مقالات
من يستطيع أن يدخل الفيل بخرم إبرة؟؟ لا يستطيع الرئيس ترامب أن يكون جزءا من الحل إذا كان جزءا من المشكلة: مشكلة الشرق الأوسط هي أزمة الصراع بين الجغرافيا والتاريخ بقلم د. رياض العيسمي
بقلم د. رياض العيسمي

من يستطيع أن يدخل الفيل بخرم إبرة؟؟ لا يستطيع الرئيس ترامب أن يكون جزءا من الحل إذا كان جزءا من المشكلة: مشكلة الشرق الأوسط هي أزمة الصراع بين الجغرافيا والتاريخ
بقلم د. رياض العيسمي
عندما تعهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بأنه سيمنع نشوب حرب عالمية ثالثة، قلنا عل وعسى. حيث لا يوجد شيء من الناحية المنطقية يمكن إن يحول دون ذلك. فالولايات المتحدة هي التي قادت معارك الانتصار في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهي التي انتصرت في الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وهي حتى اللحظة ماتزال تمثل القوة الأعظم التي تتربع على عرش العالم، وبمقدورها أن تمنع نشوب حرب عالمية ثالثة وتحقق الانتصار فيها بقوة الديبلوماسية، وليس بدبلوماسية القوة. خاصة وأن الحرب العالمية الثالثة التي نتحدث عنها هي حرب مختلفة هذه المرة. فهي لن تدور على ساحة واحدة، وسط أوروبا، كما حصل في الحربين السابقتين. بل هي متعددة الساحات. وتشمل ساحتين ملتهبتين حتى اللحظة. الأولى في شرق أوروبا بين أوكرانيا وروسيا. والثانية في الشرق الأوسط (غرب آسيا). وهناك ساحة ثالثة مرشحة للاشتعال في شرق آسيا، بين الصين وتايوان وبين الكوريتين. ولهذا كي يمنع الرئيس ترامب نشوب حرب عالمية ثالثة لا بد وأن تكون مهمته الأساسية في وقف الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا بغية منع توسعها إلى بقية دول أوروبا. وكذلك وقف الحرب التي مازالت تخوضها إسرائيل في فلسطين ولبنان وسورية ومنع توسعها في كافة الشرق الأوسط (غرب آسيا). وأيضا لا بد للرئيس ترامب أن يمنع اشتعال الساحة الثالثة للحرب العالمية الثالثة في شرق آسيا، بين الصين وتايوان وبين الكوريتين. وكون الحرب العالمية الثالثة هي مختلقة بساحاتها وأطرافها وأسلحتها، فهي تحتاج إلى استراتيجيات ومقاربات جديدة، مختلفة ومبتكرة لكل منطقة. ولكن القاسم المشترك الأعظم فيها هو حل المشاكل وتسوية النزاعات بين الأطراف المتصارعة. والحل لأية مشكلة حتى يكون ناجعا وناجزا لا بد وأن يعتمد على القاعدة العلمية لحل المشاكل، التي تقول “بأن معرفة أسباب المشكلة هو نصف الطريق إلى الحل..” وعليه إذا كان أهم أسباب المشكلة في الحرب الروسية الأوكرانية هو استمرار وجود حلف الناتو الذي من المفترض بأنه زالت مبررات وجوده بانتهاء الحرب الباردة، الحل يكمن بحل هذا الحلف وإيجاد ألية واتفاقيات أمن وحدود جديدة بين روسيا وأوروبا تتماشى مع الواقع الحالي. وهذا بمقدور الرئيس ترامب فعله. وذلك بحكم اختلاف شخصيته واختلاف رؤيته عن الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه حول موضوع حلف الناتو والأمن الأوروبي وحماية الولايات المتحدة لأوروبا. وأيضا لمنع نشوب حرب في شرق آسيا، لا بد للولايات المتحدة ان تساعد على عودة تايوان إلى الصين سلميا كما كانت قبل الحرب الباردة. وهي التي عملت على فصلها عن الصين ومنحها عضوية مجلس الأمن بدلا من الصين. ولم تعد الصين إلى مقعدها إلا في عام ١٩٧٢، بعد الانفتاح على الصين وإقرار الولايات المتحدة بسياسة الصين الواحدة. ولهذا ليس على الرئيس ترامب إلا تسهيل عودة تايوان إلى الوطن الأم دون حرب وعبر مفاوضات بين القطبين. وبحل مشكلة الصين مع تايوان ومشكلة روسيا مع أوكرانيا، تصبح عودة الوحدة إلى شبه الجزيرة الكورية الخالية من السلاح النووي تحصيل حاصل. وفي هذه الحالة ستتولى الدولتان، الصين وروسيا، تنفيذه مقابل ما سيحصلان عليه بدعم الرئيس ترامب. وهو يستطيع أن يفعل ذلك. خاصة وان الكونغرس الذي تحكمه الأغلبية الجمهورية يصطف خلفه بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية. والباب ليس مقفلا تماما حول التفاهم على وضع الصين وتايوان، خاصة إذا تصمن الحل مستقبل كوريا الشمالية. لكن المشكلة في الشرق الأوسط ستكون أكثر تعقيدا بحكم العلاقة الخاصة مع إسرائيل التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية والتي هي الأخرى انتهت مبررات وجودها كدولة، لكنها لم تنته بعد كفكرة في تفكير وذهنية الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا. وخاصة في ظل تنامي تيار اليمين المسيحي المتطرف الذي يؤمن بوجود إسرائيل واستمرارها وتوسعها في المنطقة كدولة يهودية. وهذا ما يعقد المشكلة ويمنع الوصول إلى حل نهائي ودائم في المنطقة. وذلك ما يجعلها بؤرة توتر مستمرة تغذي الصراع وتنتج الحروب.خاصة وأن إسرائيل بقيادة اليمين اليهودي المتطرف تذهب ضد منطق العصر وبعكس قانون دارون للتطور “الحياة هي ليست للأقوى، وإنما للأكثر قدرة على التأقلم.” فبدلا من أن تغير إسرائيل من واقعها كي يتأقلم مع محيطها، تسير باتجاه فرض واقعها الديني التوراتي على محيطها العربي والاسلامي. فكيف يمكن لمجموعة صغيرة من معتنقي اليهودية في أرض فلسطين الطبيعية لا يتجاوزون الستة ملايين فرض إرادتهم على ما يقارب النصف مليار من العرب ومليارين من المسلمين. فمن يستطيع أن يدخل الفيل بخرم إبرة! هذا وبالرغم من محاولة قادة إسرائيل اليمينيين بقيادة نتنياهو فرض قيام دول دينية في محيطها كي يبرر وجودها كدولة دينية، وكذلك محاولات التهجير المتعمد الذي يتبناه الرئيس ترامب. لا يمكن أن يغير من المعادلة القائمة على ضرورة تلاقي التاريخ مع الجغرافية، وليس الصراع بينهما. فالجغرافية ثابتة والتاريخ متحول. ولا يمكن للرئيس ترامب أن يكون جزءا من الحل إذا كان جزءا من المشكلة. فالتوسع على حساب دول الجوار والتطبيع بين إسرائيل والمنطقة على أساس السلام الإبراهيمي الذي يتبناه الرئيس ترامب لا يتعامل مع جذور المشكلة، بل يعمقها. والحل النهائي لا يمكن أن يتحقق إلا بتصالح التاريخ مع الجغرافيا، وتعايش شعوب المنطقة بسلام ليس على أساس ديني أو عرقي، وانما إنساني.