الصحافه

نتنياهو يفشل في تقويض حكم حماس.. وجهود لتسريع الإعمار منعاً لاستئناف الحرب: هل تنجح مصر وقطر؟

نتنياهو يفشل في تقويض حكم حماس.. وجهود لتسريع الإعمار منعاً لاستئناف الحرب: هل تنجح مصر وقطر؟

تسفي برئيل

 إن دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وإعادة المخطوفين ليست سوى بداية عملية طويلة ومؤلمة، التي هي على بعد شعرة من انفجار وتحطم الأمل. أكثر مما يتعلق ببنود الاتفاق، وضمانات دول الوساطة وتهديد الرئيس ترامب بالجحيم، فإن تنفيذ الاتفاق مرهون بنوايا ونزوات حكومة إسرائيل وحماس. الصيغة الجزئية لا تفسر كل البروتوكولات والملحقات السرية، لكنها توضح التزام كل طرف والجدول الزمني لتنفيذ كل مرحلة، ومن الواضح من الصيغة ما الذي سيعتبر خرقاً للاتفاق. لكن الواقع على الأرض له حياة خاصة به، وكما أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على أن يكون المسؤول عن أي رصاصة تطلق من بندقية جندي، فإن حماس ليست الحاكم المطلق في غزة الذي يمكنه منع إطلاق صاروخ أو زرع عبوة على يد مخرب معارض للاتفاق. هذه الأحداث هي المادة المتفجرة التي ستفجر الاتفاق، والاتفاق الحالي أيضاً غير محصن أمامها.

لحماية الاتفاق من خروقات غير متعمدة والتأكد من تنفيذه، تشكل في القاهرة “غرفة عمليات” تشارك فيها إسرائيل وقطر وفلسطين والولايات المتحدة. غرفة العمليات هذه هي التي ستراقب ترتيبات تشغيل معبر رفح وإدارة إدخال المساعدات الإنسانية وتنسيقها – ضمن ذلك إدخال 600 شاحنة للمواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية، من بينها لا يقل عن 300 شاحنة ستصل إلى شمال القطاع و50 صهريجاً للوقود. يتوقع أن يأتي إلى القاهرة اليوم ممثلون عن الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن عن منحة بمبلغ 123 مليون دولار لصالح المساعدات الإنسانية، لتحديد ترتيبات العمل في المعبر.

حسب تقارير لوسائل إعلام عربية، فإن النية هي إعادة تشغيل آلية الرقابة والسيطرة التي تم تحديدها في اتفاق المعابر الذي وقعت عليه إسرائيل ومصر في 2005

حسب تقارير لوسائل إعلام عربية، فإن النية هي إعادة تشغيل آلية الرقابة والسيطرة التي تم تحديدها في اتفاق المعابر الذي وقعت عليه إسرائيل ومصر في 2005. وحسب هذا الاتفاق، إسرائيل يمكنها الرقابة “من بعيد” على الحركة في المعبر ووضع الفيتو على هوية من يدخلون ومواصفات البضائع التي ستدخل إلى القطاع، لكن ممثليها لا يمكنهم التواجد في المعبر. الترتيبات الجديدة التي ستدخل إلى حيز التنفيذ تستند إلى التفاهمات والخطة المطروحة في آب – بعد ثلاثة أشهر على سيطرة إسرائيل على المعبر – عندما ناقشت إسرائيل ومصر مسألة تشغيل معبر رفح. في حينه، رفضت إسرائيل اقتراح مصر أن يقوم ممثلون عن السلطة وممثلون من غزة غير مرتبطين بحماس، بالرقابة على الطرف الغزي في المعبر. ولكنها لم تنجح في بلورة آلية بديلة لإدارة المعبر وتوزيع المساعدات.

والخميس الماضي، وصل إلى القاهرة ممثل السلطة الفلسطينية نظمي مهنا، المسؤول عن المعابر والحدود، وأيمن قنديل، نائب الوزير حسين الشيخ، للمشاركة في النقاشات حول إدارة المعبر وترتيبات التنسيق مع مصر. يبدو أن إسرائيل لن تستطيع تجنب إشراك ممثلي السلطة في إدارة المعبر. وبخصوص قضية الرقابة وضمان توزيع المساعدات في القطاع، يبدو أن إسرائيل ستقف أمام واقع أرادت منعه خلال الحرب، ولكن بدون نجاح. وزارة داخلية حماس أعلنت أول أمس بأن رجالها ورجال الشرطة مستعدون الآن للانتشار في جميع المناطق التي تحتاج إلى عملهم، أي في نقاط المعبر ونقاط توزيع المساعدات لحماية المخازن، وفعلياً السيطرة على ترتيبات التوزيع. في هذا السياق، من غير الواضح حتى الآن ما هي قواعد الرد وفتح النار من قبل الجيش الإسرائيلي في الحالات التي سيطلق فيها رجال حماس النار على السارقين، لأنه يحظر على إسرائيل فتح النار على مسلحين ما لم يطلقوا النار على أهداف إسرائيلية أو على جنود الجيش الإسرائيلي. يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيواصل السياسة التي اتبعها حتى الآن، التي بحسبها استفادت عصابات مسلحة من حرية العمل – لكن حماس في هذه المرة هي التي يجب عليها السيطرة على هذه العصابات.

 مصر وقطر، عرابتا الاتفاق، هما الضامنتان لتنفيذه من قبل الطرف الفلسطيني، لكن العبء الرئيسي للتفعيل العملياتي على الأرض سيكون ملقى على القاهرة؛ فهي التي قد تنسق مع إسرائيل أي دخول للشاحنات، وتفحص التزام كل مواد الحمولة بالمعايير التي تم وضعها، والسماح أو منع (بموافقة من إسرائيل) خروج جرحى ومرضى بحاجة إلى العلاج، وبدخول سكان من غزة علقوا في الخارج قبل الحرب. هذه مهمة جاءت مع “مكافأة اقتصادية”: شركات في مصر، مرتبطة بالمخابرات المصرية أو بملكيتها، هي التي ستشغل خط المساعدات، وهي التي ستنفذ أعمال إعادة الإعمار الأولية، مثل إزالة الأنقاض وشق الشوارع المدمرة وبناء أماكن مؤقتة للسكن وإصلاح البنى التحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه.

 مصر راكمت تجربة كبيرة في إدارة مشاريع إعادة الإعمار في غزة. فقد نفذت مشاريع كهذه بعد عملية “الجرف الصامد”. شركة “أبناء سيناء”، التي هي بملكية رجل الأعمال البدوي إبراهيم العرجاني الذي لديه “امتياز” من قبل المخابرات المصرية، هي التي شغلت ونسقت نشاطات إدخال المساعدات، وحركة دخول وخروج السكان من القطاع وإليه قبل الحرب وخلالها، إلى حين إغلاق معبر رفح. هذه الشركة تعرضت لانتقاد شديد من قبل السكان في غزة، لأنه طلب منهم دفع آلاف الدولارات مقابل ترتيبات السفر والحصول على تأشيرات. ولكن نشر رؤساء العائلات والحمائل الكبيرة في قطاع غزة أول أمس “لائحة دفاع” عن الشركة. وكتب فيها بأن هذه العائلات تعبر عن مباركة “أي نشاط لمصر لإعادة إعمار غزة، وتقدير الدور الذي لعبته منذ بداية العدوان على غزة. إضافة إلى النشاطات التي تقوم بها الشركات المصرية، على رأسها شركة أبناء سيناء”.

 حسب تقديرات عامة، غير نهائية، فإن حجم الأضرار المباشرة في غزة تبلغ 18 مليار دولار، وإعادة الترميم تحتاج 30 – 40 مليار دولار. 1.8 مليون شخص بحاجة إلى بيت، ومئات آلاف الطلاب باتوا بلا مدارس. ولكن غزة ليست “البنت الوحيدة” التي تنتظر تجند الدول المانحة. ففي الطابور سوريا ولبنان الآن. وكل منها بحاجة إلى مساعدة بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة الإعمار شرط ضروري لاستقرار الأنظمة الجديدة التي تشكلت فيها في الفترة الأخيرة. رئيس سوريا، أحمد الشرع، ضمن لنفسه الآن مساعدة تركيا والسعودية وقطر. ولبنان ينتظر وجبات مساعدات مشابهة من الدول الغربية، السعودية وقطر.

 أما في غزة فالعبء الاقتصادي لإعادة الإعمار وتشغيل الأجهزة المدنية قد تتحمله قطر، وستعمل بواسطة شركات مصرية. وستظل قطر شريكة حيوية بصفتها الضامن لتنفيذ مراحل الاتفاق كلها. وتعمل على استكمال تنفيذ الاتفاق في مرحلتين بدلاً من ثلاث، كما أوضح أول أمس رئيس الحكومة فيها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة أجراها مع قناة “الجزيرة”. وأكد أن الاتفاق الموقع للتو يشبه في مضمونه الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها في كانون الأول 2023. وقال إن قطر تطمح إلى أن تكون المرحلة الثانية هي “المرحلة النهائية، التي ستنهي الحرب بالكامل بدون الحاجة إلى المرحلة الثالثة”.

 المرحلة الثالثة تتحدث عن خطة إعادة إعمار القطاع. يبدو أن قطر ومصر، اللتان تنويان أيضاً عقد مؤتمر دولي لتجنيد المنح لإعادة إعمار القطاع بعد انتهاء المرحلة الأولى للاتفاق، تعطيان أهمية كبيرة لترسيخ إجراءات إعادة الإعمار في المرحلة الأولى وتوسيعها في المرحلة الثانية. الافتراض أن تسريع التطوير وإعادة الإعمار قد يشكل كابحاً أمام استئناف الحرب في القطاع، ويساعد على استكمال المرحلة الثانية، التي تعد الأكثر حساسية وخطورة بسبب الضغوط السياسية في إسرائيل لاستئناف الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى. وثمة افتراض مشابه ساعد على الدفع قدماً باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لكن غزة قصة مختلفة كلياً، لأن عجز حكومة إسرائيل وتصميمها على عدم تشكيل أي بديل سلطوي، تمنح حماس الفرصة لإعادة إدارة القطاع برعاية اتفاق دولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب