مقالات

العهد الجديد والثلاثية المطلوبة للبناء الوطني للدولة بقلم المحامي حسن بيان- طليعة لبنان –

بقلم المحامي حسن بيان- طليعة لبنان -

العهد الجديد والثلاثية المطلوبة للبناء الوطني للدولة
بقلم المحامي حسن بيان- طليعة لبنان –
بعد سنتين وشهرين وعشرة ايام على الفراغ الرئاسي ، انتخب المجلس النيابي قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية باكثرية مريحة في الدورة الثانية من الجلسة الانتخابية التي عقدت في التاسع من كانون الثاني ٢٠٢٥ بحضور كافة اعضاء المجلس كما بحضور دبلوماسي ملفت للنظر.
بعد اداء القسم الدستوري ، وجه الرئيس المنتخب خطاباً الى المجلس والرأي العام ، حدّد فيه عناوين مايعتبره برنامج حكم ، بعضٌ مما انطوى عليه من بنود سبق وتم تناولها في كل خطابات القسم التي سبقت ، وكان اللبنانيون ينظرون اليها بارتياح لما تنطوي عليه نظرياً من توجهات اصلاحية. لكن الاحباط سرعان ما كان يخيم على الواقع السياسي بعد التربع على كرسي الرئاسة وبدء ادارة الحياة السياسية على قواعد المحاصصة .
بعد الا نتهاء من عملية ملء الشغور في موقع الرئاسة انطلقت عجلة اعادة الا نتظام لعمل مرافق الدولة انطلاقاً من تشكيل حكومة جديدة وفق ماينص عليه الدستور.
بعد استشارات يوم ماراتوني ، اسفر “البونتاج “، عن تسمية رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي كلمته التي وجهها بعد الاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا وتسلمه كتاب التكليف ، لاقى خطاب رئيس الجمهورية في العناوين الاساسية لما يمكن اعتباره خارطة حكم للعهد الجديد ، وموجهاً رسالة لمن اعتبر نفسه “وقع في كمين ” ، بعكس ماكان سبق وتم التفاهم عليه مع الرئيس المنتخب قبل انطلاق الدورة الثانية من التصويت ، بأن لا اقصاء لاحد وان اليد ممدودة للتعاون مع الجميع تحت سقف الدستور او ما درج على تسميته “بالكتاب “،وقد دخل الى الاجتماع الثلاثي متأبطاً به وبعد خروجه شاهر به الى الصحفيين عند توجيه رسالته من على منبر القصر الجمهوري.
وبعيداً عن السجالات ووجهات النظر التي اثيرت حول دستورية انتخاب قائد الجيش ، التي ينطلق بعضها من حسن نيةٍ وتمسكٍ بالنص الدستوري ، وبعض اخر يستبطن خلفيات لاعلاقة لها بالانتظام الدستوري . فإن ملء الشغور ، حصل على وقع شبه اجماع نيابي ، بحيث لم يعد الامكان تقديم مراجعة طعن بالعملية ، وبالتالي تصبح النتيجة مبرمة ، واستطراداً ،و حتى لو اقتضى الامرالبحث في مطابقة دستورية العملية الانتخابية بمقدماتها ونتائجها وتطلب الامر ايضاً تفسيراً لدستوريتها ، فان صلاحية تفسير الدستور مناطة بالمجلس ، وهو حكماً لن يعطي تفسيراً يناقض ماقرره وبما يؤدي الى اعتبار العملية غير دستورية وبالتالي القضاء ببطلانها ، وهو الذي صوت باكثرية تفوق الثلاثة ارباع لصالح الرئيس المنتخب.
بغض النظر عن كل هذا ، لان لبنان ومنذ نيله لاستقلاله ، لم يكن النص الدستوري هو الناظم الوحيد لادارة الشأن العام ، بل كانت تنشأ على جوانبه دائماً ماعرف بالاتفاقات التي ترتقي حد الميثاق او الاعراف والاخذ بها على قاعدة “المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً” ، او مابات يعرف بالسوابق ، بحيث يبنى اللاحق على السابق وهلم جراً.
ان المهم ، ان ملء الشغور في المرافق الدستورية والادراية وكل ماله علاقة بتسيير المرافق العامة افضل من الفراغ وانفع للعامة التي تعطلت مصالحها من جراء الخلل في بنية الدولة وهو ما ادى الى الغاء وظيفتها الحمائية والرعائية.
مما لاشك فيها ، ان ماورد في خطاب القسم وخطاب التكليف ، ترك ارتياحاً لدى” العامة “وان لم يكن الامر كذلك لدى “الخاصة ” ، التي استمرأت ادارتها للسلطة على قواعد المحاصصة ، ومارست الزبائية في الادارة بكل مراتبها ، وانتفخت جيوبها على حساب جيوب الناس وجني عمرهم ، وهو ماحوّل الفساد الى سمة من سمات الحكم الاساسية ،بحيث لم تعد السلطة معنية بادارة البلاد على قواعد الشفافية والحوكمة ، بل ادارتها على قواعد السمسرة والصفقات والتهريب وتجارة الممنوعات ، واخر موبقاتها السطو على اموال المودعين.
هذه السمات الاساسية لمن امسك بمفاصل السلطة على مدى عقود ، جعلت الفساد يعشعش في مفاصل الدولة العميقة ، وان المنتفعين والمستفيدين من ذلك ، هم ما باتوا يعرفون باطراف المنظومة الحاكمة ، وبالتالي فإن هذه الاطراف ستقاوم اية عملية تغييرية في حدها الاقصى او اصلاحية في حدها الادنى ويكون من شأنها ان تمس مصالحهم وما اعتادوا عليه خلال ممارستهم للحكم وفي مواقعهم الادارية.
ولهذا ، فإن مهمة الرئيسين ليست مهمة سهلة ، وطريقهما ليس مفروشاً بالورود ، بل المهمة صعبة والاشواك مغروزة على جوانب مسار الحكم ، والمطبات اكثر من ان تحصى على خط السير العام .
واذا كان يسجل للرئيس المنتخب ، كما الرئيس المكلف ، انهما لم يأتيا الى الحكم بالاستناد الى كتل نيابية وتسعى لحصص في السلطة ، بل انهما جاءا من رحم مؤسسات تحكمها قواعد الانضباط والانتظام والعدل والمساواة ، وهما بما انطوى عليه خطابيهما حاكا التوق الشعبي للتغيير ، فهذه ستكون عاملاً مساعداً للتحرر من ضغط الكتل التي تحيط بالموقعين .
لكن مع التشديد على اهمية المواصفات والمعطيات الشخصية لدى رئيس الجمهورية كما رئيس مجلس الوزراء ، فإنها لن يستطيعا ان يترجما خطابيهما الى مفردات عملية بسلاسة في ظل بنية السلطة القائمة ، لارتباط ذلك بالواقع الفاسد الذي يضرب في ببنية الدولة وطريقة الحكم التي ادارت البلاد بالعقلية الميلشياوية .
وبالتالي ، فإن الاصلاح والذي هو هدف شعبي منشود ، لا تحققه الرغبات الشخصية ، بل لابد من حاضنة شعبية ، كما رافعة سياسية.
واذا كانت الحاضنة الشعبية متوفرة ، فإن الرافعة السياسية وضعها ملتبس كون القوى التي تمتلك قوة تمثيل نيابي ، قادرة على تعطيل ومقاومة اية عملية اصلاحية في ظل غياب تنظيم الحركة الشعبية المعترضة على اداء المنظومة لغياب تنظيم صفوفها وتقديم نفسها رافعة سياسية للحكم الجديد بالعناوين الاصلاحية التي طرحها.
من هنا ، فإن على اهمية القضايا التي تم التطرق اليها في الخطابين ، خطاب القسم وخطاب التكليف ، إلا أن المدخل العملي للاصلاح في ظل تعقيدات الواقع الراهن ، إنما يكمن في مدى القدرة على اعادة تكوين السلطة والتي نقطة الارتكاز فيها هو التمثيل الشعبي الصحيح.
قد يكون مهماً ، ملء الشواغر في الادارة ، وتطبيق اللامركزية الادارية ، وفتح نافذة امل للمودعين وكشف الحقيقة في جريمة تفجير مرفا بيروت وانصاف الضحايا وغيرها من القضايا الحياتية . لكن الاهم من كل ذلك هو اعادة تشكيل السلطة التي تحاكي في اداءها البرنامج الاصلاحي ، وهذا لن يتحقق الا عبر السير على خط “ثلاثية” ،تندرج تحت ثلاثة عناوين. بحيث يكون تحقيقها هو المفتاح لباب الا نسداد امام الاصلاح والتغيير في العقلية والاداء. وهذه العناوين هي :
اولاً ، اقرار قانون استقلالية القضاء ، وثانياً ، اعادة النظر بقانون الانتخاب الحالي ووضع قانون اكثر عدلاً وصدقية للتمثيل الشعبي ، وثالثاً ، تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية واسقاط التمثيل الطائفي عن النيابي وتطبيق احكام المادة ٢٢ من الدستور والتي تنص على استحداث مجلس للشيوخ ، تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. كانتخاب الرئيس واقرار الموازنة واعلان الطوراىء وقضايا الحرب والسلم.
ان هذه الثلاثية ، هي التي يرى فيه دعاة التغيير والاصلاح ،كما العامة من الناس الذين اكتووا بنيران المحاصصة سبيلاً للخلاص الوطني بعد مرحلة من المعاناة واختبار الصبر والمصابرة. وهذه لن تتم بين ليلة وضحاها ، بل تتطلب جهداً وعملاً ، والفرصة مؤاتية امام العهد لان يؤسس لنظام جديد تحكمه قواعد العدل والمساواة والاسراع في ولوج هذا المسار مستفيداً من زخم القاعدة الشعبية العريضة التي تلتف حول العناوين الاصلاحية . ولهذا يجب التقاط الفرصة في زمن التحول الداخلي كما على مستوى الاقليم والمبادرة فوراً لاطلاق ورشة العمل لاعادة بناء الدولة بناء وطنياً ، وقبل ان تتمكن قوى المنظومة التي “اعادت انتشارها”، من الخروج من تأثير الصدمة التي اصابتها بالارتجاج النفسي والسياسي وتعاود الهجوم بعد اعادة ترتيب صفوفها ودفاعاتها ووضع العصي في دواليب عجلة الاصلاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب