تهريج الطابور الخامس
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
سمعنا أكثر من مرة، من يتهددنا، يتوعدنا، بالويل والثبور وعظائم الأمور ويحذرنا إن تصدينا لخطط الفرس ومؤامراتهم، بالخلايا النائمة، وبقوى خفية كامنة، غير ظاهرة، وبقدرات وإمكانات لا نراها ولا قبل لنا بها، وجاء هذا التهديد على لسان رؤساء، وحكام، وشخصيات نافذة في الحكم وخارجه. والعقل السياسي العربي في سماته وسياقات عمله، لا يكترث كثيراً لمثل هذه التهويلات، ولكن هناك في معسكرنا من يريد أن يواصل مهمة التهديد والترغيب، فينطلق في التهويل وبث الذعر(كما يعتقد) ليواصل المهمة في إطار توزيع الأدوار والمهمات، بهدف التأثير في المعنويات وهز ثقة المواطن بكيانه بقياداته، ومحاولة للتأثير في المعركة بمهمة أشبة بالقصف المدفعي التمهيدي الذي يسبق الهجوم العام، لم يفكر الكثيرون منا، من هم يا ترى الخلايا النائمة، (وقد بات هذا المصطلح تحديداً على رأس الطلقات التحذيرية لتلك الجهات البائسة) التي يهددون بها في اليمن والخليج البحرين والكويت والإمارات وقطر والسعودية، أو القوى الكامنة ..؟ التي بها أيضاً يهددون.
المبالغة والتهويل صفة معروفة لمطلقي هذه الحملات الخلبية (الخلب: طلقة صوتية لا أثر فعلي لها) ونحن في العراق نعرفها أكثر من غيرنا، نعم نحن نقر أنهم متعبون في التعامل، ولكن في النهاية يرضخون للأمر الواقع ويلحسون تصريحاتهم بل بأمتنان وقلة حياء. نعم إنهم يلحقون ضرراً بعملية التنمية في بلداننا، ولكنهم يلحقون الضرر بأنفسهم بأكثر من ذلك، فالأموال الطائلة التي تنفق على الأسلحة والتآمر والتخريب ضررها بالدرجة الأولى على شعبهم إذ هي على حساب التنمية والخدمات في بلادهم قبل كل شيئ، ثم أن هذه الأساليب الملائية لا تبعث على الاحترام.
من هم الطابور الخامس في أقطارنا ..؟
الطابور الخامس عناصر لا تحمل السلاح لتقاتل العدو، ولكنها تعمل على تخريب الخطوط الدفاعية، في جبهتنا، ويتألف بالدرجة الأولى من جماهير البسطاء السذج، الذين غسلت أدمغتهم بصورة دقيقة ثم استغفلوهم ويخاطبونهم بلغة يستولون فيها على عواطفهم ورؤوسهم وغرائزهم، ليكون الناتج النهائي عناصر مطيعة تقاد إلى مصائرها حتف أنفها. ولكن الأخطر من ذلك أن مفاتيح هذا الطابور وهي تلك العناصر التي تؤلف بمجموعها وعملها الذي يشابه تكوين وعمل الفرقة الموسيقية، فهناك من يضع الخطة لرجال الطابور، ثم ليعزف كل على آلته لينتج لحناً في النهاية ملائماً لكلمات نص الأغنية. فالفرقة هذه تتألف من :
1. (بعض) من رجال الدين المجيرة ولائهم للدولة الفارسية، بصرف النظر عن طوائفهم.
2. سياسيون تم تجنديهم في ظروف وأوقات متفاوتة.
3. صحفيون حرفيون أو يمثلون اتجاهات قومية وتقدمية، والبعض منهم يساريون، ومن ديانات مختلفة، يعملون وفق مبدأ العلاقات العامة، والعمل بالقطعة وتأجير الخبرة والقدرة.
4. (بعض) مثقفون من اتجاهات مختلفة ممن يتعاملون مع الثقافة كمهنة علاقات عامة، وليس كأهداف نبيلة.
الطابور الخامس في بلادنا تشكل عبر عمل طويل كان قد قطع شوطاً حتى في عهد السافاك / نظام الشاه، وتواصل بناؤه بقوة في عهد الملالي الصفويون، وتطور ليبلغ درجة الولاء المسلح، ويلعب المال وشتى الإغراءات دوراً مهماً في كسب تلك العناصر، أو التهديد في بعض الحالات بالتصفية الجسدية، كما تعرض إلى ذلك إعلاميون وسياسيون وقادة رأي وشخصيات نافذة، في أكثر من قطر: سورية، لبنان، العراق. ولا نريد هنا أن نرد على كل ما يروج له الطابور الخامس.
سيقول لنا صحفي متأزم (ولا ندري ما هي أزمته ..!) أن الولايات المتحدة مستخذية الحكومات العربية، لمجرد أنه يريد أن يشعر بالسعادة لممارسة الشتيمة …! ومثله شعراء يمتهنون السب والشتيمة، فيسب أحدهم بلاده وشعبه ليبرهن أنه قد ألتحم بالغرب، أو ليقبض المزيد، أو ليظهر نفسه أنه من رجال الأدب الغاضب … وآخر يفهم الصحافة على الطريقة الأمريكية، أدفع نكتب لك ونروج مواقفك، وبعكسه سترى منا قذارة لسان يندى لها جبين الرداحات، لهذه الأسباب وغيرها، فأنا أعرف على سبيل المثال صحفياً عربياً، كان يأمل أن تغدق عليه السعودية .. تعطيه ليسكت، فتمادي في الشتيمة وتمادى، ولما لم يجد من الشتائم فائدة، لاذ بصمت …. هو صمت الحملان …!
سيأتي يوم سيصمت فيه مهرجوا الطابور الخامس ……. إذ لا يمكنك المراهنة على جهل الناس للأبد