لصاحب “صفقة التريليون”: غزة أولاً.. ثم التطبيع

لصاحب “صفقة التريليون”: غزة أولاً.. ثم التطبيع
أيال زيسر
أعلن ترامب قبل دخوله البيت الأبيض بأن مهمته المركزية في الشرق الأوسط تحقيق سلام بين إسرائيل والسعودية، واتفاق يوسع بل ويكمل “اتفاقات إبراهيم” التي حققها في أواخر ولايته السابقة.
في نظر ترامب، يدور الحديث عن “صفقة القرن” محسنة، حاول أن يدفع بها قدماً بلا نجاح في العقد السابق، وأمل في إطارها في أن يحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي واقع الأمر لا يدور الحديث عن “صفقة القرن” بل عن “صفقة التريليون”، فترامب يأمل بأن يؤدي اتفاق إسرائيلي – سعودي إلى استثمارات ومشتريات سعودية بحجم تريليون دولار في الولايات المتحدة، وأساساً في مجال صناعة السلاح والطاقة.
يأمل ترامب بأن يؤدي اتفاق إسرائيلي – سعودي إلى استثمارات ومشتريات سعودية بحجم تريليون دولار في الولايات المتحدة
لا شك أن إسرائيل ترى في اتفاق السلام مع السعودية إنجازاً ذا أهمية، يعزز مكانتها الإقليمية والدولية. اتفاق كهذا سيكون بمثابة مسمار آخر في نعش الطلب الفلسطيني، الذي يلقى تأييداً دولياً واسعاً، بإقامة دولة مستقلة في الضفة وغزة.
إدارة بايدن هي الأخرى سعت لتحقيق اتفاق بيت إسرائيل والسعودية. وحسب مصادر أمريكية، أوشكت الدولتان في صيف 2023 أن تكونا على شفا اختراق في الاتصالات بينهما لولا هجمة 7 أكتوبر التي أمر بها يحيى السنوار، رغبة منه في منع اتفاق سلام كهذا يضر بحماس وبمحور الشر الإيراني.
غير أن هجمة الإرهاب وكل ما عقبها دليل ليس فقط على أهمية اتفاق إسرائيلي – سعودي والفضائل الكبرى الكامنة فيه لإسرائيل، بل أيضاً على قيوده ومواضع ضعفه. فالتقدم نحو أي اتفاقات، بل وقبل ذلك اتفاقات إبراهيم في أيلول 2020، لم يمنع هجمة حماس واتساع القتال إلى أرجاء الشرق الأوسط كله (ابتداء من لبنان وسوريا، عبر العراق واليمن وانتهاء بإيران نفسها). في لحظة الحقيقة، أصبحت اتفاقات إبراهيم وكأنها لا تساوي أكثر بكثير مما تساويه الورقة التي كتبت ووقعت عليها.
صحيح أن الاتفاقات نجت من الحرب، وفي هذا ما يشهد على عمق مصلحة الدول العربية في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل وتقدمها، لكنها جلبت منفعة قليلة لإسرائيل في حرب الوجود التي فرضت عليها. في هذه الحرب، تغلبت على أعدائها ليس بسبب اتفاقات إبراهيم، بل بسبب قوتها العسكرية وبطولة مقاتليها والإسناد الذي تلقته من الولايات المتحدة.
كل هذا ينبغي أن يعلمنا بأنه ينبغي أن تنسب لاتفاقات إبراهيم أو للاتفاق الذي على الطريق مع السعوديين –ليس هناك اختصارات طريق في الشرق الأوسط. فلا يمكن تجاوز مشاكل أساسية وجودية أو كنسها تحت البساط، مثل مسألة مستقبل الضفة وغزة، وتهديد حزب الله في لبنان، وبالطبع التهديد الإيراني. هذه المشاكل لن تختفي أو تحل من تلقاء ذاتها سواء وقع أم لم يوقع اتفاق مع السعودية. الطريقة التي سنتصدى بها هي التي ستقرر مستقبلنا، ليس أقل وربما أكثر من المضي بعلاقاتنا مع جيراننا العرب.
على إسرائيل استغلال الفرصة التي يفتحها ترامب أمامها للمضي بسلام مع السعودية، لكن ليس بكل ثمن. وبالتأكيد ليس بثمن اختصارات طريق، أي تسويات لا تتضمن حلاً جذرياً حقيقياً لمشاكلنا الأساس، وتسويات وتفاهمات تنهي القتال لكن لا تنهي بالضرورة الحرب ضد حماس في غزة، وضد حزب الله في لبنان وضد إيران.
كما أنه محظور أن نستسلم للوهم وكأننا نقف أمام شرق أوسط جديد بلا تحديات وتهديدات. شرق أوسط كهذا لم يشرق، رغم الآمال والوعود، لا بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو، ولا بعد أن وقعت اتفاقات إبراهيم – ولن يشرق أيضاً بعد أن يوقع اتفاق مع السعودية.
على إسرائيل أن تتحرك في محورين موازيين، وتعارض كل صلة أو تعلق بينهما: من جهة، التقدم لاتفاق سلام مع السعودية، ومن جهة أخرى معالجة مشاكلنا الوجودية جذرياً بجبهات الصراع على طول حدودنا وحيال إيران.
إسرائيل اليوم 16/2/2025