ما غاب عن بيان مؤتمر القمة

ما غاب عن بيان مؤتمر القمة
علي محمد فخرو
استمع الملايين للبيان الختامي للقمة العربية، الذي من دون شك، أبرز تقدماً ملحوظاً في لهجته وجدية اعتراضاته على الممارسات الصهيونية المجنونة الإجرامية في سائر فلسطين وسائر لبنان ومؤخراً في سائر سوريا. وكان موقف المجتمعين من الشطط الخطابي، الذي تلفّظ به الرئيس الأمريكي موقفاً رافضاً وقاطعاً.
ومع ذلك فمّما لا شك فيه أنه كان في كثير من جوانبه أدنى بكثير من آمال ومواقف الأغلبية الساحقة من أفراد الشعوب العربية. لكننا سنترك إبراز النواقص للكتاب والمعلّقين الآخرين، وسنركز الانتباه على جانب مفصلي من جوانب النقص في محتوى البيان. هذا النقص نوجزه في صورة سؤال، إن بقي من دون جواب سينقلب كل ما جاء في البيان إلى خطاب نظري اعتراضي معلّق في الهواء السياسي العربي، ولن يهتم به الكيان الصهيوني ولا أمريكا.
السؤال هو ما يلي: أما كان ضرورياً أن يذكر البيان بعضاً مما سيقوم به المجتمعون في حالة رفض السلطات الاستعمارية المحتلة الصهيونية من جهة، ونظام الحكم الأمريكي من جهة أخرى، لكل أو لغالبية ما جاء في البيان العربي؟
هل إن الكيان الصهيوني، الذي رفض عبر أكثر من ثلث قرن، كل التنازلات الفلسطينية في كل اجتماعات مفاوضات أوسلو، والذي كلما تنازل الفلسطينيون عن حق أو جزء مما بقي من وطنهم، تقدم بطلبات تنازلات جديدة أخرى، والذي بنى المستعمرات لأكثر من مليون صهيوني في الضفة الغربية، وما زال يبني ويتوسع ويهدم ويشرد… هل إن هذا الكيان سيقبل بما جاء في البيان، عن قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى لو كان على أقل من عشرين في المئة من أرض فلسطين العربية التاريخية؟ هل إن الرئيس الأمريكي الذي أعطى الكيان الصهيوني في فترة حكمه الأولى مدينة القدس وأرض الجولان السورية، والذي صّرح مؤخراً بأن للكيان الصهيوني الحق في ضم الضفّة الغربية لممتلكاته المسلوبة من شعب فلسطين، والذي صرح من دون حياء، بموافقته على أن يهجر الكيان أهل غزة إلى المنافي، وموافقته منذ بضعة أيام بحق إسرائيل في إغلاق المعابر إلى غزة وإبقاء شعبها جائعاً مريضاً نائماً في العراء… هل إن هذا الصهيوني حتى النخاع سيقبل بإعطاء الفلسطينيين حتى ولو جزءاً يسيراً من الحقوق التي ذكرها البيان؟ وبالطبع فإن جميع الأسئلة التي ذكرنا، ستنطبق على كل ما جاء في البيان بشأن لبنان وسوريا، بل بشأن كل شبر من الوطن العربي المهدّد والمستباح من قبل الاستعمارين الصهيوني والأمريكي. ونحن لن نذكر الاستعمار الأوروبي لأنه تابع وغير مستقل ومسلوب الإرادة.
لدينا الإمكانيات والثروات والمواقع التي تجعل الدفاع عن حقوقنا وكرامتنا ممكناً، متى توفرت الإرادة. لنفعل ما قاله توماس أديسون: “لو أننا قمنا بكل ما نستطيع القيام به لفاجأنا أنفسنا”
مرة أخرى نسأل: أما كان ضرورياً ذكر، على الأقل، بعض الخطوات التي ستتخذها المجموعة العربية كجواب على رفض تلك الجهتين المتحكمتين في الموضوع الفلسطيني، وفي كل المواضيع التي مسّها البيان. هل كان كثيراً أن يشار إلى إمكانية سحب كل السفراء العرب الموجودين في الكيان الصهيوني والطلب من الكيان أن يسحب سفراءه من كل بلد عربي موجودين فيه؟ هل كان كثيراً أن يشار إلى إمكانية تفعيل المقاطعة الاقتصادية والرياضية والفنية والسياحية، حيثما وجدت مثل هذه العلاقات؟ هل كان كثيراً أن يشار، ولو بالتلميح، إلى إمكانية تأثر الشركات والمصالح الأمريكية في كل البلاد العربية، إن استمرت أمريكا في مواقفها المنحازة كلياً، ومن دون أي تحفظ إلى المصالح الصهيونية، على حساب الشعب الفلسطيني، بل سائر شعوب الأمة العربية؟ ويشار في الوقت نفسه إلى قرار تفعيل الكتلة العربية ـ الإسلامية لتلعب دوراً بشأن المقاطعات تلك؟ بل يشار إلى التحالف مع الدول الأمريكية الجنوبية، ومع جبهة بريكس وغيرهما، لمعاقبة الكيان الصهيوني وقادته من قبل المحاكم الدولية؟
نحن هنا نتكلم عن البدء بممارسة الفعل المقرون إلى أبعد الحدود بالكلام النظري الاحتجاجي الذي قالت عنه الجهتان الظالمتان مراراً، بأنه سيظل كلاماً لا تأثير له على تغيير الواقع. لا نريد للبيان الختامي أن ينطبق عليه ما قاله نورمان شوارزكوف من “أن الحقيقة أننا دوماً نعرف صحة ما علينا فعله، ولكن المشكلة أننا لا نقوم بالفعل”. ولا أن ينطبق علينا ما قاله سيدني هاريس من “أن التأسف على الأشياء التي قمنا بها سيختفي مع مرور الوقت، لكن التأسف على الأشياء التي لم نقم بها هو الذي لا يزول”. هذه أمة لديها الكثير الكثير من الإمكانيات والثروات والمواقع التي تجعل الدفاع عن حقوقنا وكرامتنا ممكناً، متى توفرت الإرادة. لنفعل ما قاله توماس أديسون: “لو أننا قمنا بكل ما نستطيع القيام به لفاجأنا أنفسنا”. وعند ذاك سندرك صحة ما قاله ت.هـ. هكسلي: “أعظم نهاية للحياة ليست المعرفة، وإنما الفعل”. نأبى أن نكون أمة الجلوس على جوانب الطرقات ونمارس الثرثرة. هذا ما يحتاج أن يعيه قادة هذه الأمة، وما نعلم يقيناً بأنه بدأ ينغرس في كيان كل شابات وشباب العرب وهم يتحسّسون رؤى المستقبل.
كاتب بحريني