مقالات

نداء إلى حكومة العهد الجديد في لبنان إحذروا ملائكة أمراء الطوائف التي تُعشِّش في مؤسسات الدولة في حسن خليل غريب

بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان -

نداء إلى حكومة العهد الجديد في لبنان إحذروا ملائكة أمراء الطوائف التي تُعشِّش في مؤسسات الدولة
 بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان –
12/ 02/ 2025
في الشكل لا يجوز للبنانيين إلاَّ أن يرحبوا بالخطوات الأولى لملء الشغور في المؤسسات الدستورية العليا التي طال انتظارها أولاً، والتي اشتاق اللبنانيون لحصولها بعد طول غياب ثانياً، والتي حصلت بعد سلسلة من زلازل الدمار والدماء والتجويع والإفلاس ثالثاً.
وفي الشكل أيضاً، وإن كان العهد الجديد قد راعى تطبيق (الميثاقية) في منهج المحاصصة الطائفية في توزيع المقاعد الحكومية، لكنه وعد على أن تكون تلك القاعدة -التي كانت السبب في تخلف لبنان عن اللحاق بأسس الدولة المدنية الحديثة- مبنية على أساس تطبيق مبدأ الكفاءة والنزاهة.
وفي الشكل أيضاً، تم انتخاب رئيس الجمهورية على قاعدة توزيع المسؤوليات الرسمية على الطوائف، ولكن الرئيس الجديد جاء من خارج القيد الطائفي التقليدي -القيد التقليدي المتعارف عليه منذ استقلال لبنان في العام 1943 والذي كان يمثِّل طائفته أكثر مما يمثِّل اللبنانيين- وبفارق أساسي يتميز به، هو أنه خضع لتجربة منهجية في إدارة المؤسسة العسكرية وقاد مهماتها بنزاهة وكفاءة حافظ بواسطتهما على وحدة تلك المؤسسة.
وفي الشكل أيضاً، تم تكليف رئيس للحكومة على قاعدة المحاصصة الطائفية في المؤسسات الدستورية الرسمية، ولكنه جاء من خارج المنظومة الحاكمة التي أوصلت لبنان بتسوياتها الرخوة ومساوماتها إلى غياب أي مظهر من مظاهر الدولة المدنية الحديثة؛ رئيس الحكومة الجديد وصل بكفاءته ونزاهته إلى شغل رئاسة أعلى سلطة قضائية دولية، فيكون بنجاحه في ذلك المنصب مؤهلاً لأن يقود لبنان إلى شاطئ الأمان، هذا إذا استطاع أن ينأى بنفسه عن الغرق في متاهات أمراء الطوائف.
وفي الشكل أيضاً، وكما تؤكد التقارير والمعلومات، تم تشكيل الحكومة من وزراء دلَّت السيرة الشخصية لكل منهم، على أنهم يمتلكون مواصفات تؤهلهم لقيادة دولة حديثة. وفوق هذا كله، أنهم لا يخضعون لسلطة أمراء الطوائف، ولو بالحد الأدنى.
وإنما الشكل في كل ما ذكرنا أعلاه لن يكفي لوحده في إيصال لبنان إلى شاطئ الأمان. لأن القيادة الصالحة لن تنجح في مهماتها من دون جهاز إداري صالح كفؤ ونزيه.
صحيح أن المتغيرات، التي حصلت في البنيان الرأسي للتغيير، سليمة ولا يستطيع أحد أن يكتشف الثغرات في ذلك البنيان قبل أن يخضع المسؤولون عنها للتجربة أولاً. ولذلك على اللبنانيين، وبالأخص الشرائح الأكثر وعياً والأكثر ثقافة، أن يحافظوا على متاريسهم في صفوف المعارضة والمراقبة والكشف عن الأخطاء وإلقاء الأضواء عليها قبل أن تتفاقم.
وعلماً أن الدولة الحديثة تُبنى من مؤسسات دستورية رأسية تخطط، ومن مؤسسات تنفيذية تحتية. ولأن الحاكم الآن في المؤسسات الرأسية لا يزال قيد التجربة، وإذا كان الحاكم يتَّصف بالكفاءة والنزاهة، لكنه لن ينجح في بناء الدولة من دون مؤسسات تحتية رسمية تقوم بالتنفيذ المهني السليم.
