إلهاماً من ترامب.. نتنياهو يهدد الأمن القومي بـ”الولاء الشخصي”: سيناريو مرعب

إلهاماً من ترامب.. نتنياهو يهدد الأمن القومي بـ”الولاء الشخصي”: سيناريو مرعب
وحدة الساحات – أي تعاون أعداء إسرائيل للهجوم على الدولة – كانت سيناريو رعب مركزي حذرت منه أسرة الاستخبارات قبل 7 أكتوبر.
هذا تهديد لم يختفِ وإن كان فقدَ من قوته. لكن يحل محله اليوم تهديد وحدة ساحات آخر، خطير أيضاً: روح الترامبية التي تهب بشدة في الولايات المتحدة، والتي وصلت إلينا أيضاً، وتفاقم التهديدات على جهاز الأمن بعامة وعلى أسرة الاستخبارات بخاصة.
جاء التعبير الأكثر وضوحاً وتهديداً عن ذلك في بداية جلسة الكابنيت الأمني في 11 شباط عندما ألقى نتنياهو، خطاباً أذهل الحاضرين. كان في مركزه رسالة وكأنها جاءت مباشرة من مكتب ترامب: إسرائيل تدخل إلى عصر “الولاء”، الذي لا يكون اختبار أناس الساحة فيه قياساً لأدائهم المهني، بل بمدى ولائهم له شخصياً.
اختبار الولاء لترامب، الذي تتصدى له أجسام واسعة في الإدارة الأمريكية، يهدد بتحطيم أسرة الاستخبارات هناك. أمن الولايات المتحدة يقوم على أساس تقدير استخباري مهني وموضوعي وعديم التحيز السياسي. ومطلب الولاء يتعارض مع ذلك تماماً.
نتيجة مطلب الولاء الشخصي هي بداية مسيرة تصفية أسرة استخبارات فاخرة بنيت طوال عشرات السنين وبدايتها في القمة. عينت تولسي غفارت لمنصب رئيس الاستخبارات القومية. في ضوء سلوكها وتصريحاتها في الماضي، اشتبهت بها محافل مهنية كـ “ذخر” الاستخبارات الروسية.
رئيس السي.اي.ايه الجديد هو جون رتكليف. في فترة ولايته القصيرة كرئيس الاستخبارات القومية في ولاية ترامب الأولى، حرف التقديرات الاستخبارية لمساعدة الرئيس في حملة الانتخابات ضد بايدن. أما المرشح لتسلم رئيس الـ اف.بي.اي فهو كاش باتل، الذي أعلن وجوب تقليص صلاحيات الجهاز وتصفية مكانته كمسؤول عن التجسس المضاد في الولايات المتحدة.
بالتوازي، بدأت تطهيرات مكثفة في أجهزة الاستخبارات نفسها. وكلاء الـ إف.بي.آي الذين كانوا مشاركين بحكم وظيفتهم في التحقيق في الهجوم على الكونغرس في 2021، هم الآن قيد التحقيق، وثمة شهادات جيدة على أن باتل، الذي لم يتسلم مهام منصبه بعد، أصدر أوامر لإقالة مسؤولين كبار في الجهاز ممن هم ليسوا موالين بما يكفي.
20 ألف موظف الـ سي.اي.ايه تلقوا عرضاً بالاستقالة المبكرة، وبالتوازي ألمح لمن لا يتماثل مع الإدارة الجديدة بأنه من المجدي أن يستغل الفرصة. سياقات مشابهة بدأت أيضاً في الـ ان.اس.ايه، الموازي الأمريكي لـ 8200 ووكالات استخبارات أخرى. والنتيجة توشك أن تكون فقداناً كبيراً لقوة بشرية مهنية، ترجع قدرة عمل الاستخبارات الأمريكية سنوات إلى الوراء.
السيف المسلط يهدد أيضاً مصادر الاستخبارات الأمريكية. بعض الشبان ممن تعوزهم تحقيقات أمنية، تلقوا قدرة وصول إلى القوائم الأكثر سرية في وزارة الخزينة، تتضمن أيضاً تفاصيل عاملي الـ سي.اي.ايه وقائمة الجواسيس الذين يعملون في صالح الولايات المتحدة في بلدان أجنبية.
التخوف الآن هو في أن تنكشف مصادر استخبارات حساسة للغاية وهوية العاملين ممن أبقيت حتى الآن كسرّ دولة، لأجهزة أجنبية.
لا غرو أن ديفيد اغناسيوس، أحد أكبر الخبراء في هذا الموضوع، قال بمقال في “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي إن التطهيرات في أسرة الاستخبارات أخطر ما تفعله إدارة ترامب.
ليس واضحاً كم من هذه التسيبات يعتزم نتنياهو استيرادها إلى إسرائيل في إطار مطلبه بالولاء الشخصي. صحيح أن هذه المطلب وجد تعبيره في تعيين يوسي كوهن لمنصب رئيس الموساد في 2016 لكن نتنياهو كان حذراً حتى اليوم من تحويل هذا إلى الاعتبار المركزي.
مع ذلك، يدير نتنياهو منذ أكثر من سنتين، شبكة علاقات مهزوزة مع قيادة الاستخبارات ويلقي عليها كل المسؤولية عن كارثة 7 أكتوبر انطلاقاً من رغبته في إزاحة النار عن مسؤوليته. بالتوازي، يسعى لإقامة دائرة استخبارات في ديوانه، توفر له تقديرات استخبارية ترضيه وتغطي على التقديرات الاستخبارية المهنية لأسرة الاستخبارات. إضافة إلى ذلك، يسمح لوزير دفاعه بتوبيخ رئيس أمان – شعبة الاستخبارات، حين يقوم هذا بمجرد أداء مهامه.
الآن أضيف إلى هذه الشحنة الجسيمة عنصر الولاء الشخصي. لا حاجة للوصول إلى مستوى الفوضى التي تمر على الإدارة الأمريكية لنفهم المعاني التي تنبع من مطلب الولاء الشخصي. خذوا مثلاً المعضلة التي يقف أمامها رئيس “الشاباك” رونين بار، في مسألة العلاقة بين شركاء السر في مكتب نتنياهو وحكومة قطر التي تمول حماس وتدعمها. ما يمليه عليه ضميره المهني هو أن يأمر بفتح تحقيق. لكن تهديدات نتنياهو قد تردعه عن ذلك.
في حالة بار، كان يمكن الافتراض مسبقاً بأنه لن يخون واجبه المهني. لكن ماذا سيفعل خليفته الذي حسب المنشورات، سينتخب إلى منصبه أيضاً على أساس الولاء للزعيم، إذا ما وجد نفسه في معضلة مشابهة؟ وأي تقديرات سيقدمها رئيس “أمان” إذا بقي تحت هجمة وزير دفاع يتصرف وكأنه في مركز الليكود؟ ولمن سيكون ولاء رجال استخبارات آخرين حين يعرفون بأن تنفيذ واجبهم المهني سيمنع ترفيعه.
هذه أسئلة ما كانت لتطرأ على بال حتى وقت أخير مضى. لكن الأمور تغيرت، والمخاطر قائمة، والثمن قد يكون باهظاً، ولهذا يجب طرح الموضوع على جدول الأعمال الجماهيري. ويجدر برؤساء أمان والموساد و”الشاباك” على أجيالهم، إلى جانب كل من ساهم في بناء أسرة الاستخبارات المهنية لدولة إسرائيل، أن يطلقوا صوتهم. وإلا إذا تحققت المخاطر، سيصعب عليهم النظر في المرآة.
البروفيسور أوري بار- يوسيف
معاريف 19/2/2025