نداء لحكومة إسرائيل: لا طاقة للجيش بفتح ساحة حرب جديدة في الضفة الغربية
نداء لحكومة إسرائيل: لا طاقة للجيش بفتح ساحة حرب جديدة في الضفة الغربية
قبل أن تتبين هوية المخربين الذين نفذوا العملية قرب “كدوميم”، من الصعب تفادي الإحساس بأن كل شيء يرتبط بكل شيء: مفاوضات تحرير المخطوفين، والعمليات الجارية في غزة، والضغط على إيران، ودخول ترامب إلى البيت الأبيض ومستقبل السلطة الفلسطينية ومسائل إسرائيلية داخلية وعلى رأسها قانون التملص من التجنيد الذي تعمل عليه الكنيست.
العملية نفسها قامت على أساس استعداد مسبق لمخربين ولمعرفتهم بالمنطقة. اختاروا المكان مسبقاً بما في ذلك طرق الوصول ومسارات الفرار. كما اختاروا الساعة حين تكون حركة السير بطيئة في الصباح ويسهل المس بمسافري المركبات. كما خططوا لقتل أكبر عدد من الإسرائيليين، ولم يمنعهم من ذلك إلا رد فعل المواطنين المسلحين الذي دفعهم للفرار. يبدو أن التفصيل الوحيد الذي لم يقدروه على نحو صحيح هو تحصين الباص الذي منعهم من ذبح مسافرين.
تبرز هذه العملية بسبب نتائجها الفتاكة، مقتل ثلاثة وإصابة ثمانية، لكنها لا تختلف عن محاولات العمليات الأخرى. المنطقة مليئة بالسلاح، ودوافع المخربين في السماء لجملة أسباب: الضغط من جانب قيادة حماس في غزة بإشعال “المناطق” [الضفة الغربية]، والضغط الموازي من جهة إيران (المسنود بالمال)، والأزمة الاقتصادية المتعاظمة جراء الإغلاق المتواصل، وأحياناً الرد المضاد لأعمال السلطة الفلسطينية في جنين في الأسابيع الأخيرة.
هذه الأسباب ليست جديدة. منذ بداية الحرب وحماس تحث الفلسطينيين في الضفة على الخروج إلى الشوارع، للتظاهر والتضامن مع إخوانهم في غزة. رغم شعبيتها في الضفة، كانت استجابة السكان متدنية جداً. فلا مصلحة لهم في تجريب ما يمر به سكان غزة، بل يفضلون الانحناء حتى مرور العاصفة. ولحماس خلايا عديدة في الضفة ينجح بعضها قبل أن يحبطها “الشاباك” والجيش. هذا سباق دائم، ويد إسرائيل فيه هي العليا في الغالبية الساحقة من الحالات، لكن لا يوجد نجاح 100 في المئة.
إيران، كما أسلفنا تساند ضغط حماس بضغط موازٍ من جهتها. في السنة الماضية، سرعت تحويل الأموال والسلاح إلى المخربين في الضفة. يدور الحديث عن عصابات محلية تعمل في مخيمات اللاجئين، يقيم معها رجال “فيلق القدس” الإيراني اتصالاً من خلال الشبكات الاجتماعية. هنا أيضاً يبذل جهاز الأمن جهداً عظيماً في قطع هذا الاتصال، بنجاح لا بأس به، لكنه ليس كاملاً.
من خلف الكواليس: إيران
كما هو الحال دوماً، المال هو الخاصرة الرخوة، الذي يتم تحويله بطرق متعددة وأساساً بواسطة الصرافين – ومسألة السلاح. الجهد الإيراني يتضمن تهريب السلاح المتطور، بما في ذلك العبوات الناسفة المتطورة وصواريخ الكتف. التقدير هو أن معظم هذه الإرساليات صدت في الأردن أو على الحدود، إلا أن هناك تخوفاً من نجاح بعضها في الوصول إلى المنطقة المليئة بالسلاح الذي اشتري من تجار سلاح في إسرائيل (أساساً من عائلات الجريمة) الذي سرق من قواعد الجيش الإسرائيلي أو ينتج ذاتياً في الضفة.
عمليات السلطة الفلسطينية في جنين تتلقى قسماً من هذه التحديات، وقتل في أثنائها حتى الآن ستة من الشرطة الفلسطينية. إسرائيل تبارك هذه العمليات بسبب رغبتها في رؤية دور أكبر للسلطة في مكافحة الإرهاب؛ لأن كل مخرب أو عبوة يلتقيان قوات فلسطينية لا يلتقيان قوات (أو مدنيين) إسرائيليين.
هذه العمليات التي تقوم بها السلطة بدأت بعد سرقة سيارات في جنين، لكن يبدو أن الفلسطينيين يسعون أيضاً ليثبتوا لإدارة ترامب بأنهم شركاء في الصراع بين الأخيار والأشرار في المنطقة.
كثيرون في إسرائيل يؤمنون بأن دخول ترامب إلى البيت الأبيض بعد 13 يوماً سيمنح إسرائيل إمكانية لفعل كل ما يروقها في كل الجبهات، بما في ذلك في الضفة: تغريدة نشرها أمس وزير المالية سموتريتش، تعهد بها العمل على تفكيك السلطة وإلغاء اتفاقات أوسلو، هي مثال جيد على ذلك، وإن كان ليس مؤكداً أن الأمريكيين سيعطونه ما يطلبه.
في فترة إدارة ترامب السابقة، أوقفت نية إسرائيل لضم الضفة واستبدلت بعد ذلك بخطة سلام إقليمية لم تنجح، لكن لا تزال على جدول الأعمال. مثل هذه الخطة كفيلة بأن تلزم إسرائيل أيضاً بتنازلات مقابل تطبيع العلاقات مع السعودية ودول عربية وإسلامية أخرى.
ضغوط من كل اتجاه
سلسلة العمليات الأخيرة في الضفة تستوجب أيضاً من جهاز الأمن التفكير بتعزيز القوات. في بداية الحرب، عمل نحو 30 كتيبة في المنطقة، وتقلص عددها باستمرار إلى 19 كتيبة في أواخر 2024. وينبع هذا من الحاجة العملياتية المتصاعدة في الجبهات الأخرى – مرة في غزة، وأخرى في لبنان، ومن سوريا، وأحياناً فيها معاً – لكن السطر الأخير يفيد بأن الجيش الإسرائيلي ليس لديه ما يكفي من القوات لأداء كل مهامه، خصوصاً حين يكون الهدف المعلن هو تقليص العبء عن جنود الاحتياط إلى حد أقصى من 70 يوماً في السنة.
هذا نداء صحوة للحكومة بأنه لا يمكن فرض مزيد من العبء على جيش الاحتياط وبالتأكيد وهي تعمل على إعفاء الحريديم من الخدمة.
سيضطر رئيس الوزراء هذه المرة أيضاً بالمناورة بين الضغوط السياسية في حكومته وبين الضغوط الدولية لإدارة بايدن في الأيام الأخيرة وعشية دخول ترامب إلى الحكم، فيما يتعاظم النقد الدولي على إسرائيل بسبب القتال المتواصل في غزة.
الضغوط الائتلافية ستزداد في حالة صفقة مخطوفين، وإن بدا أمس أن التقارير المتفائلة سبقت الواقع في غرف المفاوضات. يبدو أن الفجوات بين الطرفين لا تزال كبيرة وتستدعي تنازلات ومرونة للوصول إلى اتفاق يعيد عشرات المخطوفين، أحياء وأمواتاً، إلى الديار.
يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 7/1/2025