استنساخ وسائل الحرب في غزّة
![](https://sawtoroba.com/wp-content/uploads/2025/02/انطوان-شلحت.jpg)
استنساخ وسائل الحرب في غزّة
انطوان شلحت
ينقل الضباط أوامر إطلاق النار إلى الجنود، وهي غير مكتوبة. وبحسب الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية ياغيل ليفي فإنه “منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لا يتم إصدار أوامر إطلاق نار مكتوبة إلى الجنود، وهو ما يسمح بتحليلات متعددة لها”
تتكرّر، في الفترة الأخيرة في بعض الإعلام الإسرائيلي، لازمة مؤداها أن هناك استنساخاً لوسائل الحرب في غزّة إلى الضفة الغربية، لا سيّما المناطق الشمالية منها، والتي تتعرّض لعملية عسكرية مكثفة منذ أسابيع. وهو استنساخ توافقت عليه الحكومة والمؤسسة الأمنيّة على نحو مسبق البرمجة. وبحسب ما كشفت صحيفة هآرتس، جاء هذا أيضاً نتيجة ممالأة ضغوط المستوطنين. ففي قراءة الصحيفة من الصعب عدم رؤية تأثير المستوطنين الذين دعوا باستمرار إلى إعلان الحرب على الضفة، مع التشديد على خطر حدوث سيناريو شبيه بهجوم 7 أكتوبر (2023) في “غلاف غزّة”، في المستوطنات والمدن بوسط إسرائيل.
وقد أرسل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي زعماءُ مجالس المستوطنات في الضفة الغربية رسالة إلى أعضاء الكابينت الإسرائيلي يطالبونهم فيها بتغيير استراتيجيتهم في الضفة إلى ناحية “تهجير سكان المناطق التي تُعتبر إرهابية، وخصوصاً مخيمات اللاجئين”. ولاحقاً، طالبوا بتفكيك البنى التحتية “الإرهابية”، تماماً مثلما حدث في قطاع غزّة، وتدمير كل بيت يسكنه “إرهابي”، وقتل كل “إرهابي”!
وبعد شهر على هذه المطالبة، وفي وقت جرى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، حُدّثت أهداف الحرب في “الكابينت”، وباتت تشمل حاليا الضفة الغربية. ووفقاً لتقارير إسرائيلية متطابقة، تثبت الوقائع الميدانية في الضفة أن الحديث يدور حول حرب مُعلنة عليها. ومن هذه الوقائع يمكن على سبيل المثال ذكر: وجود قوات عسكرية كبيرة في مخيمات اللاجئين، وزيادة الهجمات الجوية، وتهجير سكّان المخيمات، وتكثيف الحواجز العسكرية، وتفجير منازل… وغير ذلك.
وضمن سياق تأكيد مسألة استنساخ الجيش الإسرائيلي أساليب الحرب في غزّة إلى أراضي الضفة، لا يمكن عدم التطرّق إلى مسألتين تُومئان كذلك إلى هذه الحقيقة:
أولاً، كشف تحقيق نُشر في صحيفة هآرتس أول أمس (10/2/2025) أن قيادة المنطقة العسكرية الوسطى المسؤولة عن أراضي الضفة الغربية أصدرت أوامر تسمح بقتل كل فلسطيني يُشاهد وهو “منكبٌّ على العمل في الأرض” كون ذلك يعني، في عرف الجيش، محاولة زرع عبوات ناسفة، وهو ما أدّى إلى قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال. وتشكّل العبوات الناسفة في نظر الجيش الإسرائيلي التهديد الأساسي للجنود في المكان. ومثل هذه الأوامر استخدمت على نطاق غير مسبوق في غزّة، ووصفتها تقارير بأنها أوامر إعدام بحق الفلسطينيين، مع ضرورة إعادة التذكير بأن شهادات كثيرة، نُقلت عن جنود إسرائيليين أنّبتهم ضمائرهم، جزمت في أكثر من مناسبة أنه لا توجد أيّ قيود حقيقية على إطلاق النار.
ومعلوم أن الجيش الإسرائيلي لا يكشف عن أوامر إطلاق النار منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهناك عدد كبير من طلبات الاستئناف في المحكمة العليا للكشف عن الأوامر جرى رفضها. وحسب ما هو معروف، ينقل الضباط أوامر إطلاق النار إلى الجنود، وهي غير مكتوبة. وبحسب الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية ياغيل ليفي فإنه “منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لا يتم إصدار أوامر إطلاق نار مكتوبة إلى الجنود، وهو ما يسمح بتحليلات متعددة لها”.
ثانياً، نُقل عن قائد أحد ألوية الجيش التي تشارك في الحرب على شمال الضفة الغربية قوله إنه لا يمكن اعتبار كل سكان مخيمات الشمال غير متورّطين في “الإرهاب”، وبحسب ما صرّح حرفيّاً “في كل بيت تجد عبوات وسلاحاً وخوذات واقية”! ولم ننسَ بعد أنه منذ الأيام الأولى للحرب على غزّة، تواترت التصريحات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية الذاهبة إلى أن هذه الحرب ينبغي أن تكون لا ضدّ الفصائل الفلسطينية فحسب، وإنما أيضاً ضد السكان أجمعين، وهذا ما حدث، ناهيك عن تصريح وزير الدفاع الذي أُقيل يوآف غالانت، في اليوم الثالث للحرب، بأنه أمر بفرض حصار كامل على غزّة، بحيث لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام، نظراً إلى أن إسرائيل تقاتل “حيوانات بشرية” وتتصرّف تبعاً لذلك.