غزة.. جدلية النصر والهزيمة ج/3 (الأمة العربية بين امبراطوريتين مسلمتين)  بقلم عبدالخالق الشاهر

غزة.. جدلية النصر والهزيمة ج/3 (الأمة العربية بين امبراطوريتين مسلمتين)

 بقلم عبدالخالق الشاهر

مقدمة

تقدير الموقف بمستوى الاستراتيجية او العمليات في الأكاديميات العسكرية يشبه الى حد بعيد بحوث العمليات في الدراسات المدنية ،وسبق ان علمونا ان نبدأ بتقدير الموقف دون (افتراضات مسبقة) ولم أقل دون مبادئ او حقائق بل دون ان تتوقع مسبقا ان العدو سيهجم ليلا او نهارا او بمحور او محورين لأن هذه الافتراضات ستقودك دون شعور الى خطة فاشلة، لذلك كانت اول محاضرة يتلقاها طلاب التخطيط الاستراتيجي في كلية الدفاع الوطني كانت (اصول البحث العلمي) وكنت اوصي طلبتي بالحياد التام أي عندما يبحثوا في الصراع العربي الإسرائيلي عليهم ان ينسوا انهم عرب ومسلمين وأن اسرائيل عدوهم التاريخي كي يروا الحقائق كما هي ، فالبحوث ليست مجالا للصراع كي نتحيز او نشتم ، بل هي مجال للبحث عن الحقائق فالتحيز مطلوب بشكل مطلق في ميدان القتال مع ان لا ننسى اننا والعدو بشر وأن الانسان خليفة الله في الأرض.. وهذا ما طبقته حرفيا في المعارك والتي كان اولها على محور سومار- كيلان غرب يوم حاصرنا مجموعة وأسرناها في اليوم الأول للحرب وكان بينهم رجل مدني يرتدي دشداشة وجاكيت تبين انه من الحرس الثوري ضل معلقا بندقيته على كتفه وكان لدي جندي كردي يجيد الفارسية فطلبت ان يطلب منه القاء سلاحه فجاءني الجواب ان سلاحي شرفي فكيف القيه ،وبعد محاولات فاشلة قلت له من خلال الجندي المترجم (انت طليق السراح لأنك شجاع) .. واصل فوجي التقدم في اليوم التالي وكافئني رب العزة بأني اسرت مجموعة اخرى كان بينهم ضابطان ايرانيان وكنت اسألهم باللغة الإنكليزية وارحب بهم وسألت الثالث ان كان يعرف الانكليزية اجاب باللهجة العراقية (انت مو عبدالخالق ابن دورتي) … تخيلوا ما يفعله تعب الحروب وما يفعله الأسر والذل ل (24) ساعة فقط بحيث اني لم اعرفه .. كانت هذه المجموعة الإيرانية قد أسرت الضابط العراقي في اليوم الأول ..وهذه نكتة معروفة حيث اتصل بي السيد آمر الفوج بعد أشهر ليخبرني ضاحكا ان صاحبي تم أسره مرة أخرى .

الأمة العربية ذي الأغلبية المسلمة بين امبراطوريتين مسلمتين :

هل ان العرب لا يحلمون بغرناطة؟؟ وهل ان الروس لا يحلمون بالاتحاد السوفييتي؟؟ وهل ان الفرس لا يحلمون بسلمان باك؟؟ وهل ان الأتراك لا يحلمون بولاية الموصل (محافظات العراق الشمالية) او بحلب مثلا؟؟ كل شعب له (امجاد) وهي غالبا ما تكون عمليات توسع امبراطوري ، وقد سبق لابن خلدون ان اوضح ان الدولة كالفرد تصبح شابة وتشيخ وتهرم وكنت قد كتبت للرئيس صدام حسين في مقابلة المواطنين آنفة الذكر (( ان امريكا ستسقط من القمة الى السفح كما قال سيادتكم ، لكن الأمر يتطلب وجود قوة تشاركها القمة وتدفعها الى السفح ولعل هذه القوة سيدي لن تظهر الا بعد خمسين عاما تقريبا))

نسأل هنا هل ان هذه الطموحات مشروعة؟؟ ان كانت مشروعة فأن هيمنة عائلة على عائلة أخرى او سيطرة صاحب بستان على بستان جار يعد مشروعا ايضا ، فالنفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية للدول هو استعمار بكل ما تعني الكلمة من معنى عدا ان الاستعمار له نوعين استيطاني كما في استعمار العراق من لدن الولايات المتحدة وبريطانيا او استعمار اسرائيل لفلسطين والفارق ان العالم كله ونحن معهم مصرين على تسمية الاستعمار استيطان والمستعمرات (مستوطنات) والمستعمرين (مستوطنين) والابادة الجماعية (حرب) .. والنوع الثاني هو النفوذ ولا فرق بينهما من حيث النتائج لأن الحالتين تؤديان الى فقدان الارادة الوطنية واستقلالية صنع القرار وهناك فرق واحد وهو ان الأول يمكنك ان تذهب الى القضاء الدولي لأنها حالة مفضوحة والثانية قد تغطى بدين او مذهب او عقيدة ارضية نبيلة ،وغير ذلك من حجج المجال الحيوي.

قلت في محاضرة لي عن نظرية المجال الحيوي .. تعيش الدولة آمنة وعلاقاتها جيدة وتتعامل بدبلوماسية فائقة ولكنها متى ما امتلكت عناصر قوة هنا او هناك ظهر لها حق مغتصب هنا وحق مشروع هناك ، وتبدأ برسم خريطة طريق للتوسع بالاستعمار الاستيطاني او النفوذ تنفيذا لنظرية المجال الحيوي فالدول كالأفراد يبحثون عن القوة والمال والهيبة والنفوذ.. متى ؟؟ عندما يمتلكون القوة او عندما تصبح الدولة المجاورة ضعيفة .. فالقوة عادة هي نسبية وليست مطلقة .. دعونا نستعرض هويتنا وهويتي الجارتين ايران وتركيا.

الهويات من خلال الدساتير :

الهوية العربية : أقل من نصف مليار انسان جلهم عرب مسلمين بلغة واحدة ( لغة القرآن العزيز) وهذا يعني ثقافة واحدة فاللغة الواحدة تعني ثقافة واحدة… دم واحد وتأريخ واحد ومستقبل واحد تبلغ مساحة ارضهم (14) مليون كم2.. دساتير اقطارهم مختلفة لكن معظمها يشير الى ان القطر جزء من الأمة العربية عدا دستور العراق الجديد ..تجمعهم جامعة دول عربية تعمل بمبدأ (التوافق) الذي قضى على الجامعة وقضى على عمليات سياسية بالفشل..ز اي توحد او محاولة توحد او نوبة من نوبات التقارب المؤقتة بين العرب تزعج الإمبريالية ، ولعل بريطانيا لم تخطيء عندما خصصت (50) مليون دولار (يوم كان الجنيه جنيه) كما يقول المصريون لإفشال الوحدة السورية المصرية ، ولعلي لم اكن اخطأت عندما قلت في محاضرة لي قبل ثلاثة عقود (ان اسرائيل حاجة غربية امبريالية) حيث اكدها بايدن بقوله (( لو لم تكن اسرائيل موجودة لأوجدناها) وقلت ايضا (ان اسرائيل كفكرة لم تولد في مؤتمر بال وليس هيرتزل صاحبها بل انها ولدت قبل ولادة هيرتزل عندما بدأ محمد علي باشا حركات الضم والتوحيد (مصر- السودان – الشام الكبرى – الحجاز) فقال وزير خارجية بريطانيا العظمى (( لا بد من إيجاد كيان يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه)) وكان الكيان (اسرائيل) التي هي سر تخلفنا وضعفنا المستدام .

الهوية العراقية : ((العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب …. وجزء من العالم الإسلامي )) و (( يرعى العراق مبدأ حسن الجوار ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى …. والتعامل بالمثل)) و ((يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة)) و ((لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها …. الترشيح في انتخابات))

لعله من الملاحظ ان دستورنا لم يعترف للعراق بأنه جزء من الأمة العربية، بل جزء من العالم الإسلامي، وهذا ما أفرح الامبراطوريتين المسلمتين .. فلم يبق عائق امامهما الا وطنية العراقي، التي أثر فيها الغازي بريمر بتقسيمه مجلس الحكم الى عرب وكرد وتركمان، ولم يأبه بسنية او شيعية الكرد والتركمان بل عاملهم كقوميات اما العرب فعاملهم كشيعة وسنة وغرضه واضح فبمجرد تقسيم العرب يضعف (المكون العربي الأكبر) وهنا اوضح ان هذا هو المكون الاكبر الحقيقي يليه المكون الكردي فالتركماني وليس المكونين الثانويين السني والشيعي فالمذاهب ليست مكونات وقد فعلتها لبنان منذ اقل من قرن من الزمان في دستورها (50% للمسلمين و50% للمسيحيين كذا% للموارنة وكذا% للكاثوليك وهكذا للمسلمين شيعة وسنة ودروز ولم تستقر لبنان لحد الآن ولن .. كي يكتمل المشهد حل بريمر الجيش وأيده احد قادة الكرد حسب مذكرات بريمر وقال له (( الآن وثقت بأنكم تريدون بناء عراق جديد)) وقال له قائد كردي آخر ((انا اكره بغداد)) ويسترسل بمذكراته قائلا انه شكل اول فوج عراقي وحدد موعدا للاحتفال بتخرجه قائلا انه وجه الدعوة لأعضاء مجلس الحكم وغيرهم لحضور حفل التخرج، وكان قسم منهم يعتذرون بحجج واهية ومنهم (( السيد عبدالعزيز الحكيم فقلت له الا انت لا اقبل اعتذارك فقد نفذت وعدي لك في ان يكون اول آمر فوج في الجيش العراقي شيعيا)) وكان يسمي الاعضاء (المنفيون الكسالى) وأحد فصول المذكرات جاء تحت عنوان (الرقصة السياسية) قاصدا العملية السياسية .. اخيرا لا بد ان تستمتعوا بهذه القصة القصيرة جدا .. اطلعت عليها من كتاب (محاضر جلسات مجلس الحكم ) وهي ان احد اعضاء مجلس الحكم اعتدى عليه جندي امريكي في سيطرة التاجي وهو قادم لاجتماع المجلس فكلف المجلس السيد سمير الصميدعي عضو المجلس الذي صار وزيرا للداخلية لفترة اقصر من القصيرة وضج الاعلام حينها انه بدأ يفرغ الوزارة من الشيعة ويستبدلهم بالسنة وبعد فترة ظهر على الشاشة في لقاء وقال (( اتحدى من يقدم لي اي كتاب يتضمن نقل اي من منتسبي الداخلية اليها أو منها)) المهم ان عضو المجلس سأل عن ما حصل لقضيته فقيل له ان الاجراءات تسير وفق الاصول وفي كل محضر اجتماع يذكر انه سأل وحصل على الاجابة نفسها ، وفي الجلسة الرابعة او الخامسة سأل فأجابه بأنه تمت معاقبة الجندي ونقله الى مكان اخر فقال لهم وأنا قادم الى الاجتماع رأيت الجندي موجودا في السيطرة نفسها .. القصص كثيرة عن تلك المدخلات التي تجعلك لا تستغرب من المخرجات ومنها ان الدكتور اياد علاوي صرح بأن الأمريكان قالوا لهم تكملون الدستور (بالقمجي) والتصريح نفسه كرره السيد باقر جبر وأضاف اليه ان الجيش الامريكي سلم اللجان العاملة بكتابة الدستور (150000) دولار لكل منهم ان لم تخني الذاكرة.

تبقى لدينا من الدستور ان على العراق ان لا يقبل اي ميليشيا وقبلناها وسلحنا قسما منها ودعمناها من متروكات الجيش الأمريكي وغير ذلك ، وصدر قانون الحشد الشعبي الذي جعل الحشد مؤسسة رسمية وأكد في المادة (5) منه على منع اشتغالهم في السياسة او الترشيح ومنحو حق التصويت فقط اسوة بالقوات المسلحة العراقية الا ان ذلك لم يحصل .. ولعله من الجدير بالذكر ان فتوى سماحة السيد السيستاني كانت بالحرف الواحد (( تطوعوا في القوات الأمنية))

وللحديث بقية … ا/2/2025