مقالات

مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 4 والأخيرة) قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي

قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي

مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 4 والأخيرة)
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي
من أبرز الخصائص التي تميز التوتارية عن مختلف أنماط التسلط والدكتاتورية السابقة توسلها للظاهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابع الشرعية . فالاوتوقراطيون التقليديون فرضوا سلطتهم ولم يسعوا، في غالبيتهم ، لتبرير أنفسهم، والقلة التي سعت لم تتوسل المظهر الديمقراطي ولم تدع ان اساس شرعيتها هو إرادة جماهير الشعب . أما التوتالية فبدت وكأنها ملتزمة بالمبدأ القائل إن الأساس الوحيد المقبول لشرعية الحكم هو قبول المحكوم بالحكم وموافقه عليه. وهذا الالتزام الظاهري لم يعن، عمليا ، أن التوتالية تخلت عن جوهرها الاوتوقراطي. فالترجمة الفعلية لمفهوم الديمقراطية التوتالية هي ان إرادة القائد هي إرادة الشعب ، والشعب دائما على حق . ولكي يثبت القادة التوتاليون ان ارادتهم هي إرادة الشعب لجأوا إلى اسلوب الاستفتاء العام والتصويت التهليلي . وبهذه الطريقة اخرج القائد الساحر من القبعة الاوتوقراطية ارنبا اسماه الديموقراطية التوتالية.
وادعاء التوتاليين ان ديمقراطيتهم هي الديمقراطية الحقة والأصلية لم يمنع قادتهم من المجاهرة في رفضهم لأبسط قواعد الحكم الديمقراطي . موسوليني أظهر احتقارا واضحا للمبدا الذي يعطي الأكثرية العددية في النظام البرلماني حق الحكم وتوجيه المجتمع . كما أن هتلر قبل استلامه الحكم ، أعلن بصراحة ان هدف حزبه هو القضاء على النظام البرلماني من الداخل عن طريق الاستفادة من الأساليب البرلمانية نفسها. وقد نجح هتلر في شل فعالية مجلس النواب الألماني وجعله عاجزا عن الاشتراع وتوجيه الحكم. أما داخل أجهزة الحزب فقد اتخذت الديمقراطية طابعا شكليا محضا. فالقرارات تتخذ مسبقا ثم تعطى لاحقا مظهرا ديمقراطيا في اجتماعات الحزب.
لكن التوتالي لا يرى في التخلي عن مبدأ الأكثرية العددية ضمن النظام التمثيلي البرلماني عداء للديمقراطية . فالعودة المباشرة إلى المصدر ، إلى الشعب، هي الديمقراطية الحقة التي يمثلها افضل تمثيل القائد التوتالي . اذن القائد يعبر عن إرادة الشعب . ولكن كيف تتكون إرادة الشعب وكيف تحدد؟ هنا تكمن نقطة ضعف الديمقراطية الرئيسية.
لقد اثار حكم ستالين مشكلة تحريف العقيدة الماركسية. فإذا صح القول إن الفاشية تمثلت في موسوليني والنازية في هتلر، فمن الخطا القول إن الشيوعية تمثلت بستالين . ونلاحظ ان الفاشيين والنازيين تفاخروا بوصف أنظمة حكمهم بالتوتالية . أما الشيوعيون فاعتبروا التوتالية تهمة هم منها براء ، مدعين ان النظم الراسمالية توتالية في جوهرها وإن تسترت بغطاء ليبرالي مزيف . ومن دون أن ندخل في هذه المناظرة يفرض علينا الواقع ان نقر انه بالرغم من نجاح ستالين في السيطرة على الحزب الشيوعي ، ومن خلال الحزب على الدولة ، فإن هذا لا يعني ان الشيوعية أصبحت رديفا لستالين والستالينية. فليس في فكر ماركس وانغلس، ولا حتى في فكر لينين، اي اساس لمفهوم الستاليني ( وخاصة للممارسة الستالينية) للقائد ودورة . صحيح ان لينين ابتدأ ، واستطاع ان يكمل إلى حد بعيد ، عملية استيلاء الحزب على أجهزة الدولة والسيطرة عليها . لكن انتقال السلطة ( في عهد لينين) تم لمصلحة الحزب ، لا لمصلحة فرد أو قائد . إن انتهاج ستالين اسلوب حكم ينطبق عليه الكثير من مواصفات النظم التوتالية لا يجعل الشيوعية عقيدة توتالية. فبعد ثورة البروليتاريا يفترض ان تكون القيادة للحزب لا لفرد واحد . والدكتاتورية التي سوغتها العقيدة الشيوعية، ولو مرحليا هي ديكتاتورية الأكثرية ، اي البروليتاريا.
والمجتمع اللاطبقي ( الذي هو نهاية المطاف في الرؤية الماركسية) يعني انتصار المجتمع على الدولة ، سواء جاء هذا الانتصار عن طريق العنف الثوري أو نتيجة ذبول الدولة وزوالها التدريجي . ولكن إذا تحقق حلم مجتمع بلا دولة فهل يخف احتمال السيطرة الكلية وهل يكون هذا المجتمع أكثر مناعة تجاه حمى التوتالية ام يكون أكثر تعرضا لها؟ باختصار ، هل يسهل وجود الدولة قيام النمط التوتالي ام يحمي المجتمع منه؟ الجواب عن ذلك يتوقف على مفهوم الدولة الذي نعتمد. والدولة ، حسب ماركس ، هي خاصة من خصائص المجتمع الطبقي تتوسلها الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا لفرض ارادتها على المجتمع بكامله ولاعطاء استغلالها لبقية الطبقات طابعا شرعيا . ومتى عمت المساواة في ظل المجتمع اللاطبقي ، زالت الحاجة إلى الدولة . والتوتالية، كما رأينا، هي سيطرة القائد ( بواسطة الدولة) على المجتمع ، وتصبح السيطرة كلية متى تم صهر المجتمع بالدولة . التوتالية إذن تلغي المجتمع وتبقى الدولة . أما الشيوعية فتسعى إلى الغاء الدولة ليبقى المجتمع.
انتهى..
المصادر :
(1) الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني، معهد الإنماء العربي، ص 403، 404، 405،
(2) دوتشير، إسحاق، ستالين، بيروت، 1969
(3) توشار، جان. تاريخ الفكر السياسي، بيروت، 1983

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب