إشارات وتلميحات ترامب في خطاب التنصيب تثير مخاوف من المجهول في إسرائيل
إشارات وتلميحات ترامب في خطاب التنصيب تثير مخاوف من المجهول في إسرائيل
الناصره /وديع عواودة
الرسالة المؤكدة والأكثر وضوحا في خطاب دونالد ترامب داخل البيت الأبيض، أنه هو المركز وليس الولايات المتحدة، وكاد يكرر مقولة “ملك الشمس” الفرنسي لويس الرابع عشر: “أنا الدولة والدولة أنا”، وهو يتحّدث بلغة تنم عن جنون عظمة تخللتها إشارات دينية، فيما بقي الضباب يلف مواضيع أخرى محلية وخارجية تطرّق لها في الخطاب وفي المؤتمر الصحافي، منها موضوع مستقبل غزة والحرب عليها والصفقة.
لم يفصح ترامب عن موقف أمريكي واضح حيال الحرب والصفقة ومستقبل القطاع، مكتفيا بإشارات وتلميحات، وأبدى نوعا من عدم الاكتراث، بعدما سارع لنسب وقف الحرب وإنجاز صفقة إلى نفسه لا للرئيس السابق جو بايدن، فقد قال في ذات الوقت إنه ليس مقتنعا بقدرته على وقف النار في غزة وتأمين تحقيق كل مراحل الصفقة.
كما رفض الالتزام بتقديم مساعدة أمريكية لترميم القطاع، وقال بلغة رجل الأعمال إن “هذه ليست حربنا، هذه حربهم، لكنني أعتقد أن حماس قد ضعفت جدا”، ثم عاد وكرّر تصريحاته بشأن حماس ومستقبل غزة: “لا يمكن أن تحكم القطاع. قطاع غزة كومة ركام هائلة، موقع رائع على ساحل البحر، ومناخها رائع ويمكن فعل أمور جميلة. واضح أنه من غير الممكن أن يقوم بذلك الأشخاص السابقون، فقد أداروا غزة بشكل قاس وسيئ، ولا يمكن أن نسمح لذلك أن يتكرر”، رافضا الالتزام بتقديم الدعم للترميم: “ربما”.
بين ضغطين
بيد أن هذه الإشارات والتلميحات والتصريحات التي يمكن تفسيرها أحيانا على وجهين، تثير خيبة أمل لدى اليمين الصهيوني، ومخاوف في أوساط إسرائيلية غير رسمية، كما ينعكس بوضوح في تحليلات مراقبين إسرائيليين لخطاب ترامب.
واختارت صحيفة “هآرتس” القول في عنوان بارز: “ترامب لم يغلق أي حساب”، ولا تستبعد أنه يحتفظ برواسب الماضي في تعامله مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو منذ غضب عليه بعدما قدم تهانيه لبايدن عقب فوزه في 2020، والذي تنكّر له ترامب وطعن به.
وهذا ما استوقف المحللة السياسية الخبيرة بالشأن الأمريكي أورلي أزولاي، بقولها في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” اليوم تحت عنوان “سياسة الجنون” إن ترامب يقف على المنصة الأهم في العالم، ولم يعد كرئيس للجميع بعد الانتخابات، بل جاء لـ”إغلاق الحساب”، غير مستبعدة بقاء شهوة الانتقام من كثيرين لديه.
في “هآرتس” أيضا، يقول المعلق السياسي حاييم لفينسون إن اليمين الإسرائيلي وبعدما منّى نفسه بأن ترامب سيلقي بالجحيم على غزة، قال أمس داخل البيت الأبيض: “أريد أن تذكروني كرجل سلام. هذه عملية إيقاظ موجعة لليمين الإسرائيلي. نتنياهو الآن في مصيدة: بين الدبلوماسي والسياسي (بين الخارجي والداخلي) ففي حال لم يتجّدد القتال بعد الجولة الأولى من الصفقة، لن يعود بن غفير للحكومة، ونتنياهو يعتقد أن سموتريتش سيستقيل لاحقا”.
ويوضح لفينسون أنه في المقابل يتضح أن ضغوط ترامب من أجل إتمام الصفقة حتى بثمن إطلاق كبار الأسرى الفلسطينيين ستتصاعد.
من جهتها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن أمريكا بيد ترامب مجددا، وإنه استهل ولايته الثانية بشكل عاصف متحدثا عن بدء العصر الذهبي الأمريكي. وتنبهّت الصحيفة أن ترامب وإلى جانب هجمته على حقوق المتسللين والمتحولين جنسيا قد وعد بشرق أوسط جديد، وقال إن السعودية يمكن أن تنضم للتطبيع خلال ولايته.
أمل وخوف
أوجز المعلق السياسي في الصحيفة نداف أيال، الخبير بالشؤون الأمريكية، ضمن إشارته للأجندة والحسابات والأولويات المختلفة لدى ترامب علاوة على تقلب مزاجه، أن شعورين تنازعا المشاهد ليلة أمس خلال خطاب التنصيب، وهما الأمل والخوف من المجهول: “أمريكا هي الأمل الأكبر للبشرية، والثاني هو عدم وضوح مطلق”.
وعلى غرار مراقبين آخرين، خاطب المعلق السياسي في صحيفة “معاريف” آفي أشكنازي اليوم الثلاثاء، وزيرَ المالية بتسلئيل سموتريتش بالقول: “فلتعلم يا سموتريتش أن نتنياهو يغدق عليك الوعود كالشيكات المفتوحة دون تغطية. هناك رب جديد للبيت الأبيض”.
وضمن تبرير ترجيحه بأن الرئيس الأمريكي الجديد يتجّه نحو اتجاه مغاير لما يريده نتنياهو وائتلافه، يستذكر أشكنازي أن ترامب سبق وقال إنه يريد إغلاق الحروب لا فتحها من جديد. ويضيف: “مع كل الاحترام لسلامة ائتلاف نتنياهو، فهي غير موجودة في أجندة ترامب”.
وذهب معلق آخر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” للقول، إن اليمين الصهيوني سيشتاق لفترة حكم بايدن، معتبرا أن بايدن “قصة فشل” لكن اليمين الإسرائيلي سيشتاق له بعدما قدم لإسرائيل ما احتاجته، ونعت نفسه بالصهيوني، بيد أن نتنياهو استخف به، واليوم يبدو ترامب غير واضح.
ومن غير المستبعد أن تكون مشاعر الإحباط وخيبة الأمل قد حفزّت هي الأخرى العدوان الهمجي الجديد الذي شنّه المستوطنون ليلة أمس على بعض القرى الفلسطينية، وإحراقهم البيوت والمركبات، علاوة على أنه جزء من عقيدة المستوطنين خاصة بعد إلغاء أوامر السجن الإداري للمستوطنين اليهود من قبل وزير الأمن يسرائيل كاتس، وبعد أمر ترامب بإلغاء أمر الحظر على بعض المستوطنين.
محاذير فلسطينية
مقابل هذه المخاوف والتحذيرات من رياح واشنطن الجديدة المحتملة تجاه ما يتعلق بإسرائيل، يبقى ترامب سيفاً له حدان، ويمكن أن يتنكّر لوعوده بوقف الحروب نتيجة عدة مؤثّرات منها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وربما مواقف دول غربية وعربية معينّة في هذا المضمار، مما يستدعي التحلّي بالمسؤولية والارتقاء للحظة التاريخية التي تأخذ بالحسبان مستقبل القطاع ومصالح أهله قبل الاعتبارات والحسابات الفصائلية والرواسب التاريخية. ومعنى ذلك التوافق الوطني على حكومة فلسطينية جديدة تدير شؤون القطاع وبواسطتها يتم تجاوز المخاطر والتهديدات والتحديات الثقيلة.
وهذا ينطبق على دول عربية رائدة بأن تأخذ بالحسبان المسؤولية القومية والإنسانية التي تتطلب السعي لوقف نزيف غزة واتخاذ تدابير تحول دون نجاح حكومة الاحتلال بمعاودة الحرب على القطاع لاعتبارات “النصر المطلق” والحفاظ على سلامة الائتلاف الإسرائيلي و”مكافحة الإرهاب” وغيره.
– “القدس العربي”: