منوعات

الوشم في أفريقيا: هوية ثقافية ومعتقدات وتعاويذ للوقاية من العين والسحر

الوشم في أفريقيا: هوية ثقافية ومعتقدات وتعاويذ للوقاية من العين والسحر

عبد الله مولود

نواكشوط ـ رغم أن الوشم كان يومًا ما جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية في أفريقيا، إلا أن هذه العادة بدأت تتراجع في العصر الحديث تحت تأثير العولمة والتغيرات الاجتماعية.
ومع ذلك، لا يزال الوشم التقليدي حاضرًا في بعض المجتمعات، حيث يُنظر إليه كرمز للتراث والهوية، ويظل شاهدًا على تاريخ طويل من الطقوس والمعتقدات التي شكلت ثقافات الشعوب الأفريقية.
ويُمثل الوشم التقليدي في أفريقيا أكثر من مجرد زخرفة جسدية؛ فهو لغة بصرية تحمل معان عميقة تعكس هوية وثقافة الشعوب الأفريقية.
ويُعتبر الوشم من أقدم الظواهر في تاريخ البشرية، إذ وُجد على بعض الموميات المصرية واستخدمه المصريون القدماء كوسيلة للعلاج ودرء الحسد. في بعض الثقافات، كان يُنظر إليه كقربان لفداء النفس أمام الآلهة، بينما اعتبرته مجتمعات أخرى تعويذة تحمي من الأرواح الشريرة وأضرار السحر.
وقد عُثِر على جثث تعود إلى العصر الحجري الحديث تُثبت أن ممارسة الوشم تعود لآلاف السنين.
والوشم محرم في الشرع الإسلامي، فهو من الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة.
ولعب الوشم دورًا أساسيًا في تحديد الانتماء القبلي، إذ استخدم كوسيلة لتمييز المجموعات البشرية عن بعضها البعض. وكان يُستخدم لترسيخ الهوية الثقافية للأفراد داخل مجتمعاتهم. ويتضمن الوشم استخدام أدوات حادة ومواد كيميائية ملونة تُحقن في طبقات الجلد العميقة، مما يجعله دائمًا.
ووفقًا لبحث بعنوان «مسألة الرق في أفريقيا»، صادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فإن الوشم كان في بداياته ذا طابع قبلي، إذ كانت بعض القبائل تتخذ من الحيوانات رموزًا للحماية والقوة، وتجعل من صورها وشمًا يزين أجساد رجالها، في إشارة إلى الاحترام والخوف منها. كما كان يُعتقد أن الوشم يساعد في الحماية من السحر، إذ تخيلت بعض الشعوب الأفريقية أن الساحر العدو يمكنه إيذاء شخص ما عبر محاكاة جسده في دمية وإجراء طقوس سحرية عليها.
ولهذا السبب، لجأ الكثيرون إلى حمل التمائم والأحجبة إضافةً إلى الوشم، كوسيلة للحماية.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الوشم لم يكن مجرد زينة أو وسيلة للحماية، بل كان يُستخدم أيضًا كوسيلة علاجية، خاصة بين القبائل الأفريقية؛ فقد اعتُقد أن الخدوش والعلامات التي تُحدثها عملية الوشم تساعد في علاج أمراض العيون والصداع وأوجاع الرأس، وتُسهم في استخراج الأورام والسموم من الجسم.
وكان يُنظر إليه كعلاج يُقدمه زعماء القبائل وكبار السن، لإيمانهم بأنه يُقوي الأعصاب الداخلية.
وكانت عمليات الوشم والخدش تُجرى بدون استخدام أي مواد مخدرة، ما يجعلها تجربة مؤلمة للغاية، إلا أن هذا الألم كان يُنظر إليه على أنه اختبار للقوة والرجولة.
ففي بعض مناطق جنوب أفريقيا، كانت الفتاة تفرض على الرجل الذي يريد الزواج منها اختبارًا قاسيًا؛ إذ تصطحبه إلى الغابة وتقوم بكي ظهره بالنار، فإذا تأوه من الألم، رفضته وفضحته أمام بقية الفتيات، أما إذا تحمل الألم بصمت، فذلك يعني أنه شجاع وقوي بما يكفي ليكون زوجًا مناسبًا. كانت آثار الكيّ على ظهر الرجل تُعتبر علامة على رجولته وفحولته.
لم يكن الوشم مجرد زينة جسدية، بل كان وسيلة للتواصل الرمزي بين الرجال والنساء، وبين المحاربين داخل القبيلة؛ فعندما يخدش المحارب جسده، فإنه يُرسل رسالة واضحة للآخرين بأنه قوي وشجاع وصلب؛ كما كان للوشم والخدش قيمة سحرية واجتماعية تفوق قيمتهما الجمالية، إذ كانا يمثلان ارتباط الإنسان بالطبيعة والمقدسات، والخوف من المجهول والرغبة في الحماية.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب