مساع مكتوب لها الفشل
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
تتناقل وسائل الاعلام كم هائل من الأخبار فيها الكذب الفاضح، وفيها المبالغ، به، وفيها ما تشتهي الأنفس لا الأدمغة، ولكن مع قدر أعتقد أنه بسيط، من الاعلام الصادق، الهادف، والتحليلات أو لنقل المهنية على الطريقة الأوربية، التي تضع المتلقي في صورة الأحداث، وطالما أن ناقل الكفر ليس بكافر، فالصحف والمواقع الإخبارية تنشر كل ما هو مثير ليزداد عدد قراءها، وتزيد بالتالي من عدد المشتركين، والاعلانات وقائمة من المنافع والمكاسب ففي المساحة الهائلة للإعلام كم غير بسيط مما أسميه ” الاعلام الرغوي “. فلنقلب صفحاتها على عجل أحدثها وأكثر تلك الأخبار سخونة.
الثورة السورية هي إحدى أكثر الواجهات إثارة واجتذاباً للأبصار والأفكار، وإذا كان فرار الرئيس المخلوع قد استولى لفترة قصيرة على اهتمام الجمهور (حتى في أوربا)، إلا أن الثورة وانتصارها المؤزر، والتساؤلات الكثيرة عن انتصارها السريع، وسيطرتها على الموقف، وظهورها بمظهر المسامح الكريم، وتفصيلات كثيرة في طريقة طرح الثورة لنفسها أمام الشعب، وثقافتها ما زال يثير الكثير من التساؤلات.
ومن جهة أخرى، فإن لكل ثورة لها عمقها بدرجة عمق أهدافها، كما أن لكل ثورة حقيقية، لها قوى مضادة يطلق عليها قوى الثورة المضادة / Counter revolution، وهي تلك القوى التي تريد إعادة عقارب الزمن إلى الخلف. وهذه القوى اللاثورية على استعداد أن تفعل كل شيئ وتتوسل كل وسيلة لتحقيق عودتها للسلطة بذات الفحوى والمحتوى الذي مارسته طوال عقود.
اليوم تمثل بقايا النظام السابق في سوريا، قوى الثورة المضادة أصدق تمثيل. وتريد ربما دعم الشعب لها، ولكن دون أي مشروعية، ودون التقدم بمشروع نظام حكم، فالاسرة (الأسدية) حكمت سوريا بالحديد والنار لمدة تزيد عن نصف قرن (54 عاماً) كان القمع السطو والنهب هي الفقرة الأولى في مشروعها للحكم، ويصبح من حق الناس اليوم التساؤل، لماذا تريدون العودة للحكم، فليس في منظوركم المتاح، سوى مواصلة الحكم بأبشع مما فعلتم بكثير، من قتل ربما بمئات الألوف (أكثر من مليون)، وتهجير 15 مليون، وأرغمتم الناس على النزوح (6 مليون نازح) وحكم طغياني فردي لأكثر من نصف قرن ووضعتم البلاد أمام حاضر ومستقبل مجهول، وأغرقتم البلاد بالديون، وجلبتم قوى أجنبية لم تكن لتغادر البلاد إلا أن تقتلعها ثورة جبارة، وفساد منقطع النظير بلغ درجة أن تباشر الدولة ، والاسرة الحاكمة صناعة المخدرات والاتجار بها.
اليوم تتناقل الأخبار، أن قوى الردة (الثورة المضادة) تجتمع حيث توجد فوضى، وفقدان النظام: في مجاهل جبال قنديل (كردستان العراق)، وفي بلد (لبنان)، السلطات موزعة بنسب متفاوتة بين جيش محتل، وسلطات أجنبية تشرف على إدارة المطارات والموانئ، والمعابر الحدودية، ودولة تحاول أن تستعيد دورها، وعصابة الدولة تستولي وتبتز وترشي، تقتل وتتاجر بالمخدرات علناً أسوء بكثير من جمهوريات أميركا اللاتينية، وقد استطالت وامتدت، وأصبح لها وكلاء وعملاء، في تنظيم دقيق للجريمة وهذه من المرات النادرة ليس في عالمنا العربي، بل وربما في تاريخ العالم، ما يسمى الجريمة المنظمة المستندة إلى قوة الدولة.
وفي مثل هذا المناخ الملوث لأقصى درجة، لا يمكن أن تعيش إلا أسوء أنواع الطفيليات والبكتيريا السياسية، في هذا المناخ المثالي تعشعش قوى الثورة المضادة، التي تتألف من عناصر مطلوبة للقضاء الدولي، مؤشرة لدى الانتربول، من جلادين وقتلة محترفين في الأجهزة الأمنية التي امتهنت فنون التعذيب والقتل، والارتشاء والابتزاز ونهب المال العام، وتهريب المخدرات إلى كافة الدول المجاورة، بل ووصلوا أبعد من ذلك حتى أوربا.
شبكة القتل والأموال والتهريب هذه تريد العودة للسلطة، دون أن تكلف نفسها وتطرح مبررات هذه الرغبة الدموية في العودة للسلطة ..؟ المزيد من عهود القمع والسجون والقتل المنظم خارج قاعة المحاكم والقانون، أم لمواصل تهريب المخدرات ..؟
ولكن هيهات، لقد أطلق في دمشق سراح الناس، وسوف لن تعود لقيودها، وإن تحالف القوى السوداء ربما ينجح باغتيال بعض الشخصيات، ولكن لن يتقدم خطوة واحدة، هذا هوس عجيب بالقتل والتآمر، ولو سألوا أنفسهم صادقين، فهم الذين كانوا يمسكون بخناق بلد وجيش والفرقة المدرعة التاسعة وأجهزة أمنية عديدة، (اختصاصها التهريب والتشبيح)، وميليشيات محلية وأجنبية، وعصابات قتلة من جميع الأصناف شبيحة وذبيحة فشلوا وذاقوا جميعاً وذاقوا الهزيمة المرة .. فهل سينجحون وهم بعشر معشار قواهم التي كانوا عليها ..؟
الغياء والتغابي فن لا يتقنه سوى الحمقى ممن يعادون التفكير … وهؤلاء من أخاطب ، أتقوا الله في بلدكم، كفى قتلاً وتفجيرا وتهديماً، هل أنتم طاعون بشري أخذ على عاتقه تهديم البلدان ….؟