرون من أن تستغل الإدارة الجديدة الفراغ الدستوري لتوطيد حكمها وتقوية قبضتها على مفاصل الدولة، الأمر الذي سيجعل من مقررات أي مؤتمر مجرد شرعنة لتصرفاتها وإجراءاتها.
عملياً، فإن الإدارة الجديدة لم تمهل السوريين الكثير من الوقت قبل أن تبدأ باتخاذ إجراءات حاسمة وتسارع إلى إصدار قرارات جديدة لتأسيس جيش جديد قبل أن يتضح مصير ضباط وعناصر في الجيش السابق، كما قررت حل العديد من مؤسسات الدولة كالأجهزة الأمنية بفروعها كافة، وهيئة الرقابة والتفتيش، ومؤسسة الجمارك، واستبدلتها بالهيئة العامة للمعابر البرية والبحرية، وغيرت هوية الاقتصاد إلى اقتصاد السوق الحر مع ما استتبعه ذلك من سماح بالتعامل بعملتي الدولار والليرة التركية، وكان آخر إجراءاتها التي لاقت اعتراضاً واسعاً تغيير وزارة التربية مناهج التعليم.
وتجدر الإشارة إلى ظاهرة فريدة في سوريا انبثقت من التغيير الذي شهدته إطاحة نظام بشار الأسد، تمثلت في محاولات كبيرة تبذلها أطراف مختلفة بهدف احتواء الإدارة الجديدة والعمل على إنجاحها، وإن تطلب ذلك السكوت عن بعض الانتهاكات أو الأخطاء التي تحصل هنا وهناك.
وفي السياق، يرى المحامي عارف الشعال أنّ “الإرباك الراهن أمر طبيعي، نظراً إلى أنّه لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث، تنجح انتفاضة شعبية مسلحة في تغيير نظام الحكم”. ويتابع “على ما يبدو، تريد الإدارة الجديدة وضع إعلان دستوري يمرّ عبر (المؤتمر الوطني)، وهي مهمة طويلة نسبياً”. وعليه، وإلى حين تحقيق ذلك، ينصح الشعال بإصدار “مجموعة صكوك” لإدارة البلاد، على غرار ما فعله الرئيس السوري الأسبق، حسني الزعيم، بعدما أصدر مراسيم متلاحقة كبديل من الإعلان الدستوري، منحته كامل السلطات الدستورية”. وطبقاً للمصدر نفسه، ما من رادع قانوني يمنع الشرع من إصدار “صك أو عدد من الصكوك، يتولى بموجبها الصلاحيات الدستورية مؤقتاً، بغية تسيير أمور الدولة” هذا وقد قدمت ، مجموعة من المشرّعين السياسيين السوريين مشروع إعلان مبادئ دستورية عامة، بإجماع حوالي 50 شخصاً من ممثلي عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وشخصيات مستقلة سياسية وفكرية داخل سوريا وخارجها. وتمّ التوصل إلى الصياغة العامة للإعلان بعد عقد ورشة قانونية، فيما من المخطط طرحها على الجمهور لتلقّي اقتراحاته، وإجراء التعديلات اللازمة بناءً عليها، بهدف التوصل “إلى دستور متفق عليه من غالبية السوريين” وقد بات من الواجب الوطني ومن المؤثرين في الشأن السوري المساهمة وبشكل سريع لرسم معالم سوريا الجديدة بما يحفظ وحدتها السياسية والجغرافية ويفوت المؤامرات التي تستهدف تجزئة وتقسيم سوريا وهذا يتطلب سرعة ملئ الفراغ الدستوري من خلال هيئة تأسيسية شرعية، تمثل المكونات السورية كافةً، مع الأخذ في الاعتبار الخبرات القانونية والدستورية والسيرة الذاتية لأيّ لجنة يتم اعتمادها” إلى حين عقد المؤتمر الوطني والتوافق على دستور يكفل للسوريين وحدتهم وحريتهم ويخلصهم من تبعات الطائفية والانقسام والتسلط الذي عانوا منه لقرون