لذلك، وإذا كان اللبنانيون مطمئين إلى توافر شروط الكفاءة والنزاهة -نظرياً- في البنيان الرأسي، على الحكومة الجديدة -رئاسة الجمهورية، ورئاسة الخكومة، والوزراء- أن يتذكروا أن الفرحة التي أعلنها اللبنانيون والاحتفاء بقدومهم، يعود لسبب وحيد ورئيسي هو الفشل الذي أصاب لبنان بأكثر الأخطاء خطورة في تاريخ لبنان الحديث. والمتهمون هي الطبقة الحاكمة السابقة، التي حوَّلت لبنان إلى دولة فاشلة ينخرها الفساد ابتداءً من رأس الهرم دستورياً -رئيساً وحكومة ومجلس نيابي، ومؤسسات رسمية- وباختصار (كلن يعني كلن) كما عبرت ثورة تشرين 2019، في حينها.
ولأنه أصبح من الواضح أن العهد الجديد لا يمكنه أن ينجح بالتغيير في ظل وجود مؤسسات رسمية، أتقنت أكثرية العاملين فيها -بدءاً من أصغر موظف فيها وصولاً إلى مديرها العام- فنون الفساد والرشوة والتزوير.
فإلى جانب التخطيط السليم من قبل العهد الجديد، ولكي يضمن وجود مؤسسات تنفيذية، عليه أن يعمد إلى تطهير بؤر الفساد والرشوة في المؤسسات السابقة أولاً، وذلك بإعادة بناء ما تهدَّم في جدران السلطة القضائية بتطهيرها من كل (من أكل من مال السلطان، وضرب بسيفه)؛ خاصة أنها السلطة المخوَّلة بملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم وإنزال العقوبات بهم، واستبدالهم بأجهزة إدارية ناجحة مهنياً، وسليمة أخلاقياً.
وبمثل هذا الإجراء، على الجهاز القضائي أن يكون عادلاً وصارماً ويشكِّل الطريق السليم والآمن لإعادة تأهيل مؤسسات الدولة. تلك المؤسسات التي سوف تكون أجمل بغياب الفاسدين واللصوص عنها، خاصة من الذين أُتخموا على حساب لقمة الفقير والجائع والمريض.
وأما عن السلطة التشريعية، مجلس النواب، والتي تمثِّل بالإضافة إلى دورها التشريعي ما يضمن مصلحة الشعب، وهي تمثِّل السلطة الرقابية على السلطات الأخرى، نعتبر أن غيابها عن لعب دورها يعني فلتان أجهزة الدولة وغرقها في الفوضى والفساد. وهنا وإذا كان الشعب هو من سيختار ممثليه في البرلمان، وقد يُخطئ الشعب بسلامة الاختيار، فإن الحكومة العادلة عليها أن تُخضع الفاسدين منهم للمثول أمام قوس العدالة، لكل من استفاد سابقاً من مزاريب الرشوة والفساد والتزوير، ولكل من سوف تسوِّل له نفسه في المستقبل بخيانة الشعب الذي محضهم ثقته وأعطاهم أصواته في صناديق الاقتراع.
وأخيراً، وبعد حصر المقال بتسليط الضوء على مسألة تفصيلية -الفساد الإداري- من دون الخوض بمسائل التغيير الأخرى، فلأن خطط التغيير موجودة في أرشيف المئات من المؤسسات البحثية، وليس لدينا شك بأن خزائن رؤوساء المؤسسات الدستورية مليئة بمشاريع الإصلاح والتغيير.
وإذا كان العهد الجديد قد بدأ عملية التغيير من الأعلى، عليه أن يستكملها بخطة التغيير من أدنى. ونختم مقالنا، بالتحذير الموجَّه إلى العهد الجديد: (إحذروا ملائكة أمراء الطوائف التي تُعشِّش في مؤسسات الدولة)، لأنه المدخل الأساسي للإصلاح، وبدون تطهير الفاسدين من بينهم، سوف تتعرقل عجلات التغيير إلى أمد غير منظور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب