مقالات

الإسلاميون في سوريا… قراءة وتوقعات

الإسلاميون في سوريا… قراءة وتوقعات

صادق الطائي

منذ سقوط نظام الأسد في سوريا، والكل ينظر إلى البديل الإسلامي الذي تقدم الصفوف وتبوأ مكان الصدارة في النظام الجديد. اختلفت التوقعات، وتنوعت قراءات المشهد اعتمادا على خلفيات ودوافع القارئين. إذ لا يريد المتشائمون من التغيير تناسي الخلفية الجهادية القريبة لهيئة تحرير الشام، وتحولات زعيمها أحمد الشرع/ الجولاني البراغماتي، والإشارة إلى التحول من ولائه لتنظيم الدولة/ «داعش»، إلى مبايعته تنظيم «القاعدة» وتحوله لقائد «جبهة النصرة»، وصولا إلى ما هو عليه اليوم في «هيئة تحرير الشام» المدعومة تركيا.
بينما يرى المتفائلون أن من أمسكوا بالسلطة الانتقالية يحاولون جاهدين أن يطرحوا نموذجا يمكن أن يوصف بأنه (إسلامي ديمقراطي) يقوم في العديد من جوانبه على استلهام تجربة حزب العدالة والتنمية التركي المتربع على هرم السلطة في تركيا العلمانية منذ ربع قرن، ويحكم بلدا متنوعا، طائفيا ودينيا وعرقيا، وينجح في كونه حزبا برامجيا يقدم مصلحة المواطن على النشاطات الدعوية، التي تمارسها الحركات والأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط.

يحاول إسلاميو سوريا الظهور بمظهر الإسلاميين الديمقراطيين، ويعدون بالكثير، ويأملون أن تكون خطواتهم المقبلة المدعومة تركيا وخليجيا، مدخلا لتجربة إسلامية ناجحة

في قراءة سريعة لأحداث المنطقة، منذ بداية انتفاضات الربيع العربي عام 2011 حتى الآن، يمكننا أن نؤشر لتقدم الإسلاميين على باقي التنظيمات الليبرالية واليسارية والحزبية التقليدية، ففي تجارب تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، شهدنا حراكات شعبية يجمعها محرك واحد هو إسقاط الأنظمة الشمولية التي تكلست على كراسي الحكم لعقود. ونتيجة الطبيعة الشمولية التي عاشتها بلدان الربيع العربي، التي لم تحظ بفرصة وجود معارضة سياسية حقيقية تتشكل في ظروف صحية، بل كان هناك بعض الهياكل الكارتونية الزائفة للأحزاب خارج سلطة الحزب الواحد، وفي الوقت نفسه كان هنالك حراك حقيقي يفور تحت الأرض لعب الإسلاميون فيه الدور الأبرز، وكانت النتيجة سيطرة الأحزاب والحركات الإسلامية المعتدلة والمتشددة، على الحياة السياسية بعد إطاحة الأنظمة الشمولية في دول الربيع العربي.
كان الإسلاميون قد بنوا تنظيمات ذات هيكليات سياسية راسخة، ونشاطات معارضة صلبة، جعلتها تتمتع بحاضنات مجتمعية واسعة نسبيا، الأمر الذي أهلها بعد سقوط الأنظمة الشمولية، إلى أن توجه شارعها أثناء متنفس الدرس الديمقراطي الانتخابي الأول، وتستحوذ على أغلبيات مريحة في برلمانات وحكومات ما بعد التغيير. هذا الأمر أثار رعب العديد من المراقبين، وتخوف العديد من الدول من التعامل مع الإسلاميين، الذين سيمسكون بقياد الدول بعد التغيير. ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن التحديات التي واجهت الإسلاميين في تجربة الحكم، هي وجوب إحداث انتقال من الأيديولوجيا الخطابية إلى السياسات العملية، ومن سياسات وخطابات الهوية، إلى المشكلات والبرامج الحياتية اليومية. ذلك كله أدى إلى خسارة الإسلاميين الهالة التي تمتعوا بها في مرحلة المعارضة والوعود الإسلامية المرتبطة بالهويات الإحيائية التي أطلقوها طوال حقبة طويلة الأمد في ظل النظم الشمولية.
إن فقدان بريق المعارضة والتوغل في العمل السياسي، بما فيه من أمراض وأزمات ومشكلات، نفض عنهم المخيال الشعبي بوصفهم مختلفين جذريا عمّن كانوا في السلطة، فإذا بهم يقعون في كثير من المشكلات والأزمات، وظهر جليا أنهم لا يملكون الحلول السحرية، التي كانوا يوهمون الشارع بأنهم يمتلكونها، وإذا بهم لا يختلفون عن النظم الشمولية السابقة، وإنهم خاضوا مشكلات مضاعفة التأثير نتيجة الإحباط والفشل المركب الذي تحمل وزره الإسلاميون بعد أن تحملوا نتائج ما ورثوه من مشاكل حقبة الأنظمة الاستبدادية. الكل يتذكر السقوط المدوي لحزب الحرية والعدالة المصري، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين، بعد حوالي عام من حكم الرئيس محمد مرسي، إذ أطاح به انقلاب عسكري مدعوم بحراك الشارع المصري في حزيران/يونيو 2013. كذلك الحال في تونس عندما انقلب الرئيس المنتخب قيس سعيد على السلطة التشريعية وقام بحل البرلمان، ولاحق حزب النهضة/تنظيم الإخوان المسلمين التونسي، وأودع الكثير من قياداتهم وكوادرهم في السجون، في حركة إقصاء للإسلاميين من الحياة السياسية في تونس. أما الحال في ليبيا فقد كان مختلفا، إذ شهدت البلاد انقساما حادا جعلها ترزح تحت حكم حكومتين متحاربتين، حكومة الوفاق الوطني القريبة من الإسلاميين، التي تسيطر على العاصمة طرابلس، والحكومة الليبية المؤقتة بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر التي تسيطر على شرق البلاد وعاصمتها بنغازي. بينما كان المشهد في المملكة المغربية أقل عنفا ودموية، فبعد أن فاز الإخوان المسلمون وجناحهم السياسي حزب العدالة والتنمية، برئاسة عبد الإله بنكيران، لكن ما لبث إدائهم السياسي بالتراجع، الأمر الذي أدى إلى العديد من المشاكل، والنتيجة سقوط حكومة بنكيران بعد خسارتهم الانتخابات في ايلول/سبتمبر 2021، وتراجع وجودهم السياسي على الخريطة السياسية المغربية.
اليوم نحن إزاء محاولة إسلامية جديدة في سوريا، يحاول القائمون عليها أن يطرحوا رؤيتهم للوضع، عبر منظار يحاول التماهي مع رؤية حزب العدالة والتنمية التركي، ويحاول إسلاميو سوريا الظهور بمظهر الإسلاميين الديمقراطيين، ويعدون بالكثير. ويأملون أن تكون خطواتهم المقبلة المدعومة تركيا وخليجيا، مدخلا لتجربة إسلامية ناجحة، فهل ينجحون فيما فشل فيه إسلاميو المنطقة في التجارب السابقة؟ من التحديات التي يضعها المراقبون نصب أعينهم وهم يناقشون طموحات «هيئة تحرير الشام» بثوبها الجديد هو الوضع السوري المتشظي والخائف من سيطرة لون واحد من الطيف المجتمعي والسياسي على مقدرات بلد إشكالي مثل سوريا. كما لا تغيب عن المشهد قدرات أكراد سوريا وقيادتهم السياسية الممثلة بـ(قسد) وما حققته على أرض الواقع السياسي، الذي جعل من روج آفا (كردستان سوريا) رقما صعبا في المعادلة السياسية، التي من الواضح من طروحات الكرد السياسية أنهم غير راغبين بالمرة بالتنازل عما حققوه من حكم ذاتي طوال أكثر من عقد من الزمن، وبالتالي رفض الكرد الرضوخ مجددا لحكومة مركزية تفرض فيها دمشق إرادتها عليهم.
كما أن وجود الخاسرين جراء التغير السياسي الذي حصل، ما زال يتحكم بعدد من الحلقات الشائكة في الملف السوري، فالقواعد الروسية في حميميم وطرطوس ما زالت موضع شد وجذب، بعد تغير المعادلات الاستراتيجية في سوريا. كما أن النفوذ الإيراني الذي تعرض لضربات قاتلة كانت نتيجتها تقطيع أوصال محور النفوذ الإيراني، الذي لن يتنازل عنه الإيرانيون بسهولة، ويعلق عدد من المراقبين بالقول، إن التدخل الإيراني وإشعال حرب أهلية جديدة في سوريا مقبل لا محالة.
لكن البعض يعول على تضخم الدور الأمريكي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وبعد أن كانت الولايات المتحدة متقوقعة في قاعدة التنف شرق سوريا ومتحالفة مع قوات (قسد) لحمايتها من تهديد القوات التركية، بات الدور الأمريكي اليوم أكثر تأثيرا، إذ انتقلت القوات الأمريكية إلى قواعد جديدة في عين العرب (كوباني) لتقول لأنقرة، إنها يجب أن تحسب حساب اللاعب الجديد بشكل جدي، لكن من ناحية أخرى يشير بعض المراقبين إلى أن الرئيس ترامب الذي سيدخل البيت الابيض في 20 كانون الثاني/يناير لا يرغب في التورط في صراعات ومشاكل الشرق الأوسط ، وبالتالي سوف تتراجع أهمية القوات الامريكية في سوريا إلى حدها الادنى.
ويبقى التهديد الإسرائيلي المتمدد في قرى القنيطرة ودرعا وعملياته العسكرية في جنوب سوريا، خطرا داهما يهدد أداء أي حكومة مقبلة، مع الأخذ بنظر الاعتبار الإصرار الصهيوني على تدمير القدرات الدفاعية العسكرية السورية بضربات الطيران الإسرائيلي الذي بات يصول ويجول في سماء سوريا، من دون أي ضابط، فماذا سيفعل الإسلاميون حيال هذا التهديد البنيوي لوجودهم؟
إن منظومات الفساد الممنهج طوال أكثر من نصف قرن من الحكم الشمولي، تضاف لها العقوبات الاقتصادية الدولية، وفواتير الحرب الأهلية طويلة الأمد، كل ذلك خلق من سوريا بلدا مدمرا اقتصاديا، ويحتاج إلى تعاون دولي لإعادة الحيوية إليه. فهل يستطيع الإسلاميون إدارة مثل هذه التركة الثقيلة والوصول بها إلى بر الامان؟
كاتب عراقي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